بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الثَّانِيَة مِن شَهرِ صَفَر، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:
1- حَقِيقَةُ القَبْرِ.
2- الأَدِلَّةُ عَلَى عَذَابِ القَبْرِ.
3- أَسْبَابُ عَذَابِ القَبْرِ.
4- مَا يَنْفَعُ المَيِّتِ فِي قَبْرِهِ.
الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التذكير بعذاب القبر ونعيمه، مع بيان أسباب عذاب القبر للحذر منها، وبيان ما ينفع العبد في قبره، مع ما في ذلك من ترقيق للقلوب، وتذكير بالدار الآخرة.
مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
■ أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، لقاؤنا اليوم بإذن الله تعالى: مع أول منازل الدار الآخرة، ومع أعظم ما يرقق القلوب ويذكِّر بالآخرة. مع القبر، نتعرف على أدلةِ إثبات عذابه، وأسبابِ هذا العذاب، مع بيانِ أسباب النجاة؛ وذلك من خلال هذه الوقفات الأربع:
الوقفة الأولى: حَقِيقَةُ القَبْرِ:
■ القبر: هذا المقر وهذا المستقر، وتلكم الحقيقة التي قلَّ من يتفكرُ فيها، ويأخذُ بأسباب النجاة منها. القبر: الكل سيدخله وسيسكنه الصغير والكبير، والمريض والصحيح، والضعيف والقوي، والفقير والغني.
■ نعم، إنها الحقيقة التي لابد من معرفتها، والإيمان بها، والاستعداد لها؛ كان عثمانُ بنُ عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكي، حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار، فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ))، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله ما رأيت مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ منه))[رواه أحمد].
■ نعم، فإن القبر فيه نعيم، وفيه أيضًا عذاب لمن استحق هذا العذاب؛ ولو أن الله تعالى أطلعنا على أصوات المعذَّبين في قبورهم لصعق الناسُ من شدته. واسمع لهذا الخبر؛ ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا وُضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدِّموني قدموني، وإن كانت غير ذلك، قالت: يا ويلها، أين يذهبون بها؟! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصَعِقَ)).
الوقفة الثانية: الأَدِلَّةُ عَلَى عَذَابِ القَبْرِ:
■ فإن عذاب القبر حقٌّ يجب الإيمان به، والأدلة على ذلك كثيرة من القرآن والسنة.
فمنها: قولُ الله تعالى عن آل فرعون: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ؛ تعرض أرواحهم على النار صباحًا ومساءً إلى أن تقوم الساعة.
وفي الصحيحين عن الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ} قال: ((نَزَلَتْ في عَذَابِ الْقَبْرِ)).
وفي حديث البراء رضي الله عنه أن الله تعالى يقول في حق المؤمن حين سئل في القبر فأجاب: ((قد صَدَقَ عَبْدِي، فافرشوه من الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا له بَابًا إلى الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ من الْجَنَّةِ، قال: فَيَأْتِيهِ من رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، قال: وَيُفْتَحُ له فيها مَدَّ بَصَرِهِ...)) وقال في الكافر بعد أن سئل في القبر فلم يجب: ((أَنْ كَذَبَ فافرشوه من النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ من النَّارِ، وَافْتَحُوا له بَابًا إلى النَّارِ، قال: فَيَأْتِيهِ من حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، قال: وَيُضَيَّقُ عليه قَبْرُهُ حتى تَخْتَلِفَ فيه أَضْلَاعُهُ))[رواه أبو داود].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر؟ فقال: ((نعم، عذاب القبر حقٌّ، قالت: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك صلى صلاة إلا تعوَّذ بالله من عذاب القبر)) وعنها رضي الله عنها أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للقبر ضغطة، ولو كان أحد ناجيًا منها، لنجا منها سعد بن معاذ))، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على قبرين فقال: ((إنهما لَيعذبان؛ أحدهما يعذب بالنميمة، والثاني يعذب لعدم تنزهه من البول)).
■ وعذاب القبر تسمعه البهائم؛ ففي صحيح مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ: ((مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟)) فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: ((فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟)) قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ: ((إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم إذا مغلت - إمساك ومغص يجعلها تأكل التراب - إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين؛ فقد قيل: إن الخيل إذا سمعت من عذاب القبر، حصل لها من الحرارة ما يذهب هذا المَغْلِ".
■ وهذا العذاب أو النعيم في القبر: يشمل كل من مات، حتى لو أكلته السباع، أو أُحرِقَ بالنار، أو أُغرِقَ بالبحر؛ فإنه يشمله هذا العذاب، أو النعيم.
■ وهنا شبهة والرد عليها: قد يقول قائل: نفتح القبر ولا نرى من ذلك شيئًا؟!
أولًا: فإن الله تعالى جعل الدور ثلاثًا: الدنيا، والبرزخ، والآخرة، ولكل دار أحكام وأحوال تختص بها.
ثانيًا: إن الله تعالى جعل الآخرة وما كان متصلًا بها من موت، وقبر، وبعث، من أمور الغيب، وحَجَبَها عن إدراك المكلَّف؛ ليتميز المؤمن الصادق بالغيب من غيره.
ثالثًا: كذلك فإن النار في القبر والنعيم ليست كنار الدنيا ونعيمها، فإنك ترى النائمين الاثنين متجاورين، وعلى فراش واحد، أحدهما يتألم مما يراه في منامه، والآخر يتنعم.
الوقفة الثالثة: أَسْبَابُ عَذَابِ القَبْرِ:
1- فمنها: النَّمِيمَةُ، وَعَدَمُ التَّنَزُّهِ مِنْ البَوْلِ؛ فعن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما قال: مَرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ بقَبرَينِ، فقالَ: ((إنَّهُما لَيُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كَبيرٍ؛ أمَّا أحَدُهُما: فكان لا يَستَتِرُ مِنَ البَولِ، وأمَّا الآخَرُ: فكان يَمشِي بالنَّمِيمةِ)) وفي رواية: ((وَأَمَّا الآخَرُ فَكانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ)) أيْ: لَا يَحْمِي بَدَنَهُ مِنْ رَشاشِ البَوْلِ أثْناءَ قَضَاءِ الحاجَةِ.
وفي رواية لابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كنا نمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررنا على قبرين فقام فقمنا معه، فجعل لونه يتغيَّر حتى رَعَدَ كُمُّ قميصِهِ، قلنا: ما لك يا رسول الله؟ فقال: ((أما تستمعون ما أسمع؟)) فقلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال: ((هذان رجلان يُعَذَّبَان في قبورهما عذابًا شديدًا في ذنب هين))، قلنا: فيم ذاك؟ قال: ((كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه، ويمشي بينهم بالنَّميمة))، فدعا بجريدتين من جرائد النخل، فجعل في كل قبر واحدة، قلنا: وهل ينفعهم ذلك؟ قال: ((نعم، يخفف عنهما ما دامتا رطبتين)).
2- ومنها: الكَذِبُ، وَهَجْرُ القُرْآنِ لِمَنْ عَلَّمَه اللهُ إيَّاه، والنَّوْمُ عَنْ الصلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، والزِّنا، وَأَكْلُ الرِّبا؛ فَقَدْ ذُكِرَ هَؤُلاءِ فِي حَدِيثٍ الرؤيا؛ كما في صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم:
))أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ)).
))وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ)).
))وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي)).
))وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا)).
3- ومنها: عذاب الذين يغتابون، وينتهكون أعراض الناس.
فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَمَّا عُرِجَ بِي، مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ، قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ))[رواه أبو داود، وأحمد، وصححه الألباني].
4- ومنها: الغَلُول.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة الرجل الذي مات يومَ خَيبرَ؛ فقال الناسُ: هَنيئًا له الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ، فقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ((كَلاَّ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارا. أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ. لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ)) قَالَ فَفَزِعَ النَّاسُ. فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ((شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ)).
5- ومنها: زيادة العذاب ببكاء أهله عليه، وكذلك بعض أقوال أهله فيه: كقولهم: (وا سنداه، وا جبلاه، ونحوه).
ففي الصحيحين عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ)).
فيا من بدنياه اشتغل *** وغرَّه طولُ الأمل.
الموت يأتي بغتةً *** والقبر صندوق العمل.
نسأل الله العظيم أن يعيذنا من فتنة القبر وعذابه، وأن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة.
الخطبة الثانية:- مع الوقفة الرابعة: أسباب النجاة من عذاب القبر، أو مَا يَنْفَعُ المَيِّتِ فِي قَبْرِهِ.
1- فمما ينجي من عذاب القبر: اللجوء إلى الله تعالى، والاستعاذة به من عذاب القبر لاسِيَّما عقب التشهد في الصلوات.
ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، فليتعوَّذ بالله من أربعٍ...)).
■ وَلقد كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعَلِّمُهُمُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَهَمِّيَّةِ هذا الدعاء؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ.
ورُوي أن طاوسًا رحمه الله قال لابنه: "أَدَعَوْتَ بِهَا فِي صَلَاتِكَ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: أَعِدْ صَلَاتَكَ"؛ لأنه قد رواه عن ثلاثةٍ أو أربعةٍ من الصحابة.
2- ومما ينجي من عذاب القبر: قراءة سورة الملك (تبارك).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر)) وفي رواية: ((إن في القرآن سورة ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غُفر له))[رواه أبو داود، والترمذي].
3- ومما ينفع الميت في قبره: الصلاة عليه، والدعاء له، والاستغفار.
في صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ)).
وَفي صحيح مسلم عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ)).
وعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ، وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: ((اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ؛ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ))[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ]. وهذا فيه بيان أن الميت ينتفع باستغفار الأحياء له؛ ولذا على المسلم أن يستكثر من الصحبة الصالحة، ويحرص على إصلاح ذريته؛ لينتفع بدعوتهم، واستغفارهم بعد مماته.
■ ويستحب الإخلاص له في الدعاء.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ))[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ].
■ وكما يستحب الدعاء للأموات عند المرور على المقابر.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ))[رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ].
■ ويستحب الصدقة عنه، وأن يُبادَرَ بقضاءِ دَيْنِه؛ وذلك للأحاديث: فعن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((نَفْسُ المؤمِنِ مُعلَّقةٌ بِدَيْنِه؛ حتى يُقْضَى عنه)) [رواه الترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني]. وفي صحيح البخاري عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا، أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا (أي ماتت) وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ)) وعَنْ سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ)) قُلْتُ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((سَقْيُ الْمَاءِ))[رواه النسائي].
4- ومما ينفع الميت في قبره: العملُ الصالح.
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَتْبَعُ الميت ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد؛ يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله)).
■ وتأمل هذا الحديث العظيم في بيان هذه الحقيقة: ((وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ)) وفي رواية: ((فيقول: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكَ إِلَّا كُنْتَ سَرِيعًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، بَطِيئًا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي)).
■ وتأمل أيضًا أمنيات أهل القبور؛ فقد روى الطبراني وصححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَبْرٍ، فَقَالَ: ((مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ؟)) فَقَالُوا: فُلَانٌ، فَقَالَ: ((رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ)) وفي رواية قال: ((رَكْعتانِ خَفيفتانِ بِما تَحقِرُونَ وتَنفِلُونَ يَزيدُهما هذا في عملِهِ أحَبُّ إليه من بقيَّةِ دُنياكُمْ)).
5- ومنها: الموت يوم الجمعة، أو ليلتها.
ففي الحديث الصحيح: ((ما مِنْ مُسلِمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ، أو ليلةَ الجمعةِ؛ إلا وَقَاه اللهُ فِتْنَةَ القبرِ)).
6- ومنها: الموت بداء البطن؛ (الطواعين وغيرها).
ففي الحديث الصحيح: ((مَنْ يَقْتُلُهُ بَطْنُهُ، فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ))[رواه أحمد، وصححه الألباني] .
نسأل الله العظيم أن يجعل قبورنا وقبور والدينا روضة من رياض الجنة، وأن يعيذنا من فتنة القبر وعذابه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد