بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في العشر الأواخر من رمضان وكذلك في أوائل العيد، ظهرت صور وانتشرت لجموع من المصلين والمصليات وتم نشر صورة لنساء في الكويت يصلون في الجوامع في العشر الأواخر في المسجد الكبير، وانتشر أن هذا رد على دعاة الليبرالية والعلمانية والنسوية، وأنه أبلغ رد على تشويه صورة المرأة وأن النساء لم يخضعن لدعوات هذه المذاهب الفكرية.
كذلك عندما صور المصلون في المساجد في العشر الأواخر وصلاة القيام وأن هذا رد على من زعم أن الناس قد تركوا التدين وضعف التدين في نفوسهم.
وفي صلاة العيد أيضا نشرت هذه الصور وكلما فتحت وسائل التواصل تجد منشورات لتجمع الناس في صلاة العيد.
فهل هذا الفرح أصلا مستحق لمثل هذه الصور؟!
وهل هي أدلة حقيقية فعلًا على ما يقررون من أن هذا أبلغ رد على أن الأمة لم تنطلِ عليها الدعاية الغربية؟!
هذا الكلام - بكل تأكيد - عار عن الصحة جملة وتفصيلا وإنما هو كلام عاطفي لا يصمد تحت مجهر الأدلة الشرعية والحقائق الواقعية لحال الأمة وحال هؤلاء الجموع من المصلين او - على الأقل - أغلبهم وذلك من عدة أوجه:
فبداية هذا ليس مقياسا معتبرا على ان الأمة لا تزال مقاومة لموجات التغريب وما شابهها
وهذا الامر قد تم ابطاله منذ زمن بعيد يعني كما هو ثابت عن ابن عقيل عندما يقول:
»إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون كفرًا، وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب«
]من الآداب الشرعية لابن مفلح 1/268[
هذا ليس مقياسا أصلا يفرح به خاصة وأننا نعلم أن حقيقة الحال تخالف هذا الأمر ثم أن هذه المقاييس أصلًا لو أردنا أن نستدل بمثلها في صلوات هي من الفروض لبطل الاستدلال.
فأين الناس في صلاة الظهر في رمضان مثلا - إذا أردنا أن نعتبر هذا مقياسًا -؟!
أين هذا الزحام الكبير في صلاة الظهر؟!
في العيد ين هذا الزحام الكبير في صلاة الفجر التي قبل صلاة العيد بساعة؟!
لا يكاد يكتمل الصف والصفان وتجد الأمة قد ظهرت في صلاة العيد بعدها بساعة.
لماذا؟! ما السبب في هذا؟!
لأن المسألة تحولت إلى طقوسية لا تضاد الأهواء التي عشت في القلوب.
عندما تسمع جموع المصلين في صلاة العيد يكررون خلف الإمام ويجهرون بالتكبير - وبالمناسبة هنا فائدة فقهية أن رفع اليدين في التكبيرات في صلاة العيد ثبتت السنة فيها كما في آثار ابن عمر لكن جهر المأمومين بالتكبير هذا لم يثبت فيه شيء لم يثبت فيه دليل فيما أعلم - وعموما عندما تسمع عندما يقول الإمام الله أكبر فتسمع جموع المصلين بصوت عال تردد الله أكبر.
هل فعلا الله أكبر في نفوس غالب هؤلاء المصلين؟!
هل الله اكبر من المعاني العلمانية التي استقرت في في القلوب؟!
هل فعلا الله أكبر من اعتقاد أن التدين هو امر خاص بين الإنسان وربه؟!
لا يمكن لأحد أن يتدخل فيه ولا أن يفرضه ولا أن يلزم أحدًا بنوع من التدين أو بأي أحكام شرعية، كل حر في تدينه وكل يفعل في تدينه ما يشاء فليس لك أن تأمر بمعروف ان تنهى عن منكر
هل فعلا الله أكبر من اعتقاد أن التعدد حكم جائر وظالم %و من اعتقاد أن المرأة مساوية للرجل؟!
هذه العبادات لا تتعارض مع هذه المعتقدات لذلك يجد الناس خفة في أدائها، ويجدون إقبالا عليها وإشباعا لحاجة روحية وقد تكلمنا عن مثل هذه المسألة - فيما يسمى بالتدين الطقوسي - في صوتيات سابقة وتكلم غيري فلست أنا الوحيد الذي تكلمت فيها.
لست متشائمًا ولكن هذا هو الواقع !
لو كان هذا الأمر يدل على الصلاح وعلى حسن التدين لما كان حال الأمة هكذا
لو كان وجود نصف هذه الحشود تدل على هذا الصلاح المزعوم الحقيقي المنشود - المراد والمقصود شرعًا - لما كان هذا حال الأمة لما كان هذا حال المسلمين.
كثير من المسلمين اليوم عندهم ريب في صحة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجتمعه بل وبعضهم يعتبر أن ما كان في ذلك الزمان ليس صالحا لهذا الزمان.
أنا لا أتكلم عن الأمور الدنيوية والمخترعات أتكلم عن العقيدة عن التدين عن طريقة العبادة عن طريقة الحكم الإسلامي واعتبار أنه غير مناسب لزماننا وأنه ضد التطور الدنيوي وضد المسابقة في الدنيا وأن الأكمل الذي ينبغي أن نكون عليه هو النموذج الغربي حتى نصبح أمة متحضرة كما يقولون ويزعمون وأن الإسلام في حقيقته الذى أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم عائق بل ومن أكبر العوائق للوصول إلى هذه الغاية المنشودة والفردوس الأرضي المزعوم.
واليوم أجد إشكالية عندما يكثر الدعاة التنويه إلى مثل هذه المشاعر.
فالفرح بظهور الشعائر الإسلامية أمر لا بد أن لا ينفك عن قلب المسلم ولكن لابد أيضا أن نستحضر المصيبة والعطب الذى أصيبت به عقائد كثير من المسلمين.
الناس اليوم بحاجة للدعوة للإسلام بحاجة أن يدعوا إلى "ألف باء" مبادئ الاسلام.
كم في أمة الإسلام اليوم من يستغيث بغير الله؟!
كم في أمة الإسلام اليوم من يعتقد أن الحكم بالديموقراطية هو النموذج الأسلم؟! وأن قضية حرية المعتقد واحترام الديانات واحترام عقائد الآخرين وعدم إلزامهم بالإسلام هو الصواب وهو الذي ينبغي أن يكون سائدًا؟!
كم هذا الأمر منتشر اليوم؟!
اليوم عندما يقرر رجل أن يتكلم في مثل هذه الأمور تقوم الدنيا ولا تقعد.
فمثلا قبل فترة تكلم أحد الإخوان وهو الأخ فهد الغفيلي في حسابه بأن المسلم مهما ارتكب من الذنوب ومات على التوحيد فان مآله إلى الجنة.
قامت الدنيا ولم تقعد من أناس يظهرون الانتساب للإسلام والفرح بمثل هذه المظاهر.
فقضية الفرح بمثل هذا الأمر والتوسع بالتنويه وبأنه من أبلغ الرد على على العلمانية والليبرالية وأن الدعاوى التي يسعون لنشرها والأفكار بطلت.
فلا تعارض أصلًا. فالدعاية الحقيقية أو المقصد الحقيقي للعلمانية والنسوية لا تعارض أن يكون الانسان مظهرًا لبعض العبادات التي يشبع فيها الحاجة الروحية ويظهر أنه متدين وكثير من المعتقدات هذه التي أشرت إلى بعضها وإلا فالمقام يتسع لذكر الكثير.
فإن أردنا ان نتوسع بإمكاننا أن نذكر مثلًا أن هناك اليوم أساتذة للشريعة تشربوا مثل هذه الأفكار.
فعندما يأتيك رجل ويعتبر أن من موانع إعطاء زكاة الفطر أن يكون الرجل مخالفًا للدولة كالذي انتشر قبل فترة عندما قال:
(لا تعطِ زكاة فطرك لمخالف ومقيم بصورة غير قانونية أو انتهت إقامته في بلدك)
تصور أن هذا يظهر التدين والانتساب للشريعة بل ودكتور.
عندما تكون هذه الحدود والأنظمة والقوانين الوضعية أعظم في قلوب هؤلاء المنتسبين للعلم الشرعي من الأصل الذي هو الموالاة بين المسلمين فعن أي فرح بمثل هذه الجموع نتكلم؟!
إنما هذه الجموع غثاء كغثاء السيل كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جموع لا تغني ولا تسمن من جوع.
نسأل الله أن يتقبل منهم وأن يصلح حال الأمة لكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن نتكلم عنها.
فما الفائدة من هذه الكثرة إذا كانت لا تسمن ولا تغني من جوع؟!
تسمع تكبيرات الجموع وأنت تعلم أن كثيرا منهم لا يؤمن بما دلت عليه هذه التكبيرات بشكل كلي.
ويرون ان انتشار مثل هذه الأمور التي تكلمنا عليها من الحرية ومن التطور الذى ينبغي أن نصل إليه وأن نستمر فيه.
فالغايات العلمانية سيطرت على القلوب.
تقديم أمر الدنيا على أمر الآخرة سيطر على القلوب.
والسعي من اجل الدنيا سيطر على القلوب.
واعتبار النموذج الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والخلفاء أنه نموذج لا يمكن تطبيقه بل وبعض الناس يعتبره نموذجا همجيًا ومتشددًا ومتطرفًا ومتخلفًا.. إلخ. وإن لم يصرح بلسانه لكن لسان الحال - كما يقال - يصرح وكذلك التقريرات في مدح النموذج الغربي واعتبارها الأكمل للتعايش واعتبار أن ما عليه الغرب هو الصواب وأننا لن ننهض من براثن الجمود والتخلف المدني والصناعي والتطور حتى نفعل ما فعلوا من تنحية الدين - وكأن الدين موجود أصلًا - عن الحياة العامة بشكل كامل وقصره على دور العبادة فحسب.
وتحت سكرة هذا الفرح بمثل هذه الصور والمشاهد نشر بعضهم صورًا لتجمعات من الجهمية فرحًا بها وبعضهم من القبورية أيضًا فتلك المسألة عنده لا تعنى سوى مجرد أعداد فحتى لا ننسى تحت وطأة سكرة هذه المسائل أننا يجب أن لا نرفع سقف الطموحات عاليا ونعول على مثل هذه التجمعات فضلًا أن ننسى أن المصيبة اليوم هي العطب الذي أصاب عقائد كثير من المسلمين وأن نسعى جاهدين - على الأقل - أن نستغل مثل هذا التجمعات والفرح بمثل هذه التجمعات لتمرير المعاني الصحيحة والموافقة للأدلة الشرعية والمناقضة لما عليه معتقدات أكثر الناس اليوم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد