من أقوال السلف في تأديب الأبناء وتريبتهم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فالأبناء نعمة من الله يهبها لمن يشاء من عباده قال جل وعلا: ﴿لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ*أوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير [الشورى:49_50] فمن رزق الأبناء فتلك نعمة، فإن كانوا صالحين فتلك نعمة عظمى، ومنحة كبرى. قال العلامة السعدي رحمه الله: من أكبر نعم الله على عبده أن يهب له ولدًا صالحًا، فإن كان عالمًا كان نورًا على نور.

إن على الوالدين القيام بتأديب أبناءهم وتربيتهم، فهم أمانة عندهم، وسوف يسألون عنهم، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم:6]. قال: أدبوهم وعلموهم.

وقال الحسن رحمه الله: مُرُوهم بطاعة الله وعلموهم الخير وقال ابن عمر رضي الله عنه: أدَّب ابنك فإنك مسؤول عنه: ماذا أدبته؟ وماذا علمته؟ وقال الإمام ابن سيرين رحمه الله: كانوا يقولون: أكرم ولدك، وأحسن أدبه.

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه، والوالي له.

 وقال العلامة ابن باز رحمه الله: الوصية للآباء والأولياء أن يتقوا الله فيمن تحت أيديهم من الأولاد فهم أمانة عندهم، والله سبحانه سائلهم عن ذلك يوم القيامة.

ومن أهمل تأديب أبناءه، فقد أساء إليهم، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: *فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدًى، فقد أساء إليه غاية الإساءة*.

وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا؛ فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا؛ كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: *يا أبت إنك عققتني صغيرًا فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا كبيرًا*، وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قِبل الآباء... فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم.

ومن ترك أبناءه على ما تهواه نفوسهم فقد غشّهم، وإساء إليهم، قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: في تربية الأولاد يتقرب الإنسان بالإحسان إلى أولاده بجعلهم على أكمل الأمور وأتمها، بما يعود عليهم بالنفع في دنياهم وأخراهم، أما ترك الأولاد مع ما تهواه نفوسهم فهو غش لهم، وليس من الإحسان، بل هذا إساءة إليهم.

ومن قام بتأديب أبناءه فقد قام بما وجب عليه، وصلاحهم من الله عز وجل، قال نمير بن قيس رحمه الله: الأدب من الآباء، والصلاح من الله.

للسلف أقوال في تأديب الأبناء يسّر الله فجمعت بعضًا منها، الله أسأل أن ينفع بها.

·      صلاح الوالدين من أعظم الأسباب لصلاح الأبناء وحفظهم:

** قال العلامة السعدي رحمه الله: صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم.

** قال العلامة العثيمين رحمه الله: من بركة الصلاح في الآباء أن يحفظ الله الأبناء.

·      أمر الأبناء بالصلاة، وإيقاظهم لها، وضربهم عليها:

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: في المسند وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". ففي هذا الحديث ثلاثة آداب: أمرهم بها، وضربهم عليها لعشر، والتفريق بينهم في المضاجع.

·      تمرين الصغار على الطاعات:

** قال الإمام ابن حزم رحمه الله: ومهما بلغ سن التميز، فينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة، ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان.

** قال الإمام النووي رحمه الله: تمرين الصبيان على الطاعات، وتعويدهم العبادات.

ويستحب أن يعوك الصبي السواك ليعتاده.

·      يُحفظ الصبي العلم إذا بلغ خمس سنين:

** قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: من رزق ولدًا، فليجتهد معه... فإذا بلغ خمس سنين أخذه بحفظ العلم,... فإن الحفظ في الصغر كالنقش في حجر.

** قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي... يشغل في المكتب، فيتعلم القرآن، وأحاديث الأخبار، وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين.

·      تربية الأبناء على خُلق الحياء:

** قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي... إذا كان يستحى، ويترك بعض الأفعال، حتى يرى بعض الأفعال قبيحًا، فهذه بشارة تدل على اعتدال الأخلاق، وصفاء القلب، ومبشر بكمال العقل عند البلوغ.

** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: متى كان الصبي ذا أنفة – حييًا – رجي خيره.

·      يعلم الأبناء طاعة الوالدين والمعلمين وكبار السن:

قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي... ينبغي أن يعلم طاعة والديه، ومعلمه، ومؤدبه، ومن هو أكبر منه سنًا من قريب وأجنبي، وأن يترك اللعب بين أيديهم.

·      إلحاق الأبناء بحلق تحفيظ القرآن فلها أثر كبير في أخلاقهم وتحصيلهم.

**قال العلامة ابن حميد رحمه الله القرآن هداية للقلوب ولهذا تجد من قرأ القرآن يؤثر ذلك في سلوكه ويؤثر ذلك في أخلاقه في الغالب، ويؤثر في اتجاهه إلى الله، واستقامته، وفرق بينه وبين من لا يقرأ القرآن، جاء في الحديث: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن، مثلُ الأترجة، طعمها طيب، وريحها طيب". ولهذا حثّ السلف على أن نعلم أطفالنا القرآن ليعتادوا الخير، وينشأوا نشأة طيبة، لأنه يؤثر في سلوكهم، ويؤثر في أخلاقهم.

** قال العلامة العثيمين رحمه الله: لا شك أن الالتحاق بجماعات تحفيظ القرآن، له أثر كبير بالنسبة لأخلاق الطالب، وأثر كبير بالنسبة لتحصيله؛ ولهذا لو سألنا أساتذة هؤلاء الطلبة، لقالوا: إنهم أحسن من الطلبة الآخرين الذين لم يلتحقوا بهذه الحِلَقِ، وهذا شيء مجرب مشاهد، خلافًا لما يظنه بعض الناس أنه إذا التحق بهذه الحلق أخذ من أوقاتهم الشيء الكثير الذي يمنعهم عن دروسهم النظامية، فإن هذا في الحقيقة وهْمٌ كبير لا حقيقة له.

واسألوا المدرسين عن هؤلاء الطلبة الذين التحقوا بجماعات تحفيظ القرآن الكريم، أو من فوقهم ممن التحقوا بالحلقاتِ العلمية، هل نقصهم ذلك؟ أبدًا، بل زادهم خيرًا وحفظًا لكتاب الله، وسوف يحمدون العاقبة في المستقبل... ينبغي أن نعتني بالصبيان، وأن ننشئهم نشأة صالحة على عبادة الله، وعلى محبَّة الصلاة والمساجد والخير وغير ذلك، ومن هذا أن نحُثَّهم على الالتحاق بحلق تحفيظ القرآن، إنها حلق مباركة نافعة.

·      من وصايا الآباء للأبناء:

** قال العباس بن عبدالمطلب لابنه عبدالله رضي الله عنهما: يا بني، إن أمير المؤمنين، _ يعنى عمر بن الخطاب _، يدنيك، فاحفظ عني ثلاثًا: لا تُفشين له سرًا، ولا تغتابن عنده أحدًا، ولا يطلعن منك على كذبة.

** قال لإمام أحمد لابنه: يا بني انوِ الخير، فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير.

** روى أن لقمان الحكيم علية السلام قال لابنه: يا بني، استعن بالكسب الحلال.

** أوصى عمرو بن حبيب، بنيه فقال: إياكم ومجالسة السفهاء، فإن مجالستهم داء.

** قال الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي، رحمه الله، لابنه: يا بني: أوصيك بتقوى الله، والمحافظة على طاعته.

·      الضرب لتأديب الأبناء وليس لتعذيبهم:

** قال لقمان: ضرب الوالد للولد كالسماد للزرع.

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: التأديب شيء والتعذيب شيء، التأديبُ يُرادُ به التهذيب والرحمةُ والإصلاحُ والتعذيب للعقوبة والجزاء على القبائح، فهذا لون وهذا لون.

** قال العلامة العثيمين رحمه الله: الضرب لا شك أنه وسيلة من وسائل التعليم والتأديب، وقد قال أحكم المؤدبين، وأرحم المؤدبين من الناس صلى الله عليه وسلم: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر".

·      الحذر من مؤدبي الأولاد ومربيهم ممن يتهمون في عقيدتهم:

قال لحافظ ابن حجر رحمه الله: عبد الصمد بن عبدالأعلى، كان يتهم بالزندقة، كان يؤدب الوليد بن يزيد بن عبدالملك، ويقال: إنه هو الذي أفسده.

·      معرفة حال الصبي وما هو مستعد له من أعمال واستثمار ذلك:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومما ينبغي أن يُعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غير ما كان مأذونًا فيه شرعًا؛ فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له، لم يفلح فيه وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعيًا، فهذه من علامات قبوله وتهيئه للعلم، فلينقشه في لوح قلبه ما دام خاليًا فإنه يتمكن فيه ويستقر وإن رآه... مستعد للفروسية وأسبابها مكنه من.التمرن عليها... وإن... رأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعدًّا لها قابلًا لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها، هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه، فإن ذلك ميسر على كل أحد.

·      ملاطفة الأطفال ومداعبتهم:

قال الإمام النووي رحمه الله: استحباب ملاطفة الصبي، ومداعبته رحمه له، ولطفًا، واستحباب التواضع مع الأطفال.

·      الرحمة والشفقة بالصغار:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: كانت أُمامةُ بنتُ زينب، ابنةُ أبي العاص طفلة، كانت معه وهو يُصلي بالناس إمامُ الأئمة محمد رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يصلي بالناس وهو يحمل أُمامة إذا قام، وإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام أخذها، فهل أحد منكم يفعل هذا؟! فعل الرسول ذلك ليكون أُسوة لأُمته برحمة هؤلاء الأطفال.

إذن: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وجرب تجد فإذا أشفقت على الصبي الصغير ورحمته وقبلته وحملته وجعلته يضحك تجد في قلبك لينًا ومحبةً للضعفاء.

·      تعويد الأبناء على الكلام والسلام باللغة العربية:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: العجيب أن العجم، وهم من كلُّ سوى العرب، إذا سلَّمُوا فإنهم يسلمون باللغة العربية، لكن من العرب الذين أهانوا أنفسهم من يُعلمون أولادهم أن يُسلِّموا باللغة غير العربية، يقول لابنه إذا أراد أن ينصرف: (باي باي)، وهذا خطأ، فيجب ألا نتهاون في هذه الأمور، ولا ننسلخ من قيمنا، ولا ننسلخ من عُروبتنا؛ لأن اللغة من أكبر مُقومات الشعوب، ونحن ولله الحمدُ ديننا كتابُه بلسان عربي، فكلام نبينا صلى الله عليه وسلم بلسان عربي، وكلام علمائنا وسلفنا بلسان عربي، فلا يجب أن ننسلخ من لغتنا ونأخذ بلغة غيرنا.

·      عدم تعويد الأبناء على التنعم والرفاهية:

قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي... مهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فلأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ولا يعوده التنعم، ولا يجبب إليه الزينة والرفاهية، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك.

ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية، ولبس الثياب الفاخرة.

·      العدل بين الأبناء في العطاء والمنع:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: في الصحيحين عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكلَّ ولدك نحلت مثل هذا؟" فقال: لا، فقال: "أرجعه"، وفي رواية لمسلم فقال: "أفعلت هذا بولدك كلهم؟" قال: لا، قال: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، قال: فرجع أبي في تلك الصدقة". وكان السلف يستحبون أن يعدلوا بين الأولاد في القُبلة.

·      الحذر من إدخال الأبناء لرياض الأطفال التي تعلمهم الموسيقى والرقص:

سئل العلامة العثيمين عن حكم إدخال الأبناء رياض الأطفال التي تعلم الموسيقى والرقص؟ فأجاب رحمه الله: يأثم الإنسان إذا أدخل أولاده هذه الروضة لأن الرقص والموسيقى حرام. فأنا أنصحهم، وأُحذرهم من إدخال أولادهم في هذه الرياض، فإنهم إن فعلوا ذلك، فهم آثمون مُعينون على الإثم والعدوان، ويوشك ألا يبرهم أولادهم إذا كبروا وألا يدعوا لهم إذا ماتوا لأنهم عصوا الله عز وجل فيهم فيوشك أن يجعل الله هؤلاء يعصون الله في آبائهم كما عصى آباؤهم فيهم ويسلطون عليهم.

·      خطورة تعلم الصغار للغة الإنكليزية أكثر من العربية في رياض الأطفال:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: الآن في رياض الأطفال مع الأسف يُعلمون الصبيان الصغار اللغة الإنجليزية أكثر مما يعلمونهم اللغة العربية، وسبحان الله! أيريدون أن يخرج أبناؤنا وأطفالنا غدًا باللغة الإنجليزية البعيدة عن اللغة العربية، حتى يُصبحوا لا يفقهون كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنهم سوف يعشقون هذه اللغة ويتكلمون بها؟!

ولهذا أنا أنصح كل ذي طفل أن يبتعد عن هذه الرياض، وألا يدخل أبناءه فيها ولا بناته، لأنه مسئول عنهم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الناس إذا رطنوا رطانة الأعاجم... فنصيحتي من هذا المكان لله عز وجل ولإخواني المسلمين أن يبتعدوا عن هذه الرياض ما دامت على هذه المناهج، والحمد لله في المدارس الحكومية ما يغني عنها... فإني الآن أبرأ من أولئك القوم الذين يدخلون أبناءهم مثل هذه الرياض، حتى يتعلموا اللغة الإنجليزية من الصغر، وحتى ينسوا لغتهم العربية، وأرى أنهم متحملون للمسئولية أمام الله عز وجل وأن هذا له خطره العظيم في المستقبل.

·      أضرار تعليم الأبناء وتدريسهم في المدارس الأجنبية:

** قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: إن هذه الموجة الطاغية التي اجتالت العالم الإسلامي جلب: *التعليم الأجنبي* لثقيف ناشئتها هي في الحقيقة مؤامرة على الدين والأخلاق والمروؤات واللغة والتاريخ.

إن الوليد المسلم الذي يرمى به أبواه في أحضان هذه المدارس الاستعمارية:

إما أن يخرج مسلمًا خواء مفرغًا من مقوماته من حيث لا يشعر مشحونًا بمقومات غيره في دينه وثقافته يستخدمونه لأغراضهم وغاياتهم.

وإما ردة إلى دين باطل كالنصرانية.

وإما ردة إلى غير دين *اللادينية* نعوذ بالله من ذلك، ونسأله الثبات على الإسلام.

إن علي أولياء الأولاد أن يتقوا الله في أنفسهم، وفي أولادهم، فلا يدفعوا بهم إلى هذه المدارس، التي تصدهم عن دينهم، وتمرض أخلاقهم، وتوهن عقيدتهم، وأن كل تهذيب بلا إسلام فلا خير فيه، وكل تأديب من غير تقوى الله لا أثر له.

** قال الشيخ حسن مشاط رحمه الله تعالى، وهو من علماء المسجد الحرام: أفيقوا أيها الأولياء، استيقظوا من نوم الغفلة، وارجعوا إلى ربكم الجليل، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار، واعلموا أنكم إذا سمحتم لأولادكم بدخول تلك المدارس فقد سمحتم لهم بدخول الكنائس وشهود طقوس الكفر، وسماع الطعن في دين الإسلام، وبكل ما تنهى عنه الشريعة الغراء، وتأباه الفضيلة الإنسانية.

وتنبهوا أنكم بذلك آثمون في حق الله تعالى وحق دينكم وأمتكم وحق أولادكم وعشيرتكم، عاصون لله ولرسوله أشد العصيان مخالفون بذلك ما أوجبه الله عليكم نحو أولادكم من تعليهم التعاليم الإسلامية وصونهم من كل ما يخالف ذلك.

** قال الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله: حرام أن يُسلم الوالد ولده، والأخ أخاه إلى المدارس التبشيرية، لتأخذه عدة سنوات، ثم بعد حين ترده إلى أهله وأمته وبلاده ولدًا مزيفًا، ما كان فيه قد أُذ منه، وما أُعطيه ففاسد لا جدوى منه ولا منفعة.

** قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: يجب الحذر والتحذير من دخول المدارس الأجنبية التي تدرس فيها العلوم الضارة... فكيف يرضى من عنده دين وعقل أن يضع ولده وفلذة كبده ويسلمه لمدارس أجنبية قد عُلِم عداؤها لدين الإسلام... ولم تؤسس إلا لصد الناس عن دين الله وتوحيده؟

قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: أُريد أن أنصح هؤلاء الآباء المسلمين,... الذين يقذفون بفلذات أكبادهم بين أيدي أعداء دينهم المتعصبين، أتباع المبشرين...

فلا تكون الأُسرة في نظر هؤلاء وأولئك أسرة راقية إلا إذا قذفت بأبنائها وبناتها إلى تلك البؤر التي تخرج منهم شبابً راقين (خواجات) يحتقرون أول ما يحتقرون دينهم وقومهم وأهليهم، فإن ظننتم غير ذلك كنتم أغرارًا مخدوعين، أو شياطين مخادعين.

واعلموا أيها المسلون أن الله لن يقبل منكم معذرة يوم القيامة عما تجرمون في شأن أبنائكم، و "الرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم" و "كُلُّ مولود يولدُ على الفطرة، فأبواه يُهودانه أو ينصرانه" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإني نذير لكم بين يدى عذاب شديد فاتقوا الله واحفظوا على أبنائكم دينهم وخلقهم، والله يهدينا وإياكم.

** قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى: أخرجت هذه المدارس من أبنائنا أعداء لنا، وأعوانًا لعدونا.

** سئل العلامة العثيمين عن الحكم في إدخال الأولاد المدارس الأجنبية؟

فأجاب رحمه الله: أرى ألا نُدخل أبناءنا هذه المدارس مُطلقًا لأنها مهما كانت فمدارسنا خير منها والحمد لله وفي المدارس التابعة لوزارة المعارف ما يشفي ويكفي، فأرى أنه لا يجوز لواحد منا أن يدخل أبناءه أو بناته. هذه المدارس ويجب مُقاطعتها... لا أرى جواز إدخال الولد في المدارس الكافرة، سواء أكانت نصرانية أو غير نصرانية، لأن هذا يجعله عُرضة للضلال في دينه وأخلاقه، فلو بقى جاهلًا لكان خيرًا له من أن يتعلم عند هؤلاء.

·      خطورة دراسة الأبناء في بلاد الكفار:

قال العلامة ابن حميد رحمه الله: ما ظنك بمن يبتعثون أبناءهم وهم صغار إلى الجهات المختلفة من بلاد الكفر لم يعرف العقيدة ولم يعرف الإسلام ولم يعرف إلا ما برق أمام عينيه يا للأسف ويا للمصيبة أين قوله ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء:214].

·      أضرار الخادمات الكافرات على عقيدة الأبناء وأخلاقهم:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: حدثني بعض الناس عن شخص كان حريصًا على أولاده الصغار، وعلى تعلمهم، وكان إذا جلس معهم يلقنهم التوحيد، كأن يقول لهم: من ربك؟ فيقول الولد: ربي الله، من نبينك؟ نبيي محمد، ما دينك؟ ديني الإسلام، وفي يوم من الأيام قال لأحد الأبناء الصغار: من ربك؟ قال: ربي عيسى، لأن الخادمة التي عنده كانت من النصارى، ولعلها قالت له: إن ربك عيسى، إحسانًا إلى هذه الولد، لأنها تعتقد أن هذا هو الدين، وهو الحق، قد لا يكون لديها نية سيئة، وقد يكون لديها نيئة سيئة، ولكن المهم أن النتيجة والأثر كان سيئًا... وهذه مسألة عظيمة يجب علينا أن نعتبر بها، وأن نعلم أننا مسؤولون أمام الله عز وجل.

·      مدح الأبناء إذا ظهر منهم خلق جميل، ومعاتبتهم إذا خالفوا:

قال الإمام ابن حزم رحمه الله: ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه، ويجازي عليه بما يفرح به، ويمدح بين أظهر الناس، فإن خالف في ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره... ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه، فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانيًا فينبغي أن يعاتب سرًا، ويعظم الأمر فيه، ويقال: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا، ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظًا هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحيانًا، والأم تخوفه بالأب، وتزجره عن القبائح.

·      تعليم الأبناء آداب الطعام مع عدم تمكينهم من كثرته:

** قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي أول ما يغلب عليه من الصفات: شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه مثل أن لا يأخذ الطعام إلا بيمينه، وأن يقول: بسم الله عند أخذه، وأن يأكل مما يليه، وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره، وأن لا يحدق النظر إلى من يأكل، وأن لا يسرع في الأكل... ويذكر له أن الأطعمة أدوية، وإنما المقصود منها أن يقوى الإنسان بها على طاعة الله عز وجل.

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من سوء التدبير للأطفال أن يُمكَّنوا من الامتلاء من الطعام، وكثرة الأكل والشرب، ومن أنفع التدبير لهم أن يعطوا دون شبعهم؛ ليجود هضمهم وتعتدل أخلاطهم، وتقل الفضول في أبدانهم، وتصح أجسادهم وتقل أمراضهم؛ لقلة الفضلات في المواد الغذائية.

·      السماح للأبناء باللعب بعد الانتهاء من التعلم:

قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي... ينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعبًا جميلًا يستريح إليه من تعب المكتب، بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائمًا يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسًا.

·      وعظ الأبناء وإن كانوا صغارًا فإن لذلك تأثير عليهم عند بلوغهم:

قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي... يذكر له... أن الدنيا كلها لا بقاء لها، وأن الموت يقطع نعيمها، وأنها دار ممر لا دار مقر، وأن الآخرة دار مقر لا دار ممر، وأن الموت منتظر في كل ساعة، وأن الكيس العاقل من تزود من الدنيا للآخرة، حتى تعظم درجته عند الله تعالى، ويتسع نعيمه في الجنان، فإذا كان النشو صالحًا كان هذا الكلام عند البلوغ واقعًا مؤثرًا ناجعًا، يثبت في قلبه كما يثبت النقش في الحجر.

·      تجنيب الأبناء ما يضرهم:

** قال الإمام ابن حزم رحمه الله:

- الصبي يُحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله، ويُحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف... فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذر الفساد.

- ويمنع من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والداه، ويمنع أن يأخذ من الصبيان شيئًا بدا له,

- أصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء.

- ويجنب لبس الديباج والحرير والذهب، ويعلم كل ما يحتاج إليه من حدود الشرع.

- يخوف من السرقة، وأكل الحرام، ومن الخيانة، والكذب، والفحش,.

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:

- يجب أن يجنب الصبيُّ إذا عقل مجالس اللهو والباطل، والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السُّوء؛ فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر.

- ينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب؛ فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي، ويعوده البذل والإعطاء.

- ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع؛ فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة، أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير.

- ويجنبه الكسل والبطالة والدعة بل يأخذ بأضدادها فإن للكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ند، وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما

- ويجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب؛ فإن تمكينه من أسبابها والفسح له فيها يفسده فسادًا يعز عليه بعده صلاحه.

- والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله من مسكر وغيره، أو عشرة من يخشى فساده أو كلامه له... فإن ذلك الهلاك كله.

وفي الختام فلا ينبغي أن يتلاعب الشيطان بالمسلم، فيظن أن تأديب الأبناء عملية شاقة فيحدد نسله، فالمدار في تربية الأبناء صعوبة وسهولة على تيسير الله تعالى، قال العلامة العثيمين رحمه الله: إن كان الداعي لتحديد النسل هو الخوف من تعب التربية فهذا خطأ فكم من عدد قليل من الأولاد أتعبوا إتعابًا كبيرًا في التربية وكم من عدد كثير سهلت تربيتهم بأكثر ممن هو دونهم بكثير، فالمدار في التربية صعوبة وسهولة على تيسير الله تعالى وكلما اتقى العبد ربه وتمشى على الطرق الشرعية سهل الله أمره قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق:4].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply