يوم الحج الأكبر وأيام التشريق


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الثَّانِيَة مِن شَهرِ ذِي الحجَّةِ، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:

1- مَنزِلَةُ وَمَكَانَةُ يَوْمِ النَّحرِ.

2- أَحكَامُ الأُضحِيَة.

3- أَعمَالُ يَوْمِ العِيد، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: خطبة مختصرة وشاملة للتذكير بفضائل، وأعمال وآداب يوم العيد، وأيام التشريق، والأعمال المشروعة فيها، وأحكام الأضحية.

• مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، مازلنا في رحاب هذه الأيام المباركة، من هذا الموسم العظيم من مواسم الخيرات والبركات، وموعدنا اليوم بإذن الله تعالى مع يوم النحر، يوم الحج الأكبر، أعظم الأيام عند الله تعالى؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر"[رواه أحمد] ويوم القر هو: اليوم الحادي عشر؛ لأن الناس يقرون فيه بمنى؛ أي: يقيمون بها أيام التشريق.

أيها المسلمون عباد الله، عندما يقف الحجيج على صعيد عرفات، أعظم أركان الحج، وهو يوم العتق من النار لمن وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين؛ فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدًا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم، ومن لم يشهده؛ فهيَّا بنا نقف هذه الوقفات مع منزلة ومكانة يوم النحر، وأحكام الأضحية، وأعمال يوم العيد وأيام التشريق.

• الوقفة الأولى: منزلة ومكانة يوم النحر.

1- فهو أعظم الأيام عند الله تعالى؛ كما في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر"قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: *خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر*.

2- وهو يوم الحج الأكبر؛ كما في صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، وَقَالَ: "هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ".

3- ومما يبين منزلة ومكانة هذا اليوم فإن معظم أعمال الحج تكون فيه.

• ففيه يفعل الحجاج الأعمال التالية: رمي جمرة العقبة، ثم النحر للمتمتع والقارن، والحلق أو التقصير، وكذلك طواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة.

4- وهو يوم عيد للمسلمين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب"[رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].

• الوقفة الثانية: مع شعيرة الأضْحِيَّة.

• والأضْحِيَّة هي: ما يُذبَحُ من بهيمةِ الأنعامِ في يومِ الأضحى إلى آخر أيَّامِ التَّشريقِ تقرُّبًا إلى اللهِ تعالى.

• والحِكْمةُ من مَشْروعيَّتِها:

1- شُكْرُ اللهِ تعالى على نِعمةِ الحياةِ.

2- إحياءُ سُنَّةِ إبراهيمَ الخليلِ عليه السَّلام حين أمَرَه الله تعالى بذَبحِ الفِداءِ عن ولَدِه إسماعيلَ عليه السَّلامُ في يومِ النَّحرِ.

3- أنَّ في ذلك وسيلةٌ للتَّوسِعةِ على النَّفْسِ وأهلِ البَيتِ، وإكرامِ الجارِ والضَّيفِ، والتصَدُّقِ على الفقيرِ، وهذه كلُّها مظاهِرُ للفَرَحِ والسُّرورِ بما أنعَمَ اللهُ به على الإنسانِ، وهذا تحدُّثٌ بنعمةِ الله تعالى، كما قال تغالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.

4- أنَّ في الإراقةِ مبالغةً في تصديقِ ما أخبَرَ به اللهُ عزَّ وجلَّ؛ مِن أنَّه خَلَقَ الأنعامَ لنَفْعِ الإنسانِ، وإذن في ذَبْحِها ونَحْرِها؛ لتكونَ طعامًا له.

• أما حُكْمُ الأضْحِيَّة؟

فإن الأضْحِيَّة سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ لمن يجد سعة في شرائها، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ من العلماء؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا"[رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَه، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ] وظاهر الحديث يفيد الوجوب؛ إلا أنها وردت أحاديث أخرى منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين عنه ومن لم يضح من أمته، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أراد منكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظافره".

• أما شروط الأضحية: فيشترط للأضحية الشروط التالية:

• الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي (الإبل والبقر والغنم بنوعيها الضأن والماعز) لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} وفي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، وَيُسَمِّي، وَيُكَبِّرُ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا".

• الشرط الثاني: أن تبلغ السن المعتبرة شرعًا؛ وذلك بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيرها؛ ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ" والمسنة: هي الثنية من بهيمة الأنعام، والجذعة: ما دون ذلك.

• فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين.

• والثني من البقر: ما تم له سنتان.

• والثني من الماعز: ما تم له سنة.

• والجذع من الضأن: ما تم له نصف سنة.

• الشرط الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي أربعة عيوب وردت في هذا الحديث: عَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي"[رواه أبوداود، والتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وصححه].

• فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا تجزيء الأضحية بما يأتي:

1- العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز، أو تبيض ابيضاضًا يدل دلالة بينة على عورها، ويلحق بها العمياء التي لا تبصر بعينيها.

2- المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه، والمبشومة.

3- العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها، ويلحق بها مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين، أو العاجزة عن المشي لعاهة.

4- العجفاء: وهى التي أصابها الهزال المزيل للمخ.

• الشرط الرابع: أن يضحي بها في الوقت المحدد شرعًا: وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ ففى صحيح البخاري عَنِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: "إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ" وفى رواية: "من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء".

وفي الصحيحين عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ البجلي رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ الْأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ بِالنَّاسِ، نَظَرَ إلى غَنَمٍ قَدْ ذُبِحَتْ، فَقَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ".

نسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال.

 

الخطبة الثانية: أعمال يوم العيد وأيام التشريق.

أولًا: الالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد.

• فقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي العيدين في المصلى، ولم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى العيد في مسجده.

• وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له حُلَّة يلبسها للعيدين والجمع.

• وكان في عيد الأضحى لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته؛ فعن بريدة رضي اللَّه عنه قال: "كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته"[رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد].

• وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى صلاة العيد ماشيًا، ويرجع ماشيًا؛ فقد روى ابن ماجه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إلى الْعِيدِ، مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا"[حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه] وروى الترمذي عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: "مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إلى الْعِيدِ مَاشِيًا".

• وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة، ولم يكن يصلي في المصلى قبل صلاة العيد أو بعدها شيئًا.

• وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق ويرجع في آخر؛ فقد روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ". وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: "كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه".قال ابن حجر رحمه الله: وهذه الأحاديث تدل على استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق والرجوع في طريق أخرى للإمام والمأموم.

• قال العلماء: والحكمة من مخالفة الطريق: ليسلم على أهل الطريقين، أو ليتبركا به، أو ليقضي حاجتهما، أو ليظهر الشعائر فيهما، أو ليغيظ منافقيهما، وقال ابن القيم رحمه الله: والأصح أنه لذلك كله ولغيره.

ثانيًا: صلة الأرحام:

• فالمؤمن يغتنم أيام العيد ليخرج زائرًا لأرحامه، وأقاربه وجيرانه، وأصحابه؛ يبتغي بذلك وجهَ الله تعالى؛ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سرهُ أن يبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه"وفي الحديث الصحيح: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه".

ثالثا: الإكثار من ذكر الله تعالى، من التكبير والتحميد والتهليل:

• فإن الحاج وحتى غير الحاج شُرِعَ له طوال هذه الأيام الإكثار من ذكر الله عز وجل؛ قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن أيام التشريق: "إنها أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله عز وجل". فنجد أن الذاكرين تلهج ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتحميد طوال هذه الأيام وعقب الصلوات.

• والتكبير أيام العيد والتشريق منه ما هو مطلق، ومقيد: فأما المطلق: فهو مشروع من فجر أول أيام العشر من ذي الحجة إلى وقت خطبة العيد؛ فيكون في كل وقت، وأما المقيد: فهو الذي يكون دبر الصلوات المكتوبات ويبدأ من صلاة الفجر ليوم عرفة وينتهي مع صلاة العصر لثالث ايام التشريق.

• وأما أيام التشريق فسميت بذلك: قيل: لأن صلاة العيد إنما تُصَلَّى بعد أن تشرُقَ الشمسُ، وقيل: لأن الهدايا والضحايا لا تُنحر حتى تشرُقَ الشمسُ، وقيل: لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي يقددونها ويبرزونها للشمس.

نسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply