فوات المحبوب وانكسار القلب


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

في هذه الحياة، ستدرك جيدًا أن فوات المحبوب، وحصول المكروه، يورث ألمًا في النفس وانكسارًا في القلب، وستدرك أن هذه أمور تقع لمعظم الخلق، وذلك بحسب طبيعتهم الضعيفة والهشة، خصوصًا في لحظات معينة وحرجة تكون النفس فيها قابلة لمضاعفة مصابها عند زوال محبوبها أو نزول ما تكرهه في ساحاتها.

لكن الأمر الحاسم الذي يجب الانتباه إليه، هو أن الأثر السلبي لذلك ربما يكون أعظم من فوات الشيء المحبوب نفسه أو حصول المكروه، صحيح أن ذلك كان سببًا، لكن بعضهم يكون الأثر في نفسه أعظم ضررًا من حصول ما يكره، لدواعي نفسية وعاطفية واجتماعية، ومعظم الضرر يكون من ذلك الأثر.

فرب شاب يطمح في وظيفة، أو فتاة تأمل في زواج، فإذا لم يتحقق ذلك في مقابلة أو في خطبة..وهو أمر لا شك يحزن فواته.. كان الأثر النفسي والعاطفي المترتب عليه ربما أشد وأعظم ضررًا من فوات تلك المحبوبات إلى النفس، وبهذا جمع ذلك الإنسان على نفسه دون أن يعي ذلك مصابًا أعظم وأعمق مما فاته.

ورب محبوب لا يحصل، أو مكروه يحصل، وكلها عابرة بالإنسان، يكون في إثرها مصاب نفسي أو عاطفي أعظم وأرسخ في النفس، وربما يستمر مع الإنسان فترة طويلة، وربما يبقى معه معظم حياته أو كلها، ولو تأمل عاقبة ذلك ومآله لفزع منه ولأدرك أن فوات تلك الأشياء أهون مما حمله في نفسه من اكتئاب وحزن ومشقة نفسية.

ما العمل إذن؟

لا شك أن الإنسان ضعيف بطبعه،}وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا{، وسيكون حضور الإيمان في القلب، والوعي الناضج في القلب، والقوة النفسية النابعة منهما، من أهم العوامل التي يتعلم فيها الإنسان كيف يتجاوز ويرحل عما فاته من محبوبات وما محل حلَّ بساحته من مكروهات، بأقل الأضرار الممكنة لطاقة البشر.

ومن ذلك:

١- حسن الظن بالله: وهو أعظم ما يعين العبد على تجاوز ما يصيبه من مكرو وما يفقده من محبوبات، فإذا استوطن في نفسه حسن الظن بالله، وأن الله لا يفعل إلا خيرًا، وأن ما فاته مما يحبه ربما يكون الشر فيه، وأن ما حلَّ به وهو يكرهه ربما يكون الخير فيه، في العاجل أو الآجل، فأنت لا تعلم حقيقة الأمور.

قال الله تعالى:}وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{. هذا أصل عظيم عليه مدار حياة المؤمن، ومنه تنطلق نظرته لما يحدث له في حياته.

٢- تسلية النفس: وهذه فرعٌ عن الأولى وعن الإيمان بالقضاء والقدر، فإذا توطن حسن الظن بالله في قلبك، وعلمتَ أن ما كتبه الله لك سيكون، وما لم يكتبه لك فلن يكون، مهما اجتمع الخلق على خلاف مراد الله، حينها ستسقر نفسك ويطمئن قلبك، وتعلم أن ذلك ما جرت به الأقدار، ولله الحكمة البالغة.

ومن تسلية النفس أيضًا العلم بتحقق ذلك في سير الأنبياء والصحابة والعلماء والعظماء، وفي حياة آحاد الناس، وهو مجرب ومشاهد، فكم من محبوب أردناه وكان فيه الشقاء، وكم من مكروه دفعنها عن أنفسنا، فلما حلَّ بساحتنا كان خيرًا عظيمًا وتفضلا جليلًا من الله،}وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.{

٣- الرحيل السريع عن بؤرة الألم: وذلك بمغادرة ما يحزن سريعًا ذهنيًا، مما فات ولم يحصل أو ما حصل وهو مكروه، وعدم الانشغال به وترك ما سواه ندمًا وحزنًا ويأسًا وتحسرًا، بل يجب الإسراع في الانشغال فيما سواه، مما يفيدك في دنياك وآخرتك، من عمل، أو قراءة، أو صحبة، أو لعب، أو رياضة.

ولتكن تلك عادتك، تستقبل ما يحزنك مما فاتك أو حصل لك، بحسن الظن بالله والثقة به وباختياره لك، والإيمان بقضائه وقدره وما كتب لك، وتسلية نفسك بمحاسن ذلك ومآلاتها التي تعلمها أو تجهلها، ثم المسارعة إلى الانشغال فيما يفيدك، فالفراغ هو السم لقلبك، والدوامة التي تجذب انشغالك الذهني في كل ما تكره وما يحزن.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply