التعامل مع أهل البدع


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

يمثل الحفاظ على نقاء الدين الإسلامي وتنقيته من البدع والانحرافات مسؤولية عظيمة تقع على عاتق العلماء والدعاة. سنعالج في هذا المقال أهمية دعوة أهل البدع إلى الحق، مع توضيح الضوابط والأصول التي ينبغي أن يلتزم بها العلماء أثناء القيام بهذه المهمة الشاقة. كما سنتناول باختصار مفهوم البدعة، وأنواعها، وخطرها على المجتمع الإسلامي، بالإضافة إلى كيفية التعامل مع المبتدعين وفقاً لما يتطلبه الموقف. مع توضيح لبعض الفرق.

فقد تواترت الأدلة في ذم البدع والابتكارات في الدين، فجميع ما أُحدث في الشرع من بدع مردود كما ورد في الأدلة الشرعية. كل بدعة هي ضلالة، ولا يقبل الله منها شيئًا مهما كانت نواياها حسنة.

مفهوم البدعة:

البدعة في اللغة تعني "إحداث شيء جديد لم يكن موجودًا من قبل". أما في الاصطلاح الشرعي، فهي إحداث أمر في الدين لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضوان الله عليهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ"(رواه البخاري ومسلم).

أنواع البدع:

-البدعةالأصلية:
هي التي لا تمت إلى الدين بصلة، مثل التعبد بالرقص عند سماع الطبل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن تَشَبَّهَ بقَوْمٍ فهو مِنهم" (رواه أبو داود). وتشمل أيضًا تحريم الحلال أو تحليل الحرام
.

-البدعةالوصفية:
هي إحداث وصف جديد في عبادة مشروعة، مثل الذكر الجماعي أو قراءة القرآن قبل الأذان. إذا سُئلوا عن دليلها، جاءوا بدليل على أصلها، ولكن ليس على الوصف الجديد. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدين المَهْديِّين مِن بَعْدي، تمسَّكوا بها وعَضَّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ" (رواه أبو داود والترمذي).

آثار البدع:

-البدعةالكفرية:
هي التي توقع صاحبها في الكفر، مثل القول بصفات الله على نحو مخالف لما جاء به الإسلام، أو القول بأن قضاء الله غير نافذ. هذه البدع تخرج صاحبها من الملة، وتجعل كل أعماله باطلة، قال تعالى: }قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ{(الزمر: 64).

-البدعةالمُفسقة:
هي التي توقع صاحبها في الفسق، مثل الذبح لغير الله أو بناء الأضرحة ورفعها. هذه الأفعال تجعل صاحبها في حكم الفاسق في الدنيا والآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ"(رواه مسلم).

معاملة أهل البدع:

إذا حكم على مبتدع بالكفر، يُعامل في الشرع ككافر أصلي، فلا يصح نكاحه، ولا تقبل شهادته، ولا يدفن في مقابر المسلمين. أما إذا حكم بفسقه، فيُعامل كالفاسق من المسلمين، ويزجر بهجره إذا كان في ذلك مصلحة للعودة إلى الحق.

قال تعالى: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{(المائدة: 27). ويجب الحذر من مجالسة أهل البدع ومصاحبتهم، لأن ذلك قد يؤدي إلى التقليد والوقوع في الشبهات.

وإذا تعاظم شر المبتدع بين الناس، وكان داعية للضلالة، فالواجب كف ضلالته بعقوبة تردعه، ولو بالقتل إذا لم يكن هناك مخرج آخر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فاقْتُلُوا الآخِرَ منهما"(رواه مسلم).

تجنب الجدل مع أهل البدع:

كما لا يجب الدخول في جدال مع أهل البدع إلا للضرورة، ولحفظ القلب من سماع كلامهم، لأن سماع كلامهم أكبر علة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سيكونُ في آخرِ الزمانِ ناسٌ مِنْ أُمَّتِي يُحَدِّثُونَكُم بما لم تسمعوا بِه أنتم ولَا آباؤكم، فإيَّاكم وإيَّاهم"(رواه مسلم).

وقد أخبرت النصوص عن الفرق الضالة، وكلهم في النار يوم القيامة. من هذه الفرق باختصار:

-الخوارج:
هم الذين يكفرون أهل القبلة ويستحلون دماءهم وأموالهم، وزعيمهم ذو الخويصرة الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "اعدل"، وهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم.

-الروافض:
هم الذين يقولون بتحريف القرآن، ويكفرون الصحابة، ويؤمنون بالأئمة المعصومين، ويعتقدون بعودة المهدي من السرداب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سيَكونُ في أُمَّتي اخْتِلافٌ وفُرْقةٌ، قَومٌ يُحسِنونَ القيلَ، ويُسيئون الفِعلَ، يَقرَؤونَ القُرآنَ، لا يُجاوِزُ تَراقيَهُم..." (رواه مسلم).

-القدرية:
هم الذين ينكرون القضاء والقدر، ويقولون إن الإنسان يخلق فعله بقدرته.

-المرجئة:
هم الذين أخرجوا الأعمال من الإيمان، وقالوا إن الإيمان قول بلا عمل. وهذا قول باطل، لأن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

-الجهمية:
هم الذين نفوا أسماء الله وصفاته، وقد أتوا بمقالة التعطيل، وهي مقالة باطلة، قال تعالى: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{(الشورى: 11).

فمما يجب على المسلم الالتزام بالسنة والجماعة، والابتعاد عن البدع وأهلها، والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تركتُ فيكم شيئَينِ، لن تضِلوا بعدهما: كتابَ اللهِ، وسُنَّتي، ولن يتفرَّقا حتى يَرِدا عليَّ الحوضَ"(صحيح الجامع).

نسأل الله تعالى أن يوفقنا ويسدد خطانا لما فيه صلاح الأمة وعزتها، وأن يجمع شمل أمتنا على الحق والهدى، وأن يوفق حكامهم وولاة أمورهم إلى ما فيه خير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply