10 بشريات للمحافظين على صلاة الفجر


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الثَّالِثَةِ مِن شَهرِ جُمَادَى الآخِرَةِ، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:

1- مُقَدِّمَةٌ.

2- فَضَائُلُ، وَبُشْرَيَاتٌ لِلمُحَافِظِينَ عَلَى صَلَاةِ الفَجرِ.

3- كَيفَ السَّبِيلُ لِنَكُونَ مِن أَهْلِهَا؟

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التذكير بفضائل وثمرات وبركات المحافظة على صلاة الفجر بطريقة تشويقيَّة، والحث على الأخذ بأسباب المحافظة عليها.

مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، كلنا يعلمُ قدر ومكانة الصلاة في دين الإسلام، وفي حياة المسلم؛ فهي عمودُ الدين وأساسُه، وهي الصلةُ بين العبد وربه جل جلاله، وهي أم العبادات وأساسُ الطاعات ونهرُ الحسنات، وهي أولُ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ يوم القيامة؛ فإن صلُحَتْ صلُحَ سائرُ عملِه، وإن فسدَتْ فسَدَ سائرُ عملِه.

ولا شك أن من أعظم الصلوات الخمس قدرًا، وشرفًا، وأجرًا، وفضلًا صلاةَ الفجرِ التي يبدأ المسلم بها يومَه، ويحافظ عليها، ويهتمُّ بها، نعم إنها صلاة الفجر التي انفردَتْ عن غيرها من الصلوات بالعديد من الفضائل العظيمة، والمنافع الكثيرة، والمكاسب الجليلة.

فإن صلاة الفجر جماعةً في المسجد، وإن كان يشملُها ما جاء بشأن الصلوات الخمس: من ترغيب في الحرص على أدائها، ومن ترهيب من تضييعها؛ إلا أن المتأمل يجدُ أن لصلاة الفجر سِماتٌ، وخصائص، ومميزاتٌ تميزت بها عن باقي الصلوات، تُعلي من قدرها وشأنها، وفي نفس الوقت من الملاحظ عمليًّا أنها أكثرُ الصلواتِ تضييعًا وتفريطًا؛ وما ذاك إلا لجهل الناس بفضائل المحافظة عليها، والبُشرَياتِ التي يحظى بها من حافظ عليها.

1- فَمِنَ البُشْرَيَاتِ لِلْمُحَافِظِينَ عَلَى صَلَاةِ الفَجْرِ: أن مَنْ حافظ عليها؛ يحظى بهذه الأجور العظيمة.

وإليك طرفًا منها: (يقظة + إجابة + جماعة)، كم تساوي؟ تساوي أجر وثواب قيام الليل كُلَّه.!

ففي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ".

2- وَمِنَ البُشْرَيَاتِ لِلْمُحَافِظِينَ عَلَى صَلَاةِ الفَجْرِ: أنها لا يحافظ عليها إلا صادق الإيمان.

كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا"؛ أي: يصارعون العجز والمرض؛ حرصًا منهم على شهودهما، وعدم التخلُّف عنهما.

3- وَمِنَ البُشْرَيَاتِ: أن المحافظ عليها؛ ما إنْ يخرج من بيته، ويخطو أول خطوة حتى يحظى بهذه الأجور، والحسنات الكثيرة؛ وتأمَّل هذه البُشْريات:

• حسنات الخطوات إلى المسجد.

• وحسنات الترديد خلف المؤذِّن.

• وحسنات صلاة ركعتين قبلها.

• وحسنات الانتظار للصلاة والدعاء.

• وحسنات قراءة القرآن قبل الصلاة.

• أجر وثواب إدراك تكبيرة الإحرام.

• أجر وثواب أذكار دبر الصلوات.

• أجر وثواب أذكار الصباح والمساء.

• فلو حسبت هذه الحسنات لوجدتها ملايين الحسنات؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعْفٍ إلى أضعاف كثيرة.

• فإذا قويَتْ عزيمتُه، وجلس حتى شروق الشمس؛ فقد فاز بأجرِ حجةٍ وعُمْرة تامَّة تامَّة تامَّة.

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ"؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].

4- وَمِنَ البُشْرَيَاتِ: أن مَنْ حافظ عليها؛ فقد ظفر بخير من الدنيا وما فيها، وكُتِبت صلاتُه يومئذٍ في صلاة الأبرار، وكُتِب في وفْدِ الرحمن.

ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ركعتا الفَجْرِ خَيْرٌ من الدُّنيا وما فيها"، وفي رواية لَهُمَا: "أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا"؛ فإذا كانت راتبة صلاة الفجر القَبْليَّة قد بلغت هذا الفضل فكيف بفضل الفريضة نفسها؟!

ومما جاء في بيان فضل هاتين الركعتين أيضًا ما رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني، عن أبي أُمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن توضَّأ، ثم أتى المسجدَ، فصلَّى ركعتينِ قبلَ الفجرِ، ثم جلسَ حتى يُصلِّيَ الفجرَ كُتِبَتْ صلاتُه يومئذٍ في صلاة الأبرار، وكُتِبَ في وَفْد الرحمنِ".

5- وَمِنَ البُشْرَيَاتِ: أن وقتها وقتٌ مشهودٌ؛ فمَنْ حافظ عليها يُرفَع عنه كل يوم هذا التقرير المشرِّف إلى ربِّ العالمين، وتشهَدُ له الملائكة.

قال الله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}؛ أي: تشهده الملائكة.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقَبُونَ فيكم ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنهارِ، ويجتمعونَ في صلاةِ الصُّبْحِ وصلاةِ العَصْرِ، ثم يعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألهم الله - وهو أعلم بهم- كيف تركتُمْ عِبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصَلُّون، وأتيناهم وهم يًصَلُّون"؛ يا له من تقرير مشرف، يُرفع لملك الملوك عنك يا مَنْ تُصلِّي الفجر في جماعة، ألا يكفيك هذا فخرًا وشرفًا حتى تحافظ على صلاة الفجر في جماعة؟!

6- وَمِنَ البُشْرَيَاتِ: أن من حافظ عليها؛ كان في ذمِّة الله تعالى وضمانه وأمانه حتى يُمسي.

ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيء، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ".

7- وَمِنَ البُشْرَيَاتِ: أن مَنْ حافظ عليها يحظى بهذا النور العظيم يوم القيامة.

فمنذ خروج المصلِّي من بيته لأداء الصلاة والبشائر تنهال عليه من كل جانب.

فعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إلى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وصحَّحه الألباني].

فعلى قدر الخطوات إلى المساجد يُعطى نوره يوم القيامة.

كما جاء في الحديث الصحيح: "فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى دُونَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ حَتَّى يَكُونَ آخر ذَلِكَ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفِئُ مَرَّةً"؛ [صحَّحه الحاكم، والألباني].

وصاحب النور مبشَّرٌ بالجنة.

قال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا".

8- وَمِنَ البُشْرَيَاتِ: أن مَنْ حافظ عليها أخذ وعد صريحًا بالنجاة من النار.

ففي صحيح مسلم عن عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا"؛ يَعْنِي: الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ.

فمَنْ لم يصلِّ الفجر والعصر فلن يحصل على هذه البراءة من النار؛ بل ربما يدخل النار والعياذ بالله.

9- وَمِنَ البُشْرَيَاتِ: أن مَنْ حافظ عليها أخذ وعدًا صريحًا بدخول الجنة.

ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" والبردان: هما: الفجر والعصر.

10- وَمِنَ البُشْرَيَاتِ: أن مَن حافظ عليها يحظى بأعظم نعيم الجنة؛ وهو رؤية وَجْه الرحمن جلَّ جلاله.

ففي الصحيحين عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: "إنكم سترونَ ربَّكم كما ترونَ هذا القمرَ، لا تُضامُّونَ في رؤيته، فإنْ استطعتُمْ ألَّا تُغْلَبُوا على صلاةٍ قبلَ طلوعِ الشمسِ، وقبلَ غروبِها فافْعَلُوا"، وفي رواية: "فنظرَ إلى القمرِ ليلةَ أربع عشرة".

واستُدِلَّ بهذا الحديث العظيم، وغيره من أدلة الكتاب والسُّنَّة على رؤية الله تعالى، خلافًا لأهل البدع ممن ينفون رؤيته سبحانه وتعالى.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: *والمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة عيانًا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يُضامُّونَ في رؤيته*.

والمؤمنون يرونه في عَرَصات يوم القيامة، ويرونه في الجنة رؤية إنعام وتشريف، وهي تختص بهم دون غيرهم، وهذا من أعظم نعيم الجنة.

قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.

وفي صحيح مسلم عن صهيب الرُّومي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ"، ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل صلاة الفجر، وأن يرزقنا لذَّةَ النظر إلى وجهه الكريم.

 

الخطبة الثانية: كَيفَ السَّبِيلُ لِنَكُونَ مِن أَهْلِهَا؟

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، ينبغي للمؤمن أن يحرص على هذا الخير العظيم، ويحرص على الأخذ بالأسباب ليكون من أهل صلاة الفجر؛ فكَيفَ السَّبِيلُ لِنَكُونَ مِن أَهْلِهَا؟ وكَيفَ السَّبِيلُ لِنَكُونَ مِن أَهْلِ هذه البُشريات؟

أَولًا: هيِّئ نفسك وقلبك لأمور خمسة:

الإخلاص لله تعالى.

صدق العزيمة، واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء أن يجعلك من أهلها:

قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ}.

وقال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}.

التوبة النصوح؛ لأن الذنوب والمعاصي تحرم العبد من أبواب الخير والطاعات.

عُلوّ الهمة في إزاحة التهمة.

فالذي ينام عن صلاة الفجر متهم بصفات المنافقين؛ الذين قال الله تعالى عنهم: {وَإِذَا قَامُوا إلى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}.

وقال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِين: صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا"، وهذا ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: (لقد رأيتنا وما يتخلَّف عن صلاة الفجر إلا منافقٌ معلومُ النفاق)، ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا إذا فَقَدْنا الرَّجُلَ في الفجر أسأنا به الظَّنَّ).

التحرر من أسْرِ الشيطان بالعزم على فَكِّ العُقَدِ:

ففي الحديث الصحيح: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ".

ثَانِيًا: أن تدرك شؤم نومة الفجر؛ ومنها:

الحرمان من النور.

وأنها تمنع من الرزق.

قال ابن القيم رحمه الله: (ونومة الصبح تمنع الرزق؛ لأنه وقتٌ تُقسَّم فيه الأرزاق).

ورأى ابن عباس رضي الله عنهما، ابنًا له نائمًا نوم الصبح، فقال له: (قُم، أتنام في الساعة التي تُقسَّم فيها الأرزاق؟).

الكسل والخمول طوال اليوم:

فعَنْ ابن مسعود رضي الله عنه قال: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ مَا قَامَ إلى الصَّلاةِ، فَقَالَ: "ذاكَ رجلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيهِ"؛ (متفق عليه).

وفي حديث العقد الثلاث:"... وإلا أصبح خبيثَ النفسِ كسلان".

قال ابن القيم رحمه الله: (وأول النهار والشمس بمنزلة شبابه، وآخره بمنزلة شيخوخته، وهذا معلوم بالتجربة، فمن شبَّ على شيءٍ شابَ عليه، فما يكون من الإنسان في أول اليوم ينسحب على بقيَّتِه؛ إنْ نشاطًا فنشاطٌ، وإنْ كسلًا فكسلٌ ).

العذاب في القبر:

ففي حديث الرؤيا:"..أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَأْخُذُ القرآن فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ"؛ (رواه البخاري).

وفي رواية: "يُفعل به ما رأيتَ إلى يومِ القيامة".

ثم الويل والغي في جهنم لمن ترك صلاة الفجر:

قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}.

وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}؛ أضاعوها؛ يعني: أخَّروها عن وقتها كسلًا وسهوًا ونَوْمًا.

ثَالِثًا: تعلم فقه المنام:

نم مبكرًا، واترك كثرة السهر، فإن لبدنك عليك حقًّا، وكان من هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم عدم السهر؛ كما في الحديث الصحيح: "كانَ لا ينامُ قَبْلَ العشاءِ، ولا يتحدَّثُ بعْدَها"، إلا ما استثناه الدليل من مسامرة الزوج لزوجته، والجلوس مع الضيف، ومدارسة العلم ونحوها.

احرص على آداب النوم: كالنوم على طهارة، وصلاة ركعتي الوضوء، والاضطجاع على الشق الأيمن، وقراءة الإخلاص والمعوِّذتين في الكفين، والمسح بهما على الجسد، وقراءة آية الكرسي قبل النوم، والمحافظة على أذكار النوم.

عدم الإكثار من الأكل والشرب؛ لأن من أكل كثيرًا شرب كثيرًا؛ فنام كثيرًا؛ فيخسر كثيرًا.

ابتعد عن المعاصي في النهار؛ لكي تستطيع أن تقوم للصلاة بالليل.

سُئِل الحسن رحمه الله: لماذا لا نستطيع أن نقوم الليل؟ فقال: (أقعدتكم ذنوبُكم).

احذر استدراج الوسادة، ونم مهمومًا بالفجر كالمهموم بسفر أو موعد، ولا تنم على معصية؛ فتُحرم هذا الخير العظيم.

لا تضع رأسك على الوسادة في الوقت المتأخر من الليل؛ لأن في ذلك خطورة النوم عن الفجر.

رَابِعًا: اتخاذ الوسائل المعينة:

المنبهات، والتطبيقات في الهواتف الحديثة، مع مراعاة وضع الهاتف المحمول أو المنبِّه بعيدًا قليلًا عن مكان النوم.

وكذلك التواصي والتعاون على الخير؛ مثل: رنَّات الهاتف، الطَّرْق على الأبواب.

وتأمَّل إلى أحوال من ينام مهمومًا بصلاة الفجر:

أحد السلف كان ينام في شدة البرد على سطح الدار، وفي شدة الحر ينام بداخل الدار حتى لا يسترسل في النوم، والأغرب ما كان يفعله أحدهم من تناول كميات كثيرة من الماء قبل النوم؛ لأنه سبب لاستيقاظ النائم عدة مرات خلال الليل.

عاقب نفسك عند التخلُّف عنها.

ولذلك قالوا: كيف تجعل الشيطان يوقظك للفجر؟ وذلك بأن تعاقب نفسك بصيام ذلك اليوم الذى تنام فيه عن صلاة الفجر، أو تتصدَّق، أو تفعل أيَّ بابٍ من أبواب الخير.

خَامِسًا: اتخاذ القدوات الحسنة، ومطالعة سِيَر الصالحين الحريصين:

فقد كان من هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر، فعَرَّسَ بليل، (أي: نام) اضطجع على يمينه، وإذا عَرَّسَ قبيل الصبح نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفِّه؛ [رواه أحمد عن أبي قتادة رضي الله عنه]؛ وهذه الكيفية في النوم تمنع من الاستغراق؛ لأن رأس النائم في هذه الحالة يكون مرفوعًا على كفِّه وساعده، فإذا غفا سقط رأسُه فاستيقظ.

وروى الإمام مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر بن الخطاب غدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي، فمَرَّ على الشفاء أم سليمان، فقال لها: لم أرَ سليمانَ في الصبح؟ فقالت: إنه بات يُصلي، فغلبَتْه عيناهُ، فقال عمر: (لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحَبُّ إليَّ من أن أقوم ليلة).

وهذا الحارث بن حسان رحمه الله، يخرج لصلاة الفجر في ليلة عرسه، فقيل له: أتخرج وإنما بَنيْتَ بأهلِكَ في هذه الليلة؟! فقال: (والله، إنَّ امرأةً تمنعني من صلاة الفجر في جَمْعٍ لامرأة سوء).

وهذا إمام التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله يقول: (ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة)؛ يعني: (١٤٤٠٠) صلاة فجر حافظ عليها في جماعة، ولما اشتكى عينه، فقالوا: اذهب إلى البادية، قال: فكيف بصلاة الغداة والعشاء؟ (أي: لا داعي لذلك)، وعيني ستُشفى إن شاء الله، ولما قيل له: اجلس في بيتك تحمي رقبتك؛ إنَّ فلانًا يريد قتلك، فقال: (أسمع *حي على الفلاح* ولا أجيب؟!).

وإن تعجب، فبكاء أنس بن مالك رضي الله عنه، كلما تذكَّر فَتْحَ تُسْتَرَ، تلك المدينة الحصينة التي حاصرها المسلمون سنةً ونصفًا، ثم سقطت في أيدي المسلمين، وتحقَّق لهم فتحٌ مبينٌ، وكان من أصعب الفتوحات التي خاضها المسلمون، وتحقَّق الانتصار بعد لحظات من شروق الشمس، وأدرك المسلمون أن صلاة الصبح قد ضاعَتْ في ذلك اليوم الرهيب؛ فيبكي أنس بن مالك رضي الله عنه لضياع صلاة الصبح مرةً واحدةً في حياته، ويقول: (وما تُسْتَرُ؟! لقد ضاعت مني صلاة الصبح ما وددْتُ أن لي الدنيا جميعًا بهذه الصلاة).

نسأل الله العظيم أن يُعيننا على المحافظة على صلاة الفجر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply