تربية الأطفال في الإسلام


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الأطفال هم كنوزٌ لا تقدر بثمن، تعتبر تربية الأطفال في عصرنا الحالي تحديًا كبيرًا في ظل تشوه الفطرة الإنسانية في المجتمع واضطراب بناء الإنسان وتآخر نضجه الفكري. وهي عملٌ شاق، وجهدٌ يحتاجُ إلى وقتٍ فلا تظهر ثمرته إلا بعد عدةِ سنوات. قال تعالى: }الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{(الكهف:46).

ومن مسؤولياتنا كمسلمين توجيه أبنائنا نحو تقدير واحترام وحب الله ورسوله ودينه. يجب أن نستفيد في تربية أبنائنا من دروس النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{(الأحزاب:21).

هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، كما في يوم الأحزاب أمرنا بالتأسي في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه عز وجل. كيف لا وهو الذي يعتبر قدوةً للبشرية عبر التاريخ.

الأطفال وحقوق الوالدين:

للوالدين حقوق على الأبناء، وهكذا عندما نصبح والدين يكون لأبنائنا حقوق علينا. كما أنها لا تقتصر فقط على الأب والأم، بل تتجاوز الأسرة لتشمل المسجد الذي هو عماد التربية والمدرسة ووسائل التواصل، كما في الحديث الشريف: "كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ" (صحيح البخاري).

وواجب الوالدين على الطفل أن ينشأ منذ نعومة أظافره على الحلال، تربيةً يحدثونه فيها عن الله ورسوله، وتعليمه القرآن والسنة، وتاريخ المسلمين وشباب الصحابة، ويجعل قلبه معلقًا بالمساجد والصحبة الصالحة وطلاب العلم.

قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: *الصبيُّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسةٌ خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابلٌ لكل نقش، ومائلٌ إلى كل ما يُمالُ إليه، فإن عُوِّد الخيرَ نشأ عليه، وسَعِدَ في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عُوِّد الشر وًاهْمِلَ إهمال البهائم، شَقِيَ وهَلَكَ،وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه. وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملًا، وإنما يكمل ويقوى بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية، وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم* (إحياء علوم الدين).

ويجب على كل والد أن يسعى لتحقيق الصفات التي كان يتميز بها النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الأطفال، فقال تعالى في مدح عبادِ الرحمن بأنَّهم يقولون: }رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{ (الفرقان:74).

-الحب والاهتمام: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظهر حبه ورحمته للأطفال من خلال القبلات والأحضان. وقال: "إِنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ" (صحيح مسلم).
لنا في قصة يوسف عليه السلام خير مثال مع والده وعلاقتهما القوية التي تربط الأب والأبن في كل شيء، حتى ليخبر الأبن أباه برؤيةٍ يراها في منامه: }قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ{ (يوسف:4).

-الصبر: روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعبّر عن عدم الصبر أو يوبخه طوال عشر سنوات من الخدمة، قال: "خَدَمْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَما قالَ لِي: أُفٍّ، ولَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ ولَا: ألَّا صَنَعْتَ" (صحيح البخاري).

-الثقة في الشباب: أوكل النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وهو حينها في الثامنة عشر من عمره، بقيادة الجيش، وكان الجيش يضم كبار الصحابة، وحقق انتصارًا عظيمًا.
كما يحرص الوالد أشد الحرص على مستقبل أبناءه، فالأمة لا مستقبل لها بدون مستقبل شبابها، والأب الناجح هو الذي يستكشف مواهب أبنه وينميها، ويزرع فيه الهمة العالية، ويُحمّله مسؤولية نهوض الأمة فيواصل بذلك مسيرة الصالحين.

-التدرجُ في التأديب، بأن يكون تنبيهه للخطأ برفقٍ ولين، بدون شدةٍ ولا غلظة.

-الاحترام المتبادل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظهر احترامًا كبيرًا لابنته فاطمة، حيث كان يقوم لاستقبالها، كما في الحديث: "أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَرْحَبًا بابْنَتي، ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ، أوْ عن شِمَالِهِ، ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ... "(صحيح البخاري).

-المعاملة العادلة: حث النبي صلى الله عليه وسلم على عدم التفضيل بين الأطفال، وألا يصف أحدهم بالذكاء والآخر بالغباء، أو يهتمُّ بأحدهم ويهمل الآخرين فقال في الحديث الشريف: "أَلَكَ بَنُونَ سِوَاهُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ هذا؟ قالَ: لَا، قالَ: فلا أَشْهَدُ علَى جَوْرٍ". عندما علم أن أحد الوالدين قدم هدية لطفل دون الآخرين (صحيح مسلم).

الأطفال: استثمار للآخرة

الأطفال الذين يتميزون بالتقوى والبر بالوالدين هم الكنوز التي نتركها في هذا العالم. إنهم الاستثمار الحقيقي للمجتمع المسلم الذي يجب علينا القيام به في هذا العالم للآخرة.

فالأولاد يولدون على الفطرة، ثم يأتي دور التربية في المحافظة على هذه الفطرة، وهنا تأتي مسؤوليتنا كمربين للأجيال الجديدة، والولد على ما عودهُ والده، قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ" (صحيح البخاري).

قال ابن القيم رحمه الله: *وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت على ولده حظه في الدنيا والآخرة... وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء* (تحفة المودود بأحكام المولود).

واستثمار الآخرة يكون بغرس العقيدة الصحيحة بأولادنا، والإيمان بالله وملائكته، وتنمية مراقبة الله له في الخلوات، وإرشادهِ إلى الأعمال الصالحة وما يقرب إلى الله.

وما إلى ذلك من غرسٍ للأخلاق الحميدة والصفات كالصدق والأمانة ومراعاة حقوق الآخرين، وبذل الخير والعطاء للمحتاجين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى قوله عز وجل في القرآن: }وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{(الفرقان: 74).

لذا، يجب علينا أن نتعلم كيفية معاملة أطفالنا بالطريقة التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ندمج هذه التعاليم في حياتنا اليومية. بأن نكون قدوةً لهم، وألا نغفل عنهم، فالتربية لا تكون بالمأكل والمشرب فقط، وأن نحذرهم من المعاصي، ومن الشر وأهله، ولنا في وصايا لقمان لابنه وما فيها من دلالاتٍ وعظاتٍ عظيمة: كإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحذير من الشرك، وبر الوالدين، والصبر، والشكر لله، وتحذير الأبناء من الكبر والعجب، والقصد في المشي والكلام.

ولا ننسى ما لدعوة الأباء من دورٍ في صلاح الأولاد، فلنكثر من الدعاء لأبنائنا: اللهمَّ أقر أعيننا بصلاحِ أولادِنا وأزواجنا وأقاربنا وإخواننا المسلمين، اللهم اجعلهم هداةً مهتدين، اللهم اهدي الآباء الذين يقصرون في تربية أبنائهم، اللهم هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply