الاعتقاد الواجب نحو الزواج


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فمعنى الزواج في الحياة الاجتماعية هو أنك مستعدٌ للقيادة وتحمل المسؤولية، وأما في الفقه فقد قال العلماء: *هو اقتران أحد الشيئين بالآخر وازدواجهما أي صار زوجًا بعد أن كان كل واحد منهما فردًا*، نقلًا من كتاب *رسالة إلى العروسين* للشيخ بن عبد الرحمن الصبيحي، ص .(15)

قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة"، رواه أبو داود وغيره، وفي رواية للإمام مالك رحمه الله: "ثلاث ليس فيهن لعب". إذن، الزواج مبدؤه هو الرغبة الحقيقية التي تجعل من إرادة الإنسان تزداد شيئًا فشيئًا للتطبيق في أرض الواقع. فإن الزواج ليس هو المعيار للنجاح، لكنه مفتاح من مفاتيح النجاح. أما النجاح فهو معيار للزواج، وهذا أبسط مثال: إذا تزوج شخص ما فهذا لا يعني أنه قد نجح في حياته، لكنه وضع قدمًا في طريق النجاح. أما من طال زواجه واستمر استمرار الزمن وتغيرت حالته إلى الأفضل بسبب زواجه، فهذا قد نجح نجاحًا مبهرًا. وهذا هو معنى النجاح معيار للزواج.

ومن أجل أن يكون الزواج في الحياة ناجحًا، يجب توفر حالتين بين الخاطب والمخطوبة، وهما الصدق والصراحة قبل الزواج وبعده. فكم من زوج كذب على زوجته قبل الزواج بها بأنه صاحب مال وهو ليس كذلك، وكم من زوج كان مريضًا ولم يصارح زوجته بمرضه، وقس على ذلك في كل الأمور. وكذلك العكس من جانب الزوجة، فتسببت هذه العوائق في الطلاق والمشاكل الأسرية، فتشتت البيوت في بضع سنوات أو أشهر قليلة. فالزواج مشروع مربح، ولإستمرار أرباحه يجب أن يكون اعتقاد الزوجين اعتقادًا سليمًا من الحيل والكذب والنوايا السيئة والمصالح المادية والأحلام الوهمية والطموحات المشبوهة... إلخ.

فالشباب، أكثرهم اليوم قد أصبحت في عقولهم كراهية شديدة لفكرة الزواج لسببين، وهما الخوف من الطلاق لكثرته في المجتمع الإسلامي، والسبب الثاني هو فقدان الثقة في بنات الشرف والعفة لكثرة التبرج والفسق الموجود بيننا اليوم. وهذا يُعتبر من سوء الاعتقاد في الزواج. فلو قلنا إن نسبة العزوبية مثلا في الجزائر سبعين بالمائة، وهذا مجرد احتمال، فمنها أربعين بالمائة أكثرهم لهم عقدة في الزواج من ناحية الخوف؛ إما خوف من الرزق، أو خوف من الطلاق، أو خوف من المرأة بسبب فجور بعضهن، أو الخوف من الخيانة التي نسمع عنها من حين لآخر، أو الخوف من الفقر، أو الخوف من ضيق السكن... إلخ. فتغيرت المعطيات، فأصبح الخوف يعم عقول أكثر الشباب المسلم. فكل هذا مجرد اعتقادٌ فاسد الفكر.

وأما من كان خوفه من الرزق وقال أنا لا أتزوج فلا أستطيع النفقة على أبنائي وتحجج بهذا الكلام، فقد قال الله تعالى: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}[الإسراء: 31].

قال الشيخ السعدي رحمه الله: *فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم خوفًا من الفقر والإملاق، وتكفل برزق الجميع*(تيسير الكريم الرحمن، ص 431). وهذا كان في زمن الجاهلية، وهو عامٌ لنا اليوم. وقال عز وجل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}[لقمان: 34].

قال الشيخ السعدي رحمه الله: *من كسبِ دينها ودنياها*(المصدر السابق، ص 622). وأما من يقول أنا أكره الزواج، فقد قال الله تعالى: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء: 19].

قال الشيخ السعدي رحمه الله: *وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة كما هو الواقع في ذلك*(المصدر السابق، ص 154). والآية نزلت على من تزوج ثم كره زوجته، لكنها عامة حتى على من يكره الزواج، خصوصًا لمن هو مصاب بمرض العقدة أو الوساوس... إلخ.

واعلم أنه كلما كانت النظرة للزواج نظرةً سلبية، فإن العلاقة الزوجية لن تستمر طويلًا. فهذا للمتزوج، أما الأعزب فلن يتزوج إلا إن غيَّر نظرته للزواج إلى الإيجابية. لأن الزواج هو أصل من أصول الحياة، ومعنى آخر له هو عبارة عن انتقال من حال إلى أفضل الأحوال. ولهذا، طريقة التفكير هي أولى بالانتقال من السلبي إلى الإيجابي وفق المعايير اللازمة. ولهذا، فإن التفكير في الزواج من باب الجماع فقط يُعتبر تفكيرًا حيوانيًا وليس تفكيرًا إنسانيًا. وهناك عبارة شعبية يقال فيها: *تفاءلوا خيرًا تجدوه*. وهذا ليس بحديث نبوي كما يعتقد البعض منهم، لكن معناه صحيح. وقد ثبت في السُنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل حيث قال: "... ويُعجبني الفأل". قيل له: وما الفأل؟ قال: "كلمة طيبة"، رواه الشيخان.

فالتفكير في الزواج يتطلب تغيير التفكير والأسلوب بنسبة عشرين بالمائة من الشخص نفسه. فمن كان يسهر الليالي فعليه بترك السهر، ومن كان يُخالط رفقة السوء فعليه بتركها... إلخ. ثم أثناء الزواج، فالزوجة بأن تحاول أن تُغير من سلبيات زوجها التي تلاحظها فيه، أو العكس من طرف الزوج لزوجته. وهذا التغيير بنسبة ثلاثين بالمائة من باب النُصح والإرشاد. ثم بعد ذلك إن رُزقوا بالأولاد تتغير أفكارهم وطبائعهم بنسبة خمسين بالمائة. وهذه تتمة للمائة بالمائة. وهذا التغيير سببه هو دور الأمومة والأبوة، فالشعور بدور الزوج والزوجة هو من متممات الإنسانية، والعيش بطعم وجود الأولاد فهذا من متممات الحياة.

فإن الزواج حقيقته به قد صلح حال أكثر المنحرفين، والعزوبية بسببها قد فسدت أخلاق أكثر من كان على نهج الاستقامة. والله المستعان. فإصلاح النية في الزواج مع الله أولًا، ثم مع الشريك المناسب ثانيًا، به يُصلح الله حينئذ حياتنا ويبارك لنا فيها، وتستمر أيامنا بين طاعة الله في فرائضه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في سننه. هذا هو الزواج الملقب *بنصف الدين*، لأن الزواج عالم من عوالم النجاح فقط، يجب أن يكون التراحم بين الأزواج وتوسيع الفكر الناجح إلى أبعد حد من أجل الاستمرارية. فغياب لغة الحوار التي تبني لنا الآراء الحسنة في البيت هو أحد المسببات الرئيسية لكل الخلافات العائلية في الأسرة والتشتت الدائم بين الأفراد.

ولهذا نتمنى من الدول العربية والإسلامية أن تفتح دورات إجبارية مجانية لفائدة المقبلين على الزواج، مثل حال بعض البلدان، وتكون تحت إشراف دكاترة وأساتذة وشيوخ علم وأئمة مؤهلين لتأطير هذه الدورات التكوينية من أجل بناء أسرة قابلة للاستمرار تُعلم كل ما هو حق وواجب تجاه الآخر من الطرفين، وكيف يُربى الطفل من صباه وهكذا.

وأما عن النساء اللواتي يتزوجن دون معرفة صلاح الرجل من فساده، أو تتزوج به من أجل أملاكه وأمواله وجماله وشُهرته... إلخ، ولا تُراعي من جانب الدين، فقد قالت إحداهن بعد زواجها من رجل غير صالح: *هو يُقهقه مع زملائه وأنا أبكي مع طفلي*(الزمن القادم لعبد الملك القاسم، ص 46). وهذا كله راجع لأسباب التسرع بالقبول دون البحث في سيرة الآخر، والتلاعب بالزواج دون النظر للعواقب. فالزواج ليس لعب أطفال أو حقل تجارب، بل هو مقام المسؤولية، والدين والخلق هما أساسه وإلا كان في مهب الريح.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply