بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مقترح خطبة الجمعة الرابعة من شهر جمادى الأولى ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء
1- مقدمة.
2- خطورة النميمة وعاقبة النمام.
3- كيف نتعامل مع النمام؟
الهدف من الخطبة:
التحذير من هذه الآفة الخطيرة، وبيان خطرها على المجتمع، مع بيان كيف نتعامل مع النمام؟ للقضاء على هذه الظاهرة بإذن الله تعالى.
■ أيها المسلمون عباد الله، وقفتنا بإذن الله تعالى مع آفة من الآفات الخطيرة، آفة لها عواقب وخيمة، وضررها على الناس والأمة والمجتمعات كبيرة، وهي علامة من علامات شرار الخلق ذوى الأخلاق الذميمة؛ إنها آفة النميمة.
■ والنَّمِيمَة هي: نَقْلُ الكلام من قومٍ إلى قوم على جهة الإفْسادِ والشَّرّ، وقيل هي: التحريش بين النَّاس والسعي بينهم بالإفساد؛ حتى ولو كان هذا الكلام حقا؛ سواء كان ذلك بالكتابة، أو القول، أو الإشارة والرمز وغيرها من الوسائل.
■ وأجمع العلماء على أنها من قبائح الأخلاق المذمومة؛ بل أنها كبيرةٌ من كبائر الذنوب لأن صاحبها متوعَّدٌ بالعذاب في القبر، والعذاب الشديد في الآخرة.
■ وذكرها العلماء حتى فى كتب التوحيد؛ حيث عقد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله فى كتاب التوحيد: [باب بيان شئ من أنواع السحر]، وذلك بعد أن ذكر: [باب ما جاء فى السحر].
وساق حديث: فى صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ" ؛ والعضه: السحر.
قالوا: وإنما سميت النميمة سحرًا وإن لم يقم في عمل النمَّام حقيقة ما يقوم به الساحر: لأن ما يؤدي إليه عمل النمام من إفسادٍ وإيقاعٍ للفرقة ونشرٍ للعداوات مشابهٌ لعمل الساحر بل أشد.
قال يحي بن أبي كثير اليمامي رحمه الله تعالى: يفسد النمام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر ؛ فكم من طلاق بسبب نميمة، وكم وكم من ويلات وشرور ؛ فالنمام يعمل عمل الساحر لكن بلا شياطين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الوقفة الثانية: خطورة النميمة وعاقبة النمام:
1- النمام من شرار الخلق:
فقد روى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ غَنَمٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ:"خِيَارُ عِبَادِ اللهِ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ، وَشِرَارُ عِبَادِ اللهِ الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ".
وفي رواية:"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ"، أي يبغون في حق الأبرياء من عباد الله العنت: أي الهلكة والمشقة والفتنة والشر.
2- النمام يقوم بعمل الشيطان؛ فقد رضيَ لنفسه مهنة الشيطان وهي التحريش بين الناس.
توكيل عام لإنجاز مهام الشيطان: ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ".
قالوا: عمَلُ النَّمَّامِ أَضَرُّ وأشد مِن عمَلِ الشَّيطانِ؛ فإنَّ عمَلَ الشَّيطانِ بالوَسوسةِ، وعمَلَ النَّمَّامِ بالمواجَهةِ. جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله فقال: إن فلانًا يتكلم فيك، فقال له: أما وجد الشيطان رسولًا غيرك؟
3- وترجع خطورة النمام أنه يأتي دائما في صورة الناصح الأمين الذي يريد لك الخير.
4- النمام مجرم عظيم وأفاك أثيم، ينقل الحديث إليك؛ لكي يفسد قلبك على إخوانك؛ فكن على حذر، ولا تغتر.
5- النمام تجتمع فيه جميع قاذورات الأخلاق السيئة والشرور والآفات. فهو حاسد ومغتاب وكاذب وفاسق وقاتل؛ فقد اجتمعت فيه جميع الشرور.
قال رجُلٌ لعُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه: يا أميرَ المؤْمِنينَ، احذَرْ قاتِلَ الثَّلاثةِ، قال: وَيْلَك، مَن قاتِلُ الثَّلاثةِ؟! قال: الرَّجُلُ يأتي الإمامَ بالحديثِ الكذِبِ، فيَقتُلُ الإمامُ ذلك الرَّجُلَ بحديثِ هذا الكذَّابِ؛ ليَكونَ قد قتَلَ نفْسَه، وصاحبَه، وإمامَه.
وروي أنَّ سليمان بن عبد الملك كان جالسًا وعنده الزهري، فجاءه رجل فقال له سليمان: بلغني أنَّك وقعت فيَّ، وقلت كذا وكذا. فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق، فقال له الزهري: لا يكون النَّمام صادقًا. فقال سليمان: صدقت، ثُمَّ قال للرجل: اذهب بسلام.
- فهو متتبع للأخبار والشائعات.
- ومتتبع لعورات الناس.
- ويتجسس على الآخرين.
- وينشر العداوة والبغضاء بين الناس.
- وينشر الفتنة وهي أشد من القتل.
قال العلماء في قول الله تعالى:{وامرأته حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}؛ كانت نمامة حمالة للحديث إفسادا بين النّاس، وسميت حطبا لأنّها تنشر العداوة والبغضاء بين النّاس كما أنّ الحطب ينشر النّاس، والنميمة من الأذى الذي يلحق المؤمنين ويُفسد بينهم.
6- النمام اجتمعت فيه غالب الصفات السيئة؛ فقد وصفه الله تعالى بتسع صفات؛ وذلك فى قوله تعالى:{وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}.
- حلاف: أي كثير الحلف لأنه فقد ثقة الناس فيه.
- مهين: أصابته المهانة، فأصبح ليس عنده قبول بين الناس فهو مهان بينهم.
- هماز: ينتقص الناس بقوله ويستهزئ بهم بلسانه وبالإشارة.
- مشاء بنميم: يسعى بين الناس، كثير المشي بالنميمة.
- مناع للخير: يقطع فى الخير والمعروف بين الناس بإفساد قلوبهم.
- معتد: يحب الاعتداء بالقول والفعل والإشارة.
- أثيم: وأى أثم بعد هذه الكبيرة من الكبائر؛ بأن يفسد العلاقات بين الناس.
- عتل: لسانه غليظ وقلبه غليظ.
- زنيم: وذكرها فى آخر الصفات للانتباه لها، قالوا: لأن النميمة لم تكن فى العرب، فقالوا من يفعل ذلك فليس من نسب؛ فالزنيم هو الذى ليس من أبوين شرعيين، يعنى هذا قليل الأصل.
7- النمام معذب في قبره مع ما ينتظره من العذاب في الآخرة.
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما قال: مَرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ بقَبرَينِ، فقال:"إنَّهُما لَيُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كَبيرٍ؛ أمَّا أحَدُهُما: فكان لا يَستَتِرُ مِنَ البَولِ، وأمَّا الآخَرُ: فكان يَمشِي بالنَّمِيمةِ".
وفي رواية لابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا على قبرين فقام فقمنا معه، فجعل لونه يتغيَّر حتى رَعَدَ كُمُّ قميصِهِ، قلنا: ما لك يا رسول الله؟ فقال:"أما تستمعون ما أسمع؟" فقلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال:"هذان رجلان يُعَذَّبَان في قبورهما عذابًا شديدًا في ذنب هين"، قلنا: فيم ذاك؟ قال:" كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه، ويمشي بينهم بالنَّميمة"، فدعا بجريدتين من جرائد النخل، فجعل في كل قبر واحدة، قلنا: وهل ينفعهم ذلك؟ قال:"نعم، يخفف عنهما ما دامتا رطبتين".
8- النمام محروم من دخول الجنة.
عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يدخل الجنة نمَّام"، وفي رواية: "قتَّات".
9- النمام متوعد بأشد عذاب جهنم وهو الويل والعياذ بالله.
قال الله تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}، قال مُقاتِلٌ: فأمَّا الهُمَزةُ؛ فالَّذي يَنِمُّ الكلامَ إلى النَّاسِ، وهو النَّمَّامُ.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يطهر ألسنتنا من كل قول مشين.
الخطبة الثانية: كيف نتعامل مع النمام؟
1- ألا نُصدق النمام؛ لأنه نمام فاسق وهو مردود الخبر.
فقد الله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}
جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز ووشى برجل آخر، فقال عمر بن عبد العزيز: إن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية:{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ{. وإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ{.وإن شئت أن نعفو عنك عفونا عنك، قال: اعف عني يا أمير المؤمنين.
وجاء رجلٌ إلى وهبِ بن مُنبِّه فقال: إن فلانًا يقول فيك كذا وكذا، فقال: أما وجدَ الشيطانُ بريدًا غيرَك؟!
2- إنكار المنكر عليه وأن يبغضه، ويقبح فعله وينهاه؛ فإنه قد جاء بمنكر وما دام جاء بمنكر فيجب أن ننكر عليه، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره..".
سعى رجلٌ إلى عليِّ رضي الله عنه برجلٍ، فقال عليٌّ: يا هذا إن كنتَ صادقًا فقد مقتناك، وإن كنت كاذبًا عاقبناك، وإن شئتَ الإقالَة أقلناك؟ فقال: أقِلني يا أمير المؤمنين.
3- أن توقن بأن من نمَّ إليك نمَّ عنك: قال الحسن: من نمَّ إليك نمَّ عليك.
4- ألا تظن بأخيك المسلم سوءًا. فقد قال الله تعالى:{اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
5- ألا يحمله ما نقل إليه من كلام على التجسس والبحث للتأكد من صحة الخبر؛ بل الواجب ألا يلقى لذلك بالًا. لأن الله تعالى قال:{وَلاَ تَجَسَّسُوا}.
6- ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمته.
ونختم بهذه القصة الخطيرة عن النميمة لبيان خطر النمام:
ذكر الإمام الذهبي رحمه الله: أن رجلًا باع غلامًا عنده فقال للمشتري: ليس فيه عيب إلا أنه نمّام، فاستخفّه المشتري فاشتراه على ذلك العيب؛ فمكث الغلام عنده أيامًا، ثم قال لزوجة مولاه: إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك، أفتريدين أن يعطف عليك؟ قالت: نعم، قال لها: خذي الموس واحلقي شعرات من باطن لحيته إذا نام؛ حتى أسحِره لك؛ لكى لا يتزوج عليكِ، ثم جاء إلى الزوج وقال: إن زوجتك اتخذت عليك صديقًا تحبه ويحبها وهى قاتلتك، قال: كيف عرفت ذلك؟ قال: إذا أنت نمت جاءت بالموس من أجل أن تذبحك وتتخلص منك، فتناوم الرجل، فجاءت امرأته بالموس لتحلق الشعرات، فظن الزوج أنها تريد قتله، فأخذ منها السكين فقتلها، فجاء أولياؤها فقتلوه. وجاء أولياء الرجل ووقع القتال بين الفريقين.
أرأيتم ما تصنع النميمة؟! كيف أودت بحياة رجل وزوجته وهدمت بيتا؟! وأوقعت العداوة والمقتلة بين القبيلتين؟! فهذا هو صنيع النمام ذي الوجهين دائما في كل مكان وزمان.
فينبغي على المسلم أن يتنبه لهذا الخطر، وأن يحارب هذا الداء العضال الذي فرَّق بين المسلمين.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده الصالحين وأن يطهر ألسنتنا من النميمة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
ملحوظة:
١- الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.
٢- إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:
-إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).
-وإما بنشرها، وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد