الفالنتاين بين الوهم والحقيقة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

تشيب شجرةُ *الكريسماس* بِخُرافاتِها ومُنكراتِها؛ لِتشتد ساق وردة *الفالنتاين* بِرذائِلها وأدرانِها، وما إن تهدأ موجة الاحتفال برأس السَّنةِ الميلاديَّةِ حتى تعلو في الآفاقِ أمواجُ الاحتفال بِعِيد الحُبِّ، وكأن الحُبَّ ملَكٌ لا يتنزَّلُ بِوحيِ المشاعر إلَّا في منتصفِ *فبراير*!

وعيد الحب - لِمَن لا يَعلم - هو يومٌ يحتفِل به النصارى وأتباعهم في الرابع عشر من شهر *فبراير* كل عام، حيث يقوم الرجال والنساء بِتبادل الورود الحمراء والهدايا، وبطاقات المعايدة التي تحمل صورًا لِطفلٍ مُجنَّح يُسمَّى *كيوبيد*، وهو إله الحُبِّ لدى الرومان! ويتجاوزُ الأمر هذه المظاهِر إلى ما يندى له جبين الحياء؛ لاتِّخاذِهم من هذا العيدِ يَومًا مُقدَّسًا لِمُمارسةِ الرذيلة، وقد يجتَنِب المسلمون الكريسماس لِوضوح معالِمه النَّصرانيَّة وبواطِنه الوثنيَّة؛ بَينما يجرف *الفالنتاين* الأخضرَ واليابس مع تيَّاره الآثم.

ولأني أعلمُ أنَّ بعض المسلمين مِمَّن يرفع عقِيرته بِترديد هذيان التحضُّرِ لَيلًا ونهارًا؛ يُحيِي هذا اليوم مُتذرِّعًا بِبُعدِه عن البِدعِ والخُرافات؛ كان لِزامًا عَليَّ أن أذكِّرَ بِأصلِ هذا اليوم، ألَيسَ في الذِّكرى بعضُ النَّفعِ؟ بلى؛ واللّٰـهُ سُبحَانَهُ وتعَالى يَقول:{وَذَكِّر فَإِنَّ الذِّكرَى تَنفَعُ المُؤمِنِين}.

إن عيد الحب بَقِيَّةٌ مِن بقايَا الرومان الوثنيِّين، وتاريخه متضاربٌ لا قرارَ له، وقصصه إفكٌ مفترى، يُدلي كلُّ راوٍ بِدلوٍ كَذِبٍ ويُحدِّثُ بِحَديثِ الظن، حتى ضاقَ هذا اليومُ ذرعًا فَنطقَ بِلِسانِ النصرانيَّة المُحرَّفِ ولبِس ثوبَها!

وقد كانَ شهر *فبراير*حافِلًا بِأعيَاد الرومان ومناسباتهم الوثنيَّة التي تربطهم بِآلهتِهم المزعومة؛ فَمِنها ما كانَ مُخصَّصًا لِإلاهةِ الزواج والنساء، ومنها ما جُعِلَ لِتقديس الإلاهة الذِّئبة التي أرضعت مُؤَسِّسَي روما، ومنها ما اتُّخِذ للاحتفال بِعِيد *لوبركاليا8 وتقديم القرابين إلى إلاهِهم لِيحمي المواشي!

أما ما يخص عيد الفالنتاين فقد أشيع في الروايات النَّصرانيَّة أن أحد الأباطِرة الرومانيين واجه صعوبةً في تجنِيد الرجال لِلحرب، ووجد الزواج عقبة كأداء فحرَّمه على الشعب الروماني ظنًا مِنه أن الزواج يميد بهم عن القِيامِ بِالواجب الوطني إلى التمسُّك بالعائِلة والاهتِمام بها، وأن العزَّاب هم أكثر كفاءةً وجدَارة في الحروب لِخُلو عواتقهم من مسؤوليَّات الرباط المُقدَّس، فَتصدى لِحكمه قسِّيسٌ اسمه *فالنتاين*؛ وشرع يزوِّجُ الناسَ سِرًَّا، حتى بلغ أمره إلى الامبراطور فسجنه من ساعته وحكَمَ عليه بالإعدام، ونُفِّذَ الحكمُ في الرابعِ عشر من *فبراير*، مِمَّا حدا بالكنيسة أن تتخذ من هذا الحدثِ عيدًا بِزعمها أن *القديس فالنتاين* فدى المُحبِّين من النَّصارى بِروحه، وهذا دأب الكنيسة الدائِم في إغناء النَّصرانيَّةِ بِالخُرافات والمُحرمَّات، وقيل أن ملاكَ الحب حطَّ في زنزانة القسيس *فالنتاين* على حينِ غفلةٍ من رقباء النَّصرانِيَّة الذين يحرِّمون زواج الرهبان والقسِّيسين، فأوحى إليه أن يحب ابنة السجان فَهام بها القسيس حُبًّا قبل أن يشرب من كأسِ الموت! لكنه كان حبًّا عقِيمًا لم يؤتِ غير ثمرةٍ سامَّةٍ ظلَّت تقتُل الطهر والفضيلة في النَّفسِ البشريَّةِ بِمُجرد تذوقها، وليت شبح الحب هذا يعبر عتبات أوهامِهم إلى لبِّ الحياة فيمنَحهم الخلاصَ مِمَّا يُعكِّر صفو مشاعِرهم طَوال العام، ويستأصِل أمراضهم النفسِيَّة التي يصِلونَ بِها إلى أَوجِ اليأسِ وذروةِ القنوط؛ في حينٍ ينعم المسلمون بأمانٍ جسديٍ وسكينةٍ روحية.

ولا يخفى على المُسلمِ أن إحيَاء أعيَاد الكفار مُحرَّم في دِينِنا الحنِيف، لِما فيه إقرار بِكُفرهم وضلالِهم، وإظهار المحبة لِشعائر الكفر والتشبُّه بِأهلِه، ولما فيه من مَخاطِر الوقوعِ في المعاصِي والمُنكرات، والبِدَع والخُرافات؛ ممَّا يوجِبُ سخط الربِّ عزَّ وجلَّ، ويورِثُ لؤمًا في الطبعِ، وبؤسًا في الحياة، وزعزعةً في أركان القيم الإسلاميَّة، ولا يُحيِي أعيادهم أحدٌ من المسلمين إلَّا مَن تمسَّك بِأذيال الكفَّار ورضيَ لِنفسه الذُّل بِمحبَّته لهم، وهذا يُنافي كمال الإيمان ويُدخِل المرء مُدخَلَ سوءٍ في الدُّنيا والآخِرة، فقد جاءَ في صحيحِ البُخاريِّ عن عبدِ اللّٰـهِ بن مسعودٍ  رضِيَ اللّٰـهُ عنه  أنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللّٰـهِ فقال: يا رسولَ اللّٰـهِ، كيفَ تقولُ في رجلٍ أحبَّ قَومًا ولم يَلحق بِهم؟ فقال :{المَرءُ مَعَ مَن أَحَبَّ}.

وبِئسَ الكافِرُ مِن رفيقٍ يَوم الفزَعِ الأكبر!

والحب - بِحسب مُعتَقداتِنا - أكبر مِن أن يُختزل في سويعات كئيبةٍ تلحقها سكراتُ الأفول ويلفُّها الفَناء، كما أن روح الحبِّ تستوطنُ الخلايَا وتجري فيها مجرى الدَّم وتتجدد ثانِيةً بعدَ ثانِيةٍ، والحب أنقى مِن أن يُدنَّس بالعَلاقاتِ الآثِمة، والمُمارساتِ الهابِطة، وله قداسَةٌ توقِظُ في النَّفسِ أصدق المشاعِر التي تتضخَّمُ حتى تبلغ الآفاق الرحبة، وتحتضِنُ في جنبَيها الإنسان والحيوان والجماد، وكلُّ ما يقعُ في النَّفسِ مَوقِعًا يرِفُّ له القلبُ ويطمئِن.

ولا ننسى أنَّ اللّٰـهَ شرعَ لنا دينَنا وبيَّنه على هُدىً وبصِيرة، وأحلَّ لَنا الطَّيِّبات، وحرَّم عَلينا الخبائِث، وزكَّانا بِالصَّلاةِ والصِّيام، وأهدانا يَومَي الفِطرِ والأضحى؛ لِنعيش الحياة بِحبِّ وسلَامٍ حَقيقِيَّينِ لا لَبسَ عَلَيهِما، يقول الحَقُّ تباركَ وتعالى:{لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنهَاجًا}،وقال:{اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لُكُمُ الإسلَامَ دِينًا}فِلِمَ هذا الجَري المَحموم خلفَ سُنَنِ الكفَّار؟!

أخيرًا.. علينا أن نعتزَّ بدينِنا الذي رفعنا اللّٰـهُ به فوقَ سائِر الأُمَم، وننأى بأنفُسِنا عمَّا يغضبُ ربَّنا عزَّ وجلَّ، ونتبع سُنَّةَ نبيِّنا العربيِّ، ونزِن أفعالنا في ميزانِ الإيمَانِ والأخلَاق، وعلينا أن نكونَ أبناءً للإسلامِ يكن لنا أبًا، ومَن كانَ الإسلامُ أباهُ فلا يضِلُّ ولا يَشقى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply