إنكار المنكر ضمان من وقوع العذاب


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

العاقل عندما يرى حريقًا في منزل جاره، فإنه يبادر إلى إطفائه، يدفعه إلى ذلك حبه أن لا يحترق جاره أو يتضرر من الحريق، ويدفعه كذلك خوفه على نفسه أن تمتد إليه ألسنة اللهب فتحرقه أو يتضرر منها.

ومن يرى غيره يترك الواجبات ويرتكب المحرمات ويسكت وهو قادر ففي سكوته مفاسد، قال الإمام الغزالي رحمه الله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو طوى بساطه، وأهمل علمه، وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد.

وقال العلامة السعدي رحمه الله المعصية مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها، يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرم الله حلالًا ؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقًا؟!! وقال: مجرد السكوت فعل معصية، وإن لم يباشرها الساكت، فإنه كما يجب اجتناب المعصية، فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية.

وهذا السكوت يكون ثمنه نزول العقوبة بالجميع، فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال في خطبة خطبها: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها، ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾  [المائدة:105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قوم عملوا بالمعاصي، وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم، فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده.) [أخرجه الترمذي وغيره، وقال: هذا حديث صحيح]

وقال بلال بن سعيد إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها فإذا أعلنت ولم تغير أضرت العامة. وقال الإمام النووي: إذا كثر الخبث عمّ العقاب الصالح والطالح. وقال الحافظ ابن حجر: يكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي. وقال العلامة السعدي: السكوت عن المنكر مع القدرة موجب للعقوبة وقال العلامة الفوزان: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤذن بوقوع العقاب العاجل.

فمن يرى غيره يرتكب المنكرات ويترك الواجبات فيأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، فإنه بعمله يحفظ المجتمع من وقوع العقوبات به، قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة، ضمان من وقوع العذاب.

ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال، قال الإمام النووي رحمه الله: لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال...بل عليه الأمر وإن كان مخلًا بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبسًا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخلّ بأحدهما كيف يباح الإخلال بالآخر؟

ومن عجز عن الانكار فعليه أن ينكر بقلبه قال الإمام النووي رحمه الله: القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أجمع العلماء على أنه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره سقط الانكار بيده ولسانه ووجبت كراهته بقلبه

وكراهة المنكر بالقلب توجب عدم الحضور إلى أماكن المنكرات أو المشاركة فيها أو الإعانة عليها، أو الرضى بها، أو المداهنة فيها، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (( إذا أنزل الله بقومٍ عذابًا أصاب العذابُ من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم )) في الحديث تحذير وتخويف عظيم لمن سكت عن النهي، فكيف بمن داهن، فكيف بمن رضي فكيف بمن أعان، نسأل الله السلامة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply