لطفُ الله في المصائب والمحن


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو أكرم الخلق على الله، وأحبهم إليه: قد حلّت به مصائب ومحن متنوعة، فصبر ورضي وفوض أمره إلى الله تعالى، فهو نعم المولى ونعم النصير، فمما حل به صلى الله عليه وسلم:

أن وُضع سلا الجزور على ظهره الشريف وهو ساجد.

وحبس وحوصر هو ومن انحاز معه من بني هاشم وبني المطلب في شعبٍ أبي طالب نحو ثلاث سنين.

وبعد أن إذن الله تعالى له بالهجرة إلى المدينة اختبأ في جبل ثور هو وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في غارٍ صغير موحش ثلاث ليالٍ متخفيًا عن كفار قريش الذين عزموا على قتله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقبض الله أرواح أبنائه وبناته جميعًا رضي الله عنهم في حياته عدا فاطمة رضي الله عنها.

وقُتل من أصحابه وأقاربه الكرام رضي الله عنهم قرابة مائتين، ورأى صلى الله عليه وآله وسلم جثث بعضهم رضي الله عنهم وقد مثَّل بها (أي شوهها) أعداؤهم.

ويوم أحد جُرح وجهه الشريف، وشُجّ رأسه، وكسرت رباعيته وهي (السن التي بين الثنية والناب، فذهب منها فِلْقة، ولم تقلع من أصلها.(

وقد عثرت ناقته في بعض أسفاره فسقط من على ظهرها.

وقال: "إني أوعك ‌كما ‌يوعك رجلان منكم"، فقيل له: ذلك أن لك أجرين؟ "قال أجل".

ولاقى بأبي وأمي صلى الله عليه وآله وسلم من سكرات الموت شِدَّة وكربًا.

ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا طعامًا لأهل بيته.

وكذلك الصحابة الكرام رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان أصابتهم المصائب والمحن فصبروا واسترجعوا ولم يجزعوا؛ لأنهم علموا أن الله أعدّ في الجنة منازل لا تُنال إلا بالابتلاءات، فأحبَّ سبحانه وتعالى أن يبلغها من هم أحبُّ الناس إليه.

فمن أعطاه الله يقينًا وإيمانًا استقبل الابتلاءات والمصائب بالثبات والحمد والشكر والرضا والصبر.

ومن جزع وتسخط مما يصيبه من المصائب فاته من الأجر بقدر جزعه وتسخطه، هذا إذا كانت المصيبة واقعة عليه في نفسه وخاصته، ويكون ذلك من باب أولى إذا كانت المصيبة التي جزع منها وتسخط مصيبة عامة واقعة في ناحية من أمصار المسلمين، كما يحدث لإخواننا المسلمين في فلسطين مثلًا، فليكن المؤمن على حذر!

وأما التألم المنضبط لما يصيب بعض إخوانه المسلمين وشفقته عليهم؛ فإنه مأجور على اهتمامه بشأن إخوانه المسلمين، وتمثّله الجسد الواحد، مع استحضاره الدائم لحكمة الله البالغة لحلول مثل هذه الابتلاءات والمصائب التي ما وقعت إلا بإذن الله تعالى.

فربنا حكيم عليم، لطيف خبير، ومن رحمته بعباده المؤمنين أن جعل من سننه القدرية أنّ المصائب معها المكاسب، وأن المحن معها المنح، وأنّ الضيق معه الفرج، وأن الصبر معه النصر، وأنّ الدرجات العالية في الجنة لا تنال – ولو عظمت طاعة العبد – إلا بالمصائب والابتلاءات التي يُلهمه الله الصبر عليها.

ففوض جميع أمورك أيها المسلم وأمور العباد إلى ربنا الخالق الحكيم العليم فهو نعم المولى ونعم النصير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply