حقوق وواجبات الأولاد في الإسلام


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الإسلام هو دين شامل أُنزل من الله للبشرية جمعاء، في كل زمان ومكان. وهو مصدرٌ للثقافة ومعيار للسلوك الإنساني، أعطى الإسلام أهميةً خاصة للأسرة كوحدة أساسية في المجتمع. يعتبر الإسلام أن الأسرة هي الأساس الذي يبدأ منه الاستقرار الاجتماعي، وأي محاولة لزعزعة هذا الاستقرار تعتبر جريمة تؤدي إلى تفكك الأسرة وتأجيج العداوة بين أفراد المجتمع. كما يظهر ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة. لتوفير نظامٍ قانوني وأخلاقي ثابت لا يتأرجح بمزاجيات البشر، ومن ضمن هذه الحقوق، حقوق الأطفال.

القرآن والسنة يحثان على الزواج الرشيد، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ".

عندما يتحالف زوجان في الإيمان، يصبح حفظ حقوق الأطفال مضمونًا، لأن الطاعة لله تشمل حفظ هذه الحقوق، بما في ذلك حق الطفل في معرفة نسبه.

يقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (التحريم: 6).

فالإسلام يُكرس حق الحياة منذ اللحظة الأولى للحمل، ويُحذر من إجهاض الحمل خوفًا من الفقر، كما جاء في القرآن: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ (الإسراء:31). ويُعتبر الطفل نعمة يجب استقبالها بالفرح والشكر، خاصةً في عالمٍ يعاني فيه الكثيرون من عدم القدرة على الإنجاب.

الإسلام يُحمل الأهل والمجتمع مسؤولية تربية الطفل على الأخلاق والفضيلة. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلا كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ". ويُحذر الإسلام من إهمال هذه المسؤولية، فقد جاء في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ (التحريم: 6).

والطفولة مرحلةٌ مميزةٌ في حياة الإنسان، وهو ما يُميز المجتمع المسلم عن بعض النظريات الغربية التي لم تُعنِ بالطفولة كمرحلة مُستقلة إلا في القرون الحديثة.

فالإسلام دين شامل يُعنى بجميع جوانب الحياة: الروحية، والعقلية، والجسدية. وهذا يشمل الأطفال أيضًا، حيث يبدأ حقهم حتى قبل الحمل. عندما يقرر الزوجان الزواج وإنشاء أسرة، يتحتم عليهما الدعاء للحفاظ على نسلهما من الشيطان، كما نصح النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: "لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إذَا أتَى أهْلَهُ قالَ باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وجَنِّبِ الشَّيْطَانَ ما رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بيْنَهُما ولَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ".

وبمجرد الحمل، يصبح الطفل أمانة من الله يجب الحفاظ عليها. يتعين على الأم العناية بنفسها والتحضير لقدوم الطفل، معتمدة على الله في ذلك، كما جاء في القرآن: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ (آل عمران: 38).

والأطفال يولدون على الفطرة، مُمَيِّزين لله بالحب والعبادة. وفي هذا السياق، يُحث الإسلام على عدم التفضيل بين الذكر والأنثى، ويُدين ممارسات الجاهلية مثل دفن البنات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كُنَّ له حجابًا من النَّار".

وعند ولادة الطفل، يكتسب حقوقًا جديدة يجب الوفاء بها، منها الحاجات الجسدية والعاطفية، بالإضافة إلى تعليمه كيفية العبادة والاتصال بالله. الأهل والأقارب والمجتمع الإسلامي بأسره يتحملون مسؤولية هذه الأمانة الثمينة.

للأسف يعيش العديد من الأطفال في ظروف صعبة تتمثل في الجوع، والألم، والمعاناة. وعندما يُهملون أو يُعذَّبون، فإن الله يراقب والملائكة تُسجل. لذا، يُعتبر الإسلام دينًا يُحث على العناية والمحافظة على حقوق الأطفال، ويُحمل الجميع مسؤولية تحقيق ذلك.

في الإسلام، يُعتبر من أهم الواجبات الأبوية هو محبة ورعاية الأطفال. لديهم حق الحماية والتعليم في كيفية العبادة والطاعة لله.

قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (طه:132).

فتعويد الأطفال على العبادة من الصغر، وتدريبهم عليها؛ طريقٌ مجرَّب منصوحٌ به من الصحب والسلف.

وروي عن ابن عباس بسندٍ ضعيف عن أثر القرآن في حياة الأبناء قبل بلوغهم أنه قال: من قرأ القرآن قبل أن يحتلم؛ فقد أوتي الحكم صبيًّا.

إن ولادة الطفل، سواء كان ذكرًا أو أنثى، تُعتبر مناسبة للفرح والاحتفال. وفي الإسلام، هناك آداب مُحدَّدة لاستقبال الطفل في الأسرة والمجتمع. من السنن المُستحبة عند ولادة الطفل ما يُعرف بـ*التحنيك*، وهو وضع شيء حلو مثل التمر في فم الطفل. كما يُستحب أن يُلقى الأذان في إذن الطفل الجديد ليكون أول ما يسمعه هو كلمات الإسلام.

أحد الأمور المهمة عند ولادة الطفل هو اختيار اسم جيد له. يُفضل أن يُسمى الطفل في اليوم السابع من ولادته، كما يُستحب اختيار أسماء تحمل معاني جيدة، مثل *عبدالله* أو *عبدالرحمن* وذلك لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن عبدالله بن عمر: "إن أحبَّ الأسماءِ إلى اللهِ: عبدُاللهِ، وعبدُالرحمنِ".

في الإسلام، يُعتبر من السنن الجيدة إقامة *العقيقة*، وهي ذبح شاة واحدة عن الأنثى، وعن الذكر اثنتين.

وهو مخير إن شاء قسمها على الفقراء والجيران والأقارب، وإن شاء جعلها وليمة ودعا إليها من شاء من أقاربه وجيرانه، وإن شاء قسّم بعضها وأكل بعضها مع من حوله من إخوانه وجيرانه، ويُسن له أن يعطي الفقراء منها ما تيسر.

من حقوق الطفل أيضًا الختان، وهو فرض على الذكور. يُعتبر الختان جزءًا من الفطرة التي أوصانا بها النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن السنن المُستحبة هو حلق شعر الطفل الجديد وتوزيع وزنه كصدقة. يكفي تقدير الوزن وإعطاء المبلغ المكافئ كعملة.

إذًا فاستقبال الطفل الجديد في الأسرة والمجتمع ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو تأكيد على حقوق الطفل في الإسلام.

يحق للطفل، بغض النظر عن حالة الوالدين، أن يُربى في بيئة آمنة، محاطًا بحب الله وتعاليمه. فيُفترض في كل فرد أن يعامل بالاحترام والكرامة. ويبدأ هذا الاحترام بحب الله وطاعته، ومن ثم تنبعث منه كل الأخلاق العالية التي يُعتز بها الإسلام. يتوقع الله منا، كبالغين مؤمنين، أن نعامل الأطفال بالاحترام وأن نرعاهم ونحبهم ونُعلمهم. قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ (النور: 52).

الأطفال الصغار يحتاجون إلى الطعام والشراب والنوم، بالإضافة إلى الحب والرحمة. وإهمال احتياجاتهم العاطفية والروحية لا يُعتبر مناسبًا. بعد ولادة الطفل يُنصح بالرضاعة الطبيعية، التي خلقها الله لتلبية احتياجات كل طفلٍ على حدة. وقد أثبتت العلوم الحديثة فوائد حليب الأم الطبيعي. ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ (البقرة: 233) .وفي حالة عدم إمكانية الرضاعة الطبيعية، يُمكن اللجوء إلى بدائل مثل الحليب الصناعي المُعد خصيصًا لاحتياجات الرضع.

﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة: 6)، يجب تعليم الأطفال حب الله منذ الصغر. وعادةً ما يكون الأمر سهلًا لأن الأطفال يميلون طبيعيًا لمعرفة وحب الله. ومن مسؤولية الوالدين توجيه الأطفال نحو فهم أن الله واحد وأنه لا يُعبد إلا هو.

ومن الواجب على الوالدين والأوصياء تعليم الأطفال فروض الإسلام. يجب تعليمهم الطريقة الصحيحة لعبادة الله وأفضل وسيلة لذلك هو القدوة. فيتعلم الأطفال من محيطهم، وعندما يسمعون نداء الأذان، يعرفون أنه حان وقت التوقف عن كل الأنشطة الدنيوية والتركيز على الصلاة.

يقول ابن القيم رحمه الله: وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائضَ الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: *يا أبتِ، إنك عققتني صغيرًا، فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا*.

كما يجب علينا تعليم أطفالنا الصلاة عند بلوغهم سبع سنوات، وتوبيخهم إذا تجاهلوا الصلاة عند بلوغهم عشر سنوات. ويجب أن يُعلم الأطفال كيفية الصيام وقراءة القرآن والتحلي بالأخلاق الحميدة. لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُروا أولادَكم بالصلاةِ لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجعِ".

والقضية الرئيسية في نزاعات الحضانة هي ما يُعتبر في مصلحة الطفل، والهدف من الحضانة هو العناية بالطفل، لذا يجب ألا تُمنح بطريقة تضر برفاهيته وايمانه.

لقد اختلف العلماء المسلمون عبر القرون في آرائهم بشأن حضانة الطفل، لكنهم اتفقوا جميعًا على أن مصلحة الطفل يجب أن تكون الاهتمام الأول.

قال تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ (الطلاق: 7).

يحثنا الإسلام على معاملة الأطفال بالعدل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا في أَوْلَادِكُمْ".

فيما يتعلق بالإنفاق، لا يجوز التفضيل بين جنس على الآخر أو بين طفل على الآخر. لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى التنافس بين الإخوة والغيرة والمشاعر السلبية داخل الأسرة.

قال الإمام ابن باز رحمه الله: *أما الإنفاق عليهم، فكل ينفق عليه بقدر حاجته، الكبير له نفقة، والرضيع له نفقة، والذي بين هذين له نفقة. أما العطايا الزائدة على النفقة، فهي محل العدل، ولا يخص أحدًا من الأولاد بشيء دون الآخر*.

فالواجب على الأب أن ينفق على أولاده المحتاجين بالمعروف كل حسب حاجته ذكرًا كان أو أنثى.

قال تعالى في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾ (المائدة: 8).

نسأل الله العظيم أن يحفَظ لنا أولادنا، وأن يعيننا على حسن تربيتهم، وأن يجعل أبناءنا من أهل القرآن، وأن يحبب إليهم القرآن، وأن يحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن. إنه سميعٌ مجيب الدعاء.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply