بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الأم هي صانعة الأجيال، ومبدأ الرجال، وأول الآمال، وعين الجمال. وقد قيل: *على قدر نوايا النساء يخرج الرجال*(ص 27، كتاب من هنا نبدأ لابن عودة). وهذا عندما يكون الصبي في بطنها، ثم بعد ميلاده وفترة رضاعته أيضًا. وقد قيل إن المرأة في سالف العصور كانت عندما تريد أن ترضع طفلها تسمي الله بنية أن يكون ذا شأن عظيم يكبر فارسًا أو عالمًا أو قائدًا، لهذا كان أجدادنا عظماء.
أما اليوم، فإن معظم نسائنا يُرضعن أطفالهن بنية أن يناموا، لذلك الأمة معظمها نائمة (المصدر السابق).
أما عن فترة الطفولة، فإن الطفل في مرحلة الصبا يُحب التقليد، فلا يجد من يُقلد سوى أمه، فيقلدها في حركاتها ومعاملاتها وكلامها، فتجده يُعيد ما تقوله أمه حرفًا بحرف. فيجب استغلال هذه المرحلة بالتقليد الحسن والمعاملة الطيبة، فإذا نشأ الولد نشأة جيدة سيُكمل الطريق بتلك التصرفات طوال حياته. ولهذا، فلتحذر الأمهات في التلفظ بالكلمات القبيحة أو المعاملة السيئة، لأن الطفل كالعجين كما أردتِ تشكيله شكلتيه، فهو مولود بالفطرة وحساس. وكما يُقال: *الأم مدرسة*، فهي أول مدرسة لابنها في حياته.
من بعض الأخطاء التي تقع فيها الأم هو أنها تعامل ولدها كالبنت، فتناديه باسم الفتاة وتجعله فتى مدللًا، فيلينُ إلى الجنس اللطيف. وهذه المعاملة يقع فيها بعضهن، خصوصًا تلك التي لم تُنجب البنت، فتُحوِل ولدها إلى أنثى، فينشأ على تلك الطباع حتى تنتكس فطرته، فيتخنث فكره، ويُصبح ضحية تربية خاسرة سيتجرع مرارتها طوال عُمره، وتضيع منه رجولته، وينكسر شموخه.
من أخطائهن أيضًا هو تدليل الولد وتوفير كل ما يطلبه، ولو بشق النفس، فتفعل المستحيل من أجله، وهذا يُعوِدُه على الخمول والكسل، فلا يكون ذا شأن في المستقبل بسبب اعتماده على غيره. ونحن نرى هذا النوع منهم اليوم، فهناك صنف من بينهم ينام حتى المساء وهو في سن العطاء والجد، لا يُتعب نفسه في البحث عن العمل، وهذا كله بسبب التربية الفاشلة. ومنهن من تُعطي ابنها النقود دون مراقبة له أين يُنفقها؟ وهو في سن البلوغ، فيشتري السجائر وربما المخدرات وهي لا تدري، فيكون الابن قد ذُبِحَ بسكين أمه. وكذلك فإنه قد يكون مبذرًا في مال أبيه، فيشتري أجمل الملابس وأغلاها ثمنًا، وأمه قد تُسانده في طلب المال من الأب حتى أصبحنا نرى من يشتري سروالًا فلا يرتديه إلا مرة أو مرتين ثم يرميه، فكل هذا بسبب الحرية الزائدة للأبناء، والله المستعان.
بل العجب كله حين ترى الأم من عيوب ابنها ما يُذم فيه، فتقوم هي بستر عيوبه وعدم إخبار والده عنها كتناوله للمخدرات أو شربه للخمر... إلخ. وهذا هو عين الفساد بذاته حين تسكتُ الأم عن فساد أبنائها وهي تعلم بحالهم، فالفساد يكون بذرة في الولد، وسكوت الأم عنه يحول البذرة إلى شجرة يصعب اقتلاعها. ولهذا الأصل في التربية هو اقتلاع البذرة من بدايتها، فيتطهر القلب من الفساد.
من أسباب عقوق الأبناء هو صراخ بعض الأمهات في وجه والده، والابن حاضر، فهذا يُسبب له الاكتئاب وعقدة في صغره، فيتأثر هو بها عند كبره فيصرخ هو أيضًا يومًا ما في وجه أمه. ولهذا نقول وفي كل مقال نكرر قولنا إن المشاكل بين الزوجين يجب أن تُحل بعيدًا عن أنظار الأبناء، خصوصًا زمن طفولتهم، فلا تجعلوا حياتكم في ثِقل أكتافهم، فتزداد همومهم وتغيبُ أحلامهم.
إن أصعب المحن تجاوزًا في الطفولة هي أن تُحدث الأم ابنها عن الزواج في سنٍ مبكر، بين الأربع سنوات إلى تسع سنوات، فتختار له فتاة من أقاربه، ثم تقول له مازحة: *هذه هي زوجتك في المستقبل*، وقد تكون هي حاضرة، فتنطق وتقول مثلًا: *لا أقبل به*، فيتحسر هو، وقد تُسبب له عقدة نفسية في باقي أيامه فلا يُفكر في الزواج أثناء شبابه خوفًا، وهذه الظاهرة منتشرة بكثرة.
من الأخطاء أيضًا أن بعض الأمهات لا يوظفن أبناءهن الذكور في أمور المنزل كحال البنات، من أجل أن يعتادوا على ذلك ولو مرة في الأسبوع. فهذه الأمور ليست خاصة بالنساء فقط مثل غسل الملابس والأواني وتنظيف البيت... إلخ. فيكون له دور خاص في البيت من أجل أن يُحس بالتعب وقيمة العناء في المطبخ. وهكذا فهذه سُنة قد غفل عنها الكثير من الناس اليوم، لكن من اعتادها منذ الصغر لا تصعبُ عليه السنن في الكِبر.
من الغرائب عند بعض الأطفال كالذي يصرخ في وجه أمه دون حياء، والمشكلة أن بعضهن لا تُحرك ساكنًا، على الأقل في ضربه ضربًا للتأديب، فإن لم تفعل سيعتاد هو على ذلك دائمًا. وهذا من التهاون في التربية والإرشاد وعدم إعطاء قيمة لهما. فبسبب سكوت الأمهات على أخطاء الأبناء تنمو شوكة العقوق وشبكة الجفاء والشقوق في قلب الطفل، التي يُلام عنها الأبناء في شبابهم وعز نشأتهم، بسبب إفراط الوالدين في هذا الجانب.
من أخطائهن أيضًا هو دفاع الأم عن ابنها حين يضربه أبوه وهي تعلم أن ابنها مخطئ، لكن هذا الخطأ هي من سيدفع ثمنه يومًا ما حين لا ينفع الندم. وكم من أم هي نادمة على أفعالها في تربية أبنائها، فلم تُحسن التصرف. ومنهن من يُحرضن أبناءهن على أهل الزوج من الأعمام والعمات بسبب بعض الخلافات بينهم، وهذا محرم لأنه سبب لقطيعة الرحم.
أما عن الأم التي تتبرج أمام ابنها، فهذا كافٍ لذهاب الحياء بينهما وتسقط راية الاحترام. ومنه مشاهدة الأم المسلسلات مع أبنائها، خصوصًا المسلسلات المخلة للحياء سواء عربية كانت أو أجنبية، فهذه كلها نتيجة ضياع الأسُس في الدين من باب التربية، والغرق في الأخلاق الرديئة. بل هي من أسباب انعدام المروءة والغيرة وتفشي وباء الجهل بين المسلمين، والله المستعان.
أما عن دعاء الأم بالسخط والويلات على أبنائها بسبب عقوقهم لها، فهذا دمارٌ لحياتهم، وسببٌ كافٍ لكل العراقيل التي تكون في طريقهم. وهناك خطأ آخر تقع فيه بعض الأمهات، ألا وهو الافتخار بنجاح الأبناء والتحدث به عند الناس وما يتمناه أبناؤها، فهذا كافٍ لجلب مصيبة العين وداء الحسد والحقد لهم. فكتم السر طريق النجاح، والستر مبدأ الفلاح.
آخر ما يُقال هنا هو حين تتدخل الأم في حياة زواج ابنها من امرأة لا يُريدها، وهي تُجبره عليها، أو بأن ترفض من اختارها هو بنفسه دون سببٍ مقنع، وهذا قد يتسبب في العزوبية للكثير بسبب تعنت الأمهات بإجبارهم ورفض الأبناء للقبول، والله المستعان. فلا تكوني أيتها الأم سببًا في خراب بيت ابنك، فهل ترضين هذا لابنتك أن يتزوجها رجل لا يريدها؟ وهذا كله يقع بما يُسمى زواج التقليد والعرف بأن لا يتزوج الرجل إلا من ابنة قبيلته وعشيرته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد