بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من رغب في الجنة فليحرص على الاستغناء عن الناس فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا، وأتكفل له بالجنة؟ فقلت: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا" قال الإمام النووي رحمه الله: رواه أبو داود بإسناد صحيح، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (6604) قال العلامة ابن باز رحمه الله: الحرص على عدم سؤال الناس، وأن الإنسان يجتهد في أن يقوم بنفسه، ويتعاطى بعض الأسباب التي تُغنيه عن الناس.
ومما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة عليه ألا يسألوا الناس شيئًا، فعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، قال: كنًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: "ألا تبايعون رسول الله؟" وكنّا حديثي بيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟" فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: "على أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتُطيعوا" وأسرّ كلمة خفيفة: "ولا تسألوا الناس شيئًا" فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط أحدهم فما يسأل أحد أن يناوله إياه. رواه مسلم. قال الإمام النووي رحمه الله: فيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالًا وإن كان حقيرًا والله أعلم
للسلف رحمهم الله أقوال في الاستغناء عن الناس، يسّر الله الكريم فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
الاستغناء عن الناس واليأس مما في أيديهم فيه غنى النفس:
• قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الطمع فقر، وإن اليأس غنى.
• قال سعيد الخير لابنه رحمهما الله: أظهر اليأس فإنه الغنى، وإياك وطلب ما عند الناس فإنه الفقر الحاضر.
من استغني عن الناس كانت له السيادة عليهم:
• قال أيوب السختياني رحمه الله: لا يسود العبد حتى يكون فيه خصلتان اليأس مما في أيدي الناس، والتغافل عما يكون منهم.
•قال الحافظ ابن رجب رحمه الله قال: أعرابي لأهل البصرة من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن قال: بِم سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى عن دنياهم.
العاقل لا يسأل الناس شيئًا:
• قال الإمام ابن حبان رحمه الله: العاقل لا يسأل الناس شيئًا فيردوه، ولا يلحف في المسألة فيحرموه، ويلزم التعفُّف والتكرُّم، ولا يطلب الأمر مدبرًا، ولا يتركه مقبلًا؛ لأن فوت الحاجة خيرٌ من طلبها إلى غير أهلها، وإن من سأل غير المستحق حاجة حطَّ لنفسه مرتبتين، ورفع المسؤول فوق قدره.
وقال رحمه الله: لا يجب للعاقل أن يبذل وجهه لمن يكرم عليه قدره، ويعظم عنده خطره، فكيف بمن يهون عليه رده، ولا يكرم عليه قدره، وأبغض اللقاء الموت، وأشد منه الحاجة إلى الناس دون السؤال، وأشدُّ منه التكلُّف بالسؤال.
الاستغناء عما في أيدي الناس يجلب محبتهم:
• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من زهد فيما في أيدي الناس، وعفّ عنهم، فإنهم يحبونه، ويكرمونه لذلك من استغنى عن الناس كان عزيزًا:
• قال بشر بن الحارث الحافي رحمه الله: عز المؤمن استغناؤه عن الناس.
• قال العلامة العثيمين رحمه الله: الإنسان إذا وفقه الله ومنَّ عليه بالاستغناء عن الخلق صار عزيز النفس غير ذليل.
من استغنى عن الناس كان عظيم القدر عندهم:
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أعظم ما يكون العبد قدرًا وحرمة عند الخلق: إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه، فإن أحسنت إليهم مع الاستغناء عنهم كنت أعظم ما يكون عندهم، الاستغناء عن الناس ولو في الشيء اليسير.
• قال العلامة ابن باز رحمه الله: اللائق بالمؤمن، ألا يسأل الناسَ شيئًا، وأن يجتهد في التَّعفف بما يسَّر الله له من الشيء اليسير.
• قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: مهما استغنيت عن الناس فافعل، وكان مما يُبايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يسألوا الناس شيئًا، حتى إن الرجل يسقط عصاه وهو على راحلته فينزل ويأخذه، ولا يقول: يا فلان أعطني إياه، لكمال الاستغناء عن الخلق.
بغض الناس لمن يسألهم ما في أيديهم:
• قال الحسن رحمه الله: لا تزال كريمًا على الناس، ولا يزال الناس يكرمونك ما لم تتعاط ما في أيديهم، فإن فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك وأبغضوك.
• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من سأل الناس ما بأيديهم كرهوه وأبغضوه، لأن المال محبوب لنفوس بني آدم، فمن طلب منهم ما يحبونه كرهوه لذلك.
من سأل الناس شيئًا نقص قدره عندهم:
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الخلق... متى احتجت إليهم - ولو بشربة ماء - نقص قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم.
تطلب الحاجات إلى الناس يُذهب العلم:
• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: روي أن عبدالله بن سلام لقى كعب الأحبار عند عمر، رضي الله عنهم جميعًا، فقال يا كعب: من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: فما يذهب بالعلم من قلوب العلماء بعد أن حفظوه وعقلوه؟ قال: يُذهبه الطمع، وشره النفس، وتطلب الحاجات إلى الناس. قال: صدقت.
العزلة تعين على الاستغناء عن الناس:
• قال الإمام الخطابي رحمه الله: من مناقب العزلة: أنها خالعة عنك ربقة ذل الآمال، وقاطعة رق الأطماع، ومعيدة عز اليأس من الناس، فإن من صحبهم وكان فيهم ومعهم، لم يكد يخلو من أن يحدث نفسه بنوع من الطمع فيهم، إما في مال، أو جاه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد