الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فتوجد أخلاق محمودة وتوجد أخلاق مذمومة، وبعض الأخلاق المحمودة كانت موجودة عند العرب قبل الإسلام، كالشجاعة، والكرم، والعفة. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمها، قال علية الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وفي رواية صالح الأخلاق.[أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد وصححه العلامة الألباني في الصحيحة برقم45].
للسلف أقوال في مكارم الأخلاق يسّر الله فجمعت بعضًا منها أسأل الله أن ينفع بها
· بركة الأخلاق:
قال العثيمين رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في أخلاقه بحيث تكون أخلاقه أخلاقًا حسنة ففيه السماح والصدق ولين الجانب وما أشبه ذلك فيقتدي الناس به، وإننا نقتدي بعوامٍّ ليس عندهم علم، نقتدي بأخلاقهم.
· الأسباب المؤدية إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة:
قال العلامة ابن باز رحمه الله: الإكثار من قراءة القرآن وتدبر معانيه، والاجتهاد في التخلق بما ذكر الله في القرآن الكريم من صفات الأخيار من عباد الله الصالحين، فذلك مما يعين على التخلق بالأخلاق الفاضلة، وهكذا مجالسة الأخيار ومصاحبتهم، وقراءة الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على ذلك، وهكذا تدبر أخبار الماضين في السيرة النبوية وفي التاريخ الإسلامي من صفات العباد والأخيار، كل هذه تعين على التخلق بالأخلاق الفاضلة والاستقامة عليها، وأعظم ذلك القرآن والإكثار من تلاوته وتدبر معانيه بقلب حاضر ورغبة صادقة.
· الأخلاق الكاملة تجعل صاحبها محمودًا عند الله وعند خلقه:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الأخلاق الكاملة والآداب السامية تجعل صاحبها مستقيم الظاهر والباطن، معتدل الأحوال، مكتمل الأوصاف الحسنة، طاهر القلب، نقي من كل درن وآفة، قوي القلب، متوجهًا قلبه إلى أعلى الأمور وأنفعها، قائمًا بالحقوق الواجبة والمستحبة، محمودًا عند الله وعند خلقه، قد حاز الشرف والاعتبار الحقيقي، وسلم من كل دنس وآفة، قد تواطأ ظاهره وباطنه على الاستقامة.
· الأخلاق الجميلة أبواب إلى نعيم الجنان:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: الأخلاق الجميلة هي الأبواب المفتوحة من القلب إلى نعيم الجنان، وجوار الرحمن.
· الأخلاق المحمودة تجلب محبة الناس:
قال الأصمعي رحمه الله: لما حضرت جدي علي بن أصمع الوفاة جمع بنيه فقال: يا بني، عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا عليكم، وإن مِتّم بكوا عليكم.
· مكارم الأخلاق تقي من مصارع السوء:
قال الإمام النووي رحمه الله: مكارم الأخلاق، وخصال الخير، سبب للسلامة من مصارع السوء
· التحلي بمكارم الأخلاق يحتاج إلى صبر:
قال سعيد بن العاص رضي الله عنه: يا بني، إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام، ولكنها كريهة مرة، لا يصبر عليها إلا من عرف فضلها، ورجا ثوابها.
· أمهات الأخلاق ومكارمها:
** قالت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: مكارم الأخلاق عشرة: صدق الحديث، وصدقّ البأس في طاعة الله، وإعطاء السائل، ومُكافأة الصنيع، وصلة الرحم، وأداء الأمانة، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، وقِرى الضيف، ورأسهن الحياء.
** قال الفضيل بن عياض: أخلاق الدنيا والآخرة: أن تصل من قطعك، وتُعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
** قال الإمام الغزالي: أمهات الأخلاق أصولها أربعة: الحكمة والشجاعة والعفة والعدل.
** دُخِلَ على الصحابي أبي دجانة رضي الله عنه، وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلمُ فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي للمسلمين سليمًا.
** قال عبدالله بن محمد بن مغيث القرطبي الصفار رحمه الله: أوثق عملي في نفسي سلامة صدري، إني آواي إلى فراشي ولا يأوي في صدري غائلة لمسلم.
** قال الفضيل بن عياض رحمه الله: لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة.
** قال قاسم الجوعي رحمه الله: أفضل طرق الجنة سلامة الصدر.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أفضل الأعمال: سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين. وإرادة الخير لهم ونصيحتهم.
· الهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الهجر الجميل هجر بلا أذى، الصفح الجميل صفح بلا عتاب، والصبر الجميل صبر بلا شكوى.
· الإحسان إلى الناس:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
• الإحسان يزيل البغض، ويثبت الحب.
• الحث على الإحسان إلى الناس، لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي المسلم أعظم أجرًا.
· الإيثار:
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
• الإيثار ضدّ الشُّحِّ، فإن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه. والبخيل: من أجاب داعي الشُّحِّ، والمُؤثر: من أجاب داعي الجود.
• ما يُعين على الإيثار ويبعث عليه... ثلاثة أشياء: تعظيم الحقوق، فإن من عظمت الحقوق عنده قام بواجبها، ورعاها حقَّ رعايتها. الثاني: مقتُ الشُّحِّ، فإنه إذا مقته وأبغضه التزم الإيثار. الثالث: الرغبة في مكارم الأخلاق.
** قال الإمام النووي رحمه الله: قد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام، ونحوه من أمور الدنيا، وحظوظ النفس، أما القربات فالأفضل ألا يؤثر بها، لأن الحق فيها لله تعالى، والله أعلم.
** قال السعدي رحمه الله الإيثار أكمل أنواع الجود وهو الإيثار بمحاب النفس وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى، مقدمة على شهوات النفس ولذاتها.
· العفة عما في أيدي الناس:
قال أيوب السختياني: لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان، العفّة عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم.
· كتمان السر:
** قال الإمام ابن حبان رحمه الله: من استُودِع حديثًا فليستر، ولا يكن مهتاكًا ولا مشياعًا؛ لأن السرَّ إنما سمي سرًّا؛ لأنه لا يفشى، ومن كتم سرَّه كانت الخيرة في يده، ومن أنبأ الناس بأسراره هان عليهم وأذاعوها، ومن لم يكتم السر استحقَّ الندم، ومن استحق الندم صار ناقص العقل، ومَنْ دام على هذا رجع إلى الجهل.
** قال الإمام الماوردي رحمه الله: كتمان السر من أقوى أسباب الظفر، وأبلغ في كيد العدو. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (استعينوا على الحاجات بالكتمان).
** وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سرك أسيرك، فإذا تكلمت به صرت أسيره.
وليعلم أن من الأسرار ما لا يستغني فيها عن مطالعة ولي مخلص، واستشارة ناصح، فليتحفظ فيها، وليختر لها أمناءها.
· الوقار:
قال الإمام الماوردي رحمه الله: إذا كان الوقار محمودًا، وكان الإنسان به مأمورًا، فواجب أن نصف منه فصولًا دالة..
فمن ذلك: قلة التسرع إلى الشهوات، والتثبت عند الشبهات، واجتناب سرعة الحركات، وخفة الإشارات، ثم إطراق الطرف، ولزوم الصمت فإنه أبلغ في الوقار.
· الجود:
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الجود مراتب... والجود بالنفس أعلى مراتبه ،والجود بالرئاسة، ثاني مراتب الجود، فيحمل ُالجواد جودهُ على امتهان رئاسته، والجود بها، والإيثار في قضاء حاجة الملتمس.
والجود بالعلم وبذله أعلى مرتب الجود والجود به أفضل من الجود بالمال، لأن العلم أشرف من المال.
والجود بالصبر والاحتمال... هذه مرتبة شريفة... ولا يقدر عليها إلا النفوس الكبار.
والجود بالعرض كجود أبي ضمضم رضي الله عنه، كان إذا أصبح قال: اللهم إنه لا مال لي فأتصدق به الناس وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني أو قذفني فهم في حلٍّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم)....وفي هذا الجود من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلص من معاداة الخلق.
والجود بالخُلُق والبشر والبسطة، وهو فوق الجود بالصبر والاحتمال والعفو، وهو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وهو أثقل ما يوضع في الميزان... والعبد لا يمكنه أن يسعَ الناس بماله، ويُمكنُه أن يسعهم بخُلقه واحتماله.
والجود بترفيه ما في أيدي الناس... فلا يلتفت إليه، ولا يتشرف له بقلبه، ولا يتعرض له بحاله ولا لسانه.
ولكل مرتبة من مراتب الجود مزية وتأثير خاص في القلب والحال، والله سبحانه قد ضمن المزيد للجواد، والإتلاف على الممسك، والله المستعان.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: غنى النفس... سبب الجود، والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعمّ من الصدقة.
** قال المهلب بن أبي صفرة: نعم الخصلة السخاء، تسدُّ عورة الشريف، وتمحق خسيسة الوضيع، وتحبب المزهو.
** قال الإمام النووي رحمه الله:
• يستحب لمن عليه دين، من قرض، وغيره، أن يردَّ أجود من الذي عليه، وهذا من السنة، ومكارم الأخلاق.
• استحباب أداء الدين زائدًا.
• مواساة المحتاج، ومن عليه دين، والحثّ على الصدقة عليه.
• فضل إنظار المعسر، والوصع عنه، إمّا كلّ الدين، وإمّا بعضه من كثير، أو قليل، وفضل المسامحة في الاقتضاء.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: السخاء من جملة محاسن الأخلاق، بل هو من معظمها، والبخل ضده.
** قال العلامة المعلمي رحمه الله: الذي يجمعُ ولا يمنع ويشفعُ وينفعُ هو: السخي.
· قضاء حوائج المسلمين:
قال الإمام النووي رحمه الله: فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، وغير ذلك.
· التغافل عن ظهور مساوئ الناس:
قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: من مكارم الأخلاق التغافل عن ظهور مساوئ الناس وما يبدو في غفلاتهم من كشف عورة أو خروج ريح لها صوت أو ريح ومن سمع ذلك فأظهر الطرش أو النوم أو الغفلة ليزيل خجل الفاعل كان ذلك من مكارم الأخلاق.
· القناعة:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إيثار القناعة، وعدم الالتفات إلى ما خصّ به الغير من أمور الدنيا الفانية.
· الكناية عمّا يستحي منه:
قال الإمام النووي رحمه الله:
• استحباب الكناية عن الوقاع بما يفهمه.
• استحباب الكنايات في ألفاظ الاستمتاع بالنساء، ونحوها.
• استحباب الكناية عن الحيض ونحوه مما يستحي منه.
· الاعتذار عن الخطأ:
**قال الإمام ابن حبان رحمه الله الاعتذار يذهب الهموم ويجلي الأحزان ويدفع الحقد ويذهب الصد، فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفي العجب عن النفس في الحال لكان الواجب على العاقل ألَّا يفارقه الاعتذار عند كل زلَّة.
** قال الإمام النووي رحمه الله الاعتذار إلى أهل الفضل إذا أساء الإنسان أدبه معهم.
· إحسان الظن بالناس:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تظنَّ بكلمةٍ خرجت من أخيك المسلم سوءًا وأنت تجدُ لها في الخير محملًا.
· الغيرة على الأعراض:
قال محمد بن أحمد بن موسى القاضي: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين ومائتين، وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينارًا مهرًا، فأنكر، فقال القاضي: شهودك، قال: قد أحضرتهم، فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إلى شهادتها، فقام الشاهد وقال للمرأة قومي، فقال الزوج تفعلون ماذا؟ قال الوكيل ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها، فقال الزوج: وإني أشهد القاضي أن لها عليّ هذا المهر الذي تدعيه، ولا تسفر عن وجهها، فردت المرأة وقد أخبرت بما كان من زوجها، فقالت: إني أشهد القاضي أني قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة، فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق.
· محبة الخير للمسلمين:
** قال النووي قوله صلى الله عليه وسلم: (وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وبديع حكمة، وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها وأن الإنسان يلزم أن لا يفعل مع الناس إلا ما يحب أن يفعلوه معه.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله أفضل الأعمال أن يحب لهم _المسلمين _ما يحب لنفسه وقد وصف الله تعالى المؤمنين عمومًا بأنهم يقولون: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾
· قبول الحق وعدم المكابرة:
قال الشافعي: ما أوردت الحجة والحق على أحد فقبله، إلا هبته واعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع إلا سقط من عيني.
· المدارة:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن بطال: المدارة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد