بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
شهد درس "تفسير سورة يس" للشيخ العلامة صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ في رحاب المسجد النبوي حضورًا مهيبًا، نهل فيه الجميع من علم الشيخ -وفقه الله-، إليكم عشرون فائدة من هذا الدرس، عسى الله أن يتقبلها وينفع بها:
1- حفظ الله القرآن حفظًا كونيًا وشرعيًا فجعله محفوظًا لا يزاد فيه ولا ينقص إلى أن يسرى به قبل قيام الساعة فلا يبقى منه في المصاحف شيء، فأقام سبحانه الوسائل والسبل على حفظه، فحفظه بأحرفه التي أنزلها -الأحرف السبعة- بما في مجموع القراءات السبع والعشر وما صح من القراءات بمجموعها.
2- الذي يترجح ويعلم بدليله ومقاصده أن معنى {يس} الياء والسين أنهما حرفان من أحرف الهجاء، يشير بهما الله سبحانه إلى أن هذا القرآن من هذه الأحرف، التي يتكلم بها العرب ويعرفونها، ومع ذلك فإنهم عاجزون على أن يأتوا بمثل هذا القرآن من هذه الأحرف، فهو تحدي واعجاز من الله سبحانه لهم.
3- فاتحة سورة يس تدل على أن موضوعها مُرْسِلٌ ومُرْسَلٌ وكتاب!
أما المُرْسِل فهو الله -جل وعلا- والمُرْسَل هو النبيﷺ والكتاب هو هذا القرآن الكريم.
لذلك تدور الآيات حول هذه الأمور الثلاثة وما يتصل بها من جزاء من آمن وجزاء من كفر والسوابق واللواحق والأمثلة.
4- ألفاظ القرآن إذا جاءتك فأول ما يتبادر إلى ذهنك أن تفسر القرآن بالقرآن ثم تفسر القرآن بالحديث ثم تفسر القرآن باللغة ما أمكن إلى ذلك سبيلًا.
لأن القرآن له لغة، ولغة القرآن مطّردة لاختلاف فيها، فالكلمة التي ترد في القرآن بمعانيها يجب ألا تفسر بأمر خارج عن المعاني التي جاءت في القرآن.
5- في قوله: {والقرآن الحكيم} من أول السورة يبن الله -جل وعلا- للقارئ ولمن نزل عليه هذا الوحي وللمخاطبين به أن القرآن العظيم الذي نزل ويقسم الله به على أنه حاكم ومحكم وأنه فيه الحكمة وهذا يعني أمرًا مهمًا جدًا في العقائد ومصادر المعرفة وفي أخذ الحق في الحياة.
6- الكتاب والقرآن اسمان لشيءٍ واحد: وهو الكتاب المنزل على رسوله ﷺ، المقروء، المُتعبد بتلاوته، ولا تفريق في المعنى الذاتي بين الكتاب والقرآن، فالقرآن ذاته هو الكتاب، والكتاب ذاته هو القرآن، لكن في صورته المكتوبة يسمى كتابًا، وفي صورته المقروءة يسمى قرآنًا.
7- {تنزيل العزيز الرحيم}:
تنزيل مصدر نَّزل ينزَّل تنزيلًا فتقتضي أن هناك مُنزِّل وهناك نازل به وهناك مُنزَّل عليه، لذلك غلط من قال أن القرآن كلام جبريل أو أخذه جبريل من اللوح المحفوظ، فالقرآن كلام الله منه بدأ، لأنه تنزيل فيه بداية وفيه غاية منه بدأ وإليه يعود.
8- {لتنذر قوما ما أنذر آبائهم}:
اللام هنا للتعليل، يعني لتُعْلِم قومًا إعلامًا فيه تخويف شديد بهذا القرآن، والقوم هنا هم العرب أو بالأصالة أو قريش بالأصالة ثم يتوسع في ذلك، و "ما" هنا نافية على الصحيح بمعنى لم ينذر آبائهم فهم غافلون، ويعنى بها آبائهم القريبون عهدًا وليس البعيدون.
9- {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان}:
هذا وصف لحالتهم، حالة الذي لا يستطيع أن ينظر أو يسمع مطلقًا، يعني سمع ونظر الانتفاع، فحالته كحالة من جعل في عنقه "غل" والغل يأتي في الرقبة من أولها إلى آخرها، وقد تكون معه اليدان وقد لا تكون. {فهم مقمحون} يعني رافعو رءوسهم من شدة الغل.
10- {فبشره بمغفرة وأجر كريم}:
الله -جل وعلا- وصف هذا الأجر بأنه كريم يعني ما شئت من تصور الأجور فهذا الأجر هو الأجر الكبير الذي لا نظير له، فاق جنس الأجور رفعة وفاق جنس الأجور نوعًا وفاق جنس الأجور امتدادًا في الزمان والمكان، وهذا هو الحاصل في وصف الجنة.
11- {ونكتب ماقدموا وآثارهم}:
آثارهم جمع أثر وهو أثرك الذي تركت في الدنيا وما خلفته بعد موتك، يكتبه الله لك، فانظر إلى هذه الآثار التي تكتب لمن عمل وسن سنة حسنة، فما أعظم أجر من ترك في الأمة أثرًا من القرن الأول والثاني، جاءت بعدهم قرون تعمل بهذه السنة الحسنة التي أحيوها ونشروها وبينوها.
12- {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}:
الإمام هو ما يؤتم به ويُتَّبع ويقتفى، والإمام الذي أحصي فيه كل شيء إن أُريد به الإحصاء السابق للقدر فيكون هو اللوح المحفوظ، لأنه هو الذي كتبت فيه مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكونه إمام لأن التقديرات التفصيلية تؤخذ منه.
13- {واضرب لهم مثلًا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون}:
الذي يهمنا في هذه القصة علاقتها بمقصد السورة الذي هو تحقق طاعة الرسول وما أعطي من حجج، وهؤلاء عصوا رسولين وعُزِّز بثالث فعصوه حتى جاء من أقصى المدينة رجل يسعى "قال يا قوم اتبعوا المرسلين" يعني الثلاثة، فأمرهم باتباعهم ونصحهم على ذلك.
14- {ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون}:
الدليل على توحيد العبادة أن تبحث عن الذي فطر والذي خلق.
وفطرني يعني خلقني من غير مثال سابق.
قال ابن عباس: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتها.
15- البراهين على وجود الله تعالى في القرآن على أنوع:
أ- الإنشاء والفطر على غير مثال سابق.
ب- الاستمرار والكثرة والتواتر مثل الإنسان خلق ثم جاءه ذرية وهو لم يخلق شيء إنما فعل شيء لشهوة فخلق منه إنسان.
ج- الشمول والكمال في كل شيء.
د- الزمان الذي لا يتدخل فيه أحد.
هـ- تخصيص الأشياء بصفاتها.
16- ما الفرق بين الآية والبرهان في القرآن؟
الآية خاصة والبرهان عام، يعني أن الآية تدل على مدلولها بعينه دون حاجة إلى قياس أو نظر شمولي، والبرهان يحتاج إلى نظر شمولي قبل النظر الجزئي.
17- {وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا…}:
ما علاقة هذه الآية في الموضوع الكبير للسورة وهو الاتباع والإيمان والدلائل والتوحيد؟
إشارة عظيمة إلى مسلك من مسالك النفس البشرية التي ينتج منها الإيمان والكفر والإقبال والغفلة والإعراض والاهتداء وهو الكبر الذي في النفوس.
18- من مسالك النفس البشرية التي يجب علاجها هو تخليص الإنسان نفسه من الكبر.
إذا أردت أن تحلل النفس البشرية في الدعوة وفي من تخاطب لا بد تنظر إلى سبيله وتفكيره ونظرته لنفسه، إذا كان متكبرًا فانصرف عنه، لأن الله -جل وعلا- بين لنا أن المتكبرين لا يؤمنون.
19- طوائف من أهل الكلام جعلوا العقل قاضيًا عادلًا والشرع شاهد معدل!
والله –جل وعلا- بيَّن أن القرآن حاكم حتى في الأدلة والبرهان ومسيرة العقل، تستفيد من عقليات القرآن في العقليات الأخرى، وتستفيد من دلائل القرآن في الحياة الأخرى.
20- الخلاصة أن هذه السورة سورة عظيمةٌ جدًا، لِعظم ما دلت عليه من المعاني والدلائل الكبيرة في ألفاظها وترابط آياتها، جاء في حديث رواه الترمذي وقال عنه أنه غريب: "سورة يس قلب القرآن" لكن بعض العلماء حسنه بطرقه.
دونها الشيخ عبدالإله بن عون، ضمن البرامج العلمية المصاحبة لأصحاب المعالي والفضيلة المشاركين في ندوة الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصدها، النسخة الثانية 1446 هـ - المدينة المنورة. الخميس 25 صفر – بعد صلاة العصر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد