سورة البقرة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

هذا الجزء الثاني، من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله، من سورة البقرة، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

·       الحروف المقطعة في أوائل السور:

اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أول السور، فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمه، فردوا علمها إلى الله ولم يفسروها.

ومنهم: من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبدالرحمن بن أسلم: أسماء السور

وقال مجاهد: فواتح افتتح الله بها القرآن. وقيل: اسم من أسماء الله تعالى.

وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها.

ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم من بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة.

·       إبليس من الجن:

الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم، لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم، وتوسم بأفعالهم، فلهذا دخل في الخطاب لهم، وذم في مخالفة الأمر،... عن الحسن قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفه عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس. وهذا إسناد صحيح عن الحسن.

·       فصاحة القرآن:

القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة، عند من يعرف ذلك تفصيلًا، وإجمالًا ممن فهم كلام العرب، وتصاريف التعبير، فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة، سواء كانت مبسوطة، أو وجيزة، وسواء تكررت أم لا ، وكلما تكرر حلا وعلا، لا يخلق من كثرة الردّ، ولا يملّ منه العلماء. وإن أخذ في الوعيد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصمّ الراسيات، فما ظنك بالقلوب الفاهمات. وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والآذان، ويشوق إلى دار السلام، ومجاورة عرش الرحمن، كما قال في الترغيب: ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [السجدة:17]  وقال في الترهيب: ﴿ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير [الملك:16_17] وقال في الزجر: ﴿ فكلًا أخذنا بذنبه[العنكبوت:40] وقال في الوعظ: ﴿ أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ﴾ [الشعراء:205_207]

إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة، وإن جاءت الآيات في الأحكام والأوامر والنواهي اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب، والنهي عن كل قبيح رذيل دنيء... وإن جاءت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار، وما أعدّ الله لأوليائه وأعدائه من النعيم، والجحيم والملاذ والعذاب الأليم، بشرت به، وحذرت وأنذرت، ودعت إلى فعل الخيرات، واجتناب المنكرات، وزهدت في الدنيا، ورغبت في الأخرى، وثبتت على الطريقة المثلى وهدت إلى الصراط المستقيم وشرعه القويم ونفت عن القلوب رجس الشيطان   

·       النفاق والمنافقين:

-النفاق: هو إظهار الخير، وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي: وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي وهو من أكبر الذنوب.

-المنافق يخالف قوله فعله، وسره علانيته ، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه.

-نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فيها نفاق.

-المنافقون... بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين... وما يغرون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم.

-الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا.

-من تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أردى لهم، وأبلغ في العمى، والبعد عن الهدى.

-قال الحسن البصري: حين يموت المنافق يظلم عليه عمله، عمل السوء، فلا يجد له عملًا من خير عمل به، يصدق به قول " لا إله إلا الله "

-من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع.

-قال سعيد عن قتادة: نعت المنافق عند كثير: خنع الأخلاق، يصدق بلسانه وينكر قلبه، ويخالف بعمله، يصبح على حال ويمسى على غيره، ويمسى على حال ويصبح على غيره، ويتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح هبت معها.

·       استحضار الساعي بين الصفا والمروة فقره وذله وحاجته إلى الله:

طواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة، في طلب الماء لولدها لما نفذ ماؤهما، وزادهما، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك، وليس عندهما أحد من الناس، فلما خافت على ولدها الضيعة هنالك، ونفذ ما عندهما، قامت تطلب الغوث من الله عز وجل، فلم تزل تترد في هذه البقعة الشريفة بين الصفا والمروة، متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله عز وجل، حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدتها، وأنبع لها زمزم،... فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه. وأن يلتجئ إلى الله عز وجل لتفريج ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب، والمعاصي إلى حال الكمال، والغفران، والسداد، والاستقامة، كما فعل بهاجر عليها السلام.  

·       الشعر:

يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات، التي لا يحسن شعرهم إلا بها، كما قيل في الشعر: إن أعذبه أكذبه، وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النساء أو الخيل أو الخمر أو في مدح شخص معين أو فرس أو ناقة، أو حرب كائنة أو مخافة، أو سبع، أو شيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئًا.

·       حسد إبليس وتكبره:

حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام، على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: " أنا ناري" وهذا طيني، وكان بدء الذنوب: الكبر، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم عليه السلام.

·       سبب التفريق بين الزوجين بالسحر:

سبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر أو خلق... أو عقد أو بغضه أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة

·       أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر:

أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر، ما أنزل الله على رسوله في إذهاب ذلك، وهما: المعوذتان، وفي الحديث (( لم يتعوذ أحد بمثلهما ))، وكذلك قراءة آية الكرسي، فإنها مطردة للشيطان.

·       الربا:

- قال الله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله [البقرة:278_279] قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: استيقنوا بحرب من الله ورسوله... .وقال: يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب.  

- قال ابن مسعود رضي الله عنه: الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قلّ.

- قال ابن عباس رضي الله عنهما: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا يخنق.  

- المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفى بما شرع الله له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما أنعم الله عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل.

- باب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم.

- يخبر تعالى أنه يمحق الربا، أي: يذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله، فلا ينتفع به، بل يعدمه به في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة.

·       لا يكره أحد على الدخول في دين الإسلام:

-لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيّن واضح جليّ دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام، وشرح صدره، ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمي الله قلبه، وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا.

·       مسميات:

-سمى يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض.

- سميت الآخرة لأنها بعد الدنيا.

- الغمام سمي بذلك لأنه يغمّ السماء، أي: يواريها ويسترها، وهو السحاب الأبيض

- النصارى سموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم... وقيل سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا بأرض يقال لها: " ناصرة"

- سميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم، وشدة إيقانهم، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية، والغيوب الآتية.  

·       الفساد في الأرض:

عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: الفساد هو الكفر، والعمل بالمعصية،... وعن أبي العالية: من عصى الله في الأرض، أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة.

·       متفرقات:

- قال بعض السلف في قوله تعالى: ﴿ اتقوا الله حق تقاتهقال: يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.

- قوله تعالى: ﴿ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون﴾ [البقرة:156] أي: تسلوا بقولهم هذا عما أصابهم، وعلموا أنهم ملك لله، يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون.

- قال ابن عباس رضي الله عنهما:

_ إقامة الصلاة إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها. وقال قتادة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها.

_ لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء.

_ كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب.

- قال أبو الدرداء رضي الله عنه: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشدّ مقتًا.

- قال الحسن: الدنيا دار بلاء، ثم دار فناء، والآخرة دار جزاء، ثم دار بقاء.

- قال مجاهد: الران أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الاقفال، والاقفال أشدّ من ذلك كله.

- قال عون بن عبدالله: صحبت الأغنياء فكنت من أكثرهم همًّا، حين رأيتهم أحسن ثيابًا، وأطيب ريحًا، وأحسن مركبًا. وجالست الفقراء فاسترحت

- يستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها: " آمين "، ومعناه: اللهم استجب.

- الغيب: ما غاب عن العباد من أمر الجنة، وأمر النار، وما ذكر في القرآن.

- الطبع يكون على القلب وعلى السمع، والغشاوة وهي الغطاء يكون على البصر

- السفيه: الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار.

- المؤمنون صنفان: مقربون وأبرار، والكفار صنفان: دعاة ومقلدون، والمنافقون أيضًا صنفان: منافق خالص، ومنافق فيه شعبة من النفاق.

- الفاسق في اللغة هو الخارج عن الطاعة... فالفاسق يشمل الكافر والعاصي، ولكن فسق الكافر أشد وأفحش.

- الله تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولًا، ثم خلق السموات سبعًا.

- اختلف في الجنة التي أسكنها آدم، هي في السماء أم في الأرض، فالأكثرون على الأول.

- نزل آدم بالهند، ونزل معه الحجر الأسود، وقبضة من ورق الجنة، فبثّه بالهند، فنبتت شجرة الطيب، فإنما أصل ما يجاء به من الطيب من الهند من قبضة الورق التي هبط بها آدم، وإنما قبضها أسفًا على الجنة حين أخرج منها.

- تكلم القرطبي على مسائل الجماعة والإمامة فأجاد.

- الفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل، والهدي والضلالة.

- العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهي عن المنكر وإن ارتكبه.

- الصلاة من أكبر العون على الثبات على الأمر.

- يحذر تعالى عباده المؤمنين من سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلّمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم، وفضل نبيهم.

- أجود ما يستعان به على تحمل المصائب: الصبر، والصلاة.

- يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة، وأغلظ منها الفاحشة، كالزنا، ونحوه، وأغلظ من ذلك، وهو القول على الله بلا علم، فيدخل في هذا كل كافر، وكل مبتدع

- كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان.

- الصيام... فيه زكاة النفوس، وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة، والأخلاق الرذيلة،... وفيه تزكية للبدن، وتضيق لمسالك الشيطان.

- الإحسان أعلى مقامات الطاعة.

- زاد الآخرة استصحاب التقوى إليها.

- قد يحبّ المرء شيئًا وليس له فيه خيرة، ولا مصلحة، ومن ذلك القعود عن القتال، قد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم.

- إذا تشاقق الزوجان، ولم تقم المرأة بحقوق الرجل، وأبغضته، ولم تقدر على معاشرته، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذله، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها.  

- أكثر الناس... لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم.

- كما أن الحذر لا يغني من القدر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلًا، ولا يبعده، بل الأجل المحتوم، والرزق المقسوم مقدر مقنن، لا يزاد فيه، ولا ينقص منه

- لا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذ كافرًا.

- الغول في لغة العرب: الجان إذا تبدى في الليل.

- يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء... لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حلّ عليه الدين: إما أن تقضي، وإما أن تربي، ثم يندب إلى الوضع عنه، ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل.

- قالوا إن الذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه، وأن يستر عن عباده فلا يفضحه به بينهم، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply