بين عام مضى وآخر أتى


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

نقف على حافة عام ميلادي مضى، منتقلين بكثير من الأمل إلى عام جديد، نودع العام المنقضي بكثير من الرضى، على كل ما كان فيه من عناء على كافة الأصعدة، ونستقبل العام الجديد بالتفاؤل ولا شيء غير التفاؤل، نسأل الله تعالى أن يغفر جميع ذنوبنا في العام المنصرم وأن يجعل لنا في العام القادم الكثير من النجاحات والإنجازات، ويرفع عنا التبعات والابتلاءات!!

لقد تعلمنا ألَّا نتوقف عن الأمل، وأن نسعى دائمًا إلى تحقيق ما نريد، فالتفاؤل في الأشياء هو أول سبب للوصول إلى المبتغى، واللحاق بالمنشود، وتحقيق العهود، وتنفيذ الوعود!!

عام ميلادي جديد يقبل علينا، ونحن نستقبله بكل ما فينا من كبرياء الإيمان، وقوة ومنعة ضد الطغيان، الذي استشري في كل مكان. 

نعم نستقبله استقبال الأبطال للأبطال، مستعدون لمواجهة كل ما قد نتعرّض إليه في أيام هذا العام، فكل عام وأنتم بألف خير أيها القريبون من القلب، أيها القراء الأصدقاء، أيها الأحبة الكرام في في كل مكان وفي كل زمان!!

عام ميلادى جديد، عام مضي وعام اتي، عام مضى من حياتنا، بحلوه ومره، بخيره وشره، بالحسنات والسيئات، بالصلاح والطلاح، لا ندري أيكون لنا أم علينا، لذا يجب أن نكون من الله على وجل، لماذا؟! {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ}(الأنبياء:49). 

لهم المغفرة {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}(الملك:12). 

والله حسيبهم {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}(الأحزاب:39) والفرار إلى الله أولى {فَفِرُّوا إلى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}(الذاريات:5)، 

وان نكون من الجنة على عجل {وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران:132) 

وأن نكون من أعمال الخير لا كلل ولا ملل {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(الأنبياء:90)، 

 انتهى عام بحروبه وكروبه وخطوبه، وننتقل إلى عام آخر نسأل الله أن يكون عام أمن وفرح وسلام، انتهى عام كان مليء بالأوبئة الفتاكة، إلى الحروب المدمرة، مرورًا بالغلاء الفاحش، عام وباء وغلاء وأشلاء ودماء.

نسأل الله أن يرفع كل ذلك عن البلاد والعباد، وان يرخي فرجه وستره وخيره عليهما من جديد في العام الجديد.

في انقضاء عام دروس وعبر، نحاول ان نغير من أنفسنا حتى يغير الله تعالى ما بنا، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} )الرعد: ١١).

إن انتهاء عام من أعمارنا قرّبنا من لقاء الله خطوة ولا ندري كم بقي من أعمارنا، بعض خطوة، أم خطوة، أم خطوات *يقول الحسن البصري رضي الله عنه: إنما أنت أيها الإنسان أيام مجتمعة، فإذا ذهب يومك فقد ذهب بعضك... إذا مر يوم من حياتك فقد وقعت ورقة من شجرتك، وطويت صفحة من صفحاتك، وهوى جدار من بنيانك!!.*

 يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.. نعم الليل والنهار يعملان فيك كيف؟! يقربان كل بعيد، ويبليان كل جديد، ويفلان كل حديد...!!

 يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم... ويقول أيضًا: لو قيل: إن كل الناس يدخلون الجنة إلا واحدًا لظننت أني ذلك الواحد، 

بينما يقول الصديق أبو بكر رضي الله عنه: والله لا آمن مكر الله وإن كانت إحدى قدمي في الجنة.

 ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: اغتنم خمسًا قبل خمس: "حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك".‌ تحقيق الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 1077 في صحيح الجامع.

لذلك فالوقت هو الحياة، واستغلاله في طاعة الله، في الذكر والتسبيح والصلاة سبيلا إلى النجاة!!

 نعم إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، وإن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن المؤمن بين مخافتين: أجل قد مضى لا يدري ما الله صانُعٌ فيه، وأجل قد بقي لا يدرى ما الله قاض فيه، فليتزود العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الحياة قبل الموت. فما بعد الموت من مُستعتب، وما بعد الدنيا إلا الجنّة أو النار.

الله تعالى يحذرنا في شخص نبيه من الغفلة فيقول: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(الأعراف:205).

قال رسول الله صلِّى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ، لذا يجب أن نستقبل العام الجديد بالإخلاص والجهاد واتقان العمل {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(التوبة:105). 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فوالذي نفس محمد بيده إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيغلب عليه الكتاب فيعمل بعمل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها..." متفق عليه، ويقول أيضًا: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة". متفق عليه، والمؤمن يستمع إلى قول الله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون* واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}(الأنفال) 

خطاب للمؤمنين وتحذير لهم أن يتقاعسوا عن العمل، وأن يقعدوا عن الجهاد، وأن التقاعس والقعود قد يعاقب الله عليه بأن يحول بين المؤمن وقلبه فيرى الإيمان ولا يتبعه، ويعلم الحق ولا يبلغه. ويتمنى الصلاح ولا يناله، وتصيبه الفتنة مع الذين ظلموا وينقلب منقلبهم، ويرد موردهم والعياذ بالله، {واعلموا أن الله شديد العقاب}

ولذلك لا أمن إلا لأهل الخوف والعمل قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(يونس: 62-64). 

أهل الإيمان والتقوى والاستقامة والعمل الصالح لهم الأمن والبشرى في أحرج اللحظات {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلًا من غفور رحيم}(فصلت).

عند الموت تأتيهم ملائكة الرحمة بحنوط من الجنة ويأخذون روحه يحنطوها بذلك الحنوط ويكفيها بذلك الكفن يصعدون بها إلى السماء، ويبشرونه بالجنة... وأما قبل ذلك فبشرى غير أخري وهي الرؤيا الصالحة كما قال صلى الله عليه وسلم: لم يبق من النبوة إلا المبشرات: قالوا وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة، يراها الرجل الصالح أو ترى له والمؤمن وإن رأى مثل ذلك أو رؤيت له لا يعول عليها، ولا يتكل عليها، ولا يفرط في شيء من العمل الصالح من أجلها، ولا يرتكب صغيرة أو كبيرة تهاونًا واتكالًا اطمئنانًا إلى هذه الرؤيا.. كيف والرسول نفسه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "والله إني لرسول الله لا أدري ما يفعل بي غدًا".

وقد كانوا جميعًا يخافون ويعملون ويجتهدون... هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو على فراش الموت: *وددت أن عملي كله كفافًا لا لي ولا علي، ووالله لو أن لي ملئ الأرض ذهبًا لافتديت بها من عذاب الله قبل أن أراه* رواه البخاري. 

كان يشير إلى عظمة الاسلام وعزته فيقول: لقد اعزنا الله بالإسلام فان ابتغينا العزة في غير الاسلام اذلنا الله.

العزة والعظمة استغلال الأوقات في طاعة الله، والذلة أن تنقضي في معصية الله وفي الغفلة عن عطاياه!!

أهل العمل والخوف من الله هم الذين يؤمنون ويسلمون ويقال لهم: يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون... وفي الجنة تكون أول كلمات أهل الإيمان التي يقولونها: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور}(فاطر: 34) وعندما يجلس أهل الجنة أول مجالسهم في جنات النعيم على سرر متقابلين يقبل بعضهم على بعض بعد مجلس شراب تنازعوا فيه الكؤوس، ودارت عليهم بها الغلمان المخلدين كأنهم اللؤلؤ المكنون يقول بعضهم لبعض: {قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه البر الرحيم}(الطور:26-28).

وبينما هم كذلك في سرورهم وحبور هم ولذتهم وطعامهم وشرابهم ونسائهم يكون أهل النار في صراخهم وعذابهم يدعون على أنفسهم بالهلاك والثبور لأن جريمتهم أنهم أمضوا حياتهم مسرورين فكهين لا يحملون همًا ولا غمًا: {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فإنه يدعو ثبورًا ويصلى سعيرًا إنه كان في أهله مسرورًا إنه ظن أن لن يحور{(الانشقاق) أما أهل الجنة في تسابق إليهم المهنئين والمبشرون {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}(الرعد:34).

قال الحسن البصري: أدركت أقوامًا ما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة. وإليكم بعض الدعوات في هذا المجال.

اللهم لا تدعنا في غمرة ولا تأخذنا على غرة ولا تجعلنا من الغافلين اللهم إنا نسألك صلاح الساعات ووفقنا لاستغلال الأوقات، يا رقيب في الخلوات يا نصير في الجلوات ويا معين على الطاعات، ارحم قلوبًا انكسرت ندمًا على ما فات أثخنتها الجراح والآهات، وبارك لنا فيما تبقى من أوقات واجعل خير أيامنا يوم الممات، ويسر علي نزع الروح والسكرات يا رب الارض والسموات.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply