الماء البارد في السنة النبوية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

فقد انتشر القول بأن الماء البارد مضر بالصحة، وهو مأخوذ من الثقافة البوذية والهندوسية ففي خرافاتهم أن شرب الماء البارد يعيق عملية الهضم، ومن الأفضل للمرء أن يستهل يومه بماء فاتر. لكن الأبحاث العلمية لم تكشف وجود ضرر حقيقي للماء البارد على صحة البدن، وهو ما أكده بحث نشره موقع *ميديكال نيوز تودي* العلمي البريطاني. كما أن في شرب الماء البارد تبريد لأجزاء الجسم الداخلية في وقت الحرارة أو أثناء ممارسة الرياضة أو أي إجهاد بدني.

وإن من النعم العظيمة على الإنسان الشرب من الماء البارد فقد روى الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصح لك جسمك وأروك من الماء البارد ."

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها، ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: ما أخرجك يا أبا بكر؟ فقال: خرجت للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنظر في وجهه، قال: فلم يلبث أن جاء عمر، فقال: ما أخرجك يا عمر؟ قال: الجوع، قال: وأنا قد وجدت بعض الذي تجد، انطلقوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان، وكان كثير النخل والشاء، فأتوه، فلم يجدوه، ووجدوا امرأته، فقالوا: أين صاحبك؟ فقالت: ذهب ليستعذب لنا الماء من قناة بني فلان، ما لبث أن جاء بقربته، فوضعها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يلتزمه ويفديه بأبيه وأمه، فانطلق بهم إلى ظل، وبسط لهم بساطا، ثم انطلق إلى نخلة، فجاء بقنو فوضعه بين أيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تنقيت لنا من رطبه؟ فقال: أردت أن تتخيروا من رطبه؟ فأكلوا، ثم شربوا من الماء، فلما فرغوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا والذي نفسي بيده، من النعيم الذي أنتم عنه مسئولون، هذا ظل بارد، والرطب البارد، عليه الماء البارد".

وفي كتاب الزهد للإمام أحمد أن عبد الله بن عمر: شرب ماء باردا فبكى فاشتد بكاؤه فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت ءاية في كتاب الله عز وجل: وحيل بينهم وبين ما يشتهون، قال: فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئا إلا الماء البارد، وقد قال الله عز وجل: }أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله{.

وكان من دعاء داود عليه السلام أنه يقول: "اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي، ومن الماء البارد". رواه الترمذي.

ومن نعيم المؤمنين في الجنة الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال في وصفه: "حوضي كما بين عدن وعمان أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك أكوابه مثل نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا".

ومن أشد عذاب أهل النار حرمانهم من الماء، كما قال تعالى: }ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين{.

 وبالماء البارد شفا الله عبده أيوب عليه السلام من ضره الذي مسه }واذكر عبدنا أيوب إذ نادىٰ ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هٰذا مغتسل بارد وشراب.{

 قال بن كثير في تفسيره: فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يركض الأرض برجله ففعل فأنبع الله تعالى عينا وأمره أن يغتسل منها فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأذى(....

 وأوصى عليه الصلاة والسلام بالماء البارد لمن به حمى فعن امرأة الزبير بن العوام: "كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا حم الزبير أن نبرد الماء ونحدره عليه".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "إذا حم أحدكم فليسن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر" صححه الألباني.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم! اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد".

قال المناوي رحمه الله (وخصها لأنها لبردها أسرع لإطفاء حر عذاب النار التي هي غاية الحر وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها، فعبر عن إطفاء حرها بذلك وبالغ باستعمال المبردات مترقيا عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده ومصيره جليدا).

وننبه إلى بعض آداب شرب الماء الواردة في السنة النبوية:

1-  البعض يسرف في شرب الماء وينصح بذلك بلا أساس علمي، والجسم يكيف نفسه ويطلب الشرب دون إكراه، وقد جاء التحذير من الإكثار من الأكل والشرب في قوله تعالى: }وكلوا واشربوا ولا تسرفوا{(الأعراف:31) وفي حديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" ([1]). وفي حديث المقدام بن معدي كرب قال: سمعت النبي  صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" ([2]).

4- نهت الشريعة عن تعريض الشراب للقذى والأذى والأوساخ، ومن ذلك النهي عن النفخ في الشراب فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ فقال: "أهرقها. قال: فإني لا أروي من نفس واحد. قال: فأبن القدح عن فيك"([3]). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء"([4]). ومثله ما جاء عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية  أن يشرب من أفواهها"([5]). وبمعناه حديث أبي هريرة في النهي عن الشرب من فيِّ السقاء([6]).

5- وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية الأواني حتى لا يتلوث الطعام بالأوساخ والميكروبات المسببة للنزلات المعوية وغيرها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خمروا الآنية وأوكؤوا الأسقية وأجيفوا الأبواب... "([7])، وفي حديث آخر: "غطوا الإناء وأوكؤوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء"([8]). وذلك لأن الحشرات تنشط بالليل كما أن لبعض الميكروبات فصولا معينة في السنة تنشط خلالها([9]). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء" أي: أوبئة موسمية ولها أوقات معينة ([10]).

6- وصح النهي عن الشرب قائما حتى لا يشرق بالماء فيتأذى بذلك فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشرب قائما ([11]). عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "زجر عن الشرب قائمًا" رواه مسلم. وعن أنس وقتادة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى أن يشرب الرجل قائمًا" قال قتادة: فقلنا فالأكل؟ فقال: "ذاك أشر و أخبث"رواه مسلم و الترمذي. و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشربن أحدكم قائمًا فمن نسي فليستقي" رواه مسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا وعن الأكل قائمًا وعن المجثمة والجلالة والشرب من فيّ السقاء".

هذا ما تيسر جمعه والحمد لله أولًا وآخرًا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

 

([1]) علقه البخاري (5/2181) قبل الحديث (5446) كتاب اللباس، ووصله أبو داود الطيالسي (1/299) (2261) كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح (10/253) والحديث ليس عند أبي داود السجستاني، وقد نبه على هذا المصنف في نهاية الباب، وأحمد (2/181، 182) ، والنسائي (5/79) ، وابن ماجه (2/1192) (3605) ، والحاكم (4/150) ، وأخرجه الترمذي = = (5/123) (2819) مختصرًا. قال المنذري: ورواته إلى عمرو بن شعيب ثقات محتج بهم في الصحيح، وقال عمرو بن شعيب: الجمهور على توثيقه وعلى الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده.. انتهى، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح، وأقره الذهبي.

([2])أحمد (4/132) ، الترمذي (4/590) (2380) ، ابن ماجه (2/1111) (3349) ، ابن حبان (2/449) (674) ، والحاكم (4/135) ، والنسائي في "الكبرى" (4/177، 178) ، وفي رواية ابن ماجه: قال: «فإن غلب الآدمي نفسه فثلث للطعام» الحديث. وقال: حديث حسن صحيح وفي نسخة: حسن وصححه الألباني في صحيح الجامع (5674).

([3]) أخرجه الترمذي 8/80 وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود 2/1134 وأحمد 3/26.

([4]) رواه البخاري 10/92 والنسائي 1/43 وابن ماجه 2/1133 وأحمد 4/383.

([5]) رواه البخاري (5625) ومسلم(2023).

([6]) رواه البخاري (5628).

([7]) أخرجه البخاري 6/355 والترمذي 10/294 وأبو داود2/305.

([8])  أخرجه البخاري (3304) مسلم (2012) وابن حبان(1271)

([9]) الوقاية الصحية /56 عن مقال : نحو وعي صحي أفضل، مجلة التمدن الإسلامي 187/51.

([10]) من كتاب " الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية " محمد كامل عبد الصمد .

([11])  رواه مسلم 3/1600 وابن ماجه 2/1132 وأحمد 3/54.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply