بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الخيانة من الأمراض التي أصبحت تنخر في عظام مجتمعاتنا المسلمة. وهي صفة ذميمة في الإسلام الذي دعا إلى مكارم الأخلاق. فالخيانة من خان يخون؛ والخائن هو من ينقض العهد ويخون الأمانة. كمن وقَّع عقد ثم نقضه أو استؤمن على شيء فسرقه أو ضيعه. والله تعالى لا يحب الخائنين. قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ{[1]. ولا تجتمع الأمانة والخيانة في قلب إنسان لأنهما ضدان؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب أمرئ، ولا يجتمع الكذب والصدق جميعا، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا"[2].
وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخيانة في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة، فإنها بئست البطانة"[3]. فهي من اسوأ الصفات التي يمكن أن تكون في الإنسان. فمن يخون لا يؤتمن ولا يُثق به أحد بعد ذلك. حيث هو خان في المرة الأولى؛ فتسهُلَ عليه الخيانة فيما بعد.
حكم الخيانة وعقوبتها في الدنيا والآخرة:
والخيانة حرام في الإسلام. وهي من صفات المنافين. قال صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"[4]. وللخيانة عقاب شديد في الدنيا والآخرة، فعقابها في الآخرة هو عذاب النار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "المكر والخديعة، والخيانة في النار"[5]. ويكون النبي صلى الله عليه وسلم خصم للخائن ويتبرأ منه يوم القيامة. قال صلى الله عليه وسلم: "من خان من ائتمنه فأنا خصمه"[6]. وقال: "من خان شريكا له فيما ائتمنه عليه واسترعاه له، فأنا بريء منه"[7]. وجاء في الحديث القدسي: "يقول الله: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان؛ خرجت من بينهما"[8]. ويعجل الله تعالى عقوبة الخيانة في الدنيا قبل الآخرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم، والخيانة، والكذب"[9]. وهي تجر الفقر والفاقة في الدنيا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الأمانة تجر الرزق والخيانة تجر الفقر"[10]. وللخيانة صور وأشكال مختلفة.
من صور الخيانة واعمال الخائنين:
− من لا يوفي بعهده فهو خائن. قال تعالى: }وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ.{[11]
− ومن يشي بأسرار دولته لأعدائها فهو جاسوس وخائن. قال تعالى: }وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{.
− ومن يغدر بقوم عاهدهم على السلم فهو خائن. ومثال لذلك خيانة اليهود ونقضهم لعهد صلح الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة. وهذا يبين أصل اليهود وصفة الخيانة فيهم منذ القدم. حيث كانوا ولا زالوا ينقضون مواثيقهم وعهودهم. واليوم يفعلون نفس الشيء ولكن تحت قناع السلام والدبلوماسية الذي يلبسونه بالمكر والخديعة.
− ومن استؤمن على مال فسرقه فقد خان الأمانة. قال تعالى: }وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا.{[12]
− ومن استعمل رجلا على عصابة وفيهم من هو أرضى منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "من استعمل رجلا على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"[13].
− ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه. قال صلى الله عليه وسلم: "من استشاره أخوه المسلم، فأشار عليه بغير رشد، فقد خانه"[14].
− ومن يخون صديقه في شيء يخصه، كمن يخطب على خطبة صديقه فقد خانه. قال صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك"[15].
− وكذلك من يقوم بعلاقات مع الجنس الآخر من دون علم شريك حياته يسميه الناس خائن.
إرتباط الخيانة بالجريمة:
وقد ارتبطت الخيانة منذ القدم بجرائم القتل والوحشية. وما أكثر الحوادث التي عرضت في الأخبار وشبكات التواصل عن هذا الموضوع. وما ذلك إلا لفتنة العشق التي ضاع بها كثير من الناس. قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"[16]. فانظر كيف اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم أشد الفتن في الدنيا. ولم يقدم عليها حتى فتنة المال أو الأولاد أو الخمر أو الشهرة أو غيرها من فتن الدنيا. وذلك لأنها الأشد؛ ولأن ضررها وآثارها المترتبة عليها تؤثر على المجتمع كله أفرادا وجماعات.
أمثلة على جرائم الخيانة:
ولنتناول بعض الامثلة هنا للتأمل فيها ومحاولة تفهم القضية واسبابها وحلولها. فمن جرائم الخيانة التي سمعنا عنها ووثقتها نشرات الأخبار وأقسام البوليس وشبكات التواصل ما يشيب له الرأس. وسأبدأ بأكثر حالة تعجبت منها. وكانت على ما أذكر منذ حوالي عامين تقريبا... حيث ظهر خبر جريمة على برنامج يقدمه أحد الإذاعيين المشهورين. وجاء فيه أن سيدة فلاحة بسيطة لديها ستة أطفال من زوجها الفلاح. قامت بحرقه بالبنزين والنار مع عشيقها. فسبحان الله!! كيف تحولت هذه المرأة التي بدت في حجابها وكان يبدو عليها أنها كانت سيدة طيبة ومحترمة... فكيف غيرتها فتنة العشق لوحش قاتل بلا رحمة وغيرت أخلاقها وتصرفاتها. فقتلت ذلك الزوج الذي كان يرعاها ويتعب عليها وعلى صغارها ليوفر لهم لقمة العيش. وكيف ألقت وراءها دينا وزوجها وأطفالها وبيتها... فأحرقتهم جميعًا بنار شيطانية لا ترحم!! أي فتنة هذه التي يمكن أن تغير إنسان وتحوله لهذه الوحشية والشر. بل حتى إن الشيطان لا يحرق الازواج مثلها. فهي لم تقتله فحسب، بل كبت عليه البنزين وأشعلت النيران فيه... ولا إله إلا الله. فهل هناك قسوة أكثر من هذه يمكن أن تكون في إنسان على وجه الأرض. نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ومثال ثاني لجريمة أخرى بسبب الخيانة نُشِرت في يوتيوب منذ سبعة أشهر. تم فيها قتل الضحية من قبل زوجته وأخوه. حيث كان الزوج مسافرا لمدة عامين للعمل. وكان خلالها الأخ يتردد على بيته حتى من قبل سفره. وفي يوم عرض الأخ على زوجة أخيه إقامة علاقة، ومن هنا بدأت الجرائم. فاستجابت له الزوجة. وحملت منه. وحاولا التخلص من الجنين دون جدوى. فوضعت مولودة بعد ثمانية أشهر. وعندما عاد الزوج كاد أن يكشف أمرهما؛ فاستدرجته الزوجة إلى المزرعة باتفاق مسبق مع الاخ الذي قام بقتل اخيه هناك. واعترفا بجريمتهما البشعة عند الشرطة. ولولا اعترافهما لصعب علينا تصديق ذلك. وهذا مثال آخر عن جرائم الخيانة؛ حيث قتل الأخ أخاه لأجل فتنة امرأة.
ومثال ثالث كان خبر منذ حوالي ثمانية أشهر؛ وهو أن أب أقام مع ابنته علاقة جنسية برضاها لمدة أربع سنوات وأنجبت منه طفل. فيا للهول من هذا الخبر. كيف خانت هذه البنت أمها مع أبيها؟ وكيف خان هذا الزوج زوجته مع أبنتهما؟! وكيف خان نفسه أولًا بهتك عرضه وعرض ابنته. إن هذا شيء لا يصدقه عقل. كيف استطاع هذا الأب أن يفعل هذا بابنته؟ وكيف تخلت هذه البنت عن شرفها ومستقبلها وأقامت علاقة مع والدها. إن هذا فيما يبدو وكأنه شيء له علاقة بشيء خارجي يؤثر على هذه الناس التي كانت في أصلها تبدو صالحة.
ولكن شيء ما تغير وحولهم لشياطين إنسانية. ربما تكون من الأفلام التي يشاهدوها أو من تعاطي المخدرات أو ربما تمت برمجة عقولهم من قبل جهة معادية كالماسونية أو غيرها. نحن لا ندري ما الذي حدث معهم ولكننا هنا نحاول تقريب الحقائق. فذلك شيء مفزع للجميع... أن يتغير الإنسان فجأة. وربما كانوا يبدون على غير أشكالهم والله أخرج ما بدواخلهم؛ والله أعلم. فهو وحده العليم وهو من سيحاسب الخلق ويقتص لهم من بعضهم البعض يوم القيامة؛ وله الأمر من قبل ومن بعد.
ولم أقصد بذكر بعض هذه الاحتمالات محاسبتهم او مقاضاتهم... بل أحاول فهم ما الذي يمكن أن يغير الإنسان فجأة. لأن هذه مشكلة إجتماعية عويصة تهجم على مجتمعاتنا المسلمة ولا ندري سببها. فالأولى بالناس – لاسيما الباحثين الاجتماعيين وموظفي الدولة – بحث ما جرى وكان مع أصحاب هذه الجرائم لفهم الأسباب والمسببات. ومن ثم محاولة حلها وعلاجها بطرق منطقية وفعالة بعد الدراسة والتمحيص.
نصائح للزوجات:
إن خيانة الزوجة جرم كبير وعقابه النار يوم القيامة. والمرأة التي تخون تخسر كل شيء في الدنيا والآخرة. فأول ما تخسره هو شرفها وعرضها. فيلوك الناس في سيرتها؛ ويهمزونها ويلمزونها في الروحة والغدوة. وقد تقع في الزنا الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب. فإما أُقيم عليها الحد بالرجم أمام الناس، وإما وقعت في جريمة انتهت بسجنها أو إعدامها. وأقلها أن يطلقها زوجها فتخسره وتخسر معه بيتها وأطفالها. وأما الثعلب الذي خانت زوجها لأجله فسرعان ما سيلفظها بعد أن يقضي حاجته منها؛ ليبدأ بالبحث عن فريسة أخرى يلهو بها ويدمر حياتها ثم يتركها هي الأخرى.
والخيانة دناءة يصعب على الزوج تحملها وغفرانها. حيث يأتيه الطعن في عرضه من قبل زوجته التي يسهر على راحتها وراحة أولادها. فتأتي هي وتدوس على كرامته ورجولته واحترامه بإقامة علاقة مع رجل غريب. ثم ترجع لتنام معه في بيته آخر اليوم وكأن شيء لم يحدث. فأي وقاحة أكثر من هذه وهتك للحقوق والآداب. وكيف تستطيع هذه المرأة أن تنام دون تأنيب الضمير او حتى الشعور بالذنب والقرف ومخاصمة النفس؟ وما الذي يدعوها للخيانة؟ ربما لديها أسباب، ولكن لا تبرئها. فلو كان السبب إهمال الزوج فلها أن تتحدث معه أو توسط أحد من أهلها أو أهله لحل هذه المشكلة. ويمكن لها أن تشغل وقتها بما ينفعها كالعلم والبحث وغيره. ولو كان الزوج عاجز جنسيا فلها أن تتطلب الطلاق إن أرادت. وإن كان الزوج هاجرها فلها أيضا أن تتحدث معه أو توسط غيرها أو تطلب الطلاق. وهناك حبل الصبر والتصبر والمدارة؛ فلا تتسرع على خراب بيتها. ولتراعي الظروف التي يمر بها من ضغوط العمل وغيرها. ولتفكر مليًا في أطفالها الذين يحتاجون والدهم قبل أن تطلب الطلاق أو تقدم على خيانته. وعلى كل حال أيًّ كانت الأسباب فإنها لا تبرئها أو تعطيها العذر في الخيانة. وحتى لو كان فرضا ان الزوج هاجرها … فلولا اختلاطها بالرجال لما اتتها الرغبة فيهم وجعلتها تقع في الزنا وتهلك نفسها.
فالسبب الأكبر في الخيانة هو اختلاط المرأة بالرجال الأجانب. وغالبا ما يحدث ذلك مع الرجال المحيطين بها كأصدقاء الزوج أو زملاء العمل أو الجيران أو العاملين أو الأقارب وغيرهم.
ولذا كان على المرأة الاحتجاب أمام هؤلاء حتى لا تتعرض للفتنة. ولو لبست النقاب لحفظها من كل هذه الفتن وابتعد عنها الرجال الذين يبحثون عن الحرام. فصانت نفسها وبيتها وبقي لها زوجها وأولادها ولم تتعرض للوقوع في الجرائم والسجن من ورائها. هذا والله تعالى أعلم. ونسأله سبحانه أن يحفظ مجتمعاتنا من الخيانة والجريمة والفجور وينشر فيها السلام والطمأنينة والأمان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] الأنفال 58.
[2] أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (1050)، وحكمه عليه: إسناده صحيح رجاله ثقات.
[3] ذكره الألباني في صحيح النسائي (5484)، وحكمه عليه: حسن صحيح. وأخرجه أبو داود (1547)، والنسائي (5468)، وابن ماجه (3354).
[4] أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59).
[5] حسنه الألباني في صحيح الجامع (6726).
[6] ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/42)، وحكمه عليه: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
[7] نفس الحديث السابق..
[8] ذكره الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2357)، وحكمه عليه: صحيح الإسناد.
[9] صححه الألباني في صحيح الجامع (5705). وأخرجه أبو داود (4902)، والترمذي (2511)، وابن ماجه (4211)، وأحمد (20374) مختصرا، وابن حبان (440، 455) مفرقا باختلاف يسير.
[10] ذكره السفاريني الحنبلي في شرح كتاب الشهاب (244)، وحكمه عليه: إسناده حسن. وأخرجه الكلاباذي في (بحر الفوائد) (ص159).
[11] الأنفال 58.
[12] آل عمران 75.
[13] ذكره الصنعاني في سبل السلام (4/287)، وحكمه عليه: في إسناده واه إلا أن ابن نمير وثقه وحسن له الترمذي أحاديث. وأخرجه ابن أبي عاصم في (السنة) (1462)، والعقيلي في (الضعفاء الكبير) (1/247)، وابن عدي في (الكامل في الضعفاء) (2/352) باختلاف يسير.
[14] أخرجه أبو داود (3657)، وابن ماجه (34) مختصرا، والنسائي في (السنن الكبرى) (5915) مختصرا بنحوه، وأحمد (8266) واللفظ له. وقوله: "من تقول عليّ ما لم أقل.." أصله في الصحيحين بنحوه أخرجه البخاري (110) مطولا بنحوه، ومسلم (3) بنحوه.
[15] البخاري 5143.
[16] أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد