من أقوال السلف في الخوف من الله


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الخوف من الله جل جلاله عبادة عظيمة، وهي من مستلزمات الإيمان، قال الله جل وعلا: ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175] قال العلامة السعدي رحمه الله:  وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله.

فمن زاد إيمانه وقويت معرفته بالله جل جلاله زاد خوفه من الله عز وجل قال العلامة ابن القيم رحمه الله: فكلما كان العبد بالله أعلم كان له أخوف...ونقصان الخوف من الله إنما هو لنقصان معرفة العبد به، فأعرف الناس أخشاهم لله، ومن عرف الله اشتدَّ حياؤه منه وخوفه له وحبه له، وكلما ازداد معرفةً ازداد حياءً وخوفًا ورجاءً.

للسلف أقوال في الخوف من الله تعالى، يسّر اله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

** قال أبو سليمان الدارني: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل

وقال: ما فارق الخوف قلبًا إلا خرب،

** قال أبو حفص: الخوف سراج في القلب، به يُبصر ما فيه من الخير والشر.

** عن يوسف بن أسباط قال: قلت لأبي وكيع: ربما عرض لي في البيت شيء يداخلني الرعب، فقال لي: يا يوسف. من خاف الله خاف منه كل شيء، قال يوسف: فما خفت شيئًا بعد قوله.

** قال سهل بن عبدالله ابن يونس التستري: من خاف الله أمّنه الله.

** قال إبراهيم بن شيبان: إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات منه وطرد الدنيا عنه.

** قال الفضيل بن عياض: إنما يهابك الخلق على قدر هيبتك لله.

وقال: من خاف الله دله الخوف على كل خير.

** قال سعيد بن إسماعيل: خوفك من غير الله أذهب عن قلبك خوفك من الله.

** قال أبو القاسم الحكيم: من خاف شيئًا هرب منه، ومن خاف الله هرب إليه

** قال يحيى بن معاذ: ما من مؤمن يعمل السيئة إلا ويلحقها حسنتان، خوف العقاب، ورجاء العفو.

** كان أبو الحسن الضرير يقول: علامة السعادة: خوف الشقاوة.

** قيل ليحيى بن معاذ: من آمن الخلق غدًا؟ فقال: أشدهم خوفًا اليوم.

** قال الحسن: إنك إن تخالط أقوامًا يخوفونك حتى يدرك الأمن، خير لك من أن تصحب أقوامًا يؤمنونك حتى يدرك الخوف.

** روى عن ابن عون أن أمه نادته، فعلا صوته صوتها، فخاف، فأعتق رقبتين.

** قال الإمام ابن عبدالبر: في فزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتبهوا لما فاتهم من صلاتهم، أوضح الدلائل على ما كان القوم عليه من الوجل والإشفاق والخوف لربهم.

** قال الإمام الغزالي:

- الخوف هو النار المحرقة للشهوات فإن فضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات وبقدر ما يكف عن المعاصي ويحث على الطاعات وكيف لا يكون الخوف ذا فضيلة وبه تحصل العفة والورع والتقوى. وهي الأعمال الفاضلة المحمودة التي تقرب إلى الله زلفى

 

- الخوف من الله تعالى، تارة يكون لمعرفة الله تعالى ومعرفة صفاته، وأنه لو أهلك العالمين لم يبال ولم يمنعه مانع، وتارة يكون لكثرة الجناية من العبد بمقارفة المعاصي، وتارة يكون بهما جميعًا، وبحسب معرفته بعيوب نفسه، ومعرفته بجلال الله تعالى، فأخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه....ثم إذا كملت المعرفة أورثت جلال الخوف واحتراق القلب، ثم يقيض أثر الحرقة من القلب على الجوارح، بكفها عن المعاصي، وتقيدها بالطاعات، ولذلك قيل: ليس الخائف من يبكى، ويمسح عينه، بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه.

- البكاء ثمرة الخشية، قال الله تعالى: ﴿ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء:109] وقال صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله) وذكر منهم: (رجلًا ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه.)

وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: من استطاع أن يبكى فليبك، ومن لم يستطع فليتباك.

وكل ما ورد في فضل...البكاء، فهو دلالة على فضل الخوف، وأن جملة ذلك متعلقة به، إما تعلق السبب، أو تعلق المسبب.

** قال الحافظ ابن الجوزي: من خاف الله خافه كل شيء.

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

- لن يخاف الرجل غير الله إلا لمرض في قلبه، كما ذكروا أن رجلًا شكا إلى أحمد حنبل خوفه من بعض الولاة، فقال: لو صححت لم تخف أحدًا، أي خوفك من أجل زوال الصحة من قلبك.

- أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله.

 

- بعض الناس يقول: يا رب إني أخافك وأخاف من لا يخافك، فهذا كلام ساقط لا يجوز بل على العبد أن يخاف الله وحده، ولا يخاف أحدًا، فإن من لا يخاف الله أذلُّ من أن يخاف، فإنه...من أولياء الشيطان فالخوف منه قد نهي الله عنه.

وإذا قيل قد يؤذيني قيل : إنما يؤذيك بتسليط الله له، وإذا أراد الله دفع شره عنك دفعه، فالأمر لله، وإنما يُسلط على العبد بذنوبه، وأنت إذا خفت الله فاتقيته وتوكلت عليه كفاك شرّ كلِّ شر، ولم يسلطه عليك.

- العبد...إذا نقص خوفه، خاف من المخلوق، وعلى قدر نقص الخوف وزيادته يكون الخوف،...وطريق التخلص من هذا...الإخلاص لله عز وجل...ولا يحصل الإخلاص إلا بعد الزهد ولا زهد إلا بتقوى والتقوى متابعة الأمر والنهي.

** قال العلامة ابن القيم:

- كل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله تعالى، فإنك إذ خفته هربت إليه، فالخائف هارب من ربه إلى ربه.

- الخوف ليس مقصودًا لذاته، بل مقصودًا لغيره قصد الوسائل، ولهذا يزول بزوال المخوف، فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

- الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله.

- القلب في سبره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قُطع الرأس مات الطائر، ومتى عدم الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر.

 

- العبد إما أن يكون مستقيمًا، أو مائلًا عن الاستقامة.

فإن كان مائلًا عن الاستقامة فخوفه من العقوبة على ميله، ولا يصح الإيمان إلا بهذا الخوف، وهو ينشأ من ثلاثة أمور:

أحدها: معرفة بالجناية وقبحها.

والثاني: تصديق الوعيد وأن الله رتب على المعصية عقوبتها.

والثالث: أنه لا يعلم لعله يمنع من التوبة ويُحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب.

فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف، وبحسب قوتها وضعفها تكون قوة الخوف وضعفه

- من كان مستقيمًا مع الله، فخوفه يكون مع جريان الأنفاس، لعلمه بأن الله مقلب القلوب، وما من قلب إلا هو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل، فإن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه، كما ثبت عن النبي صلى اله عليه وسلم وكانت أكثر يمينه صلى الله عليه وسلم: ((لا ومقلب القلوب، ولا ومقلب القلوب)) قال بعض السلف: مثل القلب في سرعة تقلبه، كريشةٍ مُلقاة بأرض فلاة، تقلبها الرياح ظهرًا لبطن، ويكفي في هذا قوله تعالى : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال:4]

فأيّ قرار لمن هذه حاله؟ ومن أحق بالخوف منه؟ بل خوفه لازم له في كل حال.

- السلف استحبوا أن يقوي في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف.

وهذه طريقة أبي سليمان قال ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف فإنه إذا كان الغالب عليه الرجاء فسد وقال غيره: أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف وغلبة الحبِّ فالمحبة هي المركب والرجاء حاد والخوف سائق، والله الموصل بمنه وكرمه.

 

- أكثر ما تكون الهيبة أوقات المناجاة، وهي وقت تملُّق العبد ربه، وتضرعه بين يديه واستعطافه والثناء عليه بآلائه وأسمائه وأوصافه، أو مناجاته بكلامه.

- الخشية أخصُّ من الخوف، فإن الخشية للعلماء بالله، قال تعالى: ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾ [فاطر:28] فهي خوف مقرون بمعرفة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية ))

 

** قال الحافظ ابن رجب:

- أكثر الناس يرى أنه يخشى الله في العلانية والشهادة، ولكن الشأن في خشية الله في الغيب إذا غاب عن أعين الناس، قال بعضهم: ليس الخائف من بكى وعصر عينيه، إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام إذا قدر عليه.

- قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان: (( أن تعبد الله كأنك تراه )) يشير إلى أن العبد يعبد الله على هذه الصفة، وهي: استحضار قُربه، وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية، والخوف، والهيبة، والتعظيم، ويوجب أيضًا: النصح في العبادة، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها.

- قال بعضهم: خفِ الله على قدر قُدرته عليك، واستحي منه على قدر قُربه منك.

- الموجب لخشية الله في السر والعلانية أمور:

منها: قوة الإيمان بوعده ووعيده على المعاصي

ومنها: النظر في شدة بطشه وانتقامه وقهره، وذلك يوجب للعبد ترك التعرض لمخالفته، كما قال الحسن: ابن آدم، هل لك طاقة بمحاربة الله، فإن من عصاه فقد حاربه. وقال بعضهم: عجبتُ من ضعيف يعصي قويًا.

ومنها: قوة المراقبة له، والعلم بأنه شاهد ورقيب على قلوب عباده وأعمالهم.

 

** قال العلامة السعدي:

- من يخشى الله، هو الذي ينتفع بالآيات، والعبر، فإذا رأى عقوبة فرعون، عرف أن من تكبر، وعصى، وبارز الملك الأعلى، يعاقبه في الدنيا، والآخرة، وأما من ترحلت خشية الله من قلبه، فلو جاءته كل آية لا يؤمن بها.

- خشيته في حال نظر الناس وحضورهم، فقد يكون رياء وسمعة، فلا تدل على الخشية، وإنما الخشية النافعة، خشيته في الغيب والشهادة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply