بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مقترح خطبة الجمعة الثالثة من شهر ربيع الأول ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء:
1- مِن نَّعِيمِ الجَنَّةِ.
2- هِمَمٌ عاليةٌ.
3- أعمالٌ يسيرةٌ لدخول الجنة.
الهدف من الخطبة: إثارة الأشواق، وتعليق القلوب بالحياة الأبدية في الدار الآخرة؛ فإن الحديث عن الجنة من أعظم أسباب الاستقامة، وصلاح القلوب.
مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون عباد الله، نقف هذه الوقفات مع الجنة، وما فيها من نعيم، ليزداد شوقنا إلى الجنة، فيكون ذلك حافزًا لنا بإذن الله تعالى للعمل بِجدٍّ بالأعمال التي تُقربُنا منها، والابتعاد عن الأعمال التي تُبعِدُنا عنها.
والجنة: هي الجزاء العظيم، والثواب الجزيل، والدار الأبدية التي أعدها الله تعالى لأوليائه المتقين، وعباده الصالحين من المؤمنين الطائعين، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص ولا يعكر صفوَه كدر، يقول الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ: "أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ"، قَالُوا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ"[رواه ابن ماجه، وابن حبان، وضعفه الألباني].
وَأَوْصَافُ الْجَنَّةِ ونعيمُها يصعُبُ الْإِحَاطَةُ بِهِ، مهما تكلَّم المتكلمون، وتحدَّثَ الفُصحَاءُ البُلغَاءُ؛ كيف لا.؟ وقد أخبرنا ربُّنا جل جلاله، أن عُقُولَنا لا تدرِكُ ذلك، وأن أبصارَنا لم ترى مثل ذلك.!!
ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا إذن سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"، فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.
ويكفي في بيان نعيم الجنة، ذِكرُ حديثٍ واحدٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتعرف نعيمها، وتعرف خسران من فرَّط فيها.
في الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ، وأبي سعيد رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا"؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
فإن نعيم الجنة دائم نعيم لا يبيد ولا يفنى ولا ينقطع، ونعيم الجنة يختلف عما في الدنيا من النعيم؛ لأن نعيم الجنة لا خوف فيه، وأما نعيم الدنيا لا يدوم ويعتريه آلام وأسقام، وأهل الجنة يتقلبون في نعيم ليس فيه مرض ولا موت ولا هرم ولا عيب ولا نقص.
وفي هذا الحديث، في بيان نعيم الجنة قد نفى عنهم الآفات بجميع أنواعها.
فما هي هذه الآفات؟
الآفة الأولى: وهي مما يقلق الناس كثيرًا في هذه الدنيا؛ وهي آفة المرض؛ فنفى عنهم ذلك في الجنة: "إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا". فالصحة مها كانت سليمة فقد يعتريها المرض، والأمراض والأسقام تتوارد على الناس بأنواع كثيرة، والناس يحاذرونها، ولربما تركوا كثيرًا من الطيبات من المطعومات والمشروبات، وغير ذلك؛ حذرًا وخوفًا على أنفسهم من الأمراض.
أما في الجنة فلا يصيبك شيءٌ من ذلك أبدًا ؛ فالذي يدخل الجنة يكون صحيحًا، قويًّا، لا يمرض أبدًا، فليس في الجنة مرض؛ لأن المرض ضعف وهزال في البدن، وهذا يتنافى مع النعيم واللذة في الجنة، فلا مرض في الجنة أبدًا؛ بل الصحة والعافية الدائمة.
الآفة الثانية: هي آفة الموت الذي نغَّصَ على أهل النعيم في الدنيا نعيمهم، أما في الجنة فقد نفى عنهم ذلك: "وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا" أي: حياة سرمدية أبدية لا نهاية لها.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ، فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ".
وفي راوية: "فيقال: يا أهل الجنة أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، ويقال: يا أهل النار أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، فيذبح بين الجنة والنار فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم".
● أما في الدنيا مهما عاش الإنسان وطال عمُرُهُ؛ فمآله إلى الموت.
قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
وقال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}.
الآفة الثالثة: الهِرَم وما يترتب عليه من ضعف البدن، فتتكدُّرُ عافيته، ويضعف بصره، وتتلاشى أطرافه، ويعجز عن القيام فلا تحمله رجلاه، ولا يستطيع الحراك؛ فنفى عنهم كل ذلك في الجنة: "وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا"أي: ستظلوا طول عمركم شباب، لا يصيبكم كبر السن.
ففي الجنة: لا يتطرق إليهم الهَرَم، والهرم آفة وعلة لا دواء لها، ومهما حاول الإنسان أن يذهب إلى الأطباء فلن يجدي عنه ذلك شيئًا.
الآفة الرابعة: أنه في الدنيا لا يدوم له صَفوٌ ولا نعيم؛ فهكذا هي الحياة إن أضحكت قليلا أبكت كثيرً، يومٌ فيه سرور ويعقبه حزن، ويومٌ فيه فرحٌ ويعقبه عزاء؛ أما في الجنة فنعيمٌ مُقيمٌ: "وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا".
ولذلك فإن أهل الجنة لا ينامون.
وجاء ذلك في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون".
لأن متعة النوم لا تكون إلا لمن يحتاج إليه من تعب أو مرض، وأهل الجنة لا يجدون شيئا من ذلك.
وأما عن حقيقة نعيم الدنيا فهو نعيم زائل.
ذكر ابن عبد البر رحمه الله: *أن رَجُلا قال، لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، صِفْ لَنَا الدُّنْيَا، قَالَ: وَمَا أَصِفُ لَكَ مِنْ دَارٍ مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنْ، وَمَنْ سَقَمَ فِيهَا نَدِمَ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ*.
وعن علي بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال لعمار: *لا تحزن على الدنيا؛ فإن الدنيا ستة أشياء: مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح؛ فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء يستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة، وأفضل المشموم المسك وهو دم غزال، وأفضل المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال، وأما المنكوح فالنساء وهو مبال في مبال*.
وتأمل إلى حال أول زمرة يدخلون الجنة، وما أعدَّه الله تعالى لهم من النعيم:
ففي الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال: "أَوَّلُ زُمرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ، صُورَتُهُم عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ، لا يَبصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمتَخِطُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُم فِيهَا الذَّهَبُ، أَمشَاطُهُم مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُم الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُم المِسكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنهُم زَوجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِن وَرَاءِ اللَّحمِ مِنَ الحُسنِ، لا اختِلافَ بَينَهُم وَلا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُم قَلبُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكرَةً وَعَشِيًّا".
وتأمل إلى نعيم آخر رجل يدخل الجنة، وما له من النعيم والمُلك:
في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إِنِّي لأَعْلَمُ آخر أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخر أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الجنّة: رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا، أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بي، أَوْ تَضْحَكُ بي وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟!"، قال: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فكَانَ يَقُولُ: "ذَلكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَة".
وفي رواية: "قال اللهُ: هو لَكَ وعَشَرةُ أمثالِه، قال: ثُمَّ يَدخُلُ بيتَه، فتَدخُلُ عليه زَوجَتاه مِنَ الحُورِ العِينِ، فيَقُولانِ: الحَمدُ للهِ الَّذي أحياكَ لَنا، وأحيانًا لَكَ، قال: فيَقُولُ: ما أُعطِيَ أحَدٌ مِثلَ ما أُعطِيتُ.!".
وفي صحيح مسلم عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رضي الله عنه، مرفوعًا قَالَ: "سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ: رَبِّ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.
قال ابن القيم رحمه الله:
يَا سِلُعَةَ الرحمن لَسْتِ رَخِيْصَةً *** بَلْ أَنْتِ غَالية عَلَى الكَسْلانِ.
يَا سِلْعَةَ الرَّحمن لَيْسَ يَنَالُهَا *** بِالأَلْفِ إلا واحدٌ لا اثْنَانِ.
يَا سِلْعَةْ الرَّحمن مَاذَا كُفؤهَا *** إِلا أَوُلُوا التَّقْوى مَعَ الإِيْمَانِ.
يَا سِلُعةَ الرَّحمن سُوقُكِ كاسِدٌ *** بين الأَرَاذَلِ سَفْلَةِ الحَيوانِِ.
يَا سِلْعَةَ الرحمن أَيْنَ المُشْتَرِي *** فَلَقَدْ عُرِضْْتِ بَأيْسرِ الأَثْمانِ.
يَا سِلْعَةَ الرَّحمن هَلْ مِنْ خَاطِبٍ *** فَالمَهْرُ قَبْلَ الموتِ ذُو إِمْكَانِ.
يَا سِلْعَةَ الرحمن كَيْفَ تَصْبُّر ال *** خُطَّابُ عَنْكَ وَهم ذَوُو إِيْمَانِ.
يَا سِلْعَةَ الرَّحمنِ لَولا أَنَّهَا *** حُجِبَتْ بِكُل مَكَارِهِ الإِنْسَانِ.
مَا كَانَ عَنْهَا قَطْ مِنْ مُتَخِلفٍ *** وَتَعَطَّلتْ دَارُ الجَزاءِ الثَّانِي.
لَكِنَّهَا حُجِبَتْ بِكُلِّ كَرِيْهَةٍ *** لِيَصُدُّ عَنْهَا المُبْطِلُ المُتَوانِي.
وَتَنَالُهَا الهِمَمُ التِّي تَسْمُوا إلى *** رَبّ العُلَى بِمَشِيْئَةِ الرَّحمنِ.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل الجنة.
الخطبة الثانية: هِمَمٌ عاليةٌ، وأعمالٌ يسيرةٌ لدخول الجنة.
أيها المسلمون عباد الله، نقل الذهبي رحمه الله في السير، عن يوسف بن أسباط رحمه الله قال: *لا يقطع الشهوة إلا خوف مزعج أو شوق مقلق*.
فإن من أعظم ما يُعلي الهمم: هو ذكرُ الجنة، وذِكرُ نعيمها، وما أعدَّه الله تعالى لعباده الصالحين؛ وإلا فما هو الدافع للمجتهد في اجتهاده؟ وما الذي يجعل الإنسان يمتنع عن الطعام والشراب تقرُّبًا لله تعالى بالصيام؟ بل ما الذي يجعلُ الإنسانُ يبذلُ نفسه في سبيل الله تعالى.؟
تتحيَّر وتندهش.!! عندما تقرأ سير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أنهم بذلوا أرواحهم من أجل الفوز بالحنة.
فهذا عمير بن حمام رضي الله عنه يُلقي بتمرات في يده، يوم بدرٍ ويقول: *لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمَى بما كانَ معهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حتَّى قُتِلَ*.
وهذا عمرو بن الجموح رضي الله عنه يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الإذن في الخروج للجهاد يوم أُحُدٍ، وكان أعرج، وقد عذره الله تعالى؛ فيقول: *والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنّة*.
وهذا ابنُ النضر رضي الله عنه، غاب عن غزوة بدر، وفي غزوة أُحُدٍ يشتاق إلى الجَنَّةِ ويقول: *إني لأجِدُ رِيحَ الجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، فَمَضَى فَقاتل حتى قُتِلَ، فَما عُرِفَ حتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بشَامَةٍ أوْ ببَنَانِهِ، وبِهِ بضْعٌ وثَمَانُونَ مِن طَعْنَةٍ وضَرْبَةٍ ورَمْيَةٍ بسَهْمٍ*.
وهذا رجل رث الهيئة يسمعُ أبا موسى الأشعري رضي الله عنه يقول: "إنَّ أبوابَ الجنَّةِ تحتَ ظلالِ السُّيوفِ".فقال: يا أبا موسى أنتَ سمِعْتَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُه؟ قال: نَعم، فجاء إلى أصحابِه فقال: أقرَأُ عليكم السَّلامَ، ثمَّ كسَر جَفْنَ سيفِه فألقاه، ثمَّ مضى بسيفِه فضرَب به حتَّى قُتِل.
• وتتحيَّر.!! عندما تسمع خبَرَ سعد بن الربيع رضي الله عنه، يوم أُحُدٍ وهو في آخر رمق، وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم، وهو يعالج سكرات الموت يوصي الأنصار بقوله: *إنَّهُ لا عُذرَ لَكم عندَ اللهِ إن خُلِصَ إلى نبيِّكُم صلى الله عليه وسلم وفيكُم عينٌ تطرَفُ*.
• وتتحيَّر.!! عندما تقرأ قصة عبدالله ابن رواحة رضي الله عنه، وبعد أن قُتِلَ الأمراءُ في غزوة مؤتة وتأخرت نفسُهَ قليلا، فقال لها:
"أَقسَمتُ يا نَفسُ لَتَنزِلِنَّه *** طائِعَةً أَو لَتُكرَهِنَّه.
إِن أَقبل الناسُ وَشَدّوا الرَنَّة *** ما لي أَراكِ تَكرَهينَ الجَنَّة.
يا نفسُ إلَّا تُقتلي سوف تموتي *** وفي سبيل الله ما لقيتي.
وما تمنيت فقد أُعطِيت *** إن تفعلي فِعلُهُما هُدِيت.
يقصد صاحبيه: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما.
• وتتحيَّر.!! وتتساءل: ما الذي جعل أبو الدحداح رضي الله عنه، يبيع بستانه وفيه ستمائة نخلة بنخلة في الجنة.؟!!
إنه الشوق إلى الجنة!!
ونختم بهذه الأعمال اليسيرة لدخول الجنة.
1- قراءة آية الكرسي دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ آية الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ"[رواه النسائي، والطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
2- سيِّدُ الاستغفار عند الصباح والمساء:
كما في صحيح البخاري عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
3- دعاءُ عَقِب الوضوء:
ففي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضَّأ فأحسنَ الوضوءَ، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه، اللهم اجعَلني من التوابين، واجعَلني من المُتطهِّرين؛ فُتِحَت له أبوابِ الجنة الثمانية يدخُلُ من أيِّها شاء".
4- أن تسأل الله الجنة ثلاثًا:
عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سألَ اللهَ الجنةَ ثلاثَ مرَّاتٍ قالت الجنةُ: اللهم أدخِله الجنةَ، ومن استَجَارَ من النار ثلاثَ مرَّاتٍ، قالت النارُ: اللهم أجِره من النار".[رواه الترمذي].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: "ما تقول في الصلاة؟". قال: أتشهد، ثم أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، أَمَا والله ما أُحسن دَنْدَنَتَكَ ولا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "حولها نُدَنْدِنُ". [رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد].
فاللهم إنا نسألك الجنة، وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
ملحوظة:
1- الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.
2- إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:
- إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).
- وإما بنشرها وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد