بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}الشورى (21)، قال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله (بعض الناس يُفسرها تفسيرًا سياسيًا فقط، وهي تشمل النواحي السياسية والعقائدية وغيرها... الشاهد أن هذه الآية تشمل كل جوانب الدين... يدخل فيها أهل البدع ورؤساء الضلال، فهم كذلك مشرعون، لا نأخذ عنهم، لا نعاملهم، نحذر الناس منهم) الثبات على السُّنة ص (28/29)، يقصد "لا نأخذ عنهم" أي العلم لأنهم كذابون وتركوا الاقتداء.
وقد قال العلّامة ابن القيم رحمه الله في أهل البدع (فهم متدينون بهذا الكذب ويظنونه من أصدق الصدق) الطرق الحكمية ص (170)، وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره للآية ("شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" من الشرك والبدع وتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك مما اقتضته أهواؤهم، مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى ليدين به العباد ويتقربوا به إليه) تيسير الكريم الرحمن ص (723/724).
وقد قال الشيخ الطهطاوي (وكل مبتدع يتبع في ابتداعه هواه، والهوى متشعب النواحي، مختلف الأهداف) بدع ص (170).
وقد قال الشيخ ابن باديس رحمه الله عن العلماء الذين يسكتون على البدع ولا ينكرونها عليهم (وها أنتم تسألون اليوم عن البدع والمنكرات الفاشية في المسلمين باسم الدين، تنكر البدع التي أماتت ضمائرهم وخدرت عقولهم وجمدت أفكارهم وأفسدت أخلاقهم وأضاعت أموالهم وسلبتهم حقيقة دينهم وتركتهم بلاء على أنفسهم وفتنة لغيرهم، فهل أنتم ساكتون وبالتخويف على مناصبكم معتذرون) نقلًا من الرد النفيس للشيخ محمد حاج عيسى الجزائري ص (110).
فصل
هناك فرق كبير بين قول العلماء "هذه بدعة" وقولهم "هذا على خلاف السُّنة"، فإن البدعة هي التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يأمرنا بها أو لم يُقرّها لأصحابه إن فعلوها هم، لأن السُّنة ثلاث: "فعلية، قولية، وتقريرية". والبدع في هذا الزمان كثيرة قد لا تُعد ولا تُحصى ومنها التكبير الجماعي أو قراءة القرآن على الميت... إلخ. أما قولهم "هذا على خلاف السُّنة" أي ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة وتركه بعد ذلك، مثل شرب الماء قائمًا أو دعاء موعظة القبر عند دفن الميت... إلخ.
وكذلك ما فعله الصحابة رضي الله عنهم جميعًا مرة وتركوه بعد ذلك، مثل الدرس قبل خطبة الجمعة... إلخ. فإن عرف طالب الحق معنى خلاف السُّنة ترك البدعة لأن أكثر الناس اليوم يستدلون بها لنُصرة جهلهم والله المستعان.
فهذا هو الفرق بينهما في المعنى، أما القصد فلا فرق بينهما لأن غايتهما واحدة، وهو فعل ما ليس بواجب ولا مستحب ولا حتى مباح.
ومن أجهل ما قاله أهل البدع لنُصرة بدعهم هو استدلالهم بإحياء سُنة التراويح لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه، لكن الأصل أن صلاة التراويح سُنة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما تركها لخوفه أن تُفرض على أمته، فأحياها الصحابي الجليل والقصة معروفة، فلا داعي للمراوغة. فما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثم تركه بعد ذلك، فإن أحياها الصحابة فيُتابع عليه، وإن تركوها فنحن أيضًا مُلزمون بتركها لأنهم أحرص منا على هذا الدين.
فهل قراءة القرآن جماعة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم مثل صلاة التراويح؟ هذا هو السؤال الذي ليس له جواب.
وكل البدع نسأل عن دليل لها، وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (المراد بسن السُّنة سن العمل بها وليس سن التشريع لأن التشريع لا يكون إلا لله ورسوله، وأن معنى الحديث ((من سن سُنة)) أي ابتدأ العمل بها واقتدى الناس به فيها، كان له أجرها وأجر من عمل بها) المناهي اللفظية ص (135). فسن السُّنة هو بمعنى إحياء سُنة، مثل شخص يعيش في قرية لا أحد يعفي عن لحيته فيكون هو أول من يعفي عنها اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا قد سن سُنة حسنة بين الناس، فمن تبعه بعد ذلك فله أجرها وأجر من عمل بها، وهذا هو المقصود من الحديث.
ومن جهل الجاهلين وضلالهم أنهم يستدلون بفعل بلال رضي الله عنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دُف نعليك بين يدي في الجنة))، قال بلال رضي الله عنه: (ما عملت أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) رواه البخاري. وهذه تُسمى "سُنة تقريرية" وليست بدعة. كما أن هناك من يقول لنا إن تأليف الكتب وكتابة المقالات بدعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها ولا أصحابه. فنقول لهم بقوله عليه الصلاة والسلام: ((قيدوا العلم بالكتاب)) صحيح الجامع، وهذه سُنة قولية أي أمرنا بها وإن لم يفعلها هو.
أفعاله أيضًا أنه كان يواصل الصيام وقد نهانا عن الوصال رحمة بأمته. وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية المقال لعله يكون نافعًا لأحد ما ويكون شافعًا لكاتبه يوم القيامة وحسنة في ميزان ناشره. فإن هذا الزمان كثر فيه الكلام عن السلفيين في لسان أهل البدع في كل مكان، فيقولون "إن السلفيين كل شيء عندهم بدعة"، نعم السلفي الحُر الذي لا يُداهن إن لم يجد دليلًا في عبادة لا يفعلها وإن فعلها كل الناس، فقد تجده مخطئًا ومذنبًا، لكنك لن تجده مبتدعًا، هذا هو السلفي الحقيقي.
الخاتمة
إن الجلوس مع عشرة عصاة من أهل التوحيد يتناولون المخدرات ويشربون الخمر أقل شرا من الجلوس مع ضال من أهل البدع والخرافات يعتكف بالعبادة كل يوم وإن كان صاحب خلق رفيع، لأن الأول يعلم أنه على خطأ، والثاني هو يظن أنه على الصواب فيجُر بك إلى فكره معتقدًا منه أنه دعاك إلى الحق فتقلده أنت في بدعه وضلالاته وتدعو أنت إلى ما يدعو إليه هو.
وقد قال العلّامة ابن القيم رحمه الله في هذا الجانب (المبتدع يقطع على الناس طريق الآخرة، والعاصي بطيء السير بسبب ذنوبه) الداء والدواء ص (332).
وقد قال أحد المشايخ (لا تجالسوا أصحاب البدع ولا تكلموهم فإني أخاف أن ترتد قلوبكم) مفيد المستفيد للإمام عبدالوهاب رحمه الله ص (47).
قال صلى الله عليه وسلم: ((فإن لكل عابد شرة ولكل شرة فترة فإما إلى سُنة وإما إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سُنة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك)) رواه أحمد، وقال أهل العلم "والشرة أي الحرص على الشيء والفترة أي الوهن والضعف" أي مَن حرص على بدعة يضعفُ فيها ولا يستطيع تركها مثل الإدمان، فالمدمن على الشيء لا يستطيع تركه ربما لشدة حُبه أو لضعف إرادته ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم وقال "هلك". وأما في عقوبة أهل البدع فقد قال رافع بن أشرس الرفا (كان يقال من عقوبة الكذاب أن لا يُقبل صدقه، وأنا أقول من عقوبة أصحاب البدع والفسق أن لا تُذكر محاسنهم) النوادر والنتف لأبي الشيخ الأصبهاني رحمه الله ص (163).
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله (كان بعض أهل العلم يقولون لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صدقة ولا صيامًا ولا جهادًا ولا حجا ولا صرفًا ولا عدلًا) مفيد المستفيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي رحمه الله ص (46).
فهذا آخر ما وفقني الله لجمعه وكتابته، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد