دروس وفوائد من سورة الضحى


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

سورة الضحى هي السورة رقم 93 في القرآن الكريم، موجودة في الجزء الثلاثين. نزلت في مكة المكرمة وتحتوي على 11 آية. تعود هذه السورة إلى الفترة المبكرة من النبوة في مكة باتفاق أهل العلم. اسم السورة مأخوذ من أول آية فيها: *الضحى*، والتي تعني النهار. وهي من السور القرآنية العظيمة التى أنزلها الله عز وجل على نبينا الكريم.

لماذا ومتى نزلت سورة الضحى؟

نزلت سورة الضحى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في فترة انقطعت فيها الوحي لمدة ستة أشهر. وفي خلال هذه الفترة سخر المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم قائلين إن الله تخلى عنه. فقال المشركون: وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يشعر بالإحباط والكآبة، معتقدًا أن الله غاضب عليه. نزلت سورة الضحى لتخفيف هذه المشاعر السلبية ولإعطائه الأمل والإيجابية واليقين بأن الله معه مهما كان.

دروس نتعلمها من تفسير سورة الضحى:

}وَالضُّحَى{: تبدأ السورة بقسم الله بوقت الضحى، والمقصود به النهار كله، أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير خالقه، لأن القسم بغير الله شرك. كما شرعت صلاة الضحى في الإسلام كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة في فضلها: "أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، ورَكْعَتَيِ الضُّحَى، وأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ" (صحيح البخاري:1981).

}والليل إذا سجى{: كما أقسم الله بالضحى، يقسم بالليل إذا سكن بالخلق واشتد ظلامه، ويقسم الله بما يشاء من مخلوقاته.

}ما ودعك ربك وما قلى{: ربك لم يتركك ولم يقطعك، ولم يقطع عنك الوحي، وما أبغضك وما كرهك وما قلاك كما يزعم بعضهم.
والسورة كلها حنان وعطف وتقدير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وردٌ على مزاعم الكافرين حين تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سأله أهل مكة ثلاثة أسئلة:
- الأول: عن الروح.
- الثاني: عن أصحاب الكهف.
- الثالث: عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وهو (ذو القرنين).
فقال صلى الله عليه وسلم:
"غدًا أجيبكم"، ونسى أن يقول: إن شاء الله، فتأخر الوحي خمسة عشر يومًا.

}وللآخرة خير لك من الأولى{: تفسيران لهذه الآية:
التفسير الأول: لقد أعطاك الله الرضا والمحبة، وسيتوالى فضلُ الله عليك في الدنيا، فتزداد كل يومٍ عزًا ونصرًا، حتى تفتح مكة ويدخل الناس في دين الله أفواجًا، وباختصار: ستكون الفترة الآخرة من حياتك خيرًا لك من الفترة الأولى.
أما التفسير الثاني: ستكون منزلتك في الحياة الآخرة خيرا وأفضل من الحياة الأولى، حيث يعطيك الله الشفاعة والمنزلة السامية، ويكرمك في أمّتك.

}ولسوف يعطيك ربك فترضى{: سيستمر عطاء الله لك، وهو ربك وحبيبك: فأعطاه الله الوحي، وأراه مكان أمّته، وأن مُلك أمّته سيبلغ ما بلغ النهار، فاستبشر ورضى، وأعطاه الله في الآخرة الحوض والشفاعة والمنزلة الرفيعة، وألا يسوءه في أمّته.

}ألم يجدك يتيمًا فأوى{: توفي والده وهو جنين في بطن أمه، فكفله جده، وماتت أمه وعمره ست سنوات، ثم مات جدّه وله من العمر ثماني سنين، فكفله عمه أبو طالب ولكنه كان على دين قومه لكنه نصر النبي حتى مات، وقد قيّض الله له من يكرمه ويأويه، فنشأ عزيزا بفضل الله تعالى.
باختصار: ألم أجدك يا محمد يتيمًا لم ترغب فيك المواضع، فآويتك إلى مرضعة تحنو عليك، ورزقتها بصحبتك الخير والبركة حتى أحبّتك وتكفلتك.

}ووجدك ضالًا فهدى{: ووجدك غافلا عن الشرائع، فأنزل عليك الوحي والتشريع. وجمهور العلماء يقر على أن النبي قد فطر على الإيمان بالله، وما كان على دين قومه لحظة واحدة، بدليل قوله تعالى: }ما ضل صاحبكم وما غوى{ (النجم:٢).

}ووجدك عائلًا فإغنى{: وجدك فقيرًا فأغناك من ربح التجارة في مال خديجة، وبما وهبته لك، أو أغناك بالقناعة، فجعلك راضيًا مؤمنًا، راغبًا في الآخرة، عازفًا عن زينة الدنيا، أو أغناك باستقبال الأنصار لك في المدينة، وما أفاء الله عليك من الغنائم والفيء في الفتوح والغزوات والسرايا.

}فأما اليتيم فلا تقهر{: وهنا تعليم للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمّته بإكرام اليتيم، وعدم أخذ ماله أو قهره أو إذلاله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتيمًا، فأكرمه الله وآواه، ثم أمره بإكرام اليتيم، فكان صلى الله عليه وسلم قدوةً عمليةً في ذلك، فرعى أبناء الشهداء والمجاهدين، وضمّهم إلى كفالته ورعايته.
وفضل كفالة اليتيم عظيم جدًا، قال صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى".

}وأما السائل فلا تنهر{: ينبغي أن تردّ السائل بعطاء ولو كان قليلًا، أو ترده بكلمةٍ طيبةٍ دون أن تنهره أو تزجره، وإذا جاء أحدٌ يستفهم عن أمور الدين، أو يستفهم منك في أيّ أمر من الأمور فلا ترده بالغلظة والجفوة، وأجبه بالرفق واللين، فإن إجابة السائل فرض على العالم على الكفاية. وهذه دروس لنا خصوصًا في هذا الزمن.

}وأما بنعمة ربك فحدث{: عليك أن تشكر نعمة الإيمان والإحسان، والوحي والعلم والفرقان، وذلك بالتحدث بها إبلاغًا وتعليمًا وتربيةً وهدايةً، ومن التحدث بالنعمة إظهار فضل الله على الإنسان، وإعطاء المحتاجين، وشكر من أسدى إلينا جميلًا.

هذا وينبغي على الفرد المسلم وخصوصًا في أيامنا هذه أن يرسخ في نفسه اليقين في الله، ومهما تكاثرت المحن وازدادت الصعاب وتكالب الأمم علينا أن نعلم أن الله ناصر دينه، ومؤيد جنده، وهذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، كما في الحديث الشريف عند الإمام أحمد: "لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغ الليلُ والنهارُ، ولا يترك الله بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخَله اللهُ هذا الدِّين، بعزِّ عزيز، أو بذُلِّ ذليل؛ عزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذلًّا يُذِلُّ اللهُ به الكفر".

كل ذلك على أن نحسن التوكل على الله، وندرك حقيقة خلافتنا في الأرض، فالتمكين من الله لا ينحصر في زمانٍ ومكان، ووعد الله يسري إلى يوم القيامة، وهو متحققٌ إن شاء الله:
}وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا{(النور:55).

بهذه الطريقة، توفر لنا سورة الضحى إطارًا لفهم الحياة ومواجهة التحديات، مع التأكيد على الأمل والإيمان بالله.

والشكر مع المعافاة عند بعض أهل العِلم أعظم من الصبر على الابتلاء، وكما قال أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ليَتَّخِذْ أحدُكم قَلبًا شاكرًا، ولِسانًا ذاكرًا، وزَوجةً تُعينُه على أمْرِ الآخِرةِ".

وأما ما يُذكر بين الناس بأن قراءة سورة الضحى بعددٍ محددٍ وأيامٍ معدودة لقضاء الحوائج وزيادة الرزق وجلب الحبيب وما إلى ذلك، فإننا لا نعلم لذلك أصلًا، فلا يوجد حديثٌ ثابتٌ صحيح أو حسن يدل على فضل سورة الضحى، فقراءة أي سورةٍ من كتاب الله تعالى لها فضلٌ وأجرٌ عند الله عظيم.

نسأل الله أن يوفقنا لهُداه، وأن يرزقنا الرضا والقناعة، ونعوذ به من علمٍ لا ينفع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن عينٍ لا تدمع، ومن دعوةٍ لا تُسمع، إنه كريم مجيب الدعاء.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply