بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لا يخلو الإنسان في صحبته ومجالسة ومعاشرة لغيره أن يكون هذا الغير صالحًا مستقيمًا فتلك نعمة عظيمة، وإما أن يكون غير ذلك، فإن كان لا بد من معاشرته فعليه بالصبر حتى يأتي الله جل وعلا بالفرج، فعن محمد بن الحنفية رحمه الله قال: ليس بحكيم من لا يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدًا، حتى يجعل الله فرجًا، أو قال: مخرجًا.
فإن كان ممن لا يلزم المسلم معاشرته، فلينظر هل صحبته داء أو دواء؟ قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: المخالطة لبعض الناس دواء، ولبعض الناس أدواء.
فمجالسة ومخالطة بعض الناس داء، وبعضهم دواء، قال الزبيري رحمه الله: كنت إذا جلست إلى الحسن بن صالح رجعت وقد نغص علي ليلتي. وكنت إذا جلست إلى سفيان الثوري رجعت وقد هممت أن أعمل عملًا صالحًا. وكنت إذا جلست إلى شريك بن عبدالله رجعت وقد استفدت أدبًا حسنًا.
وليعلم أن للجليس والرفيق والصاحب تأثير كبير على من يجالس ويرافق ويصاحب، قال الإمام الغزالي رحمه الله: الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء، بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه. وقال العلامة عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: طول المعاشرة، وكثرة المخالطة لها تأثير ظاهر، وفعل بيّن في الأخلاق والطباع والشيم، والعقائد والديانات كما هو مشاهد محسوس، حتى إن الإنسان قد يسرى إليه ما جبل بعض الحيوانات عليه، كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((الغلظة في الفدادين، أهل الوبر والشعر، والسكينة في أهل الغنم.))
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الموصوف بالأمانة يسلبها حتى يصير خائنًا بعد أن كان أمينًا وهذا إنما يقع على ما هو شاهد لمن خالط أهل الخيانة فإنه يصير خائنًا لأن القرين يقتدي بقرينه
وحتى لا يندم المسلم يوم القيامة يوم لا ينفع الندم، فعليه بالبعد والحذر من مصاحبة ومجالسة الفساق والفجار والأشرار، قال الله عز وجل: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾[الزخرف:67] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "أي كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عز وجل، قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة: صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إلا المتقين."
للسلف أقوال في التحذير من مصاحبة الأشرار وجلساء السوء، يسّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
** قال سري السقطي رحمه الله: لا تصحب الأشرار.
** قال حاتم الأصم رحمه الله : من اغتابني فليس عدوي، ومن أخذ مني شيئًا فليس هو عدوي، ولكن عدوي الذي إذا كنت في طاعة الله أمرني بمعصية الله، فرأيت ذلك إبليس وجنوده فاتخذتهم عدوًا.
** قال الإمام ابن حبان رحمه الله: العاقل يفارق صحبة الأشرار.
** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: الوحدة خير من جليس السوء.
** قال عمرو بن قيس رحمه الله: انظروا رحمكم الله من تصحبون، وإلى من تجلسون...أعاذنا الله وإياكم من صحبة المفتونين، ولا جعلنا وإياكم من إخوان العابثين، ولا من أقران الشياطين.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خصال: أن يكون غير فاسق...فالفاسق المصر على الفسق، لا فائدة في صحبته، لأن من يخاف الله لا يصرّ على كبيرة، ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته، ولا يوثق بصداقته، بل يتغير بتغير الأغراض.
** قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: ما خالطت لعابًا قط.
** قال الإمام النووي رحمه الله:
-ترك مخالطة الفساق، وأهل المعاصي، وفراقهم.
-النهي عن مجالسة أهل الشر...ومن يغتاب الناس أو يكثر فجوره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (( وإن يكُ سوى ذلك فشرُ تضعونه عن رقابكم )) يؤخذ من الحديث: ترك صُحبة أهل البطالة، وغير الصالحين.
-اجتناب مصاحبة أهل البدع:
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خصال: أن يكون غير...مبتدع...فالمبتدع في صحبته خطر سراية البدعة، وتعدى شؤمها إليه، فالمبتدع مستحق للهجر والمقاطعة، فكيف تؤثر صحبته ؟
** قال الإمام النووي رحمه الله:
-النهي عن مجالسة...أهل البدع.
-هجران أهل البدع،...ومنابذي السنة
-اجتناب مصاحبة من صداقته لغير الله:
قال قتادة بن دعامة رحمه الله: لينظر الرجل على ما يخالل، ومن يصاحب، فإن كان لله فليداوم، وإن كان لغير الله فليعلم أن كل خلة ستصير على أهلها عداوة يوم القيام إلا خلة المتقين.
-اجتناب مصاحبة السفيه:
قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: ما جالست سفيهًا قط.
-اجتناب مصاحبة الكذاب والخائن والمنان:
** قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا خير في صحبة من يجتمع فيه هذه الخصال: من إذا حدثك كذبك، وإذا ائتمنته خانك، وإذا ائتمنك اتهمك، وإذا أنعمت عليه كفرك، وإذا انعم عليك منَّ عليك.
** قال علي بن الحسن رحمه الله لابنه: لا تصحب...كذابًا فإنه كالسراب يقرب منك البعيد ويباعد عنك القريب.
-اجتناب مصاحبة من لا يفيد علمًا، ولا يستفيد:
** قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: إياك وكل جليس لا يفيدك علمًا.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: قال بعض العلماء: لا تصحب إلا أحد رجلين: رجل تتعلم منه شيئًا في أمر دينك فينفعك، أو رجل تُعلّمهُ شيئًا في أمرِ دينه فيقبلُ منك، والثالث فاهرب منه.
-اجتناب مصاحبة من لا يفيد خيرًا:
** قال مالك بن دينار رحمه الله: كل جليس لا تستفيد منه خيرًا فلا تجالسه، قريبًا كان أو بعيدًا.
** قال الإمام ابن حبان رحمه الله: الواجب على العاقل ألَّا يصحب من لا يستفيد منه خيرًا، وكل جليس لا تستفيد منه خيرًا فلا تجالسه قريبًا كان أو بعيدًا.
-اجتناب مصاحبة العاق:
** فال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: قال بعض الحكماء: لا تصادق عاقًا، فإنه لن يبرك وقد عقَّ من هو أوجب حقًا منك عليه.
** قال محمد بن علي رحمه الله أوصاني أبي قال: لا تصحبن قاطع رحم، فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله في ثلاثة مواضع.
-اجتناب مصاحبة الجاهل:
قال طاوس بن كيسان اليماني رحمه الله، لابنه: يا بني، لا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم.
-اجتناب مصاحبة سيء الخلق:
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: لا تخالط سيء الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى الشر، وصاحبه منه في عناء.
-اجتناب مصاحبة صديق العافية:
قال الإمام الخطابي رحمه الله: الإخوان اثنان، فمحافظ عليك عند البلاء، وصديق لك في الرخاء، فاحفظ صديق البلية، وتجنب صديق العافية، فإنهم أعدى الأعداء.
-اجتناب مصاحبة صاحب الحاجة:
** قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: إياك من مودته على قدر حاجته، فعند ذهاب الحاجة ذهاب المودة.
** قال الإمام الخطابي رحمه الله: من ودك لأمر ولى مع انقضائه.
-اجتناب مصاحبة المتلون والمتقلب:
قال الإمام ابن حبان رحمه الله: العاقل لا يصادق المتلوِّن، ولا يُواخي المتقلِّب.
-اجتناب مصاحبة البخيل:
قال علي بن الحسن رحمه الله لابنه: لا تصحب...بخيلًا فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.
-اجتناب مصاحبة الحريص على الدنيا:
** قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: إياك ومجالسة أهل الدنيا الذين يخضون في حديث الدنيا، فإنهم يفسدون عليك دينك وقلبك.
** قال الإمام السلمي رحمه الله واجب على المؤمن أن يتجنب عشرة طلاب الدنيا فإنهم يدلونه على طلبها، وجمعها، ومنعها، وذاك الذي يبعده عن طلب نجاته، ويقطعه
عنها
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته أن لا يكون حريصًا على الدنيا...فالحريص على الدنيا، صحبته سم قاتل،...فمجالسة الحريص على الدنيا تحرك الحرص...فلذلك تكره صحبة طلاب الدنيا.
-اجتناب مصاحبة اللئيم:
قال الإمام ابن حبان رحمه الله: العاقل لا يُواخي لئيمًا؛ لأن اللئيم كالحية الصمَّاء، لا يوجد عندها إلا اللدغ والسم، ولا يصل اللئيم ولا يواخي إلا عن رغبة أو رهبة، والكريم يود الكريم على لقيةٍ واحدة، ولو لم يلتقيا بعدها أبدًا.
-اجتناب مصاحبة الجبان:
قال جعفر الصادق رضي الله عنه: لا تصحب الجبان فإنه يسلمك ويفر عند الشدة
-اجتناب مصاحبة الأحمق
** قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا تواخ الأحمق فمدخله ومخرجه شين عليك
** قال علي بن الحسن رحمه الله لابنه: لا تصحب أحمقًا فإنه يريد أن ينفعك فيضرك
** قال الإمام ابن حبان رحمه الله: الواجب على العاقل ترك مصاحبة الحمقى ...فالأحمق إن لم يعْدِكَ حمقُه تدنَّست بعشرته.
الأحمق إن صحبته عناك، وإن اعتزلته شتمك، وإن أعطاك منَّ عليك، وإن أعطيته كفرك، وإن أسرَّ إليك اتهمك، وإن أسررت إليه خانك، وإن كان فوقك حقرك، وإن كان دونك غمرك، والأحمق يتوهم أنه أعقل من ركب فيه الروح، وأن الحمق قسم على العالم غيره، والعاقل يجنب عليه مجانبة من هذا نعته، ومخالطة من هذه صفته، فإنهم يجترئون على مَنْ عاشرهم.
فائدة: قال الإمام ابن حبان رحمه الله: من علامات الحمق: سرعة الجواب وترك التثبُّت، والإفراط في الضحك، وكثرة الالتفات، والوقيعة في الأخيار، والاختلاط بالأشرار، والأحمق إذا أعرضت عنه اغتمَّ، وإن أقبلت عليه اغترَّ، وإن حلمت عنه جهل عليك، وإن جهلت عليه حلم عنك، وإن أسأت إليه أحسن إليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، وإذا ظلمته انتصفت منه، ويظلمك إذا أنصفته، ومن أعظم أمارات الحمق في الأحمق لسانه، فإنه يكون قلبه في طرف لسانه، ما خطر على قلبه نطق به لسانه.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: لا خير في صحبة الأحمق، فإلى الوحشة والقطيعة ترجع عاقبتها وإن طالت، فالأحمق قد يضرك وهو يريد نفعك وإعانتك من حيث لا يدري.
** قال عمر رضي الله عنه: لا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره.
** قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا تواخِ الفاجر فإنه يزين لك فعله، ويحب لو أنك مثله، ويزيّن لك أسوأ خصاله، ومدخله ومخرجه من عندك شين وعار.
** قال علي بن الحسن رحمه الله لابنه لا تصحب فاسقًا فإنه يبيعك بأكلة وأقلّ منها
** قال جعفر بن محمد رحمه الله لابنه: يا بني من داخل السفهاء حُقر
** قال سلمة بن دينار رحمه الله: إن أدنيت أهل الشر ذهب أهل الخير.
** وعظ المخزومي رحمه الله ابنه فقال: إياك وإخوان السوء، فإنهم يخونون من رافقهم وقربهم أعدى من الجرب، ورفضهم من استكمال الأدب، والمرء يعرف بقرينه.
** قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: يقال صاحب السوء جذوة النار.
** قال الإمام ابن حبان رحمه الله:
-مودة الأشرار سريعٌ انقطاعُها، بطيءٌ اتصالها.
-صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار.
-من خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب، لئلا يكون مريبًا.
-صحبة الأشرار تُورث الشر لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار تعقب الضغائن لا يستقيم ودُّه ولا يفي بعهده
-العاقل يجتنب مماشاة المريب في نفسه، ويفارق صحبة المتهم في دينه؛ لأن من صحب قومًا عُرف بهم، ومن عاشر امرًا نُسب إليه، والرجل لا يصاحب إلا مثله أو شكله.
** قال الإمام الخطابي رحمه الله:
-مخالطة الأنذال والسفلة تحط الهيبة، وتضع المنزلة، وتكل اللسان، وتزري للإنسان
-لا يصطحب اثنان على غير طاعة الله عز وجل، إلا يوشك أن يفترقا على غير طاعة الله.
** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: أسرع الأشياء انقطاعًا مودة الفاسق.
** قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: صحبة أهل الفساد تورث فيه الفساد.
** قال الإمام النووي رحمه الله: التباعد عن أهل الظلم، والتحذير من مجالستهم، ومجالسة البغاة، ونحوهم من المبطلين، لئلا يناله عقوبة ما يعاقبون به
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قيل: إن فرعون لما أراد متابعة موسى وتصديقه شاورن هامان وزيره، فقال: بينا أنت إله تُعبدُ تصيرُ عبدًا تعبُد غيرِك، فأبى العبودية واختار الرياسة والإلهية المُحال.
** قال العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله: إخوان السوء كشجرة النار يُحرق بعضها بعضًا.
وختامًا فعلى المسلم الاستعاذة بالله من صحبة من لا يعين على طاعة الله، قال الإمام ابن حبان رحمه الله: الواجب على العاقل أن يستعيذ بالله من صحبة من إذا ذكر الله لم يعنه، وإن نسي لم يُذكره، وإن غفل حرَّضه على ترك الذكر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد