بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الفوائدَ من قصة موسى عليه السلام كثيرةٌ، وهي أكثرُ من أن يحصيها مقال... لم لا وقصةُ موسى عليه السلام هي أكثر القصص ذكرًا في القرآن الكريم. ولكنها وقفاتٌ سريعة حول نجاة موسى عليه السلام من فرعون وما قبل فترة الغرق....
الوقفة الأولى:
رؤيا منامية تجعل فرعون يذبح الذكور من بني إسرائيل... ثم جعل عامًا للعفو وعامًا للذبح.... ويشاء الله تعالى أن يولد موسى عليه السلام عامَ الذبح، هذا الغلام المنتظر الذي يُقَتّلُ كلُّ المواليد لأجله..ولك أن تتأمل أن موسى عليه السلام لم يولد عامَ العفو بل عامَ الذبح.... بل ويربى في بيت فرعون وتحت رعاية زوجته...
فإذا أراد الله شيئًا أنفذه حتى وإن كانت الأسبابُ كلُّها تقول لا.... وتأمل أن اللهَ تعالى جعل كل هذه الأسباب التي في ظاهرها أن موسى سيُقتل مثل باقي بني جيله... لكنها مجرد أسباب لها خالق يطوعها كيف شاء... فإذا أراد الله شيئًا أمضاه وإن حال دونه كل حائل..وإذا لم يُرد شيئًا لم يمضِ وإن كانت كل الأسباب تقول بنقيض هذا.... ففي شأنك كله خذ بما تيسر من أسبابٍ غيرَ معلقٍ قلبَك بها بل بخالقها....
الوقفة الثانية:
{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}هذا موسى عليه السلام جاء داعيًا مكلّفًا من الله تعالى:{اذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [43] فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}. تأمل قوله طغى وقوله فقولا له قولا لينا....
بدأ موسى الحوارَ بقوله أنه رسولٌ من رب العالمين... فذكره فرعون بمنته عليه وتربيته له وذكّره بفَعْلته التي فعل أن قتل منهم رجلًا... فقال تعالى:{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ [18] وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} .[19]
هذا الطاغية الذي قتل آلاف الأنفس يقول لموسى أن قتل نفسًا وفعلت فعلتك؟!!!!!
تأمل... لكن الأعجب هو رد موسى عليه السلام... لم يقل له أنت تقتل آلاف الأنفس وتلومني على نفس واحدة؟!! لم يبرر... لم يرواغ... ولكنه كان واضحًا في رده معترفا فقال:{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}.[20]
فتأمل هذا الرد السديد واستفد منه العديد من الفوائد...
الوقفة الثالثة:
تأمّل قول فرعون {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}.
تأمل قوله ذروني.... وهل فرعون في جبروته وإلاهيته المزعومة يريد أن يأخذ الإذن من الناس بقتل واحد؟!!ولكنها شرعنة الطغيان بين عامة الناس حتى إذا نفذ فهو بِناءً على رغبتهم هم... ولك أن تتأمل..
تأمل قوله عن موسى أو أن يُظهر في الأرض الفساد وفي قراءةٍ يَظهر.... فرعون الذي يقول أنا ربكم الأعلى يخاف على الناس من ظهور الفساد!!! فياللعجب
فتأمل ولا تنخدع بمجرد المسميات والإطلاقات، وعليك بالجواهر والمحتوى دون المظاهر والادعاءات والمسميات... فإن منهم من سمى الربا فوائد،ومنهم من سمى الخمر مشروبًا روحيّا، ومنهم من سمى الخلاعة والمجون حرية.... إلى آخره..
فالحقُّ حقٌ وإن سمّوْه باطلا... والباطلُ باطلٌ وإن سمّوْه حقا..
الوقفة الرابعة:
الثبات واليقين: هذا اليقين يتجلى في عدة مشاهد من هذه القصة العظيمة منها: مشهد السحرة لما أيقنوا أن موسى مرسلًا وليس ساحرا... قال تعالى:{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ}والتعبير بالفاء يفيد السرعة..وانظر لما توعدهم فرعون بالصلب والعذاب وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف.... وتأمل النعيم الذي كانوا فيه قبل قليل... فما الذي حملهم على هذا الثبات بهذا الوصف العجيب؟! إنه اليقين بأن وعد الله حق وأن ما فيه فرعون مآله إلى جهنم وبئس المصير..
فبكل ثبات ويقين قالوا {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُون} فتمعّن وتدبر أقوالهم هذه ..وتأمل وتصوّر مع من يتحدثون..!!!
{قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى. إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى. وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى. جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّى}.
وانظر يقين موسى عليه السلام وثباته، فرعون خلفه والبحر أمامه حتى أسقط في يد من معه حتى قالو إنا لمدركون... فبكل ثباتٍ ويقينٍ قال}قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.
الوقفة الخامسة:
{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}ينتهي هذا المشهد بغرق فرعون ومن معه، ونجاةِ موسى ومن معه... وهذه هي النهاية المعهودة لكل مشهدٍ تصارع فيه الحق والباطل... العاقبة فيه حتما للتقوى.... مهما قويت شوكة الباطل فإنه زهوقٌ ضعيفٌ هش... ومهما قلّتْ شوكةُ الحق فإنه قويٌّ منتصر... ولكن لله سننٌ يُمضيها، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين....
الوقفة السادسة:
زالُ ملكُ فرعونَ وجبروتُه ولم يبق منه شي..
{كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}.. لم يذهب إلى العدم... بل إلى العدل الإلاهي...
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }.وصدق ربي.... {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا..}
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد