من أقوال السلف في حسن الخلق


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

عن أبي ذر، ومعاذر بن جبل رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.)) [ أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن] وقد وردت أحاديث كثيرة في فضيلة حسن الخلق، منها:

قوله صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيمانًا: أحسنهم خلقًا)) [ أخرجه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح]

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليدرك بحسن خلقه الصائم القائم)) [أخرجه أبو داود، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة [795] بلفظ (( إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل، صائم النهار.))

ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: ((ألا أخبركم بأحبّكم إلى الله، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة ؟)) قالوا: بلى. قال: (( أحسنكم خلقًا.)) [ أخرجه الإمام أحمد، وقال العلامة أحمد شاكر: إسناده صحيح]

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسن خُلُقه)) [ أخرجه أبو داود، وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود]

فطوبى لمن خسن خلقه، فنال محبة الله عز وجل، وكان من أكمل المؤمنين إيمانًا، وأدرك درجات الصائمين القائمين، وكان في أعلى الجنة.

للسلف أقوال في حسن الخلق، يسّر الله الكريم، فجمعت بعضا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

 

•        حسن الخلق:

** قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال.

** قال ابن منصور: سألت أبا عبدالله عن حُسن الخلق قال: أن لا تغضب ولا تحتد

** قال الحسن رحمه الله حقيقةُ حسن الخُلُق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه

**قال الحافظ ابن رجب: قال الإمام أحمد حُسنُ الخُلُق أن تحتمل ما يكون من الناس

** قال الإمام الغزالي رحمه الله: جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: هو أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، برًا، وصولًا، صبورًا، شكورًا، رضيًا، حليمًا، رفيقًا، عفيفًا شفيقًا، لا لعانًا، ولا سابًا، ولا نمامًا، ولا مغتابًا، ولا عجولًا، ولا حقودًا، ولا بخيلًا، ولا حسودًا، بشاشًا، هشاشًا، يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويبغض في الله، فهذا هو حسن الخلق.

** قال الشيخ سعد الشثري فسر بعض أهل العلم الخلق الحسن بعدد من الأمور أولها ترك أذية الآخرين

وثانيها إيصال الإحسان على الآخرين

وثالثها: الصبر على ما يحصل من الآخرين من أمور مكروهة

ورابعها: ملاقاة الناس بوجه طليق ولسان طيب

 

•        فضيلة حسن الخلق:

** قال أنس بن مالك رحمه الله: إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد، ويبلغ بسوء خلقه أسفل درك في جهنم وهو عابد.

** قال يحيى بن عاذ رحمه الله: في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.

** قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: حُسن الخلق خير قرين، والأدبُ خير ميراث.

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وخالق الناس بخُلُقٍ حسن)) هذا من خصال التقوى ولا تتم التقوى إلا به وإنما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه فإن كثيرًا من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده فنص على الأمر بإحسان العشرة للناس

** قال العلامة السعدي رحمه الله: التودد إلى الناس بالأخلاق الجميلة، والبشاشة وحسن الخلق، من أكبر الأسباب لراحة القلب والبدن، والسلامة من الغل، والحقد، والمنازعات، والمخاصمات، والتعلقات المشوشة للأفكار الموجبة للأكدار.

من ذاق طعم حسن الخلق والتودد إلى الناس وكيف يكسب العبد بذلك من الأصحاب والأحباب ما هو من أفضل الغنائم، وكيف يسلم به من الشرور ؟ وكيف ينقلب العدو صديقًا أو المبغض محبًا ؟ عرف ما في ذلك من الخير والراحة، وأن هذه الأمور هي القسم الأكبر الذي يرشد إليه العقل.

 

•        حسن الخُلق لا يقوى عليه إلا الكُمَّل من الأولياء والصديقين:

** قال الإمام النووي رحمه الله: حسن الخلق...صفة أنبياء الله تعالى، وأوليائه.

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جدًا، لا يقوى عليه إلا الكُمَّلُ من الأنبياء والصديقين.

 

•        أركان حسن الخلق:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله:

_ حسن الخلق يقوم على أربعة أركان لا يتصور قيام ساقه إلا عليها: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل.

الصبر: يحمله على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم والأناة والرفق، وعدم الطيش والعجلة.

العفة: تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل، وتحمله على الحياء وهو رأس كل خبر، وتمنعه من الفحش، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة.

الشجاعة: تحمله على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق، وعلى البذل...الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته، وتحمله على كظم الغيظ والحلم، فإنه بقوة نفسه وشجاعتها أمسك عنانها، وكبحها بلجامها عن التسرُّع والبطش.

العدل: يحمله على اعتدال أخلاقه، وتوسطه فيها بين طرفي الإفراط والتفريط، فيحمله على خلق الجود والسخاء الذي هو توسط بين الإمساك والإسراف والتبذير، وعلى خلق الحياء الذي هو توسط بين الذُّلِّ والقِحة، وعلى خلق الشجاعة الذي هو توسط بين الجبن والتهور.

_ حسن الخلق مع الناس جماعه أمران بذل المعروف قولًا وفعلًا وكف الأذى قولًا وفعلًا....وهذا إنما يقوم على أركان خمسة: العلم، والجود، والصبر، وطيب العود، وصحة الإسلام

أما العلم فلأنه به يعرف معالي الأخلاق وسفسافها، فيمكنه أن يتصف بهذا ويتحلى به، ويترك هذا ويتخلى عنه.

وأما الجود فسماحة نفسه وبذلُها وانقيادها لذلك إذا أراده منها،

وما الصبر فلأنه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائه، لم يتهيأ له،

وأما طيب العود فإن يكون الله تعالى خَلَقه على طبيعة منقادة سهلة القيادة، سريعة الاستجابة لداعي الخيرات، والطبائع ثلاثة: طبيعة حجرية صُلبة قاسية، لا تلين، ولا تنقاد، وطبيعة مائية هوائية سريعةُ الانقياد، مستجيبة لكل داع، كالغصن أي نسيم يعطفه - وهاتان منحرفتان، الأولى لا تقبل، والثانية لا تحفظ - وطبيعة قد جمعت بين اللين والصلابة والصفاء، فهي تقبل بلينها، وتحفظ بصلابتها، وتدرك حقائق الأمور بصفائها فهذه الطبيعة الكاملة التي ينشأ عنها كل خُلُق صحيح.

وأما صحة الإسلام فهو جِماع ذلك والمصحح لكل خلق حسن فإنه بحسب قوة إيمانه وتصديقه بالجزاء وحسن موعود الله وثوابه يسهل عليه تحمُّل ذلك والله الموفق.

 

•        الأسباب التي ينال به حسن الخلق:

قال الإمام الغزالي رحمه الله:

الأول: جود إلهي، وكمال فطري، بحيث يخلق الإنسان ويولد كامل العقل، حسن الخلق قد كفى سلطان الشهوة والغضب فيصير عالمًا بغير تعليم مؤدبًا من غير تأديب

الثاني: اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة، وأعنى حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب

الثالث: مشاهدة أرباب الفعال الحميدة، ومصاحبتهم، وهم قرنا الخير، وإخوان الصلاح، إذ الطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعًا.

فمن تظاهرت في حقه الجهات الثلاث حتى صار ذا فضيلة طبعًا واعتيادًا وتعلمًا فهو في غاية الفضيلة.

 

•        علامات حسن الخلق:

قال الإمام الغزالي رحمه الله: حسن الخلق هو الإيمان، وقد ذكر الله صفات المؤمنين في كتابه، وهي بجملتها حسن الخلق...فمن أشكل عليه حاله، فليعرض نفسه على هذه الآيات، فوجود جميع الصفات علامة حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق، ووجود بعضها دون بعض، يدل على البعض دون البعض، فليشتغل بتحصيل ما فقده، وحفظ ما وجده.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply