وقفات مع القاعدة القرآنية ومن يشاقق الرسول


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

المقدمة: هذه وقفات مع قاعدة منهجية من قواعد القرآن الكريم ويستدل بها على كل مسألة من مسائل الاتباع والاعتقاد. والله أسأل أن ينفع بها ويتقبلها.

الوقفة الأولى:

في دلالة الآية في النهي عن مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي مخالفته ومعاندته في كل ما جاء به. قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: أي: ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم  ويعانده فيما جاء به:﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ْ﴾ بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية. انتهى.

الوقفة الثانية:

في دلالة الآية على الأمر باتباع الهدى الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: أي: تبين له الحق وظهر، والهدى العلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِث بالهدى ودين الحق، فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح. انتهى.

الوقفة الثالثة:

في دلالة الآية في الأمر باتباع سبيل المؤمنين، والنهي عن مخالفتهم. وأول من يدخل في الآية الذين نزلت عليهم وهم الصحابة رضي الله عنهم فلا يجوز مخالفة الصحابة في قول ولا عمل ولا اعتقاد. وفي هذا دليل لأهل السنة والجماعة، في أن فهم الكتاب والسنة يكون بفهم سلف الأمة.

قال العلامة الآلوسي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية:﴿ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: غَيْرَ ما هم مُسْتَمِرُّونَ عَلَيْهِ مِن عَقْدٍ وعَمَلٍ، فَيَعُمُّ الأُصُولَ والفُرُوعَ والكُلَّ والبَعْضَ. انتهى.

وقال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية أيضًا:﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم. انتهى.

الوقفة الرابعة:

في دلالة الآية على حجية الإجماع، وأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يجمعون على خطأ أو ضلالة، وأن ما أجمعوا عليه حق.

قال الإمام القرطبي في تفسيره على هذه الآية: قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ﴾ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ القول بالإجماع. انتهى.

قال العلامة ابن جزي في تفسيره على هذه الآية: استدل الأصوليون بها على صحة إجماع المسلمين وأنه لا يجوز مخالفته، لأن من خالفه اتبع غير سبيل المؤمنين. انتهى.

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الاحتجاج بالإجماع؛ لقوله:﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، فإنه يستدل بذلك أن سبيل المؤمنين حق، وهو كذلك، يعني: أن الأمة إذا أجمعت على شيء فإنه حق، ولا يمكن لهذه الأمة التي اختارها الله عز وجل وجعلها هي شهيدة على الناس ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة ١٤٣] ، وهي تشهد على أفعالهم وعلى أحكام أفعالهم، لا يمكن أن يقال: إن إجماعها ضلالة أبدًا، بل إجماعها على الشيء حق. انتهى.

الوقفة الخامسة:

في دلالة الآية أنه قد يقع مخالفة من الإنسان من دون قصد أو خطأ أو عن اجتهاد ، فمن كان كذلك فإن الله لا يوليه نفسه والشيطان.لأن الله تعالى قال:﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾.وهذا لم يتبين له.

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: ومن فوائد هذه الآية: العذر بالجهل؛ لقوله:﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾. انتهى.

وقال العلامة السعدي  في تفسيره على هذه الآية: ويدل مفهومها على أن من لم يشاقق الرسول، ويتبع سبيل المؤمنين، بأن كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين، ثم صدر منه من الذنوب أو الهّم بها ما هو من مقتضيات النفوس، وغلبات الطباع، فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه بل يتداركه بلطفه، ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام:﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ أي: بسبب إخلاصه صرفنا عنه السوء، وكذلك كل مخلص، كما يدل عليه عموم التعليل.

الوقفة السادسة:

في دلالة الآية على أن من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما تبين له الحق أو خالف طريق المؤمنين وسبيلهم فإن الله يتخلى عنه وإذا تخلى الله عنه فإنه هو المخذول في الدنيا والآخرة.

قال العلامة ابن جزي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ﴾ أي نتركه مع اختياره الفاسد. انتهى.

الوقفة السابعة:

في دلالة الآية على أن جزاء من خالف سبيل الرسول وسبيل المؤمنين في الآخرة النار وبئس القرار.

قال الإمام ابن كثير في تفسيره على هذه الآية: وَجَعْلَ النَّارَ مَصِيرَهُ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنِ الْهُدَى لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَّا إِلَى النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. انتهى.

وقال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: وقوله:﴿وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ أي: نعذبه فيها عذابا عظيما.

﴿وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ أي: مرجعا له ومآلًا. وهذا الوعيد المرتب على الشقاق ومخالفة المؤمنين مراتب لا يحصيها إلا الله بحسب حالة الذنب صغرا وكبرا، فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان. ومنه ما هو دون ذلك. انتهى.

الخاتمة: فهذه القاعدة العظيمة من قواعد القرآن فيها النهي عن مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والأمر باتباعه، واتباع سبيل المؤمنين وأن إجماع المؤمنين حق، وأن من خالف ذلك فله الجزاء السيء في الدنيا والآخرة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply