الحسد


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فإنَّ الحَسَدَ مِن أمراض القلوب الخطيرة، وهو سبب لضياع الدِّين والدنيا معًا، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

معنى الحَسد:

     الحَسَدُ: هُوَ تـَمَنِّي الإنْسَان زَوَالِ نِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَن النَّاسِ. (النهاية ـ لابن الأثير ـ جـ1 ـ صـ383)

الفرق بين الحسد والغبطة:

      الغَبْطَةُ: هِيَ تـَمَنِّي الإنْسَان أَنْ يَكُونَ لَهُ مثْل نِعْمَة أَخِيهِ، وَلَا يَتَمَنَّى زَوَالها عَنْهُ. (النهاية ـ لابن الأثير ـ جـ1 ـ صـ383)

* روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ، ، قَالَ: لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ.(مسلم ـ حديث 815)

* قَوْلُهُ: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ)

قَالَ الإمامُ النووي (رَحِمَهُ اللهُ): قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحَسَدُ قِسْمَانِ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ، فَالْحَقِيقِيُّ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَعَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ، وَأَمَّا الْمَجَازِيُّ فَهُوَ الْغِبْطَةُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ النِّعْمَةِ الَّتِي عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَةً، وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ لَا غِبْطَةَ مَحْبُوبَةٌ إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا. (صحيح مسلم بشرح النووي ـ جـ6 ـ صـ 97)

 * قَوْلُهُ: (آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أَيْ: سَاعَاتُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

 

الفرق بين الحسد والمنافسة:

الْمُنَافَسَةِ: هِيَ الرّغْبةُ فِي الشَّيْءِ والانْفِرادُ بِهِ، وَهُوَ مِنَ الشَّيءِ النَّفِيسِ الجَيّد فِي نَوْعِه. (النهاية ـ لابن الأثير ـ جـ5 ـ صـ95)

قَالَ الإمَامُ أبو الحسن الماوردي (رَحِمَهُ اللهُ):حَقِيقَةُ الْحَسَدِ شِدَّةُ الْأَسَى عَلَى الْخَيْرَاتِ تَكُونُ لِلنَّاسِ الْأَفَاضِلِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُنَافَسَةِ، وَرُبَّمَا غَلِطَ قَوْمٌ فَظَنُّوا أَنَّ الْمُنَافَسَةَ فِي الْخَيْرِ هِيَ الْحَسَدُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ظَنُّوا؛ لِأَنَّ الْمُنَافَسَةَ طَلَبُ التَّشَبُّهِ بِالْأَفَاضِلِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ ضَرَرٍ عَلَيْهِمْ.وَالْحَسَدُ مَصْرُوفٌ إلَى الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَعْدَمَ الْأَفَاضِلُ فَضْلَهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْفَضْلُ لَهُ، فَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنَافَسَةِ وَالْحَسَدِ. فَالْمُنَافَسَةُ إذًا فَضِيلَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَاعِيَةٌ إلَى اكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَخْيَارِ الْأَفَاضِلِ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

نَافِسْ عَلَى الْخَيْرَاتِ أَهْلَ الْعُلَا * فَإِنَّمَا الدُّنْيَا أَحَادِيثُ

كُلُّ امْرِئٍ فِي شَأْنِهِ كَادِحٌ * فَوَارِثٌ مِنْهُمْ وَمَوْرُوثُ  (أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ 270)

مِنَ المعلوم أن المنافسة في عمل الخيرات وطلب الآخرة أمْرٌ حثنا عليه اللهُ تَعَالَى في كتابه والنبي في سُنته المباركة.

قال تَعَالَى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد:21)

وقال سُبحانه (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)  (المطففين: 26)

 

عمر ينافس أبا بكر الصديق:

روى أبو داودَ عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ:لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. (حديث حسن) (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث 1472)

* قَوْلُهُ: (أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ): كناية عن كونه تصدق بكل ماله ولم يدخر لأهله منه شيئًا ابتغاء مرضاة الله تعالى ورسوله،

قَالَ الشيخ: محمود السبكي (رَحِمَهُ اللهُ): لم يُنْكِرْ النبيُّ، على الصِّدِّيق التصدق بكل ماله لعلمه بقوة يقينه وجميل صبره وحُسْنِ توكله، فلم يخف عليه الفتنة ولا تكفف الناس كما خافها على غيره ممن ردّ عليهم الذهب والثياب.

(المنهل العذب شرح سنن أبي داود ـ محمود السبكي ـ جـ9 ـ صـ 329)

قَالَ الإمام: علي الهروي (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: (قُلْتُ:لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا) أَيْ: فِي بَاطِنِي وَاعْتَقَدْتُ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْفَضَائِلِ أَبَدًا.: لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُغَالَبَتِهِ حِينَ كَثْرَةِ مَالِهِ وَقِلَّةِ مَالِ أَبِي بَكْرٍ، فَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْبِقَهُ.

(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ9 ـ صـ 3888)

 

الرد على من ينكر الحسد:

قال الإمامُ ابن القيم (رَحِمَهُ اللَّهُ): لَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ فِي الْأَجْسَامِ وَالْأَرْوَاحِ قُوًى وَطَبَائِعَ مُخْتَلِفَةً، وَجَعَلَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا خَوَاصَّ وَكَيْفِيَّاتٍ مُؤَثِّرَةً، وَلَا يُمْكِنُ لِعَاقِلٍ إِنْكَارُ تَأْثِيرِ الْأَرْوَاحِ فِي الْأَجْسَامِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ مَحْسُوسٌ، وَأَنْتَ تَرَى الْوَجْهَ كَيْفَ يَحْمَرُّ حُمْرَةً شَدِيدَةً، إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ مِنْ يَسْتَحِي مِنْهُ، وَيَصْفَرُّ صُفْرَةً شَدِيدَةً عِنْدَ نَظَرِ مَنْ يَخَافُهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ مَنْ يَسْقَمُ مِنَ النَّظَرِ وَتَضْعُفُ قُوَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِوَاسِطَةِ تَأْثِيرِ الْأَرْوَاحِ، وَلِشِدَّةِ ارْتِبَاطِهَا بِالْعَيْنِ يُنْسَبُ الْفِعْلُ إِلَيْهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ الْفَاعِلَةَ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِلرُّوحِ، وَالْأَرْوَاحُ مُخْتَلِفَةٌ فِي طَبَائِعِهَا وَقُوَاهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا وَخَوَاصِّهَا، فَرُوحُ الْحَاسِدِ مُؤْذِيَةٌ لِلْمَحْسُودِ أَذًى بَيِّنًا.وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ شَرِّهِ، وَتَأْثِيرُ الْحَاسِدِ فِي أَذَى الْمَحْسُودِ أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَهُوَ أَصْلُ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ، فَإِنَّ النَّفْسَ الْخَبِيثَةَ الْحَاسِدَةَ تَتَكَيَّفُ بِكَيْفِيَّةٍ خَبِيثَةٍ، وَتُقَابِلُ الْمَحْسُودَ فَتُؤَثِّرُ فِيهِ بِتِلْكَ الْخَاصِّيَّةِ، وَأَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِهَذَا الْأَفْعَى، فَإِنَّ السُّمَّ كَامِنٌ فِيهَا بِالْقُوَّةِ، فَإِذَا قَابَلَتْ عَدُوَّهَا انْبَعَثَتْ مِنْهَا قُوَّةٌ غَضَبِيَّةٌ، وَتَكَيَّفَتْ بِكَيْفِيَّةٍ خَبِيثَةٍ مُؤْذِيَةٍ.فَمِنْهَا: مَا تَشْتَدُّ كَيْفِيَّتُهَا وَتَقْوَى حَتَّى تُؤَثِّرَ فِي إِسْقَاطِ الْجَنِينِ.وَمِنْهَا: مَا تُؤَثِّرُ فِي طَمْسِ الْبَصَرِ.

(زاد المعاد ـ لابن القيم ـ جـ 4 ـ صـ 166)

روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ. (البخاري ـ حديث 3297 / مسلم ـ 2233)

* قَوْلُهُ: (اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ) أَيْ: كُلَّهَا عُمُومًا.

* قَوْلُهُ: (وَاقْتُلُوا) أَيْ: خُصُوصًا. (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ7 ـ صـ 2668)

* قَوْلُهُ: (ذَا الطُّفْيَتَيْنِ): نَوْعٌ مِنَ الْحَيَّاتِ عَلَى ظَهْرِهِ خَطَّانِ أَبْيَضَانِ، وَقيلَ: خَطَّانِ أَسْوَدَانِ.

* قَوْلُهُ: (الْأَبْتَرَ): نَوْعٌ مِنَ الْحَيَّاتِ يَكُونُ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ، أو قصير الذَّنَبِ، لَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ حَامِلٌ إِلَّا أَلْقَتْ مَا في بَطنِهَا.

 (صحيح مسلم بشرح النووي ـ جـ14 ـ صـ230) (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ 6 ـ صـ 348)                   

* قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ) أَيْ يُعْمِيَانِ الْبَصَرَ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا لِخَاصِّيَّةِ السَّمِّيَّةِ فِي بَصَرِهِمَا.

* قَوْلُهُ: (وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ): أَيْ:يُسْقِطَانِ الْجَنِينَ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا بِالْخَاصَّةِ السَّمِّيَّةِ، أَوْ مِنَ الْخَوْفِ النَّاشِئِ مِنْهُمَا لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ.

 (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ7 ـ صـ 2668)

 

التحذير من الحسد وصية رب العالمين:

(1) قال اللهُ تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)    (البقرة:109)

قال الإمامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللَّهُ): يُحَذِّرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ سُلُوكِ طريق الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيُعْلِمُهُمْ بِعَدَاوَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَمَا هُمْ مُشْتَمِلُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَسَدِ لِلْمُؤْمِنِينَ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِفَضْلِهِمْ وَفَضْلِ نَبِيِّهِمْ، وَيَأْمُرُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّفْحِ وَالْعَفْوِ وَالِاحْتِمَالِ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ مِنَ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهِ.

(تفسير ابن كثير ـ جـ 2 ـ صـ 18)

روى ابنُ مَاجَه عَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا): عَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ: مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ

 (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه ـ للألباني ـ حديث: 697)

* قَوْلُهُ: (عَلَى السَّلَامِ) أيْ: عَلَى تحية إلقاء السلام فيما بينكم عند اللقاء.

* قَوْلُهُ: (وَالتَّأْمِينِ) أيْ: قولكم: آمين في الصلاة، ومعناها:اللهم استجب الدعاء.

* قَالَ الإمامُ محمد السِّنْدِي (رَحِمَهُ اللَّهُ): قَوْلُهُ (عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ) لِمَا عَلِمُوا مِنْ فَضْلِهِمَا وَبَرَكَتِهِمَا، أَيْ فَاللَّائِقُ بِكُمُ الْإِكْثَارُ فِيهِمَا.

(شرح السندي على سنن ابن ماجه ـ جـ1 ـ صـ 281)

 

(2) قال تَعَالَى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) (النساء:54)

قال الإمامُ القرطبي (رَحِمَهُ اللَّهُ): قوله تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ) يَعْنِي الْيَهُودَ. وقوله تعالى: (النَّاسَ) يَعْنِي النَّبِيَّ خَاصَّةً.

قال ابنُ عباس ومجاهد وغيرهما: حَسَدُوهُ عَلَى النُّبُوَّةِ وَأَصْحَابَهُ عَلَى الإيمان به.    (تفسير القرطبي ـ جـ5 ـ صـ252)

(3) قَالَ سُبْحَانَهُ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (سورة الفلق)

* قَوْلُهُ: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)

أيْ: إذَا أظهَرَ الحاسدُ ما في نَفْسِهِ مِنَ الحسدِ وعَمِلَ بمقتضاهُ بترتيبِ مقدماتِ الشرِّ ومبادئ الأضرارِ بالمحسودِ قَوْلًا أو فِعْلًا.                                         

(تفسير أبي السعود ـ جـ15 ـ صـ 545)

 

نبينا يحذرنا من الحسد:

حذرنا نبينا محمد مِنَ الحسد لما يترتب عليه مِنْ مفاسد في الدين والدنيا، وذلك مِن خلال أحاديثه الشريفة المباركة, والتي سَوْفَ نذكرُ بعضًا منها:

(1) روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ.  (البخاري ـ حديث 6076)

* قَوْلُهُ: (وَلَا تَدَابَرُوا)

قَالَ الإمَامُ الْخَطَّابِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ): لَا تَتَهَاجَرُوا فَيَهْجُرُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، مَأْخُوذٌ مِنْ تَوْلِيَةِ الرَّجُلِ الْآخَرِ دُبُرَهُ إِذَا أَعْرَضَ عَنْهُ حِينَ يَرَاهُ.                                      

(فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ482)

قَالَ الإمَامُ الْقُرْطُبِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) قَوْلُهُ : (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) أيْ: كُونُوا كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالنَّصِيحَةِ.  (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ483)

قَالَ الإمَامُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ): تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ تَحْرِيمَ بُغْضِ الْمُسْلِمِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَقَطِيعَتِهِ بَعْدَ صُحْبَتِهِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ شَرْعِيٍّ وَالْحَسَدِ لَهُ عَلَى مَا أُنْعِمَ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنْ يُعَامِلَهُ مُعَامَلَةَ الْأَخِ النَّسِيبِ وَأَنْ لَا يُنَقِّبَ عَنْ مَعَايِبِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ.

(فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ483)

(2) روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ : أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ.)  (مسلم ـ حديث: 2962)

* قَوْلُهُ: (نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ): مَعْنَاهُ نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ.

(صحيح مسلم بشرح النووي ـ جـ18 ـ صـ 96)

* قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ): أيْ: أَوْ تفعلون غَيرَ ذلكَ الذي قُلْتَهُ، مِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى عَلَى مَا تَفَضَّلَ بِهِ عليكم.

* قَوْلُهُ: (تَتَنَافَسُونَ):أيْ: تتسابقون في طَلِبِ الدنيا.

* قَوْلُهُ: (تَتَدَابَرُونَ): أيْ: يُقَاطِعُ بعضكم بعضًا.                       

* قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ) أي: يبغض بعضكم بعضًا ثم تثبت البغضاء في قلوبكم وتتراكم فيها حتى يكون عنها الخلاف والقتال والهلاك، كما وُجِدَ.

(الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم ـ جـ26 ـ صـ342)

(3) روى ابنُ مَاجَه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ. (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه ـ للألباني ـ حديث: 3397)

 (4) روى النَّسَائيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ: الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ. (حديث حسن) (صحيح سنن النسائي ـ للألباني ـ حديث 2912)

(5) روى الطبرانيُّ عَنْ ضَمُرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا. (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة للألباني ـ حديث: 3386)

 (6) روى الترمذيُّ عن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ.لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ. (حديث حسن) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2038)

* قَوْلُهُ: (دَبَّ): أَيْ: نُقِلَ وَسَرَى وَمَشِيَ بِخِفْيَةٍ.

* قَوْلُهُ: (إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ) أَيْ: فِي الْبَاطِنِ.

* قَوْلُهُ: (وَالْبَغْضَاءُ) أَيِ: الْعَدَاوَةُ فِي الظَّاهِرِ. وَسُمِّيَ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ دَاءً لِأَنَّهُمَا دَاءُ الْقَلْبِ.

* قَوْلُهُ: (الْحَالِقَةُ) أَيِ:الْقَاطِعَةُ لِلْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَالصِّلَةِ.

* قَوْلُهُ: (لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ) أَيْ: تَقْطَعُ ظَاهِرَ الْبَدَنِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ سَهْلٌ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ. وَضَرَرُهُ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 قَالَ الإمامُ الطِّيبِيُّ(رَحِمَهُ اللَّهُ):الْبَغْضَاءُ تَذْهَبُ بِالدِّينِ كَالْمُوسى تَذْهَبُ بِالشَّعْرِ.

(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ8 ـ صـ 3154)

 

يعقوب يخاف على أولاده من الحسد:

قَالَ اللهُ سُبْحانَهُ حِكَايَةً عِن يَعْقُوبَ: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (يوسف:67)

قَالَ الإمَامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): يَقُولُ تَعَالَى، إِخْبَارًا عَنْ يَعْقُوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّهُ أَمَرَ بَنِيهِ لَمَّا جَهَّزَهُمْ مَعَ أَخِيهِمْ بِنْيَامِينَ إِلَى مِصْرَ، أَلَّا يُدْخِلُوا كُلُّهُمْ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَلِيَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي: إِنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا ذَوِي جَمَالٍ وَهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَمَنْظَرٍ وَبَهَاءٍ، فَخَشِيَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَهُمُ النَّاسُ بِعُيُونِهِمْ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ. (تفسير ابن كثير ـ جـ4 ـ صـ 400)

 

الحسد بالعين حق:

معنى العين:

 الْعَيْنُ: نَظَرٌ بِاسْتِحْسَانٍ مَشُوبٍ (مخلوط) بِحَسَدٍ مِنْ خَبِيثِ الطَّبْعِ يَحْصُلُ لِلْمَنْظُورِ مِنْهُ ضَرَرٌ. (فتح الباري ـ لابن حجر ـ جـ10 ـ صـ210)

الحسدُ بالعين ثابتٌ بالقرآن الكريم والسُّنَّة النبوية المباركة، ولا ينكر حسد العين إلا جَاهِلٌ أو مُعَانِدٌ.

قال تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)  (القلم51: 52)

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمَا: (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ) لَيُنْفِذُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ، أَيْ: لَيُعِينُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ، بِمَعْنَى: يَحْسُدُونَكَ لِبُغْضِهِمْ إِيَّاكَ لَوْلَا وِقَايَةُ اللَّهِ لَكَ، وَحِمَايَتُهُ إِيَّاكَ مِنْهُمْ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ إِصَابَتُهَا وَتَأْثِيرُهَا حَقٌّ، بِأَمْرِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَثِيرَةٍ.   (تفسير ابن كثير ـ جـ14 ـ صـ102)

روى مُسلمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا.  (مسلم ـ حديث 2188)

* قَوْلُهُ: (الْعَيْنُ حَقٌّ): أَيْ إِصَابَتُهَا أَمْرٌ مُتَحَقِّقُ الْوُقُوعِ، لَهَا تَأْثِيرٌ مَقْضِيٌّ بِهِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ فِي الْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ.

* قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ): أَيْ: غَالِبَهُ فِي السَّبْقِ.

* قَوْلُهُ: (سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ): أَيْ: لَغَلَبَتْهُ الْعَيْنُ. وَالْمَعْنَى: لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَسْبِقَ الْقَدَرَ شَيْءٌ، فَيُؤَثِّرُ فِي إِفْنَاءِ شَيْءٍ وَزَوَالِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ سَبَقَتِ الْعَيْنُ الْقَدَرَ، وَحَاصِلُهُ: أَنْ لَا هَلَاكَ وَلَا ضَرَرَ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لِكَوْنِهَا سَبَبًا فِي شِدَّةِ ضَرَرِهَا، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَيِنَ يَفْسَدُ وَيَهْلَكُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ يُخْلَقَ الضَّرَرُ عِنْدَ مُقَابَلَةِ هَذَا الشَّخْصِ بِشَخْصٍ آخَرَ.                      

(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ7 ـ صـ 2870)

فائدة مهمة:

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض(رَحِمَهُ اللَّهُ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:أَنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا عُرِفَ أَحَدٌ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنْ يُجْتَنَبَ وَيُتَحَرَّزَ مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ فَضَرَرُهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ.

(صحيح مسلم بشرح النووي ـ جـ14 ـ صـ171)

روى البخاريُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ. (البخاري ـ حديث 3371)

* قَوْلُهُ: (أَبَاكُمَا):أيْ الْجَدُّ الْأَعْلَى، وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

* قَوْلُهُ: (يُعَوِّذُ بِهَا) أيْ يلجَاُ إلى الله تَعَالى ليحفَظ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ.

* قَوْلُهُ: (بِكَلِمَاتِ اللَّهِ) الْمُرَادُ بِهَا كَلَامُ الله تَعَالى عَلَى الْإِطْلَاقِ.

* قَوْلُهُ: (التَّامَّةِ) أيْ: الْكَامِلَةُ في فضْلِهَا وبَرَكَتها ونَفعِهَا.

* قَوْلُهُ: (مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ) أَيْ: جِنٍّ وَإِنْسٍ.

* قَوْلُهُ: (وَهَامَّةٍ) أي: كُلُّ دَابَّةٍ ذَاتِ سُمٍّ يَقْتُلُ، وَالْجَمْعُ هَوَامُّ.

* قَوْلُهُ: (وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) أَيْ:مِنْ كُلِّ عَيْنٍ تُصِيبُ بِسُوءٍ، وجَامِعَةٍ لِلشَّرِّ عَلَى الشَّخْصِ الْمَعْيُونِ. يُقَالُ: لَمَّهُ إِذَا جَمَعَهُ.

(فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ6 ـ صـ 410)

 

روى مُسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، ، كَانَ يَأْمُرُهَا أَنْ تَسْتَرْقِيَ مِنْ الْعَيْنِ.  ( مسلم ـ حديث 2195 )

* قَوْلُهُ: (تَسْتَرْقِيَ مِنْ الْعَيْنِ) أي: يَأْمُرهَا أن تطلب الرقية ممن يعرف الرقى مِن إصابة العين. والحديث فيه مشروعية الرقية لمن أصابه العين.

(الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم ـ محمد الأمين الهرري ـ جـ22 ـ صـ 210)

 

روى مُسلمٌ عن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ : مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمْ الْحَاجَةُ؟ قَالَتْ:لَا وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ.قَالَ: ارْقِيهِمْ. قَالَتْ: فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: ارْقِيهِمْ. (مسلم ـ حديث 2198)

* قَوْلُهُ: (أَخِي):هُوَ: جعفر بن أبي طالب، ابن عَمِّ النبي .

* قَوْلُهُ: (ضَارِعَةً): أيْ: نَحِيفَةً.

* قَوْلُهُ: (الْحَاجَةُ): أيْ: الجوع.

* قَوْلُهَا:(فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ): عَرَضْتُ على النبي الرقيةَ التي أردتُ أن أرقيهم بها.

* قَوْلُهُ: (ارْقِيهِمْ): الرُّقيةُ: دعاءٌ وتوسلٌ إلى الله تَعَالَى بآيات القرآن الكريم والأدعية النبوية الصحيحة، بشفاء المريض، وذهاب العِلة عنه.

(أحكام الرقى ـ فهد السحيمي ـ صـ30)

 

كيف تؤثر العين على المحسود ؟

سوف نذكر بعض أقوال العلماء في كيفية تأثير عين الحاسد على المحسود:

(1) قَالَ الإمامُ النووي (رَحِمَهُ اللَّهُ): زَعَمَ الطَّبِيعِيُّونَ الْمُتَتَبِّعُونَ الْعَيْنَ: أَنَّ الْعَائِنَ يَنْبَعِثُ عَنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ فَتُهْلِكُ أَوْ تُفْسِدُ. قَالُوا: وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا كَمَا لَا يَمْتَنِعُ انْبِعَاثُ قُوَّةٍ سُمِّيَّةٍ مِنَ الْأَفْعَى، وَالْعَقْرَبُ تَتَّصِلُ بِاللَّدِيغِ فَتَهْلِكُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْسُوسٍ لَنَا. (صحيح مسلم بشرح النووي ـ جـ 14 ـ صـ 171)

(2) قال الإمامُ ابن القيم (رَحِمَهُ اللَّهُ): قَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ الْعَائِنَ إِذَا تَكَيَّفَتْ نَفْسُهُ بِالْكَيْفِيَّةِ الرَّدِيئَةِ انْبَعَثَ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ، فَيَتَضَرَّرُ. قَالُوا: وَلَا يُسْتَنْكَرُ هَذَا، كَمَا لَا يُسْتَنْكَرُ انْبِعَاثُ قُوَّةٍ سُمِّيَّةٍ مِنَ الْأَفْعَى تَتَّصِلُ بِالْإِنْسَانِ، فَيَهْلَكُ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدِ اشْتُهِرَ عَنْ نَوْعٍ مِنَ الْأَفَاعِي أَنَّهَا إِذَا وَقَعَ بَصَرُهَا عَلَى الْإِنْسَانِ هَلَكَ، فَكَذَلِكَ الْعَائِنُ.

وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَنْبَعِثَ مِنْ عَيْنِ بَعْضِ النَّاسِ جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ، فَتَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ، وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ، فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ. (زاد المعاد ـ لابن القيم ـ جـ4 ـ صـ165: 166)

(3) قال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني (رَحِمَهُ اللَّهُ): قَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَقَالَ: كَيْفَ تَعْمَلُ الْعَيْنُ مِنْ بُعْدٍ حَتَّى يَحْصُلَ الضَّرَرُ لِلْمَعْيُونِ ؟وَالْجَوَابُ أَنَّ طَبَائِعَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ سُمٍّ يَصِلُ مِنْ عَيْنِ الْعَائِنِ فِي الْهَوَاءِ إِلَى بَدَنِ الْمَعْيُونِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ مَنْ كَانَ مِعْيَانًا أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ شَيْئًا يُعْجِبُنِي وَجَدْتُ حَرَارَةً تَخْرُجُ مِنْ عَيْنِي.  (فتح الباري ـ لابن حجر ـ جـ10 ـ صـ210)

 

مقارنةً بين الحاسد والعائن:

 الحاسدُ والْعَائِنُ يشتركان في الأثر، وهو أن كل منهما يقعُ منه الضرر, ويختلفان في الوسيلة، فالعَائِنُ مصدر حسده العين، والحاسد مصدر حسده القلب حيث يتمنى زوال النعمة عَن الغير. (بدائع الفوائد ـ لابن القيم ـ جـ2 ـ صـ231)

 

الوقاية من حسد العين:

 يجب على المسلم الذي يريد أن يتجنب الحسد عَن طريق العين أن يبتعد عن مواجهة الإنسان المعروف بداء حسد العين وسَتْر محاسن الشيء الذي يخاف عليه الحسد.  (زاد المعاد ـ لابن القيم ـ جـ4 ـ صـ 173)

 

علاج حسد العين:

 إذا تأكدنا أن أحد الناس حَسَدَ آخَرَ بالعين, فإننا نطلب مِنَ الحاسد بطريقة ذكية, وأسلوب لطيف, أن يتوضأ في إناء ثم نأخذ هذا الماء ونَصُبه على رأس وظَهْر المحسود مِن خَلْفِهِ, فيبرأ بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

 (التمهيد ـ لا بن عبد البر ـ جـ9 ـ صـ352) (صحيح مسلم بشرح النووي ـ جـ7 ـ صـ 427)

روى أحمدٌ عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، (وذلك عندما نَظَر َعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ إلي سَهْلٍ فحسده) قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ،  ثُمَّ قَالَ لَهُ: اغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.

 (حديث صحيح)  ( مسند أحمد ـ جـ25 ـ صـ 355 ـ حديث: 15980)

* قَوْلُهُ: (بَرَّكْتَ): أي: قَلْتَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ.

* قَوْلُهُ: (وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ): أيْ: الْأَفْخَاذِ وَالْوَرِكِ

* قَوْلُهُ: (قَدَحٍ): أيْ: وعاء.

* قَوْلُهُ: (بَأْسٌ) أَيْ: شَفَاهُ اللهُ تَعَالى.

روى أبو داودَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ يُؤْمَرُ بالْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ.

 (حديث صحيح)  (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث 3286)

 

أقوال السلف الصالح في ذم الحسد:

سوف نذكر بعضًا مِن أقوال السلف الصالح في الحسد:

(1) قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): مَا كَانَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَحَدٍ إلَّا وَجَدَ لَهَا حَاسِدًا، فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ أَقْوَمَ مِنْ الْقَدْحِ   (السَّهْمِ) لَمَا عَدِمَ غَامِزًا. (أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ271)

(2) قال مُعَاوِيَةُ بن أبي سفيان (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) كُلُّ النَّاسِ أَقْدِرُ عَلَى رِضَاهُ إلَّا حَاسِدَ نِعْمَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُرْضِيهِ إلَّا زَوَالُهَا.(الزواجر ـ لابن حجر الهيتمي ـ جـ1 ـ صـ93)

(3) قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): مَا أَكْثَرَ عَبْدٌ ذِكْرَ الْمَوْتِ إلَّا قَلَّ فَرَحُهُ وَقَلَّ حَسَدُهُ.(الزواجر ـ لابن حجر الهيتمي ـ جـ1 ـ صـ93)

(4) قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ): يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَحْسُدْ أَخَاك، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا تَحْسُدْ مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلِمَ تَحْسُدُ مَنْ مَصِيرُهُ إلَى النَّارِ.  (تنبيه الغافلين ـ للسمرقندي ـ صـ179)

 (5) قال مُحمدُ بْنُ سِيرِينَ (رَحِمَهُ اللَّهُ): الحسد من أخلاق اللئام وتركه من أفعال الكرام ولكل حريق مُطفِئ، ونار الحسد لا تُطْفَأ.(روضة العقلاء ـ محمد بن حبان ـ صـ134)

(6) قَالَ الْأَصْمَعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ): قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا أَطْوَلَ عُمُرَك، قَالَ: تَرَكْتُ الْحَسَدَ فَبَقِيتُ. (أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ 270)

(7) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: (رَحِمَهُ اللَّهُ): الْحَسَدُ دَاءُ الْجَسَدِ. (أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ 273)

 (8) قال مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ (رَحِمَهُ اللَّهُ): مِنَ الحسدِ يتولد الحقد، والحقد أصل الشر، ومَن أضمر الشر في قلبه أنبت له نباتًا مُرًَّا مذاقه، نماؤه الغيظ، وثمرته الندم.  (روضة العقلاء ـ محمد بن حبان ـ صـ134)

(9) قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: الْغِبْطَةُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْحَسَدُ مِنَ النِّفَاقِ، وَالْمُؤْمِنُ يَغْبِطُ وَلَا يَحْسِدُ، وَالْمُنَافِقُ يَحْسِدُ وَلَا يَغْبِطَ، وَالْمُؤْمِنُ يَسْتُرُ وَيَعِظُ وَيَنْصَحُ وَالْفَاجِرُ يَهْتِكُ وَيُعَيِّرُ وَيُفْشِي. (حلية الأولياء ـ أبو نعيم الأصبهاني ـ جـ8 ـ صـ 95)

(10) قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ): لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الشَّرِّ أَضَرُّ مِنَ الْحَسَدِ، لِأَنَّهُ يَصِلُ إِلَى الْحَاسِدِ خَمْسَ عُقُوبَاتٍ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَحْسُودِ مَكْرُوهٌ.أَوَّلُهَا: غَمٌّ لَا يَنْقَطِعُ.وَالثَّانِي: مُصِيبَةٌ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهَا.وَالثَّالِثُ: مَذَمَّةٌ لَا يُحْمَدُ بِهَا.وَالرَّابِعُ: يَسْخَطُ عَلَيْهِ الرَّبُّ. وَالْخَامِسُ: تُغْلَقُ عَلَيْهِ أَبْوَابُ التَّوْفِيقِ.   (تنبيه الغافلين ـ للسمرقندي ـ صـ 265)

(11) قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَكْفِيك مِنْ الْحَاسِدِ أَنَّهُ يَغْتَمُّ فِي وَقْتِ سُرُورِك. (أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ 270)

(12) قَالَ بَعْضُ الحكماء: الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ مِنَ الْمَجَالِسِ إِلَّا مَذَمَّةً وَذُلًّا، وَلَا يَنَالُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا لَعْنَةً وَبُغْضًا، وَلَا يَنَالُ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا جَزَعًا وَغَمًّا، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْمَوْقِفِ (يوم القيامة) إِلَّا فَضِيحَةً وَنَكَالًا.   (إحياء علوم الذين للغزالي ـ جـ3 ـ صـ189)

(13) قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْحَسَدُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي السَّمَاءِ، يَعْنِي حَسَدَ إبْلِيسَ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي حَسَدَ ابْنِ آدَمَ لِأَخِيهِ حَتَّى قَتَلَهُ.  (أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ 269)

 

ذم الحسد عند الشعراء:

(1) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ):

اصْبِرْ عَلَى كَيْدِ الْحَسْوِدِ * فَإِنَّ صَبْرَكَ قَاتِلُهُ.

فَالنَّارُ تَأْكُلُ بَعْضَهَا * إنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهُ.  

(أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ270)

(2) قَالَ الشَّاعِرُ:

إنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لَائِمِهِمْ * قَبْلِي مِنْ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا

فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمْ * وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ

 (أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ271)

 (3) قَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ(رَحِمَهُ اللَّهُ):

أَعْطَيْتُ كُلَّ النَّاسِ مِنْ نَفْسِي الرِّضَى * إلَّا الْحَسُودَ فَإِنَّهُ أَعْيَانِي

مَا إنَّ لِي ذَنْبًا إلَيْهِ عَلِمْتُهُ * إلَّا تَظَاهَرَ نِعْمَةَ الرَّحْمَنِ

وَأَبَى فَمَا يُرْضِيهِ إلَّا ذِلَّتِي * وَذَهَابُ أَمْوَالِي وَقَطْعُ لِسَانِي

 (أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ274)

 (4) قَالَ الشَّاعِرُ:

أيا حَاسِدًا لي علَى نِعمَتِي * أتَدْري علَى مَنْ أسَأتَ الأدَبْ

أسَأتَ علَى اللهِ في حُكمِهِ * لأنّكَ لمْ تَرْضَ لي مَا وَهَبْ

فأخزاك ربّي بأن زادني * وسدَّ عليكَ وجوه الطلب

 (موسوعة الأخلاق ـ ياسر عبد الرحمن ـ جـ2 ـ صـ 125)

(5) قَالَ الشَّاعِرُ:

كُلُّ العَدَاوَاتِ قَدْ تُرْجَى مَوَدَّتُهَا * إلا عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ مِنْ حَسَدِ.  (إحياء علوم الذين للغزالي ـ جـ3 ـ صـ189)

(6) قَالَ الشاعر:

دَعْ الْحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَمَدِهِ * كَفَاك مِنْهُ لَهَيْبُ النَّارِ فِي جَسَدِهْ

إنْ لُمْت ذَا حَسَدٍ نَفَّسْت كُرْبَتَهُ * وَإِنْ سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْته بِيَدِهْ

  (غذاء الألباب محمد بن أحمد السفاريني ـ جـ2 ـ صـ 285)

 (7) قَالَ الشاعر:

إِنِّي لَأَرْحَمُ حَاسِدِيَّ لِحَرِّ مَا * ضَمَّتْ صُدُورُهُمُ مِنَ الْأَوْغَارِ

نَظَرُوا صَنِيعَ اللَّهِ بِي فَعُيُونُهُمْ * فِي جَنَّةٍ وَقُلُوبُهُمْ فِي نَارِ 

  (البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ15 ـ صـ 609)

(8) قَالَ الشاعر:

وَكُلٌّ أُدَاوِيه عَلَى قَدْرِ دَائِهِ * سِوَى حَاسِدِي فَهِيَ الَّتِي لَا أَنَالُهَا

وَكَيْفَ يُدَاوِي الْمَرْءُ حَاسِدَ نِعْمَةٍ * إذَا كَانَ لَا يُرْضِيه إلَّا زَوَالُهَا   (غذاء الألباب محمد بن أحمد السفاريني ـ جـ2 ـ صـ 285)

 

علامات الحاسد:

قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ (رَحِمَهُ اللهُ): لِلْحَاسِدِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ: يَتَمَلَّقُ إِذَا شَهِدَ، وَيَغْتَابُ إِذَا غَابَ، وَيَشْمَتُ بِالْمُصِيبَةِ.  (حلية الأولياء ـ لأبي نعيم الأصبهاني ـ جـ10 ـ صـ 47)

* (التَّمَلُّقُ): هو شدة التلطف في الكلام.

قال الجاحظ(رَحِمَهُ اللَّهُ): ما لقيتَ حاسدًا قط إلا تبين لك مكنونه بتغير لونه، وتخوص عينه، وإخفاء سَلامِهِ، والإقبال على غيرك، والإعراض عنك، والاستثقال لحديثك، والخلاف لرأيك.  (الرسائل ـ للجاحظ ـ جـ3 ـ صـ8)

 

فضل اجتناب الحسد:

قال الإمامُ أبو الحسن الماوردي (رَحِمَهُ اللهُ): الْحَسَدُ خُلُقٌ ذَمِيمٌ مَعَ إضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ وَفَسَادِهِ لِلدَّيْنِ، حَتَّى لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ) (الفلق: 5) وَنَاهِيكَ بِحَالِ ذَلِكَ شَرًّا. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَمِّ الْحَسَدِ إلَّا أَنَّهُ خُلُقٌ دَنِيءٌ يَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْأَكْفَاءِ وَالْأَقَارِبِ وَيَخْتَصُّ بِالْمُخَالِطِ وَالْمُصَاحِبِ، لَكَانَتْ النَّزَاهَةُ عَنْهُ كَرَمًا، وَالسَّلَامَةُ مِنْهُ مَغْنَمًا. فَكَيْفَ وَهُوَ بِالنَّفْسِ مُضِرٌّ، وَعَلَى الْهَمِّ مُصِرٌّ، حَتَّى رُبَّمَا أَفْضَى بِصَاحِبِهِ إلَى التَّلَفِ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فِي عَدُوٍّ وَلَا إضْرَارٍ بِمَحْسُودِ.

(أدب الدنيا والدين ـ للماوردي ـ صـ 269)

 

أسباب الحسد

للحسد أسبابٌ كثيرة نستطيع أن نُوجزها في الأمور التالية:

(1) العداوة والبغضاء:

مِنْ أَشَدِّ أَسْبَابِ الْحَسَدِ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء, فَإِنَّ مَنْ آذَاهُ شَخْصٌ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ وَخَالَفَهُ فِي أمْرٍ مَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، أَبْغَضَهُ قَلْبُهُ، وَغَضِبَ عَلَيْهِ، وَرَسَخَ فِي نَفْسِهِ الْحِقْدُ، وَالْحِقْدُ يَقْتَضِي مِنْهُ التَّشَفِّيَ وَالِانْتِقَامَ، وربما يوقعه هذا الحقد في الغيبة والنميمة والتجسس والإيذاء باليد وغير ذلك، فإن عجز عن الانتقام وازداد لهيب الحقد في قلبه، تمنى زوال النعمة عن عدوه، حتى يُنقص قَدْره, وتقل مكانته بين الناس, فيفرح بزوال النعمة عَن عدوه.

(2) التعزز والترفع:

وَهُوَ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فإذا أصابَ أحد زملائه أو أقرانه مالًا أو مَنْصِبًا أو عِلْمًا، خَافَ أن يتكبر عليه، وهولا يطيق تكبره, ولا تسمح نفسه باحتمال افتخاره عليه, فيلجأ إلى حسد الآخرين.

(3) التكــبر على الناس:

بعضُ الناس يكون في طبعه التكبر على خَلْقِ الله تَعَالَى، فمنهم مَن يحب أن يستذل مَن هو دونه ويحتقره ويتكبر عليه حتى ينقاد له، فإذا رأى هذا الإنسان الضعيف هذا التكبر، ووجدَ عند هذا الشخص المتكبر نعمة حسده وتَمنى زوال هذه النعمة عنه.

وهذا الكِبْر هو الذي منع كثير من صناديد قريش أن يؤمنوا برسالة النبي . قال اللهُ تَعَالَى حكاية عَن كفار قريش: (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31) هكذا منعهم الكِبْرُ من الإيمان برسالة النبي .

(4) التعجب:

 بعض الناس يرى غيره في نعمة فيندهش ويتعجب كيف حصل عليها هذا الشخص, وهو مثله أو ما كان هو أحق بها منه ؟ فعند ذلك يقع في الحسد لتزول هذه النعمة عَن الغير.

قال تعالى: (مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا) (يّـس: 15) وقال سبحانه: (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا) (الإسراء: 94)

وقال تعالى: (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) (المؤمنون:47)

في هذه الآية المباركة تعجب المشركون أن يفوز برتبة الرسالة بشرٌ مثلهم فحسدوهم وتمنوا زوال النبوة عنهم.

(5) الخوف من فوت المقاصد:

هذا مِن أكثر أسباب الحسد وقوعًا وأوسعها انتشارًا. وهذا يقع بين أصحاب المهنة الواحدة. فالطبيب يزاحم طبيبًا غيره حتى يحصل على شُهرة أكبر مِن صاحبه ، وهكذا بين العلماء والفلاحين والمدرسين والمهندسين وغيرهم، وكذلك الإخوة يتحاسدون من أجل نيل المنزلة العالية في قلوب الأبوين، وكذلك يتحاسد التلاميذ عند أستاذ واحد، والخدم عند سيدهم.

(6) حب الرياسة:

حُبُّ الرِّيَاسَةِ وَطَلَبُ الْجَاهِ، مِن أسباب الحسد. فالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن مِنَ الفنون إذا غلب عليه حُب الثناء والمدح، فإنه لو سمع بنظير له في مكان بعيد لساءه ذلك وحسده وتمنى موته أو زوال النعمة عنه.

ولقد امتنع كثيرٌ من اليهود عَن الإيمان بالنبي خشية أن يفقدوا رياستهم، وكذلك هرقل ملك الروم، الذي أيقن نبوة الرسول ولكنه لم يُؤْمِن به خشية أن يفقد رياسته على الروم.

(7) خبث النفس:

خُبْثُ النَّفْسِ وحُبها للشر مِن أسباب انتشار الحسد، فترى مَن يتصف بحب الشر والشح بالخير على الناس إذا سمع بمصائب تصيب الناس وتضيع مصالحهم، استنار وجهه بهذه الأخبار السيئة، ويبخل بنعمة الله على خَلْقِ الله.

(إحياء علوم الدين ـ للغزالي ـ جـ3 ـ صـ299, 302)

درجات الحسد:

   الحسد بمعنى تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا، حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ عُلماء المسلمين.  (مسلم بشرح النووي ـ جـ6 ـ صـ 97)

  ذَكَرَ العُلماءُ درجات للحسد, سوف نذكرها بإيجاز:

الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عَن الغير, وأن تنتقل إليه،  ولذا يسعى بكافة السُبُل المحرَّمة إلى الإساءة إليه ليحصل على مقصوده كأن يحصل على داره، أو يجعله يطلق امرأته ليتزوجها، أو يكون صاحب مَنْصِب، فيحب أن يحصل عليه بدلًا مِن ذلك الغير. وهذه الدرجة هي الغالبة بين ا لحُسَّاد .

الثانية: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن الغير، وإن كانت هذه النعمة لا تنتقل إليه، وهذه الدرجة في غاية الخُبث ولكنها دون الدرجة الأولى .

الثالثة: أن لا يحب الإنسان نفس هذه النعمة لنفسه، ولكنه يشتهي أن يكون لديه مثلها، فإن عجز على الحصول على مثلها، أحب زوال هذه النعمة عن الغير كي لا يظهر التفاوت بينهما. (إحياء علوم الدين للغزالي ـ جـ3 ـ صـ298)

المؤمن لا يحسد الناس:

 مِن صفات عباد الرحمن أنهم لا يحسدون أحدًا على نِعمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ تعالى بها عليه.

قال اللهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9)

* قالَ الإمامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللَّهُ): قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا) وَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَسَدًا لِلْمُهَاجِرِينَ فِيمَا فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ وَالشَّرَفِ، وَالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ وَالرُّتْبَةِ.

قَالَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ): (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً) يَعْنِي: الْحَسَدَ.  (تفسير ابن كثير ـ جـ13 ـ صـ489)

* روى أحمدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ. قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّه: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.  (حديث صحيح)   (مسند أحمد ـ جـ20 ـ صـ124ـ حديث: 12697)

* قَوْلُهُ: (تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ): أي: ينزل منها الماء

* قَوْلُهُ: (لَاحَيْتُ أَبِي): أيْ: خَاصَمْتُ أَبِي.

* قَوْلُهُ: (تَعَارَّ): أيْ: اسْتَيْقَظَ

 

صور من الحسد:

سَوْفَ نَذْكُرُ صُوَرًا مِنَ الحسد:

(1) حسد إبليس لآدم :

 قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34)

قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ (رَحِمَهُ اللَّهُ): حَسَدَ عَدُوُّ اللَّهِ إبليسُ آدمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَقَالَ: أَنَا ناريٌّ وَهَذَا طينيٌّ.  (تفسير ابن كثير ـ جـ 1 ـ صـ: 139)

 

 (2) قَالَ جَلَّ شأنهُ: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا) (الإسراء:63:61)

 

(2) حسد قابيل لأخيه هابيل:

قال سُبْحَانَهُ: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (المائدة:31:27)

قال الإمامُ ابنُ كثير(رَحِمَهُ اللَّهُ): يَقُولُ تَعَالَى مُبَيِّنًا وَخِيمَ عَاقِبَةِ الْبَغْيِ وَالْحَسَدِ وَالظُّلْمِ فِي خَبَرِ ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَهُمَا هَابِيلُ وَقَابِيلُ

كَيْفَ عَدَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَقَتَلَهُ بَغْيًا عَلَيْهِ وَحَسَدًا لَهُ، فِيمَا وَهَبَهُ اللَّهُ مِنَ النِّعْمَةِ وتَقَبّل الْقُرْبَانِ الَّذِي أَخْلَصَ فِيهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،

فَفَازَ الْمَقْتُولُ بِوَضْعِ الْآثَامِ وَالدُّخُولِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَخَابَ الْقَاتِلُ وَرَجَعَ بِالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.؟       

(تفسير ابن كثير ـ جـ5 ـ صـ160)

 

(3) حسد إخوة يوسف له:

قَالَ سُبْحَانَهُ: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)  (يوسف9:7)

قال الإمامُ أبو الحسن الماوردي (رَحِمَهُ اللَّهُ): قَوْلُهُ:عَزَّ وَجَلَّ: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) وَأَخُوهُ بنيامين وهما أخوان لأب وأم، وكان يعقوب قد كُلِّفَ بهما لموت أمهما وزاد في المراعاة لهما، فذلك سبب حسدهم لهما، وكان شديد الحب ليوسف، فكان الحسد له أكثر، ثم رأى الرؤيا فصار الحسد له أشد.      (تفسير الماوردي ـ جـ3 ـ صـ 9)

 

(4) حسد كفار قريش لنبينا :

لقد حَسَدَ كفارُ قريش نبينا محمدًا على نعمة النبوة التي اختصه بها اللهُ تَعَالَى.

قالَ اللهُ تَعَالَى حكاية عَن كفار قريش: (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف: 31:32)

* قَوْلُهُ: (وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)

قَالَ الإمَامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): يَعْنُونَ: لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ عَظِيمٍ كَبِيرٍ مُبَجَّلٍ فِي أَعْيُنِهِمْ (مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) أَيْ: مَكَّةَ وَالطَّائِفِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ - قَبَّحَهُمُ اللَّهُ -كَانُوا يَزْدَرُونَ بِالرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بَغْيًا وَحَسَدًا، وَعِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ) (الْأَنْبِيَاءِ: 36)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا) (الْفُرْقَانِ: 41)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الْأَنْعَامِ: 10). هَذَا وَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ. وَطَهَارَةِ بَيْتِهِ وَمَرْبَاهُ وَمَنْشَئِهِ، حَتَّى أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ: (الْأَمِينَ) (تفسير ابن كثير ـ جـ3 ـ صـ 332)

 

(5) حسد الأعداء لعلماء المسلمين:

قال الإمام عامر الشعبي (رَحِمَهُ اللهُ): أرسلني الخليفة عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت إليه جعل لا يسألني عن شيء إلا أجبته، وكانت الرسل لا تطيل الإقامة عنده، فحبسني أيامًا كثيرة حتى استحببت خروجي، فلما أردت الانصراف قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟قلت: لا، ولكني رجل من العرب، فهمس بشيء، فدُفعت إليّ رقعة، وقيل لي: إذا أديت الرسائل عند وصولك إلى صاحبك أوصل إليه هذه الرقعة.قال: فأديت الرسائل عند وصولي إلى عبد الملك، ونسيت الرقعة، فلما صرت في بعض الدار، إذ بدأت بالخروج تذكرتها فرجعت فأوصلتها إليه، فلما قرأها قال لي: أقال لك شيئًا قبل أن يدفعها إليك؟قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ قلت: لا، ولكني رجل من العرب في الجملة، ثم خرجت من عنده، فلما بلغت الباب رددت، فلما مثلت بين يديه قال لي: أتدري ما في الرقعة ؟قلت: لا.قال: اقرأها، فقرأتها فإذا فيها: عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملكوا غيره؟ فقلت له: والله لو علمت ما فيها ما حملتها، وإنما قال ذلك لأنه لم يَرَك.قال: أفتدري لِمَ كَتبَهَا ؟ قلت: لا، قال: حسدني عليك، وأراد أن يغريني بقتلك.قال: فبلغ ذلك ملك الروم، فَقَالَ مَا أردْت إِلَّا مَا قَالَ. (مروج الذهب ـ أبو الحسن المسعودي ـ جـ3 ـ صـ 117)

 

(6) الحسد يقتل صاحبه:

 قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ: (رَحِمَهُ اللهُ): كَانَ رَجُلٌ يَغْشَى بَعْضَ المُلُوك، فَكَانَ يَقُومُ بحِذَاء المَلِكِ فَيَقُول: أَحْسِنْ إِلى المحْسِنِ بِإِحْسَانِه؛ فَإِنَّ الْمُسِيءَ سَتَكْفِيهِ إسَاءَتُهُ، فَحَسَدَهُ رَجُلٌ عَلَى هَذَا المقَامِ وَهَذَا وَالكَلاَم؛ فَسَعَي بِهِ إِلى المَلِك ـ فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا المَلِك؛ إِنَّ هَذَا الَّذِي يَقُومُ بحِذَائِك، وَيَقُولُ مَا يَقُول؛ يَزْعُمُ أَنَّكَ أَبْخَر(رائحة فمك كريهة)، فَقَالَ المَلِك: وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدِي ؟

قال: تدعوه إليك فإنه إذا دنا منك وضع يده على أنفه لئلا يشم ريح البخر، فقال له: انصرف حتى أنظر، فخرج مِن عند الملك، فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعامًا فيه ثوم، فخرج الرجل مِن عنده وقام بحذاء الملك على عادته، فقال: أَحْسِنْ إِلى المحْسِنِ بِإِحْسَانِه؛ فَإِنَّ الْمُسِيءَ سَتَكْفِيهِ إسَاءَتُهُ، ، فقال له الملك أدن مني فدنا منه فوضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانا إلا قد صدق. وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة أو صِلَة فكتب له كتابًا بخطه إلى عامل مِن عماله إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحش جلده تبنًا وابعث به إليَّ، فأخذ الكتاب وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: خط الملك لي بصِلَة، فقال هبه لي، فقال: هو لك فأخذه ومضى به إلى العامل، فقال العامل: في كتابك أن أذبحك وأسلخك. قال: إن الكتاب ليس هو لي، فالله الله في أمري حتى تراجع الملك، فقال ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه وسلخه وحشى جلده تبنًا وبعث به ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك، وقال: ما فعل الكتاب؟ فقال: لقيني فلان فاستوهبه مني فوهبته له. قال له الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر. قال: ما قلت ذلك. قال: فلما وضعت يدك على فيك ؟ قال: لأنه أطعمني طعامًا فيه ثوم فكرهت أن تشمه. قال: صدقت ارجع إلى مكانك، فقد كفى المسيء إساءته.      (حلية الأولياء ـ لأبي نعيم الأصبهاني ـ جـ2 ـ صـ 228) (إحياء علوم الدين ـ للغزالي ـ جـ3 ـ صـ 188)

 

وسائل إبعاد الحسد عن القلب:

 الْحَسَدُ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْعَظِيمَةِ لِلْقُلُوبِ، وَلَا تُدَاوَى أَمْرَاضُ الْقُلُوبِ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ؛ وَالْعِلْمُ النَّافِعُ لِمَرَضِ الْحَسَدِ هُوَ أَنْ تَعْرِفَ تَحْقِيقًا أَنَّ الْحَسَدَ ضَرَرٌ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَحْسُودِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِيهِمَا. وَمَهْمَا عَرَفْتَ هَذَا عَنْ بَصِيرَةٍ وَلَمْ تَكُنْ عَدُوَّ نَفْسِكَ وَصَدِيقَ عَدُوِّكَ، فَارَقْتَ الْحَسَدَ لَا مَحَالَةَ.

أَمَّا كَوْنُهُ ضَرَرًا عَلَيْكَ فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنَّكَ بِالْحَسَدِ سَخِطْتَ قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَرِهْتَ نِعْمَتَهُ الَّتِي قَسَّمَهَا بَيْنَ عِبَادِهِ، وَعَدْلَهُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي مُلْكِهِ بِخَفِيِّ حِكْمَتِهِ، فَاسْتَنْكَرْتَ ذَلِكَ وَاسْتَبْشَعْتَهُ، وَهَذِهِ جِنَايَةٌ فِي حَدَقَةِ التَّوْحِيدِ، وَقَذًى فِي عَيْنِ الْإِيمَانِ، وَنَاهِيكَ بِهِمَا جِنَايَةً عَلَى الدِّينِ، وَقَدِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّكَ فَارَقْتَ أَوْلِيَاءَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ فِي حُبِّهِمُ الْخَيْرَ لِعِبَادِهِ تَعَالَى، وَشَارَكْتَ إِبْلِيسَ وَالْكُفَّارَ فِي مَحَبَّتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْبَلَايَا وَزَوَالَ النِّعَمِ، وَهَذِهِ خَبَائِثُ فِي الْقَلْبِ تَأْكُلُ حَسَنَاتِ الْقَلْبِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ ضَرَرًا فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ أَنَّكَ تَتَأَلَّمُ بِحَسَدِكَ فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَتَعَذَّبُ بِهِ، وَلَا تَزَالُ فِي كَمَدٍ وَغَمٍّ، إِذْ أَعْدَاؤُكَ لَا يُخْلِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نِعَمٍ يُفِيضُهَا عَلَيْهِمْ، فَلَا تَزَالُ تَتَعَذَّبُ بِكُلِّ نِعْمَةٍ تَرَاهَا، وَتَتَأَلَّمُ بِكُلِّ بَلِيَّةٍ تَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَتَبْقَى مَغْمُومًا ضَيِّقَ الصَّدْرِ، فَقَدْ نَزَلَ بِكَ مَا يَشْتَهِيهِ الْأَعْدَاءُ لَكَ وَتَشْتَهِيهِ لِأَعْدَائِكَ، فَقَدْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمِحْنَةَ لِعَدُوِّكَ فَتَنَجَّزَتْ فِي الْحَالِ مِحْنَتُكَ وَغَمُّكَ نَقْدًا، وَلَا تَزُولُ النِّعْمَةُ عَنِ الْمَحْسُودِ بِحَسَدِكَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ تُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ لَكَانَ مُقْتَضَى الْفِطْنَةِ - إِنْ كُنْتَ عَاقِلًا - أَنْ تَحْذَرَ مِنَ الْحَسَدِ، لِمَا فِيهِ مِنْ أَلَمِ الْقَلْبِ وَمَسَاءَتِهِ مَعَ عَدَمِ النَّفْعِ، فَكَيْفَ وَأَنْتَ عَالِمٌ بِمَا فِي الْحَسَدِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ فِي الْآخِرَةِ؟ فَمَا أَعْجَبَ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِسَخَطِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَنَالُهُ، بَلْ مَعَ ضَرَرٍ يَحْتَمِلُهُ، وَأَلَمٍ يُقَاسِيهِ، فَيُهْلِكُ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ مِنْ غَيْرِ جَدْوَى وَلَا فَائِدَةٍ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَحْسُودِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ لَا تَزُولُ عَنْهُ بِحَسَدِكَ. وَأَمَّا أَنَّ الْمَحْسُودَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَوَاضِحٌ، أَمَّا مَنْفَعَتُهُ فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنَّهُ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِكَ، لَا سِيَّمَا إِذَا أَخْرَجَكَ الْحَسَدُ إِلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِالْغِيبَةِ وَالْقَدْحِ فِيهِ، وَهَتْكِ سِتْرِهِ، وَذِكْرِ مَسَاوِئِهِ، فَهَذِهِ هَدَايَا تُهْدِيهَا إِلَيْهِ، إِذْ تُهْدِي إِلَيْهِ حَسَنَاتِكَ، حَتَّى تَلْقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفْلِسًا مَحْرُومًا كَمَا حُرِمْتَ فِي الدُّنْيَا عَنِ النِّعْمَةِ.فَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا عَرَفْتَ أَنَّكَ عَدُوُّ نَفْسِكَ وَصَدِيقُ عَدُوِّكَ؛ إِذْ تَعَاطَيْتَ مَا تَضَرَّرْتَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَانْتَفَعَ بِهِ عَدُوُّكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِرْتَ مَذْمُومًا عِنْدَ الْخَالِقِ وَالْخَلَائِقِ، شَقِيًّا فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ، وَنِعْمَةُ الْمَحْسُودِ دَائِمَةٌ، شِئْتَ أَمْ أَبَيْتَ بَاقِيَةٌ. وَمَنْ تَفَكَّرَ بِهَذَا بِذِهْنٍ صَافٍ وَقَلْبٍ حَاضِرٍ، انْطَفَأَتْ نَارُ الْحَسَدِ مِنْ قَلْبِهِ. وَأَمَّا الْعَمَلُ النَّافِعُ فِيهِ فَهُوَ أَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ نَقِيضَ مَا يَتَقَاضَاهُ الْحَسَدُ، وَذَلِكَ بِالتَّوَاضُعِ لِلْمَحْسُودِ، وَالثَّنَاءِ، وَالْمَدْحِ، وَإِظْهَارِ السُّرُورِ بِالنِّعْمَةِ، فَتَعُودُ الْقُلُوبُ إِلَى التَّآلُفِ وَالتَّحَابِّ، وَبِذَلِكَ تَسْتَرِيحُ الْقُلُوبُ مِنْ أَلَمِ الْحَسَدِ وَغَمِّ التَّبَاغُضِ. فَهَذِهِ هِيَ أَدْوِيَةُ الْحَسَدِ، وَهِيَ نَافِعَةٌ جِدًّا، إِلَّا أَنَّهَا مُرَّةٌ عَلَى الْقُلُوبِ جِدًّا، وَلَكِنَّ النَّفْعَ فِي الدَّوَاءِ الْمُرِّ، فَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَرَارَةِ الدَّوَاءِ لَمْ يَنَلْ حَلَاوَةَ الشِّفَاءِ، وَإِنَّمَا تَهُونُ مَرَارَةُ هَذَا الدَّوَاءِ بِقُوَّةِ الْعِلْمِ بِالْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَقُوَّةِ الرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِ الرِّضَاءِ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى.  (موعظة المؤمنين ـ جمال الدين القاسمي ـ صـ: 215)

 

وسائل الوقاية من شر الحاسد:

ذَكَرَ الإمامُ ابنُ القيم (رَحِمَهُ اللَّهُ) عَشَرةَ أسباب يبتعدُ بها شَرُّ الحاسد عَن المحسود، ونستطيعُ أن نُوجِزها في الأمور التالية:

 الأول: التعوذ بالله وحده من شر الحسد: اللهُ تَعَالَى سميعٌ لمن استعاذ به وعليم بما يستعيذ العبد منه.

الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه:

 يجب أن نعتقد أنَّ مَن اتقى الله تَعَالَى, تولى اللهُ تَعَالَى حِفْظَهُ، ولم يَكِلَهُ إلى غيره.

قال سُبْحَانَهُ: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا)   (آل عمران: 120)

الثالث: الصبر على عدوه:

 فلا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدث نفسه بأذاه أصلًا, فما نُصر أحَدٌ عَلَى حَاسِدِهِ وعدوه بمثل الصبر عليه.

الرابع: التوكل على الله:

 فإنه مِن أقوى الأسباب التي يدفع به العبد عَن نفسه ما لا يطيق مِن أذى الخَلْق وظلمهم وعدواتهم.

 قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: 3) أي: كافيه، ومَن كان اللهُ كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه.

الخامس: فراغ القلب من الاشتغال بالحسد

 يجب على المسلم أن يمحو الحسد مِن قلبه كلما خَطَرَ له، ولا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه.

السادس: الإقبال على الله وإخلاص العمل له:

 الإخلاص هو سبب انتصار العبد على الشيطان الرجيم.

 قال تعالى حكاية عن الشيطان: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)  (ص 82: 83)

فمن دخل في حصن الإخلاص، لم يـَخْلُص إليه أحَدٌ مِنَ الجنِّ والإنس، وذلك لأنه حِصنُ الرحمن الرحيم.

السابع: تجريد التوبة إلي الله من الذنوب

 يجب على العبد أن يَعْلَمَ أن مَا يصيبه إنما هو مِن ذنوبه.

قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى:30)

وقال سُبْحَانَهُ لأصحاب نبيه : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران: 165) فإذا تابَ العبد مِن ذنوبه، كان ذلك سببًا لتجنبه الحسد مِنَ الناس.

الثامن: الصدق والإحسان إلى الناس:

 لكي يتجنب المسلم الحسد ينبغي عليه أن يكثر من الصدقات في السر والعلانية, ويحسن إلى الناس، فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دَفْعِ البلاء عَن المؤمن ودَفْعِ الحسد كذلك. وهذا واقع ملموس فمِنَ النادر أن يتسلط الأذى والحسد إلى صاحب صدقة خالصة لله تعالى وإن أصابه شيء مِنَ الحاسد فإن الله يَلْطف به جزاء ما قدَّمَ لله تعالى وحده.

التاسع: الإحسان إلى الحاسد:

إن مِن أعظم الأسباب لدَفْع الحسد، والتي لا يُوفقُ لها إلا مَن وفَّقَه اللهُ، إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه.

قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت 34: 35)

العاشر: تجريد التوحيد:

 يجب على العبد أن يشغل فكره دائمًا بالله تعالى فهو وحده مسبب الأسباب، ولا يحدث شيئًا في هذا الكون إلا بإرادته ومشيئته، قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ)  (يونس: 107)

 فإذا جَرَّدَ العبدُ التوحيد لله تعالى فقد خرج مِن قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه مِن أن يخافه مع الله، فالتوحيد حصن الله الأعظم، مَن دخله كان مِنَ الآمنين. (بدائع الفوائد ـ لابن القيم ـ جـ2 ـ صـ 238: 245)

 

علاج الحسد:

إذا وقعَ الحسد لأحد المسلمين، فإنه يمكن أن يعالج نفسه أو يعالجه آخر بالرقية الشرعية الثابتة في كتاب الله وسُنَّة رسوله ، ويجبُ عليه أن يعتقدَ أن هذه الرقية الشرعية لا تأثير لها إلا بإذن الله تعالى وحده، وعلى المسلم أن يعلم كذلك أنه لا علاج للحسد الذي أصابه إلا بالقرآن والسُّنَّة.

 

ونستطيعُ أن نُوجز علاج الحسد في الأمور التالية:

(1) يقرأ المحسود المعوذات: وهي: سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وسورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وسورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ9 ـ صـ 62)

 (2) الإكثار مِنَ الدعاء وخاصة عند السجود وفي ثلث الليل الأخير, وبين الأذان والإقامة ويوم الجمعة ويوم عرفة وعند إفطار الصائم وغير ذلك مِنَ الأوقات الفاضلة. وعلى المسلم أن يُوقِنَ بأن الله تعالى سيجيبُ الدعاء.

 قال تَعَالَى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)  (غافر: 60)

قال تَعَالَى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)  (البقرة:186)

 وقال سُبْحَانَهُ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)  (النمل:62)

(3) المحافظة على الصلوات المفروضة جماعة في المساجد والإكثار مِنَ الاستغفار وتلاوة القرآن ونوافل الصلوات والصيام والصدقات والأذكار الثابتة عَن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا كله مِنَ الأدوية النافعة بإذن الله تعالى لعلاج الحسد.

(4) يقول المُعَالِجُ للمحسود:

*(بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ)(مسلم ـ حديث 2186)

* (اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا)(البخاري ـ حديث: 5743)

* (امْسَحِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفَاءُ، لاَ كَاشِفَ لَهُ إِلَّا أَنْتَ)  (البخاري ـ حديث: 5744 )

* (بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ) ( مسلم ـ حديث 2185 )

* (أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ، رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ) (سَبْعَ مَرَّاتٍ)  (حديث صحيح) (مسند أحمد ـ جـ4 ـ صـ40 ـ حديث2137)

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًَا لي عنده يوم القيامة

(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) كما أسأله سُبْحَانَهُ أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكِرَامِ.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply