الرياء ووساوس الشيطان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

سئل فضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان حفظه الله: ما الفرق بين ماكان رياءً وعجباً فعلاً وما كان مجرد وسواس من الشيطان، سواء كان في طلب العلم أو في كثرة العبادة والأعمال؟

الجواب :هذا الأمر دقيق جدًا... لأنه من أعمال القلوب... والفرق بينهما عدة أمور:

»الأول«:

قوة العمل وضعفه... فإن الإنسان إن كان لا يقوى على العمل إلا عند رؤية الناس له ولكنه من أفتر الناس وأكسل الناس في السر... فهذا يخشى عليه من أن يكون عمله للناس لا لله... لأن العمل لو كان لله لما اختلفت الحال بين رؤية الناس وعدم رؤيتهم.

»الثاني«:

اختلاف العمل عند مدح الناس وذمهم... فإن العامل إن كان لا يعمل للدين إلا إن مدحه الناس فتراه يزداد في العمل... ليزيدوا في المدح... ولكن لو قلبوا له ظهر المجن وذموه فتراه يترك العمل ولا يحرص عليه فهذا في الحقيقة عمله مدخول... لأنه لو كان عمله لله تعالى خالصًا لما اختلفت دفة عمله سواء أمدحه الناس أو ذموه... ما دام عمله ودعوته وطلبه للعلم أو غير ذلك من الأعمال متفقة مع الكتاب والسنة... فالأعمال التي لله تعالى لا تختلف بسبب المدح أو الذم... فهو عامل لله... ولو ذمه من في الأرض جميعًا... وعلى ذلك حديث... يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل... فتلك الزيادة إنما أراد بها المدح.

»الثالث«:

محبة إخفاء العمل ومحبة ظهوره وانتشاره... فإن من العاملين من يحب في باطنه أن يظهر عمله للناس... ويحب أن يعلم الناس أنه مجتهد وأنه يحفظ ويصلي ويقوم الليل... بل تراه ربما وضع الإشارات والقرائن التي تخبر الناس بأنه عمل كذا وكذا... فهذا عمله مدخول... ومن الناس من يحرص الحرص الكبير على إخفاء عمله... ولا يحب ظهوره للناس... بل تراه يخفي جميع الآثار التي تطلع الغير على عمله ... فهذا مخلص في عمله.

»الرابع«:

العمل مع الخوف من عدم القبول... فإن المخلص علامته أنه يعمل ويجتهد... ومع ذلك لا يزال خائفًا على عمله من أن يكون مردودًا... فلا تراه دائمًا إلا متهمًا لنفسه بالتقصير في جنب الله تعالى... والشعور بالتقصير ليس كلاما يقوله بلسانه فقط... بل هو شعور تغلغل في باطنه فهو يحس به دائمًا... كما قال تعالى... والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة... أي يعملون الأعمال الطيبة ومع ذلك لا تزال قلوبهم وجلة خائفة أن لا يقبل منهم... فهؤلاء هم المخلصون... وأما أهل النفاق والرياء فتراهم يعملون ويرون من أنفسهم الكمال ويمنون بأعمالهم على الله تعالى... فلا تراهم يتهمون أنفسهم بالتقصير إلا نفاقا... ولا يستشعرون في بواطنهم مع الله إلا أنهم قاموا بحقه كاملا وأنهم عبدوه حق عبادته... والعياذ بالله تعالى.

»الخامس«:

كراهية أهل الإخلاص للمدح كراهية قلبية صادقة لا مجرد تصنع... فتلك الكراهية القلبية الصادقة دليل على الصدق مع الله تعالى ودليل على صفاء القلب من شوائب الرياء... وأما أهل النفاق فإنهم يتلمسون مدح الناس ويفرحون به ويطيرون به.

»السادس«:

محاسبة النفس... فإن علامة أهل الإخلاص والصدق أنهم يحاسبون أنفسهم دائمًا وأبدًا أشد من محاسبة الشريك الشحيح لشريكه... فلا يفترون أبدًا عن محاسبة أنفسهم... وأما أهل النفاق فترى الواحد منهم تمر عليه السنوات ولم يجلس مع نفسه أبدًا جلسة محاسبة... لأنه لا يرى من نفسه إلا الكمال... وكما في الحديث... المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يخر عليه... وأما الفاجر فإنه يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار.

»السابع«:

الحرص على العمل بالعلم... فإن من طلب العلم لله فإنه يحرص على العمل بهذا العلم فيكون أول من يمتثل ما تعلمه وما يدعو إليه... وأما الآخرون فإنهم من أكسل الناس وأفتر الناس عن العمل بما تعلموا. لأنهم لا يريدون العلم للعمل وإنما يريدونه لمجرد المدح والثناء.

وبالجملة فالفروق كثيرة... فإن من يعمل لله تعالى هو من أولياء الله تعالى... فهو من حزب المفلحين وعباده الصالحين... وأما من يعمل للرياء والتسميع فإنه من أولياء الشيطان الخائبين الخاسرين... والفروق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان كثيرة.

ولا بد من التنبيه على أمور: منها :الحرص على العمل مع الحرص على صفاء النية.

ومنها :الحرص على كثرة الدعاء بالإخلاص... فأكثر من الدعاء من هذا.

ومنها :عدم الاكتراث بما يوسوس به الشيطان من أنك منافق وانت مراء لأنه بهذا يريد أن يقطعك عن العمل... فإن الشيطان يشتم قلب ابن آدم فإن رأى منه فتورًا زاده فتورًا وإن رأى منه قوة على الخير والطاعة بعث في قلبه التخويف من النفاق حتى يترك العمل.

ومنها :كثرة قراءة سير الصالحين... ومعرفة كيف كانوا يتعاملون في هذا الأمر وكيف كان حرصهم على الإخلاص والخوف من النفاق.

ومنها :محاسبة النفس وعدم إهمالها.

ومنها :الإكثار من قول... اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم... وأستغفرك لما لا أعلم.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المخلصين باطنا ومن الموفقين... والله أعلى وأعلم...

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

  ط

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply