تفريج الكرب سمة إيمانية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

عباد الله: ينتظم الدين الإسلامي كل معاني التكافل الاجتماعي، ويربى أتباعه على تعميق الأخوة الإيمانية من خلق حسن ورحمة بالفقراء والضعفاء، وتيسير على المعسر، وستر على العاصي، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». وهذ الحديث من جوامع كلم النبي التي تحمل الكثير من التوجيهات التي تربط الأخلاق بالإيمان، وتمازج بين العقيدة والعمل، وتعمق علاقة الدنيا بالآخرة، وهو بِشارة تدفع المؤمن للعمل الخيري والتطوعي، وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما يتيسر؛ من علم، أو جاه، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، أو دلالة على خير أو إعانة بنفسه أو بوساطته أو الدعاء بظهر الغيب أو غير ذلك.

ولقد حثّنا النبي في وصيته هذه على تنفيس الكُرب عن المؤمنين، ولا ريب أن هذا العمل عظيم عند الله، وفي نفوس الناس، إذ الحياة مليئة بالمشاق والصعوبات، وما أجمل أن يسارع المسلم في مد يد العون، والسعي لإزالة هذه الكرب.

والكربة هي: الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب، والتنفيس معناه إزالة الكربة ورفعها، حتى يزول همه وغمه.

والتيسير على المعسر له أشكال متعددة فقد يتحقق ذلك عن طريق القرض الحسن، يقوم بسداده بعد ميسرة قال : «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر، أو يضع عنه». رواه مسلم.

والقرض الحسن هو إعطاء المال بلا ربا ولا مَنٍ ولا أذى، على أن يسدده المدين في الوقت المحدد بينهما، وإذا ما جاء موعد السداد ولم يتيسر قضاء الدين لأمر خارج عن إرادة المدين؛ فإن حق الأخوة يقتضي أحد أمرين إما بإنظاره، وإما بإبرائه، وإبراؤه أفضل من إنظاره، فالتصدق على المدين بهذا الدين كلًا أو بعضا إيثارًا لثواب الله عز وجل، {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون.}

وجاء في الحديث الصحيح: " لقي رجل ربه فقال: ما عملت قال: ما عملت من الخير إلا أني كنت رجلا ذا مال فكنت أطالب به الناس فكنت اقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور فقال الله عز وجل: تجاوزوا عن عبدي". وفي رواية أخرى: حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر قال الله عز وجل: "نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه."

وقد يكون كرب الإنسان نتيجة ضيق ذات اليد فيمنحه أخوه ما يساعده ويحقق قول رسول الله : "من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له." رواه مسلم.

وقد يكون الكرب بسبب مرض أقعد الإنسان فيأتي أخوه ويؤنس وحشته ويفرج كربه بعيادة المريض والدعاء له ومساعدته في العلاج.

ومن أبواب تفريج الكرب الصدقة على المعسرين ممن صدرت بحقهم أحكام قضائية، عن طريق المنصات المعتمدة كــ: " إحسان" التي تقوم بإيصال التبرعات إلى محتاجيها بأمان وشفافية، وخدمة "تيسرت" للتيسير عن المعسرين وقضاء الدين عن المدينين بكل يسر وسهولة.

وقد يكون تفريج الكرب بشفاعة حسنة فيكون له نصيب منها، وقد يكون بغير ذلك من متيسرات الدنيا.

وقد يكون الكرب نتيجة حيرة حول موقف يحتاج رأي عالم أو مستشار مؤتمن فيأتي ليزيح الحيرة ويذهب القلق، ويمنح الإنسان هدوء العقل واطمئنان القلب، فإن الفتوى الصحيحة والمشورة من أهل الذكر يترتب عليها مصالح العباد وتمنح الإنسان الأمان النفسي، وتوقظ فيهم الأمل {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.}

وقد يكون الكرب نتيجة انتظار غائب أو تطلع لمستقبل أو توقع لحدث فيأتي المرء لأخيه بالبشارة أو يقول له كلمة طيبة تخفف كربه وتهدئ نفسه، وتشرح صدره.

وستر المسلم على أخيه المسلم الذي لا يُعرَف بالفساد وليس فساده متعديا مرغب فيه، والستر له معان كلها خير، إيثارا لثواب الله وحرصا على حرمات الله وحقوق العباد.

فالمؤمن لا يفرح بزلة أخيه ولا بخطئه، فإذا رأى شيئًا من ذلك آلمه وستره ونصحه وسدده فالمؤمنون نصحة والمنافقون فضحة.

ومن ستر المسلم ستر العورة الجسدية بالكساء، بما يحفظ عليه حياءه ومكانته، ومنه ستر العورة المعنوية بتيسير النكاح وتخفيف المهور، ومساعدة الراغبين في الزواج.

إن تفريج كرب المكروبين، ومساعدتهم في تجاوز المحنة وعبور الشدة حتى يهدأ بالهم وتطمئن نفوسهم، والستر على الناس، وإظهار محاسنهم، من السمات التي لو أحسن الناس إدراكها، وتواصوا بها، لسعدوا وغنموا الغنيمة العظمى، وعاشوا عباد الله إخوانا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أن المدخل لكل هذه السلوكيات الفاضلة، والأخلاقيات الحميدة، هو الإيمان بالله واليوم الآخر، واليقين بما عنده من الثواب والخلف وحسن الجزاء في ميقات يوم معلوم يحشر فيه الأولين والآخرين ولا يظلم ربك أحدا، والجزاء من جنس العمل، والثواب خير من العمل، وفضل الله علينا أعظم مما عملت أيدينا: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون}.

‏‏اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وموتى المسلمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply