بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أبدع الشعراء القصائد الغراء التي تحدثوا فيها عن رمضان من أبرزهم الشاعر القدير المبدع الدكتور عبد الرحمن العشماوي حيث نعرض هنا قصيدته عن رمضان بعنوان قصيدة *أقبل الصوم...* ، وكما بين حفظه الله هي وقفة مناجاة مع أمير الشهور رمضان المبارك يقول: فرح بمقدم رمضان، وتمنى لو أن أمه الحنون تعيش لتشهد مقدمه وتقدم التهاني الطيبة بمناسبة قدومه، وتحدث عن فضائل رمضان ومشاعر الناس بمناسبتها، وقد تذكر الأم، وما أدراك ما الأم التي تجعل رمضان ذات مذاق آخر فجعل شاعرنا القدير الدكتور عبدالرحمن العشماوي من القصيدة الرمضانية درة فريدة في رثاء الأم والحزن لفراقها والدعاء لها رحمها الله وأمي وأمهات المسلمين واجمعنا معهم في الجنة، اللهم آمين يقول حفظه الله:
أقبلَ الصَّوْمُ، ليت أُمِّي الحبيبَهْ
مِنْ مَدَى قُبْلَةِ الجبين قَريبَهْ
ليت أمِّي مكانَها كلَّ عامٍ
تتلقَّى شهر الهُدَى مُستجيبَهْ
ليتها في مكانها كلَّ عامٍ
تتلقَّى شروقَه وغروبَهْ
تتلقَّى منَّا التَّهانيَ جَذْلَى
بدموعٍ من الجفون صَبيبَهْ
أَقْبَل الصومُ، وهو شَهْرٌ كريمٌ
ساحةُ الخيرِ في مَدَاهُ رَحيبَهْ
تسعدُ النفسُ حينَ يأتي، وترضى
ثمّ ترضى إذا دَعا أَن تُجيبَهْ
أقبلَ الصّومُ، والفؤاد يعاني
من لَظَى شوقه، ويشكو دَبيبَهْ
أين أمِّي؟ تلفَّتَ القلب لمَّا
قلتُها، وانثنى يُداري نَحيبَهْ
أين أمِّي؟ وهَبَّ إعصارُ حُزْنٍ
ففؤادي الحزينُ يشكو هُبوبَهْ
سكتتْ بَهْجَةُ الفوادِ، وقامت
فيه دوَّامةُ الأَنين خَطيبَهْ
وظلامُ الأسى يحاصرُ فجري
ويُريني وجوهَ بُؤْسٍ غَضُوبَهْ
يا ظلامَ الأَسى تثاقَلْتَ حَتّى
سئمتْ مُهجتي خُطَاكَ الرَّتيبَهْ
أين أمِّي؟ تعثَّر القولُ لمَّا
برزَتْ صورةُ الحَنانِ المَهيبَهْ
تتعدّى بيَ الأَمانيَ حدِّي
فأَراها من لَمْسِ كفِّيْ قَريبَهْ
ثُمّ أَصحو على حقيقةِ بُعْدٍ
يشتكي الخافقُ الحزينُ لُُغَوبَهْ
أين أمِّي؟ بل أين نَبْعُ عطاءٍ
في يديها يُرضي القلوب الكئيبَهْ
ليتني أستطيعُ تقبيلَ كفٍ
صانها اللهُ أنْ تُمَدَّ لِرِيْبهْ
ليتني أستطيعُ أَدفن وجهي
في يديها لكي أُداري شحوبَهْ
صوتُها ما يزال عَذْبًا نديًَّا
يا بروحي فديتُ تلكَ العُذوبَهْ
أقبل الصومُ، والهلالُ غريبٌ
والنجومُ التي تَلُوحُ غريبَهْ
أقبل الصومُ، والحبيبةُ عنَّا
قابَ قوسينِ، والجراحُ رهيبَهْ
قابَ قوسينِ قَبْرُها، وهو أَنْأى
مِن مَدى الموجِ لو أَردنا رُكوبَهْ
قابَ قوسين قبرُها، يا مُحبًَّا
أَوْحشتْ ظُلْمَةُ الأَنين دُروبَهْ
كلُّ شبرٍ من بيتنا فيه ذكرى
يتجلَّى فيها خيالُ الحبيبَهْ
دَوْحَةُ السِّدر تَستثيرُ شجوني
والعصافيرُ والغُصونُ الرَّطيبَهْ
والنَّسيم الذي يَهُبُّ صباحًا
مستثيرًا هبوبُه عَنْدَليبَهْ
وسكون المساءِ، صار ضَجيجًا
من أنينٍ، وصار نارًا مُذيبَهْ
كلُّ شيءٍ يثيرُ أشجانَ نفسي
بانكساراتِ صورةٍ مقلوبَهْ
يا أميرَ الشهور، جئتَ جميلًا
مثلما كُنتَ، ذا جلالٍ وطِيْبَهْ
جئْتَنا اليومَ وحدَنا، مُذْ فقدنا
يا أميرَ الشهور أُمًَّا نَجيبَهْ
جئتَ، والنفسُ تشتكي من فراغٍ
وجفوني دموعُها مسكوبَهْ
يا أميرَ الشهور، عُذرًا لقلبٍ
بثَّ شكواه أو أبان كُروبَهْ
صار جرحي مُضاعَفًا، فَقْدُ أمِّي
وانكساراتُ أمَّتي المنكوبَهْ
أنا واللهِ ما جزعتُ ولكنْ
لم يفارقْ عينيَّ هَوْل المُصيبَهْ
في جدارِ الصبرِ الجميلِ ثُقوبٌ
أسألُ اللهَ أنْ يَسُدَّ ثُقوبَهْ
مؤمنٌ بالقضاءِ راضٍ مُطيعٌ
أسأل اللهَ رحمةً ومَثُوبَهْ
ربَّنا أجمعْ مع الحبيبة شملًا
في ظلالٍ من الجنانِ الرَّحيبَهْ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد