وبشر الصابرين


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النار.

معاشر المؤمنين الكرام: لا شك أنّ حياة الانسان عمومًا، وحياة المسلم خوصًا مليئةٌ بالمزعجات والأزمات، والفتن والمغريات، والشبه والشهوات، كما أنه مطالبٌ فيها بأداء الكثير من الفرائض والواجبات، وتحمُّلِ عددٍ كبيرٍ من المسؤوليات، ومواجهةِ أنواعٍ متعددةٍ من الصعوبات والتحديات، ويحتاجُ دائمًا إلى كثيرٍ من المجاهدة والمعاناة، وإنّ من أعظمِ ما يُعينُ على ذلك كلهِ الاستعانةُ بالله تعالى والتّحلي بالصبر والثّبات، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين}.

والصبرُ ليس مجردَ القدرةِ على تحمُّلِ الآلامِ والمنغصات، وليس مجردَ القوةِ على اجتياز المصاعبِ والعقبات، بل هو عزيمةٌ في مواجهة التّحديات، وإصرارٌ على تحقيق الأهدافِ والغايات، والعيشُ بسكينةٍ وطمأنينةٍ وراحةٍ وثبات.  

الصبر: من أعظمِ وسائلِ مواجهِ الأزمات، والوقوفِ في وجه الفتنِ والمغريات، والاستعلاءِ على المحرمات.

الصبر: خلقٌ عظيم، وخصلةٌ من خصال الكمِّل من الرجال، دعا إليها ديننا الحنيف، وحثَّ عليها القرآن والسنة، بل هو من الصفات التي تميز بها رسلُ الله وانبياءُه عليهم السلام، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}.

وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، والمسلم يحتَاج كثيرًا لأن يتَّسلحَ بِالصَّبرِ في كل جانبٍ من جوانِبِ حَيَاتِه، فلا ثبات على حقٍ، ولا قيام بطاعةٍ، ولا بُعدَ عن معصيةٍ، ولا تحمُّلَ لبلاءٍ إلا بالصبر. {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا}، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ}، {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين}.

ألا وَإِنَّ أمرًا يتكرر ذكرهُ فِي القرآن الْكَرِيمِ أكثر من مائة مرةٍ لجديرٌ بأن يهتم به كل مسلمٍ غاية الاهتمام، وأن يربي كلٌ منا نفسه على اكتسابه والتحلي به، وإلا فهو خاسر. {وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر}.

فلا غنى للمسلم عن الصبر، في كل أحواله وفي سائر أحيانه، قَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}، في الحديث الصحيح، قال رَسُولُ اللهِ: "وَمَا أُعطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيرًا وَأَوسَعَ مِنَ الصَّبرِ".

قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنَّمَا كَانَ الصَّبرُ أَعظَمَ العَطَايَا؛ لأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أُمُورِ العَبدِ وَكَمَالاتِهِ، وكُلُّ حَالَةٍ مِن أَحوَالِهِ تَحتَاجُ إِلى صَبرٍ، فَإِنَّ المُؤمِنَ يَحتَاجُ إِلى الصَّبرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ حَتى يَقُومَ بها وَيُؤَدِّيَهَا، وَإِلى صَبرٍ عَن مَعصِيَةِ اللهِ حَتى يَترُكَهَا للهِ، وَإِلى صَبرٍ عَلَى أَقدَارِ اللهِ المُؤلِمَةِ فَلا يَتَسَخَّطُهَا).

ومن أعجب عجائب الصَّبرِ أَنَّ أَجرَهُ لا يُقَدَّرُ بقدرٍ وَلا يُحَدُّ بحدٍ، بل هو كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ}. ومهما وَجَدَ المسلم في الصبر من عنتٍ ومَشَقَّة، فإن مَحَبَّةُ اللهِ ومعيتهُ التي وعدَ بها اِلصَّابِرِينَ لتُخَفِّفَ عَنهُم كل مشقة، وَتُهَوِّن عَلَيهم أي تعب، ووالله لو لم يكن في الصبر إلا قوله تعالى: {وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}، لكفى، كيف وقد تكرر قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين}، في القرآن أربع مرات، ومن كان الله معه فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ثم إنَّ للصابرين بشارةٌ خاصةٌ، وعليهم من ربهم صلاةٌ ورحمةٌ: فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون}.

إنَّهُ الصَّبْرُ يا عباد الله. وهو مَعَ الْإِيمَانِ أعظمُ وسيلةٍ لصْنَاعة الْمُعْجِزَات، وَأكبرُ سببٍ لتحَقيق الْمُنْجَزَاتُ، وَهو السِّرُ الْعَجِيبُ في انقلاب مَوَازِينِ الْمَعَارِكِ والصراعات، فَبه يَتَحَوَّلُ الضُّعَفَاءُ إِلَى أَقْوِيَاءَ، وَبدونه يتحولُ الْأَقْوِيَاءُ إِلَى ضُعَفَاءَ. و{كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ}.

والمسلم ذو العقيدة السليمة يعلمُ يقينًا أنّ النصرَ ليس بكثرة الأعدادِ ولا بقوة السلاح والعتاد؛ ولكنهُ بمقدار ما يتحلى به العبدُ من صبرٍ وتقوى، وحسنَ توكلٍ على المولى، قال جلّ وعلا: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.

ولئن كانت القوة الماديَّة مطلوبةٌ من المسلم شرعًا، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، إلا أنه ينبغي ألا يَغتر بها فيعتمدَ عليها، ثم يوكَلُ إليها فيخسر، تأمل: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين}، فالمؤمنون إنما يستمِدون قوَّتَهم ونصرهم من الله وحده، قال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}.

وأصحاب الحق متى ما تحلَّوا بالصبر والثباتِ واستعانوا بفاطرِ الأرض والسموات؛ فإنّ العاقبةَ والنّصرَ دائمًا ما تكون لهم، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد}، وقال الله تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، فهما شرطانِ اساسيانِ وضعهما الله ثمنًا للنصر على الأعداء: الصبرُ والتقوى، وقد نصَّ الله عليهما في أكثر من آية، فقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.  

هذا هو يا عباد الله منهجُ اللهِ في نصر الأمة، وتلك هي سنته، ولن تجدَ لسنة الله تبديلا، ولن تجدَ لسنة الله تحويلا، ومتى ما تخلّى المسلمون عن منهج الله وسنته حلَّ بهم الضعفُ والذلة، والهزيمة والضياع، قال : "إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم".

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

 

اتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب}. 

معاشر المؤمنين الكرام: الصبر مرٌّ كاسمه، والتَّحَلِّي بِالصَّبْرِ لا بدَّ له من جُهدٍ ومجاهدة؛ ولا بد له من بذل أسبابٍ، واتخاذ وسائل، ليكون المسلم بإذن الله من أهل الصَّبْرَ والثبات.

وأول أسباب اكتساب فضيلة الصبر وأهمها، هو تقوية الإيمان بالله تعالى، وطاعةُ الله تعالى وطاعةُ رسوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}، وقال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين}. 

ومن أهم أسباب اكتساب فضيلة الصبر، التَّصَبُّرُ، ومجاهدة النفس وتزكيتها وتعليمها الصَّبْرِ والمصابرة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}، وفي صحيح البخاري، قَالَ النَّبِيُّ: "مَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ". 

ومن أهم أسباب اكتساب فضيلة الصبر: مرافقة الصالحين والتعلم من سمتهم، قال تَعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

ومن الأسباب المعينة على اكتساب فضيلة الصبر، كثرة الذكر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون}.

وقال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}.

ومن أسباب اكتساب الصبر: الدُّعَاءِ، قال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ}، ومعنى أفْرِغ علينا، أي صُّبّهُ علينا صبًا كَثِيرًا.

وكان من أكثر دعاء النبي : "اللهم يا مُقلِّبَ القلوبِ، ثبِّتْ قلبي على دينِك". كيف وقد قال الله له: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا}.

ومن الأسباب كذلك، دراسةُ قصص الأنبياء والصالحين الذين واجهوا المحن والصعوبات بصبرٍ وثبات، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}.

وقال تعالى: {وَكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين}.  

ومن الأسباب المعينة على اكتساب فضيلة الصبر: تدبر آيات الصبر وتأملها، قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِين}، وقال جل وعلا: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُون}، وقال تعالى على لسان لقمان الحكيم: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور}. وغيرها من الآيات كثير جدًا.

وَمن الأسباب المُعِينة عَلَى نيل الصَّبْرِ: استشعارُ عِظَمِ أجورِ الصَّابِرِينَ، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وقال تعالى: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}، وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}، {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}، وقال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}، {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار}.  

ومن الأسباب استشعار أَنَّ عَاقِبَةَ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، هي النَصْرُ والتمكين، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين}.

وهكذا فإِنَّ من وفقه الله وأعانه فصبر عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأدى الفرائض والواجبات كما أمر الله، وَصبر عَنِ مَعَاصِي الله ونواهيه، وصبر على أقدار الله المؤلمة كل ذلك طاعة لله، ورجاء ما عند الله، فلَا بُدَّ أَنْ يَسْعَدَ فِي حَيَاتِهِ وَيُفلحَ، وَأن يَجِدَ من عاجل البشرى: لَذَّةَ في أداء الطَّاعَةِ، وطمأنينةً في القلب، وانشراحًا في الصدر، وسعادة في الحياة، وبركة في الوقت، وَإِنَّ أُمَّةً تعوَّد أَفْرَادُهَا ومجتمعاتها على مرارة الصبر، وقسوة المعاناة، واستفراغ الوسع والطاقة، فلَا بُدَّ أَنْ تَنْتَصِرَ، طال الزمان أو قصر، ومَهْمَا بَلَغَتْ قُوَّةُ العدو وعلى واستكبر؛ {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ}. {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم}.  

ألا فاتقوا الله عباد الله وتمسَّكوا بحبله المتين، واعتصِموا بدينه القويم، واثبتوا على صراطه المستقيم، واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply