شرح حديث عثمان في صفة الوضوء

13 دقيقة
19 جمادى الثاني 1447 (10-12-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أخرج البخاري ومسلم عن حُمْرَانَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ".

ثُمَّ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ : "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

تخريج الحديث: أخرجه البخاري (164) ومسلم (226).

الفائدة الأولى: حُمْرَانُ بنُ أَبَانٍ الفَارِسِيُّ؛ مَوْلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ؛ وثقه ابن حبان والذهبي. حَدَّثَ عَنْ: عُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ. طَالَ عُمُرُهُ، وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ.

الفائدة الثانية: بيان حرص عثمان بن عفان رضي الله عنه على هداية الناس، ولم ينشغل بأشغال الخلافة والحكم عن تعليم الناس أمور دينهم.

وهذا عملا بقول الله تعالى: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ [الحشر: 7].

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّهُ ليس شيءٌ يُقَرِّبُكُمْ إلى الجنةِ إلَّا قد أَمَرْتُكُمْ بهِ، و ليس شيءٌ يُقَرِّبُكُمْ إلى النارِ إِلَّا قد نَهَيْتُكُمْ عنهُ".

الفائدة الثالثة: الوضوء شرط لصحة الصلاة.

لقول رسول الله ﷺ: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ"، ولقول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ المائدة.

وأخرج مسلم عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: دَخَلَ عبدالله بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو اللهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: "لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ".

وعن أبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ" متفق عليه.

وقد انعقد إجماع المسلمين على مشروعيه الوضوء ووجوبه لمن أراد الصلاة وهذا من المعلوم من الدين.

الفائدة الرابعة: على من أراد الوضوء أن يستحضر النية في نفسه، لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾، أي فاغسلوا وجوهَكم للصَّلاة، وهذا معنى النيَّة.

وأيضًا لحديث: "إنما الأعمال بالنيات"[متفق عليه].

والجمهور على اشتراط النية لصحة الوضوء، وعليه فلا يصح إلا بالنية، وذهب الحنفية إلى أنها سنة ولا تشترط النية في الوضوء، وقالوا: إن الوضوء أو الغسل كليهما عبادة معقولة المعنى، وهو وسيلة وليس بغاية، والوسائل لا تُشترط لها النية، ولذلك قالوا: يصح الوضوء بدون نية.

الفائدة الخامسة: صفة الوضوء من حديث عثمان رضي الله عنه:

(1) غسل الكفين ثلاثًا.

(2) المضمضة والاستنشاق ثلاثًا، والمضمضَةُ: تحريكُ الماءِ في الفَمِ وإدارَتُه فيه، ثمَّ إلقاؤُه، والاستنشاقُ: إيصالُ الماءِ إلى أعلى الأنفِ والخياشيمِ؛ تنظيفًا لِمَا يجتمِعُ في داخلِها، والانتثار هو إخراج الماء بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط وشبهه.

وذهب المالكية والشافعية إلى أنهما سنتان في الوضوء والغُسل، وذهب الحنابلة في المشهور إلى أنهما واجبان في الوضوء والغُسل، وذهب الحنفية إلى أنهما واجبان في الغُسل سنتان في الوضوء.

وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "رأيتُ رسولَ اللَّهِ تَوضَّأ فغَسلَ يدَيهِ، ثمَّ تمضمضَ واستنشقَ مِن غَرفةٍ واحدةٍ".

فالسنة أن يتمضمض ثم يستنشق ثم يعيد المضمضة والاستنشاق يكرر ذلك ثلاثا، وفي الحديث عن لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ".

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلِيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ".

(3) غسل الوجه ثلاثًا. لقوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾.

(4) غسل اليد اليمنى من أطراف الأصابع إلى المرفق ثلاثًا.

(5) غسل اليد اليسرى من أطراف الأصابع إلى المرفق ثلاثًا.

لقول الله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾.

(6) مسح الرأس مع الأذنين مرة واحدة، لقوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ ولحديث أبي أمامة مرفوعًا: "الأذنان من الرأس".

ولحديث عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ".

وفي حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ توضَّأ فغرَف غَرفةً فغسَل وجهَه ثمَّ غرَف غَرفةً فغسَل يدَه اليُمنى ثمَّ غرَف غَرفةً فغسَل يدَه اليُسرى ثمَّ غرَف غَرفةً فمسَح برأسِه وأُذُنَيْهِ داخِلَهما بالسَّبَّابتَيْنِ وخالَف بإبهامَيْهِ إلى ظاهرِ أُذُنَيْهِ فمسَح ظاهرَهما وباطنَهما ثمَّ غرَف غَرْفةً فغسَل رِجْلَه اليُمنى ثمَّ غرَف غَرْفةً فغسَل رِجْلَه اليُسرى".

صفة مسح الرأس

وصفة مسح الرأس أن يمرَّ بيديه من مُقدِّمةِ رأسِه إلى قفاه، ثم يردَّهما إلى الموضِعِ الذي بدأ منه، ودليل ذلك حديث أخرجه البخاري ومسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لِعبدالله بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عبدالله بْنُ زَيْدٍ: "نَعَمْ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ"[البخاري (185) ومسلم (235)].

(7) غسل الرجل اليمنى إلى الكعبين ثلاثًا.

(8) غسل الرجل اليسرى إلى الكعبين ثلاثًا، لقول الله تعالى: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾.

الفائدة السادسة: تثليث الغسلات إلا في مسح الرأس فواحدة، فذلك من السنة، الغَسْلَة الأولى واجبة، وتجزئ إذا استوعبت العضو، وأمَّا الثانية، والثالثة فهي سُنَّة، ولا يُزاد على ثلاث.

وثبت عند البخاري رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنه: "أنَّ النَّبيّ ﷺ تَوَضَأَ مَرَّة، مرَّة" [ البخاري (157)].

وثبت عند البخاري أيضا من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ، مَرَّتَيْنِ" [البخاري (158)].

ولا يشرع الزيادة على الثلاث لما فيه من إسراف وللنهي عنه ففي الحديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ".

الفائدة السابعة: التيامن في الوضوء، أي البدء بالعضو اليمين كما في حديث عثمان رضي الله عنه، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كانَ النبيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ".

الفائدة الثامنة: وجوب الموالاة في غسل أعضاء الوضوء وهو مذهب الحنابلة، وهو المشهور عند المالكية، والموالاة يعني يتابع بين غسل الأعضاء، بحيث لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله في الزمن المعتدل.

واستدلوا بما ورد عن عُمرَ بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رجلًا توضَّأ فتَرَك موضِعَ ظُفرٍ على قدَمِه، فأبصَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ارجعْ فأَحْسِن وضوءَك، فرجَعَ، ثمَّ صلَّى".

فأمره بإعادة الوضوء ولم يقل اغسِلْ فقط ذلك الموضِعَ الذي تركتَه.

وعن بعضِ أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أنَّ النبيَّ ﷺ رأى رجلًا يُصلِّي وفي ظَهرِ قَدَمِه لُمعةٌ قدْرَ الدِّرهَم، لم يُصِبْها الماءُ، فأمَرَه النبيُّ ﷺ أن يُعيدَ الوضوءَ والصَّلاةَ".

فأمْرَه بإعادةِ الوضوءِ، دليلٌ على وجوبِ الموالاةِ، وإلَّا لقال له اغسلْ ذلك الموضِعَ الذي تركتَه.

الفائدة التاسعة: وجوب الترتيب في غسل الأعضاء كما وردت في النصوص والأدلة، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وقول عند المالكية وقول ابن حزم.

لقول الله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾.

ووجه الدلالة: أنَّه أدخَلَ الممسوحَ- وهو مسحُ الرَّأسِ- بين مغسولينِ- وهما غَسلُ اليَدين والرِّجلين- فقطع بذلك حُكمَ النَّظيرِ عن نظيره، فدلَّ على لزوم التَّرتيب؛ لأنَّ عادةَ العَرب إذا ذكرتْ أشياءَ مُتجانسةً وغيرَ مُتجانسةٍ، جمعت المتجانسةَ على نسَقٍ، ثم عطفَتْ غيرَها، ولا يُخالفونَ ذلك إلَّا لفائدةٍ، فلو لم يكُن الترتيبُ واجبًا لَمَا قطعَ النَّظيرَ عن نظيرِه.

ومما يدل على وجوب الترتيب مواظبَتُه على ترتيبِ الوُضوءِ، وفعْلُه وقَع بيانًا للوضوءِ المأمورِ به في الآيةِ.

وأما ما أخرجه أحمد ومن طريقه أبو داود عن المقدام بن معدي كرب قال: "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا".

واستدل به الشيخ الألباني على عدم وجوب الترتيب، وهذا مذهب الحنفية كذلك، والراجح القول بوجوب الترتيب لما تقدم.

الفائدة العاشرة: وجوب متابعة النبي في صفة الوضوء لقوله: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا".

فلابد فيه من الموالاة والترتيب واستعمال الماء الطهور كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله يقول: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.

الفائدة الحادية عشرة: أفاد الحديث أن التسمية قبل الوضوء ليست واجبة، وإلا لبَيَّنَها عثمان رضي الله عنه، وكان ذلك في وجود الصحابة، وعليه فالبسملة مستحبة فقط لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا صلاةَ لمن لا وضوءَ لَهُ، ولا وضوءَ لمن لم يذكرِ اسمَ اللَّهِ تعالى عليهِ".

الفائدة الثانية عشرة: الوضوء عبادة يقوم فيها النافلة مقام الفريضة، وليس ذلك لغيره من العبادات، فمن توضأ لفعل نافلة ثم أدركته فريضة الصلاة فيصلي بوضوءه.

الفائدة الثالثة عشرة: بيان فضل الوضوء، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

- فأفاد الحديث أن الوضوء سبب لمغفرة الذنوب.

وفي رواية أخرجها مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَحَادِيثَ لاَ أَدْرِى مَا هي إِلاَّ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَكَانَتْ صَلاَتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً".

وفي رواية في صحيح مسلم عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أيضًا رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ".

وأخرج مسلم وأحمد والترمذي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوِ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ".

وعن أبي بكر الصديق قال سمعت رسول الله يقول: "ما من عبدٍ يُذنبُ ذنبًا ثم يتطهرُ فيحسنُ الطهورَ، ثم يصلِّي ركعتين ثم يتوبُ للَّهِ من ذنبِه، إلا تاب اللهُ عليهِ".

وفي لفظ: "ما مِن عبدٍ يذنبُ ذنبًا، فيُحسنُ الطُّهورَ، ثمَّ يقومُ فيُصلِّي رَكْعتينِ، ثمَّ يستغفِرُ اللَّهَ، إلَّا غفرَ اللَّهُ لَهُ"، ثمَّ قرأَ هذِهِ الآيةَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ﴾ إلى آخرِ الآيةِ.

- ومن فضائل الوضوء أنه طهارة حسية وشرعية: قال تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: 108].

وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].

وقال سبحانه:﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6].

وقال جل شأنه: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال:11].

والطهارة بمعنى الطهارة الحسية من الأقذار والنجاسات وكذا الطهارة من الحدثين، والطهارة المعنوية من الذنوب والمعاصي.

- والطُهور شطر الإيمان.

أخرج مسلم (223) وأحمد (22902) عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ".

- والوضوء قبل النوم سبب من أسباب الموت على الفطرة مع ما ورد معه من دعاء فقد أخرج البخاري ومسلم عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَلَمَّا بَلَغْتُ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ قُلْتُ وَرَسُولِكَ قَالَ: لَا وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ".

-والوضوء سبب لقبول الدعاء فقد أخرج أبو داود والنسائي وصححه الألباني عن معاذ بن جبل: عن النبي قال: "ما من مسلم يبيت على ذكر طاهرا فيتعار من الليل فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه". معنى يتعار أي يستيقظ من النوم.

- وحلية المتوضئين إلى حيث يبلغ الوضوء:

دليله ما أخرجه مسلم والنسائي في”الكبرى” عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه قال سمعت خليلي يقول: *تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ، حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ*.

- والوضوء سبب لتميز المسلمين يوم القيامة، ودليله ما أخرجه البخاري ومسلم عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: "إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ".

وفي صحيح مسلم منْ حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ". قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ.. ".

- والوضوء يزيل أثر العين والحسد بإذن الله تعالى: فقد أخرج ابن ماجه واللفظ له وأحمد في المسند والنسائي في الكبرى وصححه الألباني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل، فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة، فما لبث أن لبط به (صُرِعَ وسقط)، فأتي به النبي . فقيل له أدرك سهلا صريعا. قال: "من تتهمون به؟" قالوا عامر بن ربيعة. قال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة" ثم دعا بماء. فأمر عامرا أن يتوضأ. فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين. وركبتيه وداخله إزاره. وأمره أن يصب عليه.

وفي لفظ أحمد "فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ".

وأخرج أبو داود وصححه الألباني عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يؤمر العائن (الذي أصاب غيره بالعين) فيتوضأ ثم يغتسل منه المَعين" (المصاب بعين غيره).

قال النووي في شرح مسلم (14/ 172): فَإِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْوُضُوءِ لِهَذَا الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ لَمَّا أُصِيبَ بِالْعَيْنِ عِنْدَ اغْتِسَالِهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ عَائِنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ.

- الوضوء يحُلُّ عُقَدَ الشيطانِ:

روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله قال: "يعقِدُ الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَدٍ، يضرب كل عقدةٍ: عليك ليل طويل فارقُد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفس كسلانَ"؛ [البخاري - حديث: 1142 / مسلم - حديث: 776].

- الوضوء سبب لرفع الدرجات ومحو السيئات: ودليله ما أخرجه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ" قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ".

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ وَقَالَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ".

-والوضوء وصلاة ركعتين بعده سبب لدخول الجنة:

ودليله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال لبلال: "يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الاسلام إني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة". قال: "ما عملت عملا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي" متفق عليه.

- والمحافظة على الوضوء من علامات الإيمان، لقوله : "سددوا وقاربوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".

- والوضوء وقاية من الشيطان: لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ" رواه الإمام أحمد وأبو داود.

- والوضوء سبب لاستغفار ودعاء الملائكة للمتوضئ: ففي الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ بَاتَ طَاهِرًا بَاتَ فِي شِعَارِهِ مَلَكٌ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا" رواه ابن حبان في”صحيحه“ (1051) وصححه الألباني.

- والوضوء يقوي المؤمن، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: "إذا أتى أحدُكُمْ أَهلَه ثُمَّ أرادَ أن يعاوِدَ فليتوضَّأْ بينَهما وُضوءًا"[أخرجه مسلم (308)] وزاد الحاكم، بإسناد صحيح: فإنه أنشط للعود.

وقوله: "إذا أتَى أحَدُكم أهْلَه" وهو كِنايةٌ عنِ الجِماعِ، والمُرادُ بالأهلِ: الزَّوجةُ.

- والدعاء بعد الوضوء له فضل كبير: ففي حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا: "من توضأ ففرغ من وضوئه فقال: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إلَيْكَ، طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِطَابِع، ثُمَّ رُفِعَتْ تَحْتَ الْعَرْش فَلَمْ تُكْسر إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ" [رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص147)، والحاكم (1 /752)].

- الوضوء سبب لفتح أبواب الجنة للعبد:

فقد أخرج مسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ فَجَاءَتْ نوبتي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِىٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ". قَالَ فَقُلْتُ مَا أَجْوَدَ هَذِهِ. فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَىَّ يَقُولُ التي قَبْلَهَا أَجْوَدُ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ قَالَ إني قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبدالله وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ".

زاد الترمذي: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهِّرين".

هذا ما تيسر والله من وراء القصد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق