الإنترنت النشأة والمخاطر


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

- ما هي الإنترنت؟

الإنترنت أو ما يسمى بالنت (NET) هي عبارة عن شبكة حاسوبية عملاقة تتكون من شبكات أصغر، بحيث يمكن لأي شخص متصل بالإنترنت أن يتجول في هذه الشبكة وأن يحصل على جميع المعلومات في هذه الشبكة (إذا سُمح له بذلك) أو أن يتحدث مع شخص آخر في أي مكان من العالم .

- كيف نشأت؟

كانت البداية افتراضية ومن نسج الخيال، فقد تخيل الخبراء العسكريين الأمريكان وقوع كارثة دمرت شبكة الاتصالات بين القيادة والوحدات العسكرية. وكان السؤال: ما هو مصير تلك الوحدات؟ وكيف سيتم الاتصال بها؟ وكيف ستصل الأخبار إلى القيادة؟ وكيف ستتلقى تلك الوحدات أوامرها في ظل غياب الاتصالات؟.

ومن هنا بدأت فكرة إنشاء شبكة اتصالات لا مركزية ترد على كل تلك الافتراضات، وأنشأت (ARPANET) Advanced Research Projects Agency Network (وكالة مشروع شبكة الاتصالات المتقدمة).

كان ذلك في بداية الستينات من القرن العشرين، واستمرت محاولات تطوير هذه الشبكة البدائية.

وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي وبالتحديد عام 1982م انقسمت (ARPANET) إلى قسمين:

MILNET شبكة خاصة بالاستخدامات العسكرية.

NSFNET وهى كلمة مختصرة من National Science Foundation وهذه الشبكة تخص الأمور المدنية والأبحاث العلمية.

وتم ربط الشبكة بخمس كمبيوترات عملاقة تغطي أمريكا الشمالية ارتبطت بشبكات الاتصالات والأقمار الصناعية وذلك لضمان سرعة نقل البيانات والمعلومات بين هذه الكمبيوترات العملاقة، وكانت ولادة الإنترنت التي نعرفها اليوم وليدة تلك الفكرة الافتراضية وصدق المثل القائل " الحاجة أم الاختراع ".

وفي عام 1985م تم البدء في توزيع خدمة الوصول لتلك الشبكة على الجمهور.

وكبر الوليد وتطور، وبدء يمد يديه ليغطي أرجاء العالم قاطبة، وتوزعت هذه الكمبيوترات العملاقة في العالم، وتسابق مقدموا الخدمة في تقديم أفضل الخدمات للمشتركين، وأصبح بالإمكان تناقل البيانات والمعلومات والصور والأخبار بين جميع المشتركين في كل بلدان العالم على اختلاف لغاتهم والأقاليم التي يقطنونها، وتاهت ملكية هذه الشبكة بين آلاف المراكز وملايين المشتركين، وأصبحت هذه الشبكة بلا ملكية، ولن يجرؤ أحد أن يدعي ملكية للإنترنت فهي ملك لكل مشترك في هذه الخدمة.

لا تحاول البحث عن المركز الرئيسي للإنترنت في أي مدينة بل وفي أي مكان في العالم لسبب بسيط هو أن الإنترنت ليس له إدارة أو مركز رئيسي على الإطلاق. ويبدو أن ذلك غير مقنع لكثير من الناس ولكن الحقيقة أنه لا توجد إدارة مركزية للإنترنت! وبدلًا من ذلك فإنه يدار من تشكيلة من آلاف شبكات الكمبيوتر التابعة للشركات والأفراد كل منهم يمثل جزءًا من هذه الشبكة.

وكل شبكة تتعاون مع الأخرى لتوجيه حركة مرور المعلومات حتى تصل لكل منهم، وبمجموع هؤلاء تتكون الشبكة العالمية، ولهذا لا يملك أحد الإنترنت، وهناك ملايين خلف هذه الشبكة يتشاركون في مكوناتها، وهؤلاء سواء كانوا أفرادًا أو منظمات أو شركات غير مستقرين في الغالب، ودائمًا يقومون بالتغيير في هذه الشبكة ولكن المبدأ الثابت دائمًا أن شبكة الإنترنت في نمو وتزايد لا ينقطع كل لحظة، وهناك مواقع تضاف دائمًا ومواقع تتغير عناوينها أو تندثر.الخ.

إن من أهم صفات الإنترنت أنه نظام مفتوح، وهذا يعني أنه يقبل أي نوع من أجهزة الكمبيوتر سواء كان منها ما يسمى غير المتلائم Incompatible مثل كمبيوترات آبل ماكينتوش Apple Macintosh أو الأميجا Amiga أو الأجهزة المتلائمة مع كمبيوتر أي بي أم Compatible IBM. وكذلك يمكن استخدام الكمبيوتر النقال Laptop بوصله بالهاتف النقال Mobile phone.

- متى دخل الإنترنت العالم العربي؟

1) 1991م ارتبطت تونس إلى شبكة الإنترنت كأول دولة عربية ترتبط بالشبكة.

2) 1992م ارتبطت الكويت.

3) 1993م ارتبطت كل من دولة الإمارات ومصر.

4) 1994م ارتبطت كل من الجزائر والأردن ولبنان والمغرب.

5) 1996م ارتبطت كل من قطر وعمان وسوريا واليمن.

6) 1997م ارتبطت كل من العراق وليبيا والسودان والصومال.

7) 1999م ارتبطت المملكة العربية السعودية إلى شبكة الإنترنت ().

ماذا أعددنا لهذا الوافد الجديد

دخلت الإنترنت الوطن العربي منذ سنوات وانتشر استخدامها حتى أصبح شائعًا وجود إنترنت في البيوت، والمدارس وتوفر خدمات الإنترنت من خلال مقاهي الإنترنت المنتشرة في كل حي في كل مدينة عربية.

لكن نقف هنا لنتساءل هل أعددنا لها أنفسنا؟ هل حصنا أنفسنا من مخاطرها؟

هل وفرناها لأبنائنا وبناتنا بالطريقة الصحيحة؟

هل علمناهم أخلاقيات وسلوكيات استخدام الإنترنت؟

هل قدمنا لهم النصح والتوعية حول كيفية حماية أنفسهم من مخاطرها؟

تتنوع استخدامات الإنترنت لأغراض ثمانية هي:

 الترفيه، والتعارف، والعمل، والاتصال، والتوعية، والمعرفة والإحاطة، والدراسة، والتجارة

والتسوق.

مبادئ الاستخدام الآمن:

وحتى يشكل استخدام شبكة الإنترنت إضافة ودافعا من دوافع التنمية الذاتية والمجتمعية، علينا أن نستخدمه وفق احتياجاتنا، على أن نضع في الاعتبار أن هناك مبادئ أساسية لذلك الاستخدام، منها:

حدد وقتا محددا للدخول إلى الإنترنت، ولا تسمح للعالم الافتراضي أن يسرقك من عالمك الواقعي واتصالاتك المباشرة بمحيطك.

اجعل اهتمامك بالإنترنت جزءا من اهتمامك في الحقيقة، فإن كنت مثلا مهتما بالقضايا الشرعية فحاول أن تجعل تلك المساحة تشغل الجزء الأكبر من اهتماماتك على الشبكة.

حاول أن تتواصل مع أصدقائك الحقيقيين على الإنترنت قبل أن تتواصل مع أصدقاء جدد على الشبكة على أن يكون هذا التواصل في حدود علاقة الصداقة المنضبطة.

لا تُزل الحواجز بين جهات الاتصال الخاصة بك على الإنترنت، ولا تجعل حياتكم الخاصة مسرحا للحديث والمناقشات، واحرص أن تكون القضايا العامة وموضوعات الاهتمام المشترك هي محل نقاشاتكم.

كلما كان الأمر ممكنا لا تتح للجميع رؤية ملفاتك وبياناتك الخاصة.

لا تشارك في المجموعات البريدية والمنتديات إلا وفق اهتماماتك ولا تجعل العلاقة مع بقية المشاركين تتجاوز ذلك الاهتمام.

لا تعرض بياناتك الشخصية على الإنترنت إلا في حدود المطلوب، فمثلا من يهمه تاريخ ميلادي؟ ولماذا أحدد حالتي الاجتماعية؟ إلا إذا كنت أشارك في موقع للزواج مثلا.

لا تتح التعبير عن حالتك المزاجية ورغباتك العاطفية على ملف بياناتك ما دام أنه لا ضرورة لهذا.. فغالبا ما يكون ذلك التعبير هو أول مداخل الصياد لفريسته.

هناك حالات محددة أعرض فيها صورتي على الإنترنت، كأن أرسلها في سيرة ذاتية لوظيفة تتطلب أن أرفق صورتي معها.

احرص أن يكون لك أكثر من بريد إلكتروني، بحيث يكون أحدهم للتراسل الرسمي والآخر للتواصل الأسري ومع الأصدقاء، على أن يكون البريد الأول على شبكة لا توفر خدمة برامج المحادثة المباشرة.

لا تتح أرقامك الهاتفية الخاصة على الانترنت إلا في حالة الضرورة، كأن تكون على صفحة للتوظيف، أو في إطار دعوة للحصول على معلومات، أو أن يخدم ذلك طبيعة عملك، وفي كل الأحوال يجب أن توضح سبب عرض تلك الأرقام.

لا تقبل إضافة الغرباء على برامج المحادثات دون سبب مقنع.

لا تبحث عن المشاعر على الشبكة العنكبوتية، وتأكد من أن الإنترنت مثل الهاتف وسيلة للاتصال وليس للتواصل.

لا تتحدث مع شخص واحد على الشبكة بشكل يومي أو دوري ما دام الأمر لم يتطلب ذلك، كظروف العمل مثلا.

قم بتنظيم برامج المحادثة بشكل دوري، وحذف كل من بات الأمر لا يستدعي وجوده على قائمتك.

يجب ألا تتجاوز المحادثة الواحدة الوقت المطلوب لإنجاز سببها.

استخدام الصوت والكاميرا يجب ألا يكون مع غير الأهل، وفي غير الضرورة.

انقل علاقتك الثنائية على الإنترنت إلى المجال الأكثر اتساعا، أي احرص على المناقشة في إطار مجموعات وعلى ساحات المنتدى وليس بشكل ثنائي.

في حالة استخدام الشات، استخدم فقط الغرفة العامة، وتأكد أن الدخول لغرفة خاصة يكافئ تماما الحديث مع غريب داخل حجرة مغلقة.

موقع أمانك:

تعتبر " امانك www.Amanak.org " البوابة العربية للانترنت الآمن أول بوابة إلكترونية على الانترنت باللغة العربية تتيح المعلومات والمصادر عن الاستخدام الآمن للانترنت.

أثر الإنترنت على الأسرة ()

إن ما يميز الأسرة المسلمة عن غيرها من الأسر هو ذلك الضابط الإيماني الذي يحكم التصرفات ويسيرها ضمن المنهج التشريعي ويحميها من الزلل، فعبادة الله سبحانه فى السر، والعمل بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " هو المنهج الذى يرشد المسلم إلى الصواب، وهو الذى رفع من شأن المسلم وحصَّنَه ضد كل المُغْريات المستجدة.

وحيث إن العالم يشهد في هذه الأيام تغيرًا كبيرًا في مجال التقنية كالإنترنت وجد الشيطان فيها سلاحًا يغوي بواسطته بني البشر، فلا بد وأن نعلم أن الإنترنت من ثقافة غربية جادة، أو مغرضة لا بد وأن يؤثر بأشعته المدمرة على عقولنا، وقلوبنا، وأجسادنا، ولا بد أن يفقدنا ولو قليلًا من التوازن.، ولكن: (إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (الأعراف: 201).

ولا يعني ذلك إنكار ما للإنترنت من فوائد عظيمة، ولا سيما إذا استخدم في مجالات الخير كالدعوة إلى الله سبحانه، حيث سهولة الاتصال بالآخرين، والوصول إليهم، ودعوتهم إلى الإسلام بيد أني في هذه المقالة أذكر الآثار السلبية للإنترنت على الأسرة.

رأس الهرم:

إن الأسرة كالهرم والرجل فيها الرأس، فهو المكلف بإنشاء أسرة مسلمة قوية وهو المكلف بالإنفاق والمحافظة عليها، ولكن إذا اختلف هذا الرأس فماذا سيحدث لهذه الأسرة المعتمدة بعد الله سبحانه وتعالى عليه.

إن دخول الإنترنت إلى عالمنا الإسلامي، ولهاث كثير من الناس المحموم وراء الإثارة المحرمة، وتهافت الكثير على التسلية والترفيه وحب الحياة والرفاهية قد أثَّر بشكل أو بآخر على جوهر وجودنا في هذا الكون ألا وهو العبادة كما قال الله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56).

فتصوروا ماذا يحدث لهذا الرجل المنزرع أمام هذه الشاشة الصغيرة بالساعات يقلب المواقع الواحد تلو الآخر وينسى فيها كل شيء.

ينسى دينه فتلهيه عن صلاته وتردده على المسجد، وتبكيره إليه، وعبادته وقيامه، وقراءته للقرآن.

وينسى مبادئه وقيمه التي تربى عليها من الحياء، وغض البصر، والمروءة وينغمس في استسهال وألفة المنكر إن سمح لنفسه أن يزور المواقع الإباحية، ويتفاعل معها بلا ضابط ولا رابط أخلاقي وديني، ولقد عرض أحدهم قصته تائبًا نادمًا والأسى يقطر من ثنايا عباراته، فقال: كنت أستبق الخطى لهذا الجهاز اللعين عندما تنام زوجتي المسكينة، وقد هدها التعب مع الأولاد في البيت، ناهيك عن طلباتي التي لا ترحم، وأتسمر أمام الإنترنت، وأقلب المواقع ضارها ونافعها، وأرى النساء العاريات المحرضات على فعل الرذيلة، وأستمر الحال هكذا معي، وزوجتي الصابرة تعلم وتدعو لي في سرها وجهرها، ولا ألقي لها بالًا وأنا أنحدر من سيئ إلى أسوأ حتى ألم بي مرض لازمت فيه فراشي، ومنعني من الجلوس أمام الإنترنت، ولكنن لم أستطع الصبر، فكان أن استيقظت قبيل الفجر، وهرعت إلى الجهاز اللعين لأصعق لما رأيت تمنيت أنني لو مت وما شاهدت ابني البكر الذي لم يتجاوز عشر سنوات يجلس بوضع مشين أمام الإنترنت وأحد المواقع يملي عليه ما يفعل، ففقدت صوابي، وأمسكت بالجهاز وأخذت في تحطيمه وأنا أعلم أنني المخطئ الأول ورحم الله أبا حامد الغزالي حين قال: الخاطرة الأولى في الباطل إن لم تُدْفَع أورثت الرغبة، والرغبة تُورث الهم، والهم يُورث القصد، والقصد يُورث الفعل، والفعل يورث البوار والمقت، فينبغي دفع الخاطرة الأولى عند ورودها فإن ما بعدها تَبَعٌ لها.

ما ينطبق على الرجل ينطبق على المرأة، فالمرأة ركن هام وجوهري في هذه الأسرة المسلمة، فهل يمكن أن نتخيل أُمًّا تجلس أمام الإنترنت وابنها يصيح طالبًا تلبية حاجاته وهي لا تلقي له بالًا؟ هل يمكن لكم أن تصدقوا أن هذا يحدث فكم من ربة أسرة:

نسيت دينها فقامت إلى الصلاة - إن قامت - متكاسلة وأنهتها بسرعة، ولم تقبل على العبادة والنوافل، فليس لديها الوقت لذلك إن كانت تقضي جُلّ وقتها أمام الإنترنت، فخلى قلبها من رقة الإيمان والحرص على رضى الله تعالى.

ونسيت زوجها، فأهملت شؤونه العامة والخاصة، وصار ارتيادها للمنتديات بدون تنظيم للوقت ودخولها عالم الدردشة أحب إليها من مصاحبة زوجها ورضاه.

وقد سمعنا قصصًا كثيرة ومؤلمة من جزاء إدمان ربات الأسر على الإنترنت وخاصة الشات (غرف الدردشة) فتلك المرأة التي نشرت قصتها عن طريق البريد الإلكتروني هداها الله، وأعانها قد طلبت من الجميع نشر قصتها للعبرة والعظة، تقول: فبعد الانغماس في الدردشة مع شخص مجهول كان الأمر في البدء للتسلية (وهكذا يبدأ) أدى تطور الأمر إلى أن الشيطان أقنعها بالمحادثة الهاتفية ثم الشخصية فتم السقوط في الرذيلة والخيانة، وطلبت الطلاق بعد معرفة الزوج النبيل الذي لم يُرِدْ فضحها، فطلقها ولكن كانت النتيجة أن ظل هذا الرجل يتسلى بها، وطالبته بالزواج كما وعدها، ولكنه سخر منها، وأخبرها أنه لا يتزوج من تخون زوجها، وقد أردفت قائلة: إنها ستقتل نفسها إن لم يرحمها الله، أعانها الله في محنتها وتاب عليها.

ولقد قامت Open university بدراسة مفادها أن المجتمع البشري سيعيش مرحلة فوضى خلال السنوات المقبلة نتيجة طغيان تكنولوجيا المعلومات على مختلف جوانب الحياة البشرية قبل أن يتوصل الإنسان إلى توازن معيشي جديد في كل البيئة المعلوماتية المستخدمة نقلًا عن مجلة الكمبيوتر والاتصالات عدد 12.

وإننا كمسلمين لدينا القدرة على التوازن، فمنهاجنا الإسلامي الحنيف لم تعبث به أيد مغرضة، ومن استمسك به فقد فاز، وإن واجبنا أن نحمي كل أفراد مجتمعنا وننتبه للمستهدفين منا، وعلى رأسهم أبناؤنا وبناتنا.

الرقابة الأسرية:

كلنا يعلم أن للإنترنت فوائد من حيث تدفق المعلومات، وسهولة تناولها وثرائها، ولكن يجب أن لا يعمي بريقها أنظارنا عن مخاطرها، وخاصة بالنسبة للأطفال الذين فتح لهم الإنترنت آفاقا واسعة، وخلق منهم أطفالًا غير تقليديين فابتعد الطفل مع هذا القادم الجديد إلى:

عالم آخر يعيش فيه وحده، وأصبح لا يرغب في الحركة والنشاط، واللعب الجماعي، وقد شكا أحد الآباء قائلا: أولادي مسحورون، ويقصد انهماكهم في استخدام الإنترنت غير المقنن، وأصبح الإنترنت الهواية الأهم فأدت إلى العزلة.

وهذه الشاشة وما تجلب أبعدتهم عن التلقي الصحيح من الأب والأم للمبادئ الحسنة والعادات الحميدة التي تربى عليها الآباء والأجداد، فأصبح الطفل يستقي مبدأه مما يأخذه من ذاك البطل الذي يراه في ألعابه الإلكترونية، وعاداته يقتبسها من تلك المواقع التي تبث السم في عقول أبنائنا.

وكغيره من شرائح الأسرة فالجلوس المتواصل إلى الإنترنت أدى إلى الإدمان وإهمال كل ما يجب عليه من تواصل مع الأسرة، أو العبادة أو الدراسة.

ولا ننسى صحة الطفل فتلك الأشعة المنبثقة من الجهاز تؤثر على العيون، والانهماك والإثارة يؤثران على الجهاز العصبي والقلب، وكيف إذا كان مراهقًا، وابتدأ في تلقي أولى دروس الإثارة من تلك المواقع الإباحية فخسر حياته وقيمه.

ولا شك أن الجميع سمع بعبدة الشيطان الذين أخرجوا أبناء جيلنا عن عقيدتهم في بعض البلدان العربية وجعلوهم يمارسون عن طريق الإنترنت طقوسهم الكافرة.

وكم من طفل ساذج سمح للغير باختراق الخصوصية لعائلته بنشر أسرارها وأرقام بطاقاته المالية.

وكم من طفل استُدْرِجَ إلى الابتذال وممارسة الجنس الرخيص مقابل أشياء كثيرة، ولقد صدر قانون في أمريكا تلك البلد التي اخترعت الإنترنت، لحماية الأطفال من استغلالهم إباحيًّا عن طريق الإنترنت بفرض غرامة مالية كبيرة على المسيئين.

ونتج عن غياب الرقابة أيضًا جيل عنيف يستطيع أن يركب قنبلة عن طريق الإنترنت بمواد بسيطة، فهناك مواقع تعلم الجميع علم السلاح.

إلى كل أب وأم:

من يشاهد هذا الخطر المتنامي لا بد وأن يعرف أن استخدام الأطفال والأبناء للإنترنت يتزايد مع تزايد استخدام الآباء، ولقد يسر الإنترنت حل الواجبات والأبحاث فاستدرجتهم إلى الكثير من المحظورات عن طريق هذا الباب.

ومع الترويج للمزايا الجيدة للنت أصبح حجم الأخطار يتناسب معها فنحن نقرأ يوميًّا ما يتعرض له الأطفال من إرهاب البريد الإلكتروني والتهديد على النت والتصوير الإباحي

الطريق مفتوح:

رغم أننا ولله الحمد لا نشكو مما يشكوه الغرب إلى الآن إلا أننا لسنا بمنأى عن أخطاره القادمة، فالإنترنت وسيلة لا مركزية لا تحكمها ضوابط ولا قيود، فيجب أن يكون الضابط أسريًّا من الآباء بحيث تحجب المواقع الضارة والمُغرضة للدين والمبادئ، وبعض الدول تفرض رقابة على الإنترنت ولكن التقدم التقني يخرق بعض الضوابط، فهناك من يعلم الأطفال كيفية فك المواقع المحجوبة.

ويجب أن يعلم كل أب وأم أن هناك برامج للتصفح تحمي الأطفال وتسمح لهم بتصفح آمن مثل ()

النجاة من مفاسد الإنترنت

أمور تعين على النجاة من فتنة الانترنت وغوائله ومنها:

- 1 إحسان التعامل مع الانترنت:

فحريٌ بالعاقل أن يحسن التعامل مع الإنترنت، وأن لا يْفْرِطَ في الثقة في نفسه، فيوقعها في الفتنة، ثم يصعب عليه الخلاص منها.

وجديرًا به إذا أراد أن يقدم آية مشاركة، أو مداخلة، أو ما جرى مجرى ذلك أن ينظر في جدوى ما يقدم، وأن يحذر من أذية المؤمنين، وإشاعة الفاحشة فيهم، وأن ينأى بنفسه عن القيل والقال، واستفزاز المشاعر، وكيل التهم، وتسليط الناس بعضهم على بعض.

وإذا أراد أن يعقب أو يرد فليكن ذلك بعلم، وعدل، ورحمة، وأدب، وسمو عبارة.

وإذا أراد أن يشارك فليشارك باسمه الصريح، وإن خشي على نفسه إن صرح باسمه، أو رغب في إخلاص عمله، فليحذر من كتابة ما لا يجوز ولا يليق، وليستحضر وقوفه بين يدي الله يوم تبلى السرائر.

2- الحذر من خطوات الشيطان:

فعلى العاقل كذلك أن يحذر خطوات الشيطان؛ فهو متربص ببني آدم، وقاعد لهم بكل سبيل؛ فهو عدوهم الذي يسعى سعيه في سبيل إغوائهم.

قال ربنا تبارك وتعالى في غير موطن في القرآن الكريم: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).

فالعاقل اللبيب لا يثق بعدوه أبدًا، ولا يلقي نفسه في براثن الفتن، ولا يفرط في الثقة مهما بلغ من العقل، والدين، والعلم.

ومن هنا تجده ينأى عن الفتن، ولا يستشرف لها؛ فإذا تعرضت له أُعِين عليها، وصاحَبه اللطف الإلهي.

وإنْ هو وثق بنفسه، وسعى إلى حتفه بظلفه وُكِلَ إلى نفسه، وزال عنه اللطف.

فهذا يوسف _عليه السلام _ لم يتعرض للفتنة، بل هي التي تعرضت له.

ومع ذلك لم يثق بإيمانه، وعلمه، وشرفه المُعْرِق، بل فرَّ من الفتنة، واستعاذ بالله من شرها، واعترف بأنه إن لم يصرف الله عنه كيد النسوة صبا إليهن وكان من الجاهلين.

ولما كانت هذه هي حالَه صاحَبَهُ اللطف، وأُعِين على الخلاص من ذلك البلاء العظيم.

3- تخصيص الوقت، وتحديد الهدف:

ومما يعين على تعدي هذه البلايا أن يخصص الإنسان وقتًا محددًا، وعملًا معينًا، وأن يكون له هدف واضح، ويتعامل من خلال ذلك مع الإنترنت.

أما إذا استرسل مع تصفُّح الأوراق، والانتقال من موقع إلى موقع دون هدف أو غاية؛ ضاع وقته، وقلَّت فائدته، وإفادته.

4- النظر في العواقب:

فمما يعين على النجاة من فتنة الإنترنت أن ينظر العاقل في العواقب، وأن يقهر نفسه، ويلجمها بلجام التقوى.

قال ابن الجوزيى: بالله عليك يا مرفوع القدر بالتقوى، لا تبِعْ عِزَّها بذل المعاصي، وصابر عطش الهوى في هجير المشتهى وإن أمضَّ وأرمض.

يعني وإن آلم وأحرق.

وقال: وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة؛ ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلًا؛ لأنه قُهِر، بخلاف غالب الهوى؛ فإنه يكون قويًا لأنه قَهَر.

5- تجنب المثيراتى:

وذلك بأن يتجنب المتعامل مع الإنترنت المثيراتِ؛ فيبتعد عن المواقع المنحطة، وعن المنتديات التي يثار فيها الكلام الفاحش، وعن المقالات التي تثير الغرائز، وتحرك الكوامن.

وينأى بنفسه عن الصور الفاضحة، واللقطات المثيرة؛ وقال: وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة؛ ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلًا؛ لأنه قُهِر، بخلاف غالب الهوى؛ فإنه يكون قويًا لأنه قَهَر.وكذلك النفوس؛ فإنها تظل وادعة ساكنة هادئة؛ فإذا اقتربت مما يثيرها، ويحرك نوازعها إلى الشرور من مسموع، أو مقروء، أو منظور، أو مشموم؛ ثارت كوامنها، وهاجت شرورها، وتحرك داؤها، وطغت أهواؤها.

قال ابن حزم:

لا تلُم مَنْ عَرَّضْ النفسَ لما *** ليس يُرضي غيرَه عند المحنْ

لا تُقَرِّبْ عرفجًا من لهبٍ *** ومتى قَرَّبْتَهُ ثارتْ دُخنْ

وقال:

لا تُتْبِعِ النفسَ الهوى *** ودَعِ التعرضَ للمحن

إبليسُ حيٌّ لم يمت *** والعينُ بابٌ للفتن

وقال أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني:

من قارفَ الفتنةَ ثم ادعى الـ *** عصمة قد نافقَ في أمره

ولا يجيز الشرعُ أسباب ما *** يورط المسلمَ في حظره

فانجُ ودعْ عنك صُداعَ الهوى *** عساك أن تسلمَ من شَرِّه

6- غض البصر

لأن الصورة القبيحة تعرض للإنسان ولو بدون قصد؛ فإذا غض بصره أرضى ربه، وأراح قلبه؛ فالعين مرآة القلب، وإطلاق البصر يورث المعاطب، وغض البصر يورث الراحة، فإذا غض العبد بصره؛ غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره؛ أطلق القلب شهوته.

قال ربنا عز وجل: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ (.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الآية: فجعل سبحانه غض البصر، وحفظ الفرج هو أقوى تزكيةٍ للنفوس.، زكاة النفوس تتضمن زوال جميع الشرور من الفواحش، والظلم، والشرك، والكذب، وغير ذلك.

7- التثبت:

ومما يجب على الإنسان حال تعامله مع الإنترنت أن يتثبت مما يقوله، ويسمعه، ويقرؤه، ويرويه.

وبذلك يُعْلَمُ عقلُ الإنسان، ورزانته، وإيمانه.

كيف والإنترنت يُكْتَبُ فيه الغث في السمين، ويَكْتُبُ كل من هب ودب، وبأسماء مجهولة مستعارة؟

فعلى العاقل أن ينظر في هذا الأمر؛ فإذا اطلع على خبر أو أمر من الأمور تَثَبَّتَ في شأنه، وإذا ثبت له نظر في جدوى نشره، فإن كان في ذلك حفز للخير، واجتماع عليه نشره، وأظهره، وإن كان خلاف ذلك طواه وأعرض عنه.

وكم حصل من جراء التفريط في هذا الأمر من الشر والخلل.

وكم من الناس من يلغي عقله، ويتعامل مع ما ينشر في الإنترنت وكأنه وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وإلا فإن العاقل اللبيب يتثبت، ويتأنى حتى ولو اطلع على كلام لشخص معروف موثوق، فضلًا عن مجهول، أو غير موثوق.

ولقد جاء النهي الصريح عن أن يحدِّثَ المرء بكل ما سمع.

قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمع). رواه مسلم.

ويتعين هذا الأدب في وقت الفتن والملمَّات، فيجب على الناصح لنفسه أن يتحرَّى هذا الأدب؛ حتى يقرب من السلامة، وينأى عن العطب.

قال الله _ تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا) النساء: 83.

قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية: هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن، وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم؛ أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم: أهل الرأي، والعلم، والنصح، والعقل، والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدها.

فإذا رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين، وسرورًا لهم، وتحرزًا من أعدائهم؛ فعلوا ذلك، وإن رأوا ما ليس فيه مصلحة، أو فيه مصلحة، ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه.

ولهذا قال: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)

أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة، وعلومهم الرشيدة.

وفي هذا دليل لقاعدة أدبية، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور؛ ينبغي أن يُوَلَّى من هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم؛ فإنه أقرب إلى الصواب، وأحرى للسلامة من الخطأ.

وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمرُ بالتأمل قبل الكلام، والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه الإنسان أم لا فيحجم عنه.

وقال في موضع آخر حاثًا على التَّثبُّت، والتدبر، والتأمُّل قال: وفي قوله _ تعالى _: (وَلا تَعْجَلْ بِالقرآن مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه: 114

 أدبُ طالب العلم، وأنه ينبغي له أن يتأنى في تدبره للعلم، ولا يستعجل بالحكم على الأشياء، ولا يعجب بنفسه، ويسأل ربه العلم النافع والتسهيل.

وقال: تعالى:( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ )النور: 12 هذا إرشاد منه لعباده إذا سمعوا الأقوال القادحة في إخوانهم المؤمنين رجعوا إلى ما علموا من إيمانهم، وإلى ظاهر أحوالهم، ولم يلتفتوا إلى أقوال القادحين، بل رجعوا إلى الأصل، وأنكروا ما ينافيه.

قال ابن حبان: أنشدني منصور بن محمد الكريزي:

الرفقُ أيمنُ شيءٍ أنت تَتْبَعُه *** والخُرقُ أشأمُ شيء يُقْدِم الرَّجُلا

وذو التثبت من حمد إلى ظفرٍ *** من يركبِ الرفقَ لا يستحقبِ الزللا

8- التأني في إبداء الرأي:

فمما ينبغي للعاقل في هذا الشأن ألا يحرص على إبداء رأيه في كل أمر، وألا يقول كل ما يعلم بل اللائق به أن يراعي المصالح؛ فلا يحسن به أن يبدي رأيه في كل صغيرة وكبيرة، ولا يلزمه أن يتكلم بكل نازلة؛ لأنه ربما لم يتصور الأمر كما ينبغي، وربما أخطأ التقدير، وجانب الصواب، والعرب تقول في أمثالها: الخطأ زاد العَجُول.

بخلاف ما إذا تريث وتأنى؛ فإن ذلك أدعى لصفاء القريحة، وأحرى لأنْ يختمر الرأي في الذهن، وأخلق بالسلامة من الخطأ.

والعرب تمدح من يتريث، ويتأنى ويقلب الأمور ظهرًا لبطن، وتقول فيه: = إنه لحُوَّلٌ قُلَّب.

بل ليس من الحكمة أن يبدي الإنسان رأيه في كل ما يعلم حتى ولو كان متأنيًا في حكمه، مصيبًا في رأيه؛ فما كل رأي يجهر به، ولا كل ما يعلم يقال.

بل الحكمة تقتضي أن يحتفظ الإنسان بآرائه إلا إذا استدعى المقام ذلك، واقتضته الحكمة والمصلحة، وكان دأبه في ذلك المشاورة خصوصًا في الأمور الكبار.

وزن الكلام إذا نطقت فإنما *** يبدي العقولَ أو العيوبَ المنطقُ

قال أحد الحكماء: إن لابتداء الكلام فتنةً تروق وجدَّةً تعجب؛ فإذا سكنت القريحة، وعدل التأمل، وصفت النفس _ فليعدِ النظر، وليكن فرحُه بإحسانه مساويًا لغمِّه بإساءته.

وقال ابن حبان: الرافق لا يكاد يُسْبَق كما أن العَجِل لا يكاد يَلْحَق، وكما أن من سكت لا يكاد يندم، كذلك من نطق لا يكاد يسلم.

والعَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعد ما يحمد، ويعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم.

والعَجِل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تُكَنِّي العجلة: أم الندامات.

وذكر بسنده عن عمر بن حبيب قال: =كان يقال: لا يوجد العجول محمودًا، ولا الغضوب مسرورًا، ولا الحرُّ حريصًا، ولا الكريم حسودًا، ولا الشَّرِه غنيًا، ولا الملول ذا إخوان.

ولهذا تتابعت نصائح الحكماء على التريث خصوصًا عند إرادة الإقدام على مواقع الخطر، قال المتنبي:        

             الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني

             فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مِرَّةٍ *** بلغت من العلياء كل مكان

وقال:           وكل شجاعة في المرء تغني *** ولا مثل الشجاعة في الحكيم

9- الاعتدال في الطرح:

فمما ينبغي للعاقل: أن يعتدل في طرحه، وأن يحذر من المبالغة، وتضخيم الأمور؛ لأن الحقيقة تضيع بين التهويل والتهوين.

والعرب تقول في أمثالها: خير الناس هذا النمط الأوسط:

10-لزوم المراقبة لله _عز وجل

وأعظم زاجر وواعظ للمرء، ومعين له على الإفادة من الإنترنت، والسلامة من شروره وغوائله؛ لزوم المراقبة لله _عز وجل_ واستشعار اطلاعه _تبارك وتعالى

وما أبصَرتْ عيناي أجملَ من فتى *** يخافُ مقامَ اللهِ في الخَلَواتِ

فحريٌّ بالعاقل أن يستحضر هذا المعنى جيدًا، وأن يتذكر دائمًا أن الغيب عند الله علانية، فكيف يليق بالمرء أن يجعلَ الله _عز وجل_ أهونَ الناظرين إليه؟! وحقيق عليه أن يدرك أنه من أخفى خبيئة ألبسه الله ثوبها، ومن أضمر شيئًا أظهره الله عليه سواء كان ذلك خيرًا أو شرًا؛ فالجزاء من جنس العمل، و(مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ).

وإليك أخي القارئ الكريم هذه الكلماتِ النورانَّيةَ في هذا الشأن من بعض أئمة السلف _ رحمهم الله ورضي عنهم:

قال أبو حازم سلمة بن دينار: لا يُحْسِن عبد فيما بينه وبين الله _ تعالى _ إلا أحسن الله فيما بينه وبين العباد، ولا يُعَوِّر يفسد فيما بينه وبين الله تعالى إلا عوَّر الله فيما بينه وبين العباد، ولَمُصَانَعَةُ وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها؛ إنك إذا صانعت الله مالت الوجوه كلُّها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبينه شَنَأَتْكَ _أبغضتك_ الوجوه كلها.

وقال المعتمر بن سليمان: إن الرجل يصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته

قال ابن الجوزي: نظرت في الأدلة على الحق _سبحانه وتعالى_ فوجدتها أكثر من الرمل، ورأيت من أعجبها: أن الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله _عز وجل_ فيظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، وينطق الألسنة به، وإن لم يشاهده الناس.

وربما أوقع صاحبَه في آفة يفضحه بها بين الخلق؛ فيكون جوابًا لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك؛ ليعلم الناس أن هنالك من يجازي على الزلل، ولا ينفع مِنْ قَدَره وقدرته حجاب ولا استتار، ولا يضاع لديه عمل.

وكذلك يخفي الإنسان الطاعة، فتظهر عليه، ويتحدث الناس بها، وبأكثر منها، حتى إنهم لا يعرفون له ذنبًا، ولا يذكرونه إلا بالمحاسن؛ لِيُعْلَمَ أن هنالك ربًَّا لا يُضيع عَمَلَ عامل.

وإن قلوب الناس لَتَعْرِفُ حال الشخص، وتحبه، أو تأباه، وتذمه، أو تمدحه وفْقَ ما يتحقق بينه وبين الله تعالى فإنه يكفيه كلَّ همٍّ، ويدفع عنه كل شر.

وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق دون أن ينظر إلى الحق إلا انعكس مقصوده، وعاد حامده ذامًَّا.

وقال: إن للخلوة تأثيراتٍ تَبيْنُ في الجلوة؛ كم من مؤمن بالله _عز وجل_ يحترمه عند الخلوات، فيترك ما يشتهي؛ حذرًا من عقابه، أو رجاءً لثوابه، أو إجلالًا له؛ فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودًا هنديًَّا على مجمر، فيفوح طيبه، فيستنشقه الخلائق، ولا يدرون أين هو.

وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبتُه، أو على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب، ويتفاوت تفاوتَ العود.

فترى عيون الخلق تعظِّم هذا الشخص، وألسنتهم تمدحه، ولا يعرفون لِمَ، ولا يقدرون على وصفه؛ لبعدهم عن حقيقة معرفته.

وقد تمتد هذه الأراييح يعني الروائح بعد الموت على قدرها؛ فمنهم من يذكر بالخير مدة مديدة ثم ينسى، ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره، وقبره، ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبدًا.

وعلى عكس هذا من هاب الخلق، ولم يحترم خلوته بالحق فإنه على قدر مبارزته بالذنوب، وعلى مقادير تلك الذنوب؛ يفوح منه ريح الكراهة، فتمقته القلوب.

فإن قلَّ مقدار ما جنى قل ذكر الألسن له بالخير، وبقي مجرد تعظيمه.

وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه، ولا يذمونه.

وربَّ خالٍ بذنب كان سبب وقوعه في هُوَّة شِقْوة في عيش الدنيا والآخرة، وكأنه قيل له: ابق بما آثرت؛ فيبقى أبدًا في التخبيط.

فانظروا إخواني إلى المعاصي أثَّرت، وعَثَّرت.

قال أبو الدرداء: إن العبد ليخلو بمعصية الله _تعالى_ فيلقِي اللهُ بُغضَه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.

فتلمَّحوا ما سطرته، واعرفوا ما ذكرته، ولا تهملوا خلواتكم ولا سرائركم؛ فإن الأعمال بالنية، والجزاء على مقدار الإخلاص.

وقال ابن الجوزي: إنه بقدر إجلالكم لله _عز وجل _ يجلكم، وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم.

ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كَبِرت سنُّه، ثم تعدَّى الحدود، فهان عند الخلق، وكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه، وقوة مجاهدته.

ولقد رأيت من كان يراقب الله _عز وجل_ في صبوته _ مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم _ فَعَظَّم اللهُ قدره في القلوب، حتى عَلِقَتْهُ، ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير.

ورأيت من كان يرى الاستقامة إذا استقام، وإذا زاغ مال عنه اللطف.

ولولا عموم الستر، وشمول رحمة الكريم لافتضح هؤلاء المذكورون، غير أنه في الأغلب تأديب، أو تلطُّف في العقاب.

 -11 المشاركة في تقديم النافع المفيد:

وكما أنه يجب على المسلم أن ينأى بنفسه عن شر الإنترنت فكذلك ينبغي له أو يجب عليه ألا يحرم نفسه من خيره، خصوصًا إذا كان ذا دراية، وتخصص فيه؛ فلا يحسن به أن يكون قصاراه ألا يقع في المحذور.

بل عليه أن يقدم النافع المفيد، من المشاركات الهادفة، والاقتراحات النافعة، والدلالة على المواقع الإسلامية الموثوقة.

-12 إنكار ما يراه من منكر:

فعلى المتعامل مع الإنترنت؛ ألا يحقر نفسه في إنكار ما يراه من منكر أو قبيح في الإنترنت، كل ذلك بحسب قدرته واستطاعته.

وأخيرًا إليك أيها الأخ الكريم هذه التساؤلات:

ألا تشعر _وأنت تقلِّبُ بصرَك في الصور الخليعة_ بظلمة في قلبك، ووهَنٍ في بدنك، وزهد بالفضيلة ورغبة في الرذيلة؟!

ألا تحسُّ _وأنت تطالع المهاترات، وتصِيغُ سمْعَك لما يقال في فلان وفلان_ بقسوةٍ في قلبك، وإساءةٍ في ظنِّك، وتشاؤمٍ في نظرتك.

ألا تشعر _إذا قضيت الساعات الطوال أمام الإنترنت بلا فائدة_ بضيق في صدرك، وتكسُّرٍ لحاجاتك؟ حتى إنك لا تطيق من بجانبك، ولا تحرص على الرَّدِّ بمن يتصل بك عبر الهاتف؟

وفي مقابل ذلك ألا تشعر بنشاط، وأنس، وسرور وقوَّةٍ إذا قدمت الخير، وغضضت البصر عن الحرام، واتقيت الله في الخلوة؟!.

أسأل الله _بأسمائه الحسنى وصفاته العلى_ أن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا مفاتيحَ للخير، مغاليقَ للشَّرِّ، مبارَكِين أينما كنا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply