البأساء والضراء في القرآن الكريم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

من الطف الأمور وأعجبها على النفس في هذه الحياة أن ما يضرها هو نفسه ما يصلحها.

تأمل معي كم من مرض قاد للهداية، وكم من مصيبة قادت إلى عافية ومراجعة للنفس لتخطو إلى صوابها

أفضل ما تغنت شفتاي بتراتيل الحمد والثناء والإنابة عند حصول النقم.

انسجام للروح مع الفكر كأنه عناق محموم تستشعر أركانهما وقوفهما بين يدي الله عز وجل في ابتهال وتمجيد عظيم للباري.

أيها البؤس ترفق وبحنايا قلبي تدفق

إنني في لذة وحلاوة  ناشدًا رحيلك بتمزق

}وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{

ما أجمل تهذيب القرآن للنفوس العنيدة المكابرة عن الحق، فهو طبيبهم وبلسم لجراحاتهم.

قلت : تأمل معي كلمة لعلهم يتضرعون: فهي سكون القلب وخلو الروح من معتقدات الزمان وتوحيد القبلة للواحد الديان، مما يزيد العقل إقناعًا بمنهج البأساء والضراء في إصلاح الفرد والمجتمعات .

ثم يأتي لك في ثنايا سورة البقرة  التعريف والافصاح عن منهج البأساء والضراء في القرآن بكل جلاء وعاقبة الصبر عليه، فلا لبس ولا غموض في التربية الذاتية وللاسرة والمجتمع حيث قال الله تعالى: }وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ... ﴿١٧٧ البقرة﴾

إنه منهج من مناهج التربية الإسلامية في القرآن الكريم تدفع الفرد إلى بلوغ ذروته في علاقته مع الله، وتدفع المجتمع إلى تحصين قوائمه من الشوائب والعاهات.

وهنا أقول بقلب مكلوم: اننا لم نفهم هذه السنة الكونية لاصلاح أنفسنا ومجتمعنا، ونحن في أشد الحاجة لمعرفتها وتطبيقها في زماننا هذه، حيث تبدلت أحوال المسلمين وانحدرت القيم الإسلامية للقاع في مجتمع كالطفل الرضيع يحبو تارة ويمشي تارة ثم يعود هكذا دواليك في روتين ممل، فلم يتجه القلب لاصلاح انفسنا، ولم يرتقي المجتمع لاصلاح أبناءنا وبناتنا.

أصبحنا للأسف كفقراء اليهود لا دنيا ولا آخرة،  مع أننا نرى بأم أعيننا البأساء والضراء في جنبات نفوسنا وأركان مجتمعنا، فلم نتضرع له ولم نبكي شوقًا لعصر جديد مجيد ينتصر فيه الإسلام بقيمه وتعاليمه على المناهج الغربية والرأسمالية.

لم يعد هناك من يبكي من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات على القدس الشريف الذي توغل في أدغال اليهود الغاصبين

مر قريبًا من القرن ولم تتحرك الحكومات ولا الجامعات ولا المربين لانتزاع حقٍ من حقوق المسلمين ورده إلى موطنه الأساس الإسلام، ناهيك عن أسبانيا وغيرها المعروفة في إسلامنا بالأندلس.

نريد فعلًا أن نبكي ونتضرع لله عز وجل والابتهال بين يديه بخشوع وسكينة ونسأله بصدق رجوع أقصانا وأندلسنا وأن يصلح أحوال المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.

إن البأساء والضراء منهج تربية وطريق معبد بالجميل من الأقوال والأفعال والأحاسيس، فيلزم منا أن نطبقه ونستعين به في كشف ملماتنا،  فهو تفريج لكرباتنا من الضعف والعجز، فما أجمله من منهج نهره جاري وسلوكه منحة من الباري.

وفي الختام: أنوه لاخواني المربين أن يدرسوا هذا المنهج باستيعاب كامل لمفهومه وطرقه وأهدافه ونتائجه وأوقات حدوثه.

فما ذكرته لك هو زهرة يانعة رياضها من بستان كبير يكاد يقطر عذوبةً وعسلًا من منهج الإسلام لهذه الظاهرة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply