بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في سفره النفيس «عمرو بن العاص الأمير المجاهد» يعيش الكاتب د. منير الغضبان في أجواء صادقة يصف خلالها سيرة هذا الطود الشامخ من صحابة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكرام، ويتصدر الكتاب بتلك المقولة الواقعية التي تلخص حجم المؤامرة التاريخية على هذا الأمير المجاهد حيث يقول: ما إن تذكر عمرا حتى يتبادر إلى الناس ذلك الخادع المحتال الذي خدع أبا موسى الأشعري ونقض اتفاقه معه وأبقى بمعاوية وخلع عليا، وبذلك ينصرف عامة الناس عن ذكر عمرو بن العاص.
فهل يجوز لمثل هذه الشخصية العظيمة أن تبقى غُفلا في التاريخ لا يعرف عنها إلا المكر والخديعة؟!.
** قال عمر بن الخطاب عن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: "ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا".
وما قال هذا إلا أن عمرو من الوسامة والجمال والجسم الممتلئ والقامة المتسقة مثل أبيه العاص بن وائل .. قال ذاخر المعافري: قام عمرو بن العاص على المنبر فرأيت رجلا ربعة قصير القامة وافر الهامة أدعج [أسود العينين] أبلج [مضيء مشرق] عليه ثياب موشية كأن بها العقيان [الذهب الخالص] تأتلق عليه وعليه حلة وعمامة وجبة.
** قال عثمان بن عفان: "إن عمرو لمجرأ وفيه أقدام وحب للإمارة".
** قال الليث بن سعد: "قال عمرو بن العاص: ما كنت بشيء أتجر مني بالحرب".
** وقال عمرو يصف موقعه عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فوالله ما عدل بي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في أمر حزبه منذ أسلمنا، وقد كنا عند أبي بكر بتلك المنزلة، لقد كنت عند عمر بتلك الحالة، وكان عمر على خالد كالعاتب".
** ويقول الصديق لعمر -رضي الله عنهما-: "دعه فإنما ولاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا لعلمه بالحرب".
** قال ابن حجر في الإصابة عن يحيى بن بكير عن الليث: توفي وهو بن تسعين سنة. قلت قد عاش بعد عمر عشرين سنة. وقال العجلي: عاش تسعا وتسعين سنة، وكان عمر عُمَر ثلاثا وستين. وقد ذكروا أنه كان يقول: أذكر ليلة ولد عمر بن الخطاب أخرجه البيهقي بسند منقطع فكأن عمره لما ولد عمر سبع سنين.
** أبوه العاص بن وائل السهمي زعيم من زعماء قريش في الجاهلية، وقاد بني سهم في حرب الفجار، وكان عمر عمرو عشر سنين، أما أمه فكانت من سبايا العرب.
** وذكر أنه جُعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص عن أمه وهو على المنبر فسأله، فقال: أمي سلمى بنت حرملة تلقب النابغة من بني عنزة أصابتها رماح العرب فبيعت بعكاظ فاشتراها الفاكه بن المغيرة ثم اشتراها منه عبد الله بن جدعان ثم صارت إلى العاص بن وائل فولدت فأنجبت فإن كان جُعل لك شيء فخذه.
** إسلامه كان سنة ثمان للهجرة مع عثمان بن طلحة [هو حاجب الكعبة]، ولما رآهم النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها)
** قيل لعمرو بن العاص ما أبطأ بك عن الإسلام وأنت أنت في عقلك؟ فقال: إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدم وسن توازى حلومهم الجبال، ما سلكوا فجا فتبعناهم إلا وجدناه سهلا، فلما أنكروا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنكرنا معهم ولم نفكر في أمرنا وقلدناهم، فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا في أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتدبرنا فإذا الأمر بيّن، فوقع في قلبي الإسلام، فعرفت قريش ذلك في إبطائي عما كنت أسرع فيه من عونهم على أمرهم، فبعثوا إلي فتى منهم فقال أبا عبد الله إن قومك قد ظنوا بك الميل إلى محمد. فقلت له: يا ابن أخي إن كنت تحب أن تعلم ما عندي فموعدك الظل من حراء فالتقينا هناك فقلت إني أنشدك الله الذي هو ربك ورب من قبلك ومن بعدك أنحن أهدى أم فارس والروم؟ قال: اللهم بل نحن. فقلت: أفنحن أوسع معاشا وأعظم ملكا أم فارس والروم؟ قال: بل فارس والروم. قلت: فما ينفعنا فضلنا عليهم في الهدى إن لم تكن إلا هذه الدنيا وهم فيها أكثر منا أمرا، قد وقع في نفسي أن ما يقول محمد من البعث بعد الموت حق ليجزى المحسن في الآخرة بإحسانه والمسيء بإساءته، هذا يا ابن أخي الذي وقع في نفسي ولا خير في التمادي في الباطل.
لقد كان هذا الأمر بالتأكيد بعد الخندق وبعد التخلف عن الحديبية وبعد الاعتزال في أرضه ومزرعته بالوهط التي بذل جل ماله في اقتنائها وتحسينها.
** وروى البيهقي بسنده إلى زيد بن أسلم قال: قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص: لقد عجبت لك في ذهنك وعقلك، كيف لم تكن من المهاجرين الأولين؟ فقال له عمرو: وما أعجبك يا عمر من رجل قلبه بيد غيره لا يستقيم -أو قال لا يستطيع- التخلص منه إلا إلى ما أراد الذي بيده. فقال عمر: صدقت
** قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو .. يكنى أبا عبد الله، أمه النابغة من بني عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، كان يخضب بالسواد، خرج إلى الحبشة إلى النجاشي بعد الأحزاب فأسلم عنده بالحبشة، فأخذه أصحابه بالحبشة فغموه فأفلت منهم مجردا ليس عليه قشرة، فأظهر للنجاشي إسلامه فاسترجع من أصحابه جميع ماله ورده عليه، فقدم هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة مهاجرين المدينة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتقدم خالد فبايع ثم تقدم هو فبايعه على أن يغفر له ما كان قبله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الهجرة والإسلام يجب ما قبله.)
** أخرج أحمد وغيره من حديث عمرو بن العاص يقول: فزع الناس بالمدينة مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتفرقوا، فرأيت سالماً احتبى سيفه فجلس في المسجد، فلما رأيت ذلك فعلت مثل الذي فعل، فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرآني وسالماً وأتى الناس فقال: (أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله؟ ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان؟) وهذا إسناد صحيح... وهذه مرة يشهد له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإيمان.
** روى أحمد من حديث عَلْقَمَةَ بْنِ رِمْثَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصٍ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَرِيَّةٍ وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: (يَرْحَمُ اللهُ عمرًا) قَالَ: فَتَذَاكَرْنَا كُلَّ مَنِ اسْمُهُ عَمْرٌو، قَالَ: فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: (يَرْحَمُ اللهُ عَمْرًا) قَالَ: ثُمَّ نَعَسَ الثَّالِثَةَ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: (يَرْحَمُ اللهُ عَمْرًا) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ عَمْرٌو هَذَا؟ قَالَ: (عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) قُلْنَا: وَمَا شَأْنُهُ؟ قَالَ: (كُنْتُ إِذَا نَدَبْتُ النَّاسَ إِلَى الصَّدَقَةِ، جَاءَ فَأَجْزَلَ مِنْهَا، فَأَقُولُ: يَا عَمْرُو، أَنَّى لَكَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ عِنْدِ اللهِ. وَصَدَقَ عَمْرٌو، إِنَّ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
** روى أحمد عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ لَا أُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ) قَالَ وَزَادَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَرْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ: (نِعْمَ أَهْلُ الْبَيْتِ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ).
** وروى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ عَمْرٌو وَهِشَامٌ) .. وهذه مرة ثانية يشهد له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإيمان.
وهشام كان قد سبق عمرا بالإسلام، وهاجر إلى الحبشة، واستشهد باليرموك، لكن عمرا -رضي الله عنه- لنفاسة معدنه لحق بأخيه، وإن كان دائما يفضل أخاه عليه .. فعن محمد بن الأسود بن خلف قال: كنا جلوسا في الحجر في أناس من قريش إذ قيل: قدم الليلة عمرو بن العاص قال: فما أكثرنا أن دخل علينا فمددنا إليه أبصارنا فطاف ثم صلى في الحجر ركعتين وقال: أقرصتموني؟ قلنا: ما ذكرناك إلا بخير ذكرناك وهشام بن العاص فقلنا: أيهما أفضل؟ قال بعضهم: هذا وقال بعضنا: هشام. قال: أنا أخبركم عن ذلك، أسلمنا وأحببنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وناصحناه ثم ذكر يوم اليرموك فقال: أخذت بعمود الفسطاط ثم اغتسلت وتحنطت ثم تكفنت فعرضنا أنفسنا على الله -عز وجل- فقبله فهو خير مني - يقولها ثلاثا -
وفي رواية أخرى يتحدث عمرو عن فضائل أخيه فيقول: أسلم قبلي، وأمة بنت هاشم بن المغيرة وأمي سبية، وكان أحب إلى أبيه مني، وتعرفون فراسة الوالد.
** وروى أحمد عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد