أحسنوا الاستقبال، وأحسنوا الاستغلال


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الرَّابِعَة مِن شَهرِ شَعبَانَ، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:

1- فَضَائِلُ، وَخَصَائِصُ شَهْرِ رَمَضَانَ.

2- فَضَائِلُ، وَثَمَرَاتُ الصِّيَامِ.

3- مُخْتَصَرٌ لِأَحكَامِ وَمَسَائِلِ الصِّيَامِ.

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التَّذْكِيرُ بفضائل وخصائص شهر رمضان، وبعض فضائل، وأحكام الصيام؛ حتى نشتاق ونحسن استغلال الشهر الكريم.

مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، لقد أنعم الله تعالى على هذه الأمة بهذا الشهر الكريم الذي تفتح فيه أبواب الخيرات، ويقبل فيه العباد على الله عز وجل بشتى أنواع الطاعات .

يأتي شهر رمضان ليكون ميقاتا لتوبة التائبين وهداية الضآلين المنحرفين؛ فكم من تائب تاب ورجع إلى الله تعالى في رمضان؟ وكم من ضال منحرف عرف طريق الهداية في رمضان؟ وكم من مضيع للصلاة، وهاجر للقرآن، وغافل عن ذكر الرحمن؛ عرف الطريق في رمضان؟ فإن إدراك شهر رمضان لهو فرصةٌ عظيمةٌ أن يعوضَ كلُّ من ضيع في حياته ما فات من تقصير، وأن يتدارك قبل الممات.

ولذا نفقه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تهنئة الصحابة والأمة بقدوم هذا الشهر الكريم.

عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، (الرحمة) (الجنة) وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"؛[صحيح الترغيب والترهيب].

قال العلماء: وذلك لأمرين:

• لكي يُلفِتُ انتباهَهُم لفضله ومنزلته.

• ‏ولكي يُعلي من الهمم، ويُحَفِّزُهُم على عمارة أوقاته.

قال ابن رجب رحمه الله: *هذا الحديث أصل في تهنئة المسلمين بعضهم بعضا بهذا الشهر الكريم*.

نعم، إنه شهرٌ مباركٌ؛ ومن بركته: إقبال النفوس على الطاعات، ومغفرة الذنوب والسيئات، ومضاعفة الأجور والحسنات.

فكيف نستقبل شهر رمضان؟ لأنه مَنْ أحسَنَ الاستقبال أحسَنَ الاستغلال:

1- بمعرفة خصائص، وفضائل الشهر.

2- بمعرفة فضائل، وثمرات الصيام.

3- بمعرفة أحكام، وفقه الصيام.

أَوَّلًا: فَضَائِلُ، وَخَصَائِصُ شَهْرِ رَمَضَانَ.

1- فَمِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أنه هو الشهر الوحيد الذي سماه الله تعالى في القرآن الكريم.

قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.

في حين قال الله تعالى عن أشهر الحج:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ..} وجاءت السُّنَّةُ لتبيِّن هذا الأشهر.

وقال تعالى عن الأشهر الحرم:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ..} وجاءت السُّنَّةُ أيضًا لتبيِّن هذا الأشهر الحُرُم.

وسُمِّيَ هذا الشهر رمضان: من الرمضاء؛ لأن الشهور سميت بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق فرض هذا الشهر شدة الحر.

• وقيل: لأنه يرمض الذنوب، أي يحرقها بالأعمال الصالحة، فرمضان مصدر رمض إذا احترق.

2- وَمِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أن الله تعالى أنزل فيه جميع الكتب السماوية.

فهو الشهر الذي اختصه الله تعالى واختاره ليكونَ ميقاتًا لنزول الوحي؛ فأنزل الله فيه رسالَاته، وبث فيه نورَه، وخاطب فيه صفوة خلقه.

عن واثله بن الأسقع رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشر مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان"[رواه أحمد، والطبراني، وحسن إسناده الألباني في صحيح الجامع].

اختصه الله تعالى بنزول كتابه المبين على رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} .

3- وَمِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أن الكون كله يستعد لاستقبال شهر رمضان؛ الكون كله علويه وسفليه.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ"[رواه الترمذي، وابن ماجه، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع] .

4- بل أن الجنة تتزين كل يوم في رمضان، وتستعد لاستقبال أهلها من أهل الصيام والإيمان.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: "أُعْطِيَتْ أمَّتِي خمسَ خِصَال في رمضانَ لم تُعْطهُنَّ أمَّةٌ من الأمَم قَبْلَها" وذكر منها: "ويُزَيِّنُ الله كلَّ يوم جَنتهُ ويقول: يُوْشِك عبادي الصالحون أن يُلْقُواْ عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك"[رواه أحمد، والبزار، والبيهقي، وإسناده ضعيف] .

5- وَمِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أنه شهر القيام، والتراويح، والتهجد.

فما شرع الاجتماع للقيام إلا في رمضان؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من سن الجماعة فيها في المسجد، ثم تركها خشية أن تفرض على أمته، وفي خلافة عمر رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد.

وتأمل: هذه البشريات التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم لمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا: في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

ومن صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له أجر قيام ليلة:

فعن أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ"]رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني] .

6- وَمِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أنه شهر مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات.

في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ؛ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ".

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

7- وَمِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أنه شهر العتق من النار .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ"[رواه الترمذي، وابن ماجه، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع].

وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ"[رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الألباني] .

8- وَمِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أنه شهر تُصَفَّدُ فيه الشياطين

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ". وفي رواية لمسلم: "وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ".

9- وَمِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ :

• أن فيه أفضل ليالي العام: ليالي العشر الأواخر، وفيه ليلة القدر

• ‏وأنه شهرٌ: تجتمع فيه أبواب الخير والطاعات؛ صلاة، وصيام، وذكر وتلاوة قرآن ودعاء، وصدقات وإطعام.

• ‏وأنه شهرٌ: فيه تتآلف القلوب، وتتوحد الصفوف، وتجتمع كلمة أهل الإيمان؛ شهر واحد، ورؤية واحدة، وهلال واحد، وفيه تفطير للصائمين، وعطف على الفقراء والمساكين، وفيه لين كلام، وبر وجود وإحسان، كل ذلك فى رمضان؛ فيجمع الصائم مؤهلات الحصول على غرف الجنة التي أعدها الرحمن لأصحاب هذه الأعمال .

10- وَمِنْ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أن الله تعالى فرض علينا صومه.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وقال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

ثانيًا: فَضَائِلُ، وَثَمَرَاتُ الصِّيَامِ.

1- فمن فضائل الصيام: أنه قد شرعه الله سبحانه وتعالى لحكم عديدة وفوائد كثيرة، فمن ذلك:

• تحقيق التقوى.

• ‏تزكية النفس، وتطهيرها، وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة؛ لأن الصوم يضيق مجاري الشيطان.

• ‏الصوم يبعث على العطف على المساكين، والشعور بآلامهم؛ لأن الصائم يذوق ألم الجوع والعطش.

إلى غير ذلك من الحكم البليغة، والفوائد العديدة.

2- وَمِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ: أنه مضاف إلى الله تعالى إضافة تشريف وتعريف بقدره، وأخفى علينا أجره وثوابه .

في الصحيحين عنْ أَبي هُريرة رضِي اللَّه عنْهُ، قال: قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "قال اللَّه عَزَّ وجلَّ: كُلُّ عملِ ابْنِ آدم لهُ إِلاَّ الصِّيام، فَإِنَّهُ لي وأَنَا أَجْزِي بِهِ، والصِّيام جُنَّةٌ، فإِذا كَانَ يوْمُ صوْمِ أَحدِكُمْ فلا يرْفُثْ ولا يَصْخَبْ، فَإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أَوْ قاتَلَهُ، فَلْيقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائمٌ، والَّذِي نَفْس محَمَّدٍ بِيدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيبُ عِنْد اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. للصَّائمِ فَرْحَتَانِ يفْرحُهُما: إِذا أَفْطرَ فَرِحَ، وإذَا لَقي ربَّهُ فرِح بِصوْمِهِ".

وفي رواية لمسلم: "كُلُّ عَملِ ابنِ آدَمَ يُضَاعفُ الحسَنَةُ بِعشْر أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائة ضِعْفٍ، قال اللَّه تعالى: إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وأَنا أَجْزي بِهِ: يدعُ شَهْوتَهُ وَطَعامَهُ مِنْ أَجْلي، لِلصَّائم فَرْحتَانِ: فرحة عند فطره، فَرْحةٌ عِنْدَ لقَاء رَبِّهِ، ولَخُلُوفُ فيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ريحِ المِسْكِ".

قال ابن عبد البر رحمه الله: كفى بقوله: (الصوم لي) فضلًا للصيام على سائر العبادات.

3- وَمِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ: أنه من أفضل الأعمال.

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرني بعمل، قال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له".

4- وَمِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ: أنه كفارة من الذنوب والمعاصي.

ففي الحديث الصحيح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

وفي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ المُنْكَرِ".

5- وَمِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ: أنه جُنَّةٌ ووقاية من النار.

فَفِي الصَّحِيحَينِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ"، وفي رواية: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّار"[رواه أحمد]، وفي رواية: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ".

6- وَمِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ: أن الصائم يحظى بأنواع وألوان شتى من صور التكريم ومنها:

خُلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

ففي الحديث: "والَّذِي نَفْس محَمَّدٍ بِيدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيبُ عِنْد اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ" قال المناوي رحمه الله: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) فإذا كان هذا بتغير ريح فمه، فما ظنك بصلاته وقراءته وسائر عباداته.

للصائم دعوات مستجابات لا ترد.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ"[رواه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"[رواه الترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني] وفي رواية: "وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ".

يحظى بالشفاعة يوم القيامة؛ لأن الصوم يشفع لصاحبه.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ"[رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع].

وباب من أبواب الجنة يقال له: الريان لا يدخل منه إلا الصائمون.

في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ".

ثم أعظم التكريم في الجنة: حيث الغرف العالية التي أعدها الله جل في علاه للصائمين.

ومن صور التكريم: أنه من أشد الناس فرحًا في الدنيا والآخرة.

ففي الحديث: "للصَّائمِ فَرْحَتَانِ يفْرحُهُما: إِذا أَفْطرَ فَرِحَ، وإذَا لَقي ربَّهُ فرِح بِصوْمِهِ" قال ابن رجب رحمه الله: أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعا، وأما فرحه عند لقاء ربه فما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا، فيجده أحوج ما كان إليه.

كما قال الله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}، وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} .

ثالثًا: معرفة أحكام الصيام وآدابه ومستحباته؛ وهذا ما سيكون في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.

 

الخُطبَةُ الثَّانِيَةُ: مُخْتَصَرٌ لِأَحكَامِ وَمَسَائِلِ الصِّيَامِ: أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فهذا مختصر لأحكام الصيام؛ وذلك في عدة مسائل .

المسألة الأولى: معنى الصيام.

• لغة: الإمساك.

• ‏وأما معناه شرعًا: هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى .

المسألة الثانية: أركان الصوم.

فإن الصيام له ركنان لا يصح الصوم إلا بهما:

1- الإمساك عن المُفَطِّرَاتِ؛ والدليل قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى اللَّيْلِ... الآية}.

2- النية؛ ودليلها قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".

• وتكون النية في كل ليلة من ليالي الشهر، وتصح في أي جزء من الليل؛ لحديث حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ" وفي رواية: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنَ اللَّيْلِ".

• ولا يشرع التلفظ بها؛ فمن تسحر بالليل قاصدا الصيام فقد نوى، ومن خطر على قلبه من الليل أنه صائم فقد نوى حتى ولو لم يستيقظ للسحور.

• ‏وأما صيام التطوع فتصح النية في أي وقت؛ لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟" قُلْنَا: لَا. قَالَ: "فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ".

المسألة الثالثة: بما يثبتُ دخولُ الشَّهرِ؟

• يَثبُتُ دُخولُ شَهْرِ رَمَضانَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا:

الْأَوَّلُ: رُؤْيَةُ الْهِلالِ؛ فَإِذَا رَأَى النَّاسُ هِلالَ رَمَضانَ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وَفِي الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ".

• وَيَتَحَقَّق بِرُؤيَةِ مسلم مكلف عدل؛ لحديثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وصححه الألباني.

الثّانِي: إِكْمالُ عِدَّةَ شَهْرِ شَعْبانَ ثَلاثينَ يَوْمًا عند عدم رؤية الهلال، أو الحيلولة دون رؤيته بغيم أو قتر ونحوه؛ لِقَوْلِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ؛ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ".

• وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لَا يَجوزُ الْعَمَلُ بِالْحِسابِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ دُخولُ شَهْرِ رَمَضانَ.

المسألة الرابعة: من يجب عليهم الصوم؟

• يجب الصيام على كل: مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خالٍ من الموانع؛ وإلى تفصيل هذه الشروط:

1- فإن الإسلام شرط صحة ووجوب: فإذا صام الكافر فإنه لا يقبل منه حتى يأتي بالإسلام؛ والدليل قوله تعالى: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله}.

2- ومن شروط وجوب الصيام: العقل؛ فلا يجب على المجنون الذي لا يعقل؛ وذلك حتى تتحقق منه النية؛ والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق وعن الصغير حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ".

3- ومن شروط وجوب الصيام: البلوغ فلا يجب على الصغير الذي لم يبلغ؛ لكن يستحب لولي الصبي أن يُعَوِّدَهُ على الصيام ولا يمنعه إذا أطاق ذلك.

• وبعض العلماء يقولون: أنه يقاس على الصلاة وذلك بأن يأمره بالصيام لسبع ويضربه على تركه لعشر.

• ‏والبلوغ يحصل بأحد أمور ثلاثة؛ وهي: الاحتلام، أو نبت شعر العانة، أو بلوغ سن الرابعة عشر؛ وتزيد الأنثى علامة رابعة: وهو نزول دم الحيض.

4- ومن شروط وجوب الصيام: القدرة عليه.

• فيخرج بذلك من يعجز عن الصوم مثل: الشيخُ الكبيرُ، والمرأةُ العجوزُ، والحاملُ والمرضعُ، والمريضُ سواءٌ كان المرضُ يُرجى بُرؤُه أو مرضًا مزمنًا عافانا الله.

• ‏والمرضُ: وهو اعتلالٌ في البدن فيجعله غير قادر على التكليف؛ وله ثلاث حالات:

أ- أن يَشُقَّ عليه الصيام ويلحق به الضرر فهذا يجب عليه الفطر وعليه القضاء.

ب- أن يشق عليه ولكن لا يلحقه الضرر ففي هذه الحالة يجوز له الفطر والقضاء.

ت- لا يشق عليه ولا يلحقه الضرر فهذا يجب عليه الصوم.

5- ومن شروط وجوب الصيام: الإقامة؛ فيخرج بذلك المسافر سفرًا مباحًا تُقصَرُ فيه الصلاة.

6- ومن شروط وجوب الصيام: خُلُوُّ المرأةِ من الحيضِ والنفاسِ .

المسألةُ الخامسةُ: أقسامُ الصائمين:

1- القسم الأول: من يجب عليهم الصيام ويحرم عليهم الفطر: وهم من توفرت فيهم الشروط الستة السابقة.

• فإذا أفطر من توفرت فيه هذه الشروط وانتفت عنه الموانع؛ عالمًا عامدًا ذاكرًا فقد ارتكب ذنبًا من عظائم الذنوب وكبيرة من الكبائر، ولا يَكفُرُ بذلك إلا إذا أنكرَ وجحدَ فرضية الصيام.

2- القسم الثاني: من يجب عليهم الفطر ويحرم عليهم الصيام: وهي المرأة الحائض والنفساء؛ فالواجب عليهن الفطر وقضاء الصيام بعد رمضان؛ والدليل قول عائشة رضي الله عنها: (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)، والنفاس حكمه حكم الحيض.

3- القسم الثالث: من يرخص لهم في الفطر ويجب عليهم القضاء؛ وهم: المسافر، والمريض مرضا يرجى برؤه؛ والدليل قوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.. الآية}.

• ويدخل في هذا القسم أيضًا: المرأة الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو رضيعيهما.

4- القسم الرابع: من يرخص لهم في الفطر وعليهم الفدية وهم: الشيخ الكبير والمرأة العجوز، المريض مرضا مزمنا، الحامل والمرضع إذا توالى عليهما الحمل والرضاع فإنهما يفديان؛ وإلا فالواجب عليهما القضاء إذا تمكنتا من ذلك؛ والدليل قول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ..}، قال ابن عباس في هذه الآية: (ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم)، وقال أيضًا: (الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا) [رواه أبو داود].

• وهؤلاء الثلاثة الواجب عليهم أن يطعموا عن كل يوم أفطروه مسكينًا ومقداره نصف صاع من غالب قوت البلد (ومقداره بالأوزان الحديثة كيلوا جرام ونصف تقريبًا من الأرز، أو الدقيق ونحوهما) .

المسألة السادسة: مفسدات الصوم أو (المُفَطِّرَات) وهي قسمان:

• القسم الأول: ما يفسد الصيام ويوجب القضاء:

1- الأكل والشرب ذاكرًا متعمدًا؛ أما إذا أكل أو شرب ناسيا فإنه يتم صومه ولا شيء عليه، ولا قضاء عليه؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ" وفي رواية: "مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ".

2- القيءُ عمدًا؛ أما إذا غلبه القيءُ فلا يفسد صومه ولا قضاء عليه؛ وذلك لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ".

3- نزول دم الحيض والنفاس للمرأة؛ فمن حاضت أو نفست ولو في اللحظات الأخيرة من النهار فسد صومها؛ وعليها قضاء هذا اليوم وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟"قلن: بلى.

4- الاستمناء؛ وهو تعمد إخراج المني باليد أو المباشرة أو التقبيل وإدامة النظر؛ وذلك لأنه ينافي المقصود من الصيام؛ كما جاء في الحديث القدسي: "يَدَعُ طَعامَهُ، وَشَرابَهُ، وشَهْوتَهُ، مِنْ أَجْلي".

5- التردُّدُ فِي النِّيَّةِ، أو نية الإفطار؛ فإن نوى وهو صائم وعزم على الإفطار جازما عامدا ذاكرا أنه في صوم بطل صومه؛ وإن لم يأكل أو يشرب؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".

• القسم الثاني: ما يفسد الصيام ويوجب القضاء والكفارة؛ وهو الجماع؛ فمن جامع أهله في نهار رمضان عالمًا عامدًا ذاكرًا فإنه يفسد صيامه، وعليه القضاء والكفارة: وهى عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا؛ وهي على هذا الترتيب وليس على التخيير.

• ‏وهذه المفسدات لا يحكم بفساد الصوم بها إلا إذا كان: عالمًا بحكمها، ذاكرًا لصيامه، مختارًا وليس مُكرهًا .

المسألة السابعة: آداب ومستحبات الصيام.

1- السحور وتأخيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"؛ [رواه البخاري ومسلم]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ".

• ويستحب تأخيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَزَالُ أُمَّتي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، وَأَخَّرُوا السَّحُورَ".

• ويتحقق السحور بأي شيء ولو حسوات من ماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".

2- تعجيل الفطر إذا تحقق من غروب الشمس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ"؛ [رواه البخاري]. وفي رواية: "قَالَ اللَّهُ عز وجل أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا".

3- أن يكون الفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم يجد فتمرات؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء"[رواه الترمذي وصححه الألباني].

4- الدعاء أثناء الصيام، وخَاصَّةً عند الفطر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد"؛[رواه ابن ماجه].

• وأما الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الفطر؛ فهو: "ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"؛[رواه أبو داود، وحسنه الألباني].

• ‏والمأثور عن الصحابة: "اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ".

• ‏فإذا أفطر عند غيره يسن أن يدعو لهم كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: "أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ"؛ [رواه أبو داود وصححه الألباني].

5- أن يتحفظ من الأعمال والأقوال التي تفسد صيامه والبعد عن الرفث والصخب؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"، وقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ".

6- قول: إني صائم لمن شاتمه أو سابه؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ، إنِّي صَائِمٌ"؛ قال العلماء: واحدة تذكيرًا لنفسه، والأخرى تذكيرًا لخصمه.

7- الجود وإطعام المساكين وتفطير الصائمين؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا". وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة).

8- الإكثار من الأعمال الصالحة؛ اغتناما لبركة وشرف الزمان ومضاعفة الأجور والحسنات.

نسأل الله العظيم أن يتقبل منا صيامنا وأن يجعلنا من عتقاءه من النار.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply