عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. إنَّ لِعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ عَوَاقِبُ خطيرةٌ على الأبناء في الدنيا والآخرة، فَأقُولُ وَبِاَللَّهِ تعالى التَّوْفِيقُ:

معنى عقوق الوالدين

عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ: مُخَالَفَةُ الْوَالِدَيْنِ فِيمَا يَأْمُرَانِ بِهِ مِنَ الْمُبَاحِ، وَسُوءُ الْأَدَبِ مَعَهُمَا فِي الْقَوْلِ أَو الْفِعْلِ.(كتاب البر  لابن الجوزي  ص116).

التحذير من عقوق الوالدين وصية رب العالمين :حَذَّرَنَا اللهُ في كتابه العزيز مِن عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وقَطْعِ صِلَةِ الأرْحَام.

قَال تعالى:}الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ{(البقرة:27).

وقال تَعَالَى:}وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا{لإسراء:23).

نبينا يحذرنا مِن عقوق الوالدين

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ. قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ". (البخاري  حديث 2654 / مسلم  حديث 87).

* روى البخاريُّ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ".(البخاري  حديث: 2408).

* قَالَ الإمَامُ النووي (رَحِمَهُ اللهُ): اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْآبَاءِ وَلِهَذَا قَالَ حِينَ قَالَ لَهُ السَّائِلُ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: ثُمَّ أَبَاكَ"، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُقُوقِ يَقَعُ لِلْأُمَّهَاتِ وَيَطْمَعُ الْأَوْلَادُ فِيهِنَّ (وَذَلِكَ لِضَعْفِهِنَّ).(صحيح مسلم بشرح النووي  ج12  ص 12).

أقوال السلف في عقوق الوالدين

(1) قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَار (رَحِمَهُ اللهُ): إِن اللهَ ليُعَجِّل هَلَاك العَبْد إِذا كَانَ عاقًا لوَالِديهِ ليُعَجِّل لَهُ الْعَذَاب.(الكبائر  للذهبي  ص41).

(2) قَالَ الخَلِيفَةُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ(رَحِمَهُ اللهُ): لَا تَوَدَّنَّ عَاقًّا، كَيْفَ يَوَدُّكَ وَقَدْ عَقَّ أَبَاهُ؟! (المجالسة  للدينوري  ج3  ص 482).

(3) قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ (رَحِمَهُ اللهُ):قِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ: كَيْفَ وَلَدُكَ لَكَ؟ وَكَانَ عَاقًّا؛ فَقَالَ: عَذَابٌ رَعِفَ بِهِ الدَّهْرُ، فَيَاليْتَنِي أَوْدَعْتُهُ الْقَبْرَ؛ فَإِنَّهُ بَلَاءٌ لَا يُقَاوِمُهُ الصَّبْرُ، وَفَائِدَةٌ لَا يَجِبُ فِيهَا الشُّكْرُ.(المجالسة  للدينوري  ج3  ص 484)

أسباب عقوق الوالدين:

(1) الجهل: إذا جَهِلَ الإنسانُ عواقب العقوق في الدنيا والآخرة، وجَهِلَ ثمرات البر، قَادَهُ ذلك إلى العقوق، وصرفه عن البر.

(2) سوء التربية: فالوالدان إذا لم يُربيا أولادهما على تقوى الله تعالى، والبر، فإن ذلك سيقود الأولاد إلى التمرد والعقوق.

(3) الصحبة السيئة للأولاد: فهي مما يفسد الأولاد، ومما يجرئهم على العقوق، كما أنها ترهق الوالدين، وتضعف أثرهم في تربية الأولاد.

(4) عقوق الوالدين لوالديهم: فإذا كان الوالدان عاقين لوالديهم عُوقبا بعقوق أولادهما لهما.

(5) التفرقة في المعاملة بين الأولاد: فهذا العمل يُورث لدى الأولاد الشحناء والبغضاء، فتسود بينهم روح الكراهية، ويقودهم ذلك إلى بغض الوالدين وقطيعتهما.

(6) عدم إعانة الوالدين لأولادهما على البر: فبعض الوالدين لا يعين أولاده على البر، ولا يشجعهم على الإحسان إذا أحسنوا.

(7) قلة تقوى الله تعالى في حالة الطلاق: فبعض الوالدين إذا حصل بينهما طلاق لا يتقيان الله في ذلك، ولا يحصل الطلاق بينهما بإحسان. فترى الأولادَ إذا ذهبوا للأم قامت بذكر عيوب والدهم، وبدأت توصيهم بالتمرد عليه وهجره، وهكذا إذا ذهبوا إلى الوالد فعل كفعل الوالدة، والنتيجة أن الأولاد سَيَعُقُّونَ الوالدين جميعًا.

(8) سُوءُ أخلاق الزوجة: قد يُبتلى الإنسان بزوجة سيئة الخُلُق، لا تخاف الله ولا ترعى الحقوق، فتجدها تجعلُ الزوج يتمرد على والديه أو يخرجهما مِنَ المنزل، أو يقطع إحسانه عنهما؛ لتخلو بزوجها وتستأثر به دون غيره.(عقوق الوالدين  محمد الحمد  ص28:25).

موعظة للعاق لوالديه:

تّذَكَّرْ أَيُّهَا العَاقُ لوالديه والْمُضَيِّعُ لِأَوْكَدِ الْحُقُوقِ الْمُعْتَاضُ (الذي أخَذَ العِوَضَ) عَنْ الْبِرِّ بِالْعُقُوقِ، النَّاسِي لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغَافِلُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، بِرُّ الْوَالِدَيْنِ عَلَيْك دَيْنٌ وَأَنْتَ تَتَعَاطَاهُ بِاتِّبَاعِ الشَّيْنِ(العيب)، تَطْلُبُ الْجَنَّةَ بِزَعْمِك وَهِيَ تَحْتَ أَقْدَامِ أُمِّك، حَمَلَتْك فِي بَطْنِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَأَنَّهَا تِسْعُ حِجَجٍ (سنوات) وَكَابَدَتْ عِنْدَ وَضْعِك مَا يُذِيبُ الْمُهَجَ(الروح)، وَأَرْضَعَتْك مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا وَأَطَارَتْ لِأَجْلِك وَسَنًا (النعاس)، وَغَسَلَتْ بِيَمِينِهَا عَنْك الْأَذَى وَآثَرَتْك عَلَى نَفْسِهَا بِالْغِذَاءِ، وَصَيَّرَتْ حِجْرَهَا لَك مَهْدًا (سريرًا) وَأَنَالَتْك إحْسَانًا وَرَفْدًا (عطاءً)، فَإِنْ أَصَابَك مَرَضٌ أَوْ شِكَايَةٌ أَظْهَرَتْ مِنْ الْأَسَفِ فَوْقَ النِّهَايَةِ، وَأَطَالَتْ الْحُزْنَ وَالنَّحِيبَ(البكاء) وَبَذَلَتْ مَالَهَا لِلطَّبِيبِ، وَلَوْ خُيِّرَتْ بَيْنَ حَيَاتِك وَمَوْتِهَا لَآثَرَتْ حَيَاتَك بِأَعْلَى صَوْتِهَا، هَذَا وَكَمْ عَامَلْتهَا بِسُوءِ الْخُلُقِ مِرَارًا فَدَعَتْ لَك بِالتَّوْفِيقِ سِرًّا وَجِهَارًا، فَلَمَّا احْتَاجَتْ عِنْدَ الْكِبَرِ إلَيْك جَعَلْتهَا مِنْ أَهْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْك، فَشَبِعْتَ وَهِيَ جَائِعَةٌ وَرُوِيتَ وَهِيَ ضَائِعَةٌ، وَقَدَّمْت عَلَيْهَا أَهْلَك وَأَوْلَادَك فِي الْإِحْسَانِ وَقَابَلْت أَيَادِيهَا بِالنِّسْيَانِ، وَصَعُبَ لَدَيْك أَمْرُهَا وَهُوَ يَسِيرٌ وَطَالَ عَلَيْك عُمُرُهَا وَهُوَ قَصِيرٌ، وَهَجَرْتهَا وَمَا لَهَا سِوَاك نَصِيرٌ.هَذَا، وَمَوْلَاك قَدْ نَهَاك عَنْ التَّأْفِيفِ وَعَاتَبَك فِي حَقِّهَا بِعِتَابٍ لَطِيفٍ، سَتُعَاقَبُ فِي دُنْيَاك بِعُقُوقِ الْبَنِينَ وَفِي أُخْرَاك بِالْبُعْدِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُنَادِيك بِلِسَانِ التَّوْبِيخِ وَالتَّهْدِيدِ: }ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ{(آل عمران: 182).(الزواجر  للهيتمي  ج2  ص 114).

الجزاء من جنس العمل:

* قَالَ الأصْمَعِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): حدّثني رُجُلٌ مِنَ الأعراب قال: خرجت مِنَ الحيّ أطلبُ أعَقّ النّاس، وأبَرّ النّاس، فكنت أطوف بالأحياء، حتّى انتهيت إلى شيخ في عنقه حَبْل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحرّ شديد، وخَلْفَهُ شَابٌ في يده رشاء (حَبْل) مِنْ قدّ (جِلد مدبوغ) ملويّ يضربه به، قد شقّ ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتّقي الله في هذا الشّيخ الضّعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه مِن هذا الحبل حتّى تضربه؟ قال: إنّه مع هذا أبي. قلت: فلا جزاك الله خيرًا. قال: اسكت، فهكذا كان هُوَ يصنع بأبيه، وهكذا كان يصنعُ أبوه بجدّه. فقلت: هذا أعقّ النّاس.(مساوئ الأخلاق  للخرائطي  ص 252).

استجابة ربانية لدعاء والد على ابنه العاق:

* قَالَ مُنَازِلُ بْنُ لاحِقٍ: كُنْتُ شَابًّا عَلَى اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ لا أُفِيقُ عَنْهُ، وَكَانَ لِي وَالِدٌ يَعِظُنِي كَثِيرًا وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ! احْذَرْ هَفَوَاتِ الشَّبَابِ وَعَثَرَاتِهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ سَطَوَاتٍ وَنَقَمَاتٍ، مَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ وَكَانَ إِذَا أَلَحَّ عَلَيَّ بِالْمَوْعِظَةِ أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ مِنَ الأَيَّامِ أَلَحَّ عَلَيَّ بِالْمَوْعِظَةِ فَأَوْجَعْتُهُ ضَرْبًا، فَحَلَفَ بِاللَّهِ مُجْتَهِدًا لَيَأْتِيَنَّ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامِ فَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَيَدْعُو عَلَيَّ، فَخَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إلى الْبَيْتِ فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

إِنِّي أَتَيْتُكَ يَا مَنْ لا يُخَيِّبُ مَنْ  ***  يَدْعُوهُ مُبْتَهِلًا بِالْوَاحِدِ الصَّمَدِ.

هَذَا مُنَازِلٌ لا يَرْتَدُّ عَنْ عُقَقِي   ***  فَخُذْ بِحَقِّي يَا رَحْمَانُ مِنْ وَلَدِي.

وشِلَّ مِنْهُ بِحَوْلٍ مِنْكَ جَانِبَهُ     ***  يَا مَنْ تَقَدَّسَ لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَلِدِ.

فاستجاب اللهُ الدُعَاءَ فأصْبَحَ الولَدُ مَشْلُولًا مِنْ نِصْفِ جِسْمِهِ الأَيْمَنِ.(التوابين  لابن قدامة  ص143:142).

آثار عقوق الوالدين على الأبناء:

نستطيعُ أن نُوجزَ آثار عقوق الوالدين على الأبناء في الأمور التالية:

 (1) عقوق الوالدين سببُ غضب الله تعالى على الأبناء.

 روى الترمذيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: "رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ". (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1549).

(2) عقوق الوالدين مِن الكبائر.

 روى البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ. قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ".(البخاري حديث 2654).

* روى البخاريُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ".(البخاري  حديث 5975).

قَالَ الإمَامُ ابن حجر العسقلاني: قِيلَ خَصَّ الْأُمَّهَاتِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْعُقُوقَ إِلَيْهِنَّ أَسْرَعُ مِنَ الْآبَاءِ لِضَعْفِ النِّسَاءِ وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ بِرَّ الْأُمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى بِرِّ الْأَبِ فِي التَّلَطُّفِ وَالْحُنُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فتح الباري  للعسقلاني  ج 5  ص 68).

* روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ".

قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ".(البخاري حديث 5973 /مسلم حديث 90).

 (3) عقوق الوالدين سبب دخول النار:

 روى النَّسَائيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى".(حديث حسن صحيح) (صحيح النسائي  للألباني  حديث 2402).

* قال السِّنْدِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْله: (لَا يَنْظُر اللَّهُ) أَيْ: نَظَرَ رَحْمَة أَوَّلًا، وَإِلَّا فَلَا يَغِيب أَحَدٌ عَنْ نَظَرِهِ، وَالْمُؤْمِن مَرْحُومٌ بِالْآخِرَةِ قَطْعًا.

* قَوْلُهُ: (الْعَاقّ لِوَالِدَيْهِ) الْمُقَصِّر فِي أَدَاء الْحُقُوق إِلَيْهِمَا.

* قَوْلُهُ: (الْمُتَرَجِّلَة) الَّتِي تَتَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ فِي زِيِّهِمْ وَهَيْئَاتهمْ، فَأَمَّا فِي الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ فَمَحْمُودٌ.

* قَوْلُهُ: (وَالدَّيُّوث) وَهُوَ الَّذِي لَا غَيْرَة لَهُ عَلَى أَهْلِهِ.

* قَوْلُهُ: (لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة) أيْ: لَا يَسْتَحِقُّونَ الدُّخُول اِبْتِدَاءً.(سنن النسائي بحاشية السندي  ج5  ص84).

* روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ".(مسلم  حديث 2551).

* قَوْلُهُ: (رَغِمَ أَنْفُ): أَيْ: أَلْصَقَهُ بالتُّرَاب وَأَذَلَّهُ.

* قَالَ النووي (رَحِمَهُ اللهُ): هَذَا الحَدِيثُ فِيهِ الْحَثّ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَعِظَمِ ثَوَابِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ بِرَّهُمَا عِنْدَ كِبَرِهِمَا وَضَعْفِهِمَا بِالْخِدْمَةِ أَوِ النَّفَقَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فَاتَهُ دُخُولُ الْجَنَّةِ وأرغمَ اللهُ أنَفَهُ. (صحيح مسلم بشرح النووي  ج16  ص109).

(4) دعاء الآباء على الولد العاق مستجابة:

روى البخاري (في الأدب المفرد) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: :"ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ".(حديث صحيح) (صحيح الجامع  للألباني حديث 2810).

(5) عقوبة عقوقُ الوالِدَين مُعَجَّلةٌ في الدنيا قبل الآخرة.

روى الحاكمُ عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا الْبَغْيُ وَالْعُقُوقُ".(حديث صحيح) (صحيح الجامع  للألباني  حديث 2810).

قَوْلُهُ:(مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا) أَي قبل موت فاعلهما.

قَوْلُهُ: (الْبَغْيُ) أَي مُجَاوزَة الْحَد فِي الظُّلم.

قَوْلُهُ (وَالْعُقُوقُ) إيذاء الوالدين، ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرع.(فيض القدير  عبد الرؤوف المناوي  ج3  ص 251).  

عمى القلوب

قال الشيخ / عبد العزيز السلمان (رَحِمَهُ اللهُ):مِنْ أقبحِ مَظَاهِرِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ أن يتبرأ الولدُ مِنْ والديه حين يرتفع مستواه الاجتماعي عنهما، كأن يكون والده صاحب مهنة متواضعة، في حين يعيش الولد في تَرَفٍ ويشغل وظيفة كبيرة، فيخجلُ مِنْ وجوده في بيته عند زملائه بزيه البسيط، وربما سأله مَن لا يعرف والده، مَن هذا؟ فيقولُ: هذا خادمٌ عندنا، وذلك لأن هذا الولد يتوهم أن هذه الهيئة تتنافى مع وظيفته أو مقامه الاجتماعي الكبير، وهذا بلا شك برهان على سخافة عَقْلِهِ وقلة دِينِهِ، والنفس العظيمة الشريفة تفتخر وتعتز بمنبتها وأصلها  أبيها وأمها  مهما كانت حياتهما ونشأتهما وبيئتهما وهيئتهما. ولا يُستبعد أن يُوجد مِنَ النساء اللاتي يُقالُ لهن متعلمات إذا سألها مَن لا يعرف أمها، مَن هذه؟ فتقول: هذه خادمة عندنا.(موارد الظمآن  لعبد العزيز السلمان  ج2  ص437).

وَصَدَقَ اللهُ العظيم القائل في محكم التنزيل:}فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ{(الحج:46).

توبة العاق لوالديه بعد موتهما:

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ):إِنْ سَأَلَ سَائِلٌ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ إذَا مَاتَا سَاخِطَيْنِ عَلَى الْوَلَدِ هَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرْضِيَهُمَا بَعْدَ وَفَاتِهِمَا، قِيلَ لَهُ: يُرْضِيهِمَا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِمَا مِنْ صَلَاحِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَصِلَ قَرَابَتَهُمَا وَأَصْدِقَاءَهُمَا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمَا وَيَدْعُوَ لَهُمَا وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُمَا.(تنبه الغافين  للسمرقندي  ص 129).        

خِتَامًا: أَسْأَلُ اللَّهَ تعالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَيَجْعَلهُ سُبْحَانَهُ فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِي يَوْمَ القِيَامَة.}يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{ (الشعراء:89:88) كما أسألهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفعَ بهذا العمل طلاب العِلْمِ الكِرَامِ.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply