من أقوال السلف في البدع وأهلها


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

البدع شرها عظيم، وخطرها كبير، وأهلها كما قال عنهم الإمام أحمد بن حنبل، فيما نقله عنه الإمام الخطابي البستي رحمهما الله:  "الغوغاء أهل البدع"

للسلف أقوال كثيرة جدًا في البدع وأهلها، يسّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، الله أسأل أن ينفع بها الجميع.

-الحذر من مجالسة أو مصاحبة أهل البدع أو السماع منهم:

** قال ميمون بن مهران: لا تصغين سمعك لذي هوى، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه.

** قال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.

** قال الإمام مالك:

-كان يقال: لا تمكن زائغ القلب من أذنك، فإنك لا تدري ما يعلقك من ذلك.

-لا يؤخذ العلم من...صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه.

** قال الإمام أحمد في رسالته إلى مسدد: ولا تشاور أهل البدع في دينك، ولا ترافقهم في سفرك.

** قيل للأوزاعي: إن رجلًا يقول: أنا أجالس أهل السنة، وأجالس أهل البدع، فقال الأوزاعي: هذا رجل يريد أن يساوى بين الحق والباطل.

** قال الثوري: من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع.

** قال مصعب بن سعد: لا تجالس مفتونًا، فإنه لن يخطئك إحدى اثنتين: إما أن يفتنك فتتابعه، أو يؤذيك قبل أن تفارقه.

** قال الفضيل: إياك أن تجلس مع صاحب بدعة، فإني أخشى عليك مقت الله عز وجل.

** قال الحسن بن علي أبو محمد البربهاري  رحمه الله: إذا رأيت عابدًا مجتهدًا متقشفًا متحرفًا بالعبادة، صاحب هوى فلا تجلس معه، ولا تسمع كلامه، ولا تمش معه في طريق، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته، فتهلك معه.

** جاء رجل إلى الحسن، فقال: يا أبا سعيد، تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه.

** قال الإمام العكبري رحمه الله: لا يحملن أحدًا منكم حسن ظنه بنفسه، وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه، في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره أو لا ستخرج منه مذهبه، فإنهم أشدّ فتنة من الدجال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم، فما زالت بهم المباسطة، وخفي المكر، ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم.

** عن معن بن عيسى، قال: انصرف مالك بن أنس يومًا من المسجد، وهو متكئ على يدى، قال فلحقه رجل...كان يتهم بالإرجاء، فقال: يا أبا عبدالله، اسمع مني شيئًا أكلمك به، وأحاجك، وأخبرك برأيي، قال: فإن غلبتني ؟ قال: فإن غلبتك اتبعني قال: فإن جاء رجل آخر فكلما فغلبنا ؟ قال: نتبعه، فقال مالك: يا عبدالله، بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين.

 

** قال الإمام أحمد: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجُه وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايأس منه، فإن الشاب على أول نشوئه

** لما ذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله، المعتزلة وغيرهم، قال: اللهَ الله من مصاحبة هؤلاء ويجب منع الصبيان من مخالطتهم لئلا يثبت في قلوبهم من ذلك شيء

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: * كان السلف يحذرون من: المبتدع في دينه، والفاجر في دنياه.

** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: مجالسة أهل البدع والسماع معهم هذا شر، الواحد ما يضمن نفسه، الواحد الذي منَّ الله عليه بالهدى فلا يفرط فيه، منَّ الله عليه بالسنة لا يفرط فيها، ومن أسباب التفريط سماع الأذن، لا تصغ إلى ذي هوى بأذنيك فإنك لا تدري ما يوحي إليك

-هجر أهل البدع:

قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: قال المؤلف: " من السنة هجران أهل البدع ومباينتهم " وهذا هو الذي كان أئمة أهل السنة يوصون به من عدم غشيان المبتدعة في مجالسهم ولا مخالطتهم، بل هجرهم بالكلام، وهجرانهم بالأبدان، حتى تخمد بدعهم، وحتى لا ينتشر شرهم....ونلاحظ اليوم أنه في هذه المسألة ترك كثير هذا الأصل، فكثير من الناس يخالط المبتدعة ولا يهجرهم لحجج شتى: إما دنيوية، وإما دعوية، أو دينية، وهذا مما ينبغي التنبه له والتحذير منه، لأن هجران أهل البدع متعين، قلا تجوز مخالطتهم بدعوى أن ذلك للدعوة، ولا تجوز مخالطتهم بدعوى أن ذلك للدنيا، ولا مخالطتهم وعدم الانكار بدعوى أن هذا فيه مصلحة كذا وكذا، إلا لمن أراد أن ينقلهم لِما هو أفضل مما هم فيه وأن ينكر عليهم ويُغيِّر عليهم.

 

وقال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: قمع المبتدع وزجره، ليضعف عن نشر بدعته، فإنه إذا حصلت مقاطعته، والنفرة منه، بات كالثعلب في جحره. أما معاشرته ومخالطته، وترك تحسيسه ببدعته فهذا تزكية له، وتنشيط وتغرير بالعامة ( إذ العامي مشتق من العمى فهو بيد من يقوده غالبًا) فلا بد إذا من الحجر على المبتدع استصلاحًا للديانة وأحوال الجماعة وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان

فإذا كانت الغلبة والظهور لأهل السنة كانت مشروعية هجر المبتدع قائمة على أصلها، وإن كانت القوة والكثرة للمبتدعة _ ولا حول ولا قوة إلا بالله _ فلا المبتدع ولا غيره يرتدع بالهجر، ولا يحصل المقصود الشرعي، لم يشرع الهجر وكان مسلك التأليف، خشية زيادة الشر.

احذر المبتدع، واحذر بدعته، وأعمل الولاء والبراء معه، وتقرب إلى الله بذلك.

 

-أضرار مصاحبة أهل البدع:

** قال الإمام العكبري رحمه الله: عن المغيرة قال: خرج محمد بن السائب، وما كان له هوى، فقال: اذهبوا بنا حتى نسمع قولهم، فما رجع حتى أخذ بها، وعلقت قلبه.

** قال يحيى بن معين: داود بن المحبر....مازال معروفًا بالحديث يكتب الحديث وترك الحديث ثم ذهب فصحب قومًا من المعتزلة، فأفسدوه.

 

-قلوب أهل البدع في جحيم قبل الجحيم الكبرى:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قلوب أهل البدع، والمعرضين عن القرآن، وأهل الغفلة عن الله، وأهل المعاصي في جحيم قبل الجحيم الكبرى، وقلوب الأبرار في نعيم قبل النعيم الأكبر، ﴿ إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار:13-14] هذا في دورهم الثلاثة.

 

-من أضرار البدع:

** قال ابن عمر رضي الله عنهما: كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة.

** قال محمد بن سيرين: إني أرى أسرع الناس ردةً أصحاب الأهواء.

** قال أحمد بن سنان بن أسد بن حبان: ليس في الدنيا مبتدع إلا يبغض أصحاب الحديث، وإذا ابتدع رجل نزع حلاوة الحديث من قلبه.

** قال الفضيل بن عياض: من جلس مع مبتدع لم يعط الحكمة.

** قال غضيف بن الحارث: لا تظهر بدعة، إلا ترك مثلها من السنة.

** قال عبدالله بن المبارك: صاحب البدعة على وجهه الظلمة، وإن ادهن كل يوم ثلاثين مرة.

** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: من أحدث في الدين ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، والله أعلم، وأشدهم طردًا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم مثل الخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة.

** قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا﴾ [البقرة:59] أي: فبدل الظالمون منهم قولًا غير الذي قيل لهم:  قولوا حطة، فقالوا: حنطة...فزادوا حرفًا في الكلام، فلقوا من البلاء ما لقوا، تعريفًا أن الزيادة في الدين والابتداع في الشريعة عظيمة الخطر، شديدة الضرر، هذا في تغير كلمة هي عبارة عن التوبة، أوجبت كل ذلك من العذاب، فما ظنك بتغير ما هو من صفات المعبود.

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

-القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن.

-أهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم...لأن...أهل البدعة شنئوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكان هم نصيب من قوله: ﴿ إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ

-البدعة مقرونة بالفرقة...يُقالُ: أهلُ البدعة والفرقة...ونتيجة الفرقة: عذاب الله، ولعنته، وسواد الوجوه، وبراءة الرسول منهم.

-نجد وجوه أهل البدعة والمعصية كلما كبروا عظم قبحها وشينها.

-لو ادهن صاحب البدعة كل يوم بدهان، إن سواد البدعة لفي وجهه.

 

-من أسباب الوقوع في البدع

** قال أبو عثمان النيسابوري: من أمرّ الهوى على نفسه نطق بالبدعة.

** قال الإمام الشاطبي رحمه الله

-سمى أهل البدع أهل الأهواء لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم، واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورًا فيها من وراء ذلك.

-المبتدع قدّم هوى نفسه على هدى ربه فكان أضلّ الناس وهو يظن أنه على هدى

-المبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله، إن الشريعة لم تتم، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها، لأنه لو كان معتقدًا لكمالها وتمامها من كل وجه، لم يبتدع، ولا استدرك عليها. وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.

 

-الحذر من صغار البدع، فإن الصغير يعود حتى يصير كبيرًا:

قال البربهاري رحمه الله الحذر من صغار المحدثات من الأمور فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيرًا، وكذلك كل بدعة أُحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيرًا يُشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع الخروج منها فعظمت وصات دينًا يدان به.

 

-خطورة مناكحة أهل البدع:

** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: عمران بن حيطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو بن الحارث السدوسي. قال يعقوب بن شيبة: صار في أخر أمره أن رأى رأي الخوارج، كان سبب ذلك فيما بلغنا أن ابنة عمه رأت رأي الخوارج، فتزوجها ليرُدها عن ذلك فصرفته إلى مذهبها.

** قال العلامة عبدالله بن بكر أبو زيد رحمه الله، تعليقًا على ذلك: وبهذا تعلم ما في مخالطة ومناكحة أهل البدع والمذاهب الضالة من خدش للاعتقاد. وما قلب العراق من أكثرية سنية، إلى أقلية سنية وأكثرية شيعية إلا مصاهرة أهل السنة الشيعة، كما في: " الخطوط العريضة " لمحب الدين الخطيب.

-البدعة تشتمل على حق وباطل، فصاحبها قد لبس الحق بالباطل:

قال ابن تيمية رحمه الله: البدعة لا تكون حقًا محضًا موافقًا للسنة، إذا لو كانت كذلك لم تكن باطلًا، ولا تكون باطلًا محضًا لا حق فيه، إذا لو كانت كذلك لم تخف على الناس، ولكن تشتمل على حق وباطل، فيكون صاحبها قد لَبَس الحق بالباطل.

 

-من أسباب قوة البدعة وظهورها:

** قال الإمام اللالكائي رحمه الله: مقالة أهل البدع لم تظهر إلا بسلطان قاهر، أو بشيطان معاند فاجر، يضل الناس خفيًا ببدعته، أو يقهر ذاك بسيفه وسلطانه، أو يستميل القلوب بماله ليضله عن سبيل الله، حمية لبدعته، وذبًا عن ضلالته، ليرد المسلمين على أعقابهم، ويفتنهم عن أديناهم، بعد أن استجابوا لله وللرسول.

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  كلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة.

 

-فرح النصارى بما يفعله أهل البدع مما يوافق دينهم:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: النصارى يفرحون بما يفعله أهل البدع والجهل من المسلمين مما يوافق دينهم ويشابهونهم فيه ويحبون أن يقوى ذلك ويكثر، ويحبون أن يجعلوا رهبانهم مثل عباد المسلمين، وقسيسهم مثل علماء المسلمين ويضاهئون المسلمين.

 

-الفرح بما يصيب أهل البدع:

أحمد بن أبي داود، كان مصرحًا بمذهب الجهمية، داعية إلى القول بخلق القرآن، دخل عليه عبدالعزيز بن يحيى المكي، وهو مفلوج، فقال: لم آتك عائدًا، ولكن جئت لأحمد الله أن سجنك في جلدك.

 

-الفرح بموت أهل البدع:

قال بشر بن الحارث: جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق، فلولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود، والحمد لله الذي أماته.

 

-مفارقة أهل البدع في الدنيا أسهل من مرافقتهم في الآخرة.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فوالله لمفارقة أهل الأهواء والبدع في هذه الدار أسهل من مرافقتهم إذا قيل: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ [الصافات:22] قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعده الإمام أحمد رحمه الله: أزواجهم أشباههم ونظراؤهم

 

-التوبة من فكر الخوارج عافية من الله:

قال سفيان: قلت لصدقة بن يسار: إن أناسًا يزعمون أنكم خوارج، قال: كنتُ منهم ثم إن الله عافاني.

 

-عدم الاغترار بأهل البدع، وإن كثرت عبادتهم:

قال الإمام الآجري رحمه الله: لا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام، عادلًا كان الإمام أم جائرًا، فخرج، وجمع جماعة، وسلَّ سيفه، واستحل قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه، ولا بحسن ألفاظه في العلم، إذا كان مذهبه مذهب الخوارج.

 

-تحذير الناس من البدع والداعين لها:

** قال الأوزاعي: إذا ظهرت البدع فلم ينكرها أهل العلم صارت سنة

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا كان المتكلم...داعيًا إلى بدعة، فهذا يجب بين أمره للناس، فإن دفع شره عنهم أعظم من دفع شر قاطع الطريق.

 

-المبتدعون خوارج الشرائع:

قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: كما لا يحسن في سياسة الملك العفو عمن سعى على الدولة بالخروج على السلطان، لا يحسن أيضًا أن يُعفى عمن ابتدع في الأديان، لأن فساد الأديان بالابتداع كفساد الدول بالخروج على الملك والاستتباع، فالمبتدعون خوارج الشرائع.

 

-الحذر من البدعة والابتداع في دين الله:

** قال أيوب السختياني: قال لي أبو قلابة: يا أيوب، احفظ عني أربعًا: لا تقل في القرآن برايك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك فينفذوا فيه ما شاءوا.

** قال عثمان بن حاضر الأزدي: دخلت على ابن عباس، فقلت: أوصني، فقال: عليك بالاستقامة، ولا تبتدع.

 

-البدعة أحبً إلى إبليس من المعصية:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قال أئمة الإسلام: أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية  لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يُتاب منها." ومعنى قولهم أن البدعة لا يتاب منها، أن المبتدع الذي يتخذ دينًا لم يشرعه الله ولا رسوله قد زين له سوء عمله فرآه حسنًا  فهو لا يتوب ما دام يراه حسنًا، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه أو بأنه ترك حسنًا مأمورًا به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله، فما دام يرى فعله حسنًا وهو سيء في نفس الوقت، فإنه لا يتوب. ولكن التوبة منة ممكنة وواقعة، بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف من أهل البدع والضلال، وهذا يكون بأن يتبع من الحق ما علمه، فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم كما قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد:17]وقال: ﴿ولو أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ [النساء:66_68] وقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الحديد:28]وكذلك من أعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه تبعًا لهواه، فإن ذلك يورثه الجهل والضلال، حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5] وقال تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة:10] ولهذا قال من قال من السلف: إن من ثواب الحسنة، الحسنة بعدها، وإن من عقوبة السيئة، السيئة بعدها.

 

-الوصية بترك علوم أهل البدع:

** الوليد بن أبان الكرابيسي، المتكلم، لما حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحد أعلم بالكلام مني ؟ قالوا: لا، قال: فتتهموني ؟ قالوا: لا، قال: فإني أوصيكم، عليكم بما عليه أصحاب الحديث.

** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ترجمة " صدقة بن الحسين البغدادي الحنبلي " قال ابن البدنيجي: رأيت صدقة في حالة حسنة، وقال لي: لا تشتعل بعلم الكلام، فما كان أضرّ عليّ منه.

 

-وسوسة الشيطان لأهل البدع:

قال الخطيب البغدادي رحمه الله: كان بشر المريسي يخرج إلى ناحية الزابيين ليغتسل، ويتطهر، فمضى وليد الكرابيسي إليه وهو في الماء. فقال: مسألة ؟ قال: وأنا على هذه الحال ؟ قال له: نعم، فقال: أليس رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاغ، فهذا الذي أنت فيه إيش ؟ قال بشر: إبليس يوسوس لي، ويوهمني أني لم أطهر، فقال الكرابيسي: فهو الذي وسوس لك حتى قلت القرآن مخلوق.

 

-الحذر من القراءة في كتب أهل البدع والأهواء:

قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله: وجدت تصانيف كثيرة....للمعتزلة، مثل: عبدالجبار الرازي، والجبائي، والكعبي، والنظام، وغيرهم، ولا يجوز إمساك تلك الكتب ولا النظر فيها، كيلا تحدث الشكوك ويوهن الاعتقاد، فكذا المجسمة صنفوا كتبًا في هذا الفن، مثل: محمد بن الهيصم، وأمثاله، ولا يحل النظر فيها ولا إمساكها، فإنهم شر أهل البدع، وقد وقع في يدي بعض هذه التصانيف فما أمسكت منها شيئًا.

 

-تلبيس إبليس على الخوارج

قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: أول الخوارج وأقبحهم حالًا ذو الخويصرة.

عن أبي سعيد الخدري، قال: بعث علي من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهبة...فقسمها رسول الله بين أربعة...فوجد من ذلك بعض أصحابه والأنصار وغيرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا تتمنوني وأنا أمين من في السماء...يأتيني خبر السماء صباح مساء) ثم أتاه رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثُّ اللحية، مُشمِّرُ الإزار، محلوق الرأس، فقال: اتِّقِ الله يا رسول الله، فرفع رأسه إليه، وقال: (ويحك أليس أحق الناس أن يتقى الله أنا) ثم أدبر، فقال: يا رسول الله ألا أضرب عُنُقهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلعله يصلي) فقال: إنه رُبَّ مُصلًّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لم أؤمر أن أنقب على قلوب الناس، ولا أشقَّ بطونهم) ثم نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُقفًّ، فقال: ( إنه سيخرج من ضئضيء هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرقُ السهمُ من الرَّميَّة.)هذا الرجل يقال له: ذو الخُويصرة التميمي وفي لفظ: أنه قال: اعدل فقال: (ويلك ومن يعدل ) فهذا أول خارجي خرج في الإسلام، وآفته أنه رضي برأي نفسه، ولو وفق لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأتباع هذا الرجل الذين قاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ولا أعجب من اقتناع هؤلاء بعلمهم واعتقادهم أنهم أعلم من علي عليه السلام، فقد قال ذو الخويصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اعدل فما عدلت، وما كان إبليس ليتهدي إلى هذه المخازي، نعوذ بالله من الخذلان.

  

-أهل السنة والجماعة عندهم الثبات وأهل البدع عندهم التردد:

قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: أهل السنة عندهم من اليقين والثبات ما ليس عند غيرهم، فالمبتدعة عندهم من التردد والشكوك الشيء الكثير، وكلما ازداد الإنسان في التعمق في علم بدعته كثرت الشكوك عنده، ولذلك تجد أرباب هذه الفرق لولا ما يستفيدونه من أمور دنيوية من مال، وشهرة، أو نحو ذلك، لتركوا طريقهم، لأن عندهم من الشك والحيرة الشيء الكثير، بخلاف أهل السنة والجماعة كلما ازداد الإنسان منهم علمًا ازداد بصيرة، وازداد يقينًا وثباتًا وطمأنينة.

 

-أسباب نفع الله بردود علماء أهل السنة والجماعة على أهل البدع:

قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: نفع الله جل وعلا بعلماء أهل السنة والجماعة في رد البدع والضلالات نفعًا عظيمًا، وذلك لعدد من الأمور:

الأمر الأول: أنهم ينطلقون في معتقدهم وفي ردودهم من الكتاب والسنة، والكتاب والسنة تذعن لهما النفوس المؤمنة، وفيها الحجج العقلية المقنعة، والبراهين النقلية الواضحة، بخلاف غيرهم من أهل البدع فإنهم ينطلقون في ردودهم من مصادر أخرى.

الأمر الثاني: أنهم يردون البدعة بالسنة، بخلاف غيرهم فإنهم يردون البدعة ببدعة. الأمر الثالث: من مميزات كتابة أهل السنة والجماعة: أنهم يجتنبون المتشابه من القول، فالألفاظ والأقوال والجمل التي تحتمل معاني متعددة يتوقفون عن إطلاقها إثباتًا ونفيًا ويكتفون بما ورد في النصوص الشرعية.

 

-رد أئمة الإسلام على أهل البدع:

قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: الرد على المبتدعة هذا ظاهر في حال أئمة الإسلام،...ولم يشغلوا أنفسهم بالرد على اليهود والنصارى وسائر ملل أهل الكفر، وذلك لأن شر المبتدع قد لا يظهر لكثير من أهل الإسلام، ولا يؤمن على أهل الإسلام، أما الكافر الأصلي من اليهود والنصارى فشرّه وضرره بيّن واضح لكل مسلم.

ولهذا لا يحسن أن يُنسب إلى أهل السنة والجماعة أنهم مفرِّطون في الردّ على اليهود والنصارى ومنشغلون بالرد على أهل الإسلام، كما قال بعض العقلانيين من المعتزلة وغيرهم: إن أهل السنة انشغلوا بالرد على أهل الإسلام وتركوا الرد على الكفار...هذا سببه هو ما سبق بيانه من أن شر البدع أعظم، لأن هؤلاء يدخلون على المسلمين باسم الإسلام، وأما اليهود والنصارى ففي القلب منهم نفرة.

وليس معنى هذا ذلك أن المؤمنين من أهل السنة لا ينشغلون بالرد على اليهود والنصارى...فالرد على كل مُعادٍ للإسلام من الكفار الأصليين ومن أهل البدع متعين وفرض...وكلّ منا يرد في مجاله: منّا من يردّ على اليهود والنصارى، ومنّا من يردّ على المبتدعة،  ونحن جميعًا نكون حامين لبيضة الإسلام من تلبيسات الملبسين، ومن بدع المبتدعين، وشرك المشركين، وضلالات الكفار.

 

-العلامة الفارقة بين أهل السنة والجماعة، وبين غيرهم:

قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: العلامة الفارقة بين أهل السنة والجماعة، وبين غيرهم، أنهم يحكّمون الكتاب والسنة ويعملون بإجماع الأمة في مسائل عقائدهم، وأما غيرهم فإنهم يقدمون غير النصوص عليها إما من العقول أو من الذوق أو غير ذلك

 

-الحذر أن يكون الإنسان سببًا في انتشار البدعة:

قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: كثير من الناس يُشغل وقته بالحكم على الناس، وذكر معايبهم، وقد يحصل من هذا إشكالات كثيرة، فتجد غالب وقته: فلان مبتدع، وفلان كذا. فنقول: ما الثمرة من مثل ؟ يكفى منك أن تحذر من العمل فقط، لأنك حذّرت من عمل حذَّر الناس من القائمين به، ومن ثم فأنت لا تحتاج إلى تسمية فلان وفلان، لأنك بتسميته ستعزه، وتُشهِره، وتجعله قضية للناس، فناس تدافع عنه، وناس تتكلم فيه، وهذا خلاف المنهج الشرعي، فإن المنهج الشرعي أن مثل هؤلاء الذين يقعون في الأخطاء يُعرض عنهم، بل عليك أن ترد ذلك الخطأ وتبين الحكم الشرعي فيه، أما زيد وعبيد فلا ثمرة من ذكرهم بل قد يكون هذا سببًا في انتشار البدعة ويصبح لها متعصبون.

وختامًا فليحرص المسلم على القراءة في الكتب التي صنفها أهل العلم في البدع، قال العلامة عبدالله عبدالرحمن الجبرين رحمه الله: البدع ألف فيها العلماء، وحذروا منها إجمالًا وتفصيلًا، ومن المتقدمين: ابن وضاح رحمه الله، في رسالة له صغيرة طبعت بعنوان: " البدع والتهي عنها " مقتصرًا على الأدلة التي يرويها بأسانيده المتصلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى الصحابة رضي الله عنهم، وعلماء التابعين، ومشاهير علماء سلف الأمة، وقد أفاد وأجاد

وكذا ألف في ذلك أبو شامة رحمه الله تعالى، رسالة: " الباعث على إنكار البدع والحوادث " حيث ذكر الأمثلة الكثيرة التي يقال: إنها من البدع، وأورد كلامًا كثيرًا صاغه المؤلف، أو نقله عن العلماء قبله، وقد أجاد وأفاد، وحصل على المراد."

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

  

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply