الحياة بين الأب والبنت


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فإن البنت جزء من حياة الأب، أحب من أحب وكره من كره، والبنت بين الجاهلية والإسلام لها فارق كبير. فإن الإسلام قد جاء لإقامة العدل وإيتاء الإحسان بعد الاعتراف بمقام التوحيد وفعل الفرائض، وهذه كلها تُعد من مكارم الأخلاق. والبنت في الأسرة كالعين في الوجه، وقد كانت البنت في الجاهلية تُقتل خشية العار حتى جاء الإسلام فحررها من الظلم وأعطاها المكانة اللائقة بها بين الحقوق والواجبات. ومعظم الآباء اليوم هم بين الإفراط والتفريط في هذا الجانب والله المستعان.

وأما عن الإفراط فحدث ولا حرج، فكم من الكم الجافي في الدين قاموا بإعطاء الحرية الكاملة لبناتهم دون محاسبة ولا مراقبة، بل دون أدنى من الرجولة أو الغيرة، فقد أضاعوا كرامتهم بكبد شرفهم.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ((مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ)) رواه ابن ماجه، والصبر هنا هي التربية الحسنة على الخلق والحياء والدين.

وأكثر بنات الشارع متبرجات تبرجًا لم تتبرجه نساء الجاهلية الأولى، فانتشر الزنا انتشار الجراد وتنوع الفجور منهن حتى أصبح يقال بنت من هذه؟ فلا تكتمل غيرة الآباء إلا بتحجب بناتهم، ولا تكتمل رجولتهم حتى يعلموا خبر بناتهم، من يَصحبن؟ وإلى أين يذهبن؟ وماذا يفعلن؟ وإلا فهم في قفص الدياثة. فبعضهم إذا قام أحدهم بنصحهم تشمئز قلوبهم وتسود وجوههم وتضيق صدورهم، فمنهم من يقول "لا تتدخل فيما لا يعنيك، فهذه ابنتي ولا أحد يتدخل في حياتها". فاعلم أن الله قد قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} التحريم (6)، وتدخل الناس ما هو إلا نهي عن المنكر وأمر بالمعروف من باب النصيحة والإرشاد ليس إلا... 

وأما عن التفريط فلا زال الجهل يملأ قلوب بعض الآباء من كره وظلم للبنت، وهناك من سمعنا عنه بأنه قد طلق زوجته بسبب إنجابها للبنات والله المستعان. فتجده لا يُلقي لها بالًا أو أي اهتمام، فيضربها لأتفه الأسباب ويحتقرها، بل ينتظر وقت زواجها للتخلص منها أو موتها، حتى وإن لم تجلب له العار، فما هو إلا مجرد خوف من لا شيء.

وقد قال لي مرة أحدهم "إن البنت ماهي إلا مصيبة وبلاء"، وهذا الاعتقاد فاسد. وقد قال صلى الله عليه وسلم ((لَا تَكْرَهُوا الْبَنَاتِ، فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ)) رواه أحمد.

والنبي صلى الله عليه وسلم قد كانت له أربع بنات وهن "زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة" رضي الله عنهن. وهناك من يحرمها من الميراث والتعليم ويعاملها معاملة البهائم أكرمكم الله، ويتعوذ منها كلما رآها. وقد تجده يصلي في الصفوف الأولى، وإن كانت الصلاة لا تسقط بأي ذنب ارتُكب، ولكن هذا المصلي يسمع للخطب المنبرية ويقرأ الآيات الربانية، فهو ليس كغيره.

ولهذا دور الأب في البيت هي العناية والرعاية والدعوة إلى الله، ويكون وسطيا دون إفراط ولا تفريط، ليتجنب العواقب الوخيمة التي يندم عليها طوال عمره. فابنتك هذه هي أغلى من مالك، فكما تحرص على أموالك فعليك بحراسة بناتك من الضياع والتلف. فإن البنت مثل الدواء تجدها عند كبر سنك، فمن ليس له بنت فبيته أشبه بالظلام. واسأل ذلك من لم يُنجب البنات بعد سنين، سترى ذلك الجواب الذي قد يُعيد تجديد تفكيرك إلى الصفر، فستعلم بالحقائق حينها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply