فوائد من درس دلائل الإعجاز 39

119
5 دقائق
7 ذو القعدة 1446 (05-05-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.

يوم الأحد: 17 من شعبان 1446ه الموافق لـ 16 من فبراير 2025م:

• قبل أن نبدأ بالشَّرح سنقرأ كلام المُصنِّف، ونحاول أن نَفهمَ منه؛ لأن شَرحِي المقصودُ الأساسُ منه أن أُعِينَك أنت على قراءة كلام العلماء، وأن أُدرِّبَك على فَهْم كلام العلماء؛ حتى تَفهمَ أنت كلامَ العلماء وحدَك.

• فَهْمُك 5% من كلام العلماء أبرُّ بعقلك مِن أنْ أُفْهِمَك 50% منه؛ لأن أهمَّ شيءٍ أن يُحاولَ عقلُك فَهْمَ العلم، وهذا أفضلُ ألفَ مرَّةٍ مِن شرح الأستاذ.

• تَعوَّدْنا على أن نَسمعَ ممَّن يُعلِّموننا، وليتنا تَعوَّدْنا على أن نَسمعَ ممَّن ألَّفوا لنا.

• تَذوُّقُ الكلام هو الشرطُ الأساسُ قبل أن تَنطِقَ بحرفٍ واحدٍ في مزاياه.

• تَذوُّقُك للكلام أبرُّ بعقلِك وبحِسِّك وبإنسانيَّتك وبذات نَفسِك من كلِّ ما يُقال.

• يا أيها الناس، إنَّما قِيلَ ما قِيلَ في بلاغة الكلام الحَسَن، وإذا لم تُدرِكْ أنت حُسْنَ بلاغة الكلام الحَسَن فلا قيمةَ لكلامٍ تتكلَّمُه فيه.

• بعد أن هَمَّ شيخُنا ببيان مَوطِن الحُسْن في أبيات:

ولَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجةٍ *** ومَسَّحَ بالأَرْكانِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ

وشُدَّتْ على حُدْبِ المَهَارَى رِحَالُنَا *** ولَمْ يَنْظُر الغَادِي الذي هُوَ رَائحُ

أَخَذْنَا بِأَطْرافِ الأحَادِيثِ بَيْنَنا *** وسَالَتْ بِأَعْنَاقِ المَطِيِّ الأَبَاطِحُ

قال: يا أخي، أخشى أن أُحدِّثك عن الحُسْنِ فأُفسِدَ الحُسْن؛ لأني أُحِبُّ أن تُحِسَّ أنت بالحُسْن؛ لأن الواجبَ ليس أن أُحدِّثك عن الحُسْن، وإنَّما الواجبُ أن أجعلَ منك إنسانًا يُحِسُّ هو بالحُسْن.

• يا سيِّدنا، خَسِرْنا وتَخلَّفْنا حين لم نأخذ العلمَ من مبدئه: قبل أن تُكلِّمني في البلاغة اقرأ الكلامَ البليغَ حتى تَجِدَ البلاغةَ في نفسك، فإذا وجدتَها في نفسِك تكلَّم بها، وحين تتكلَّمُ بها وقد وجدتَها في نفسِك سيَصِلُ كلامُك إلى نفسي.

• نحن نقول إن القرآن لا شكَّ في أنه مُعْجِز؛ لأن الذي أخبر بأنه مُعْجِز هو الله، ومع ذلك لا بُدَّ لنا أن نحاول أن نُحِسَّ بإعجازه، وأن نقرأ القرآن حتى نَجِدَ كلَّ جُملةٍ فيه لا تؤدِّي معناها جملةٌ أفضلُ منها.

• أنا مؤمنٌ بالإعجاز نعم، ولكني أريد أن أَجِدَه، أنا مؤمنٌ بأن الله خلق السماوات والأرض والشمسَ تجري لمُستقَرٍّ لها، لكنَّ هذا لا يَمنعُنِي مِن أن أقرأ عن الشمس كيف تجري لمُستقَرٍّ لها، وأن أقرأ عن القمر كيف قَدَّره منازلَ، وأن أقرأ عن الإنسان كيف يَسمع، وكيف يرى، وكيف يتكلَّم.. آياتُ الله أوجبَ اللهُ علينا التدبُّر فيها والنَّظرَ فيها.

• المشكلةُ أنك أخذتَ العِلمَ ولم تَتدبَّرْ مُرادَ مَن أخذتَ عنه العِلمَ.

• المعنى إذا وصلتَ إليه من اللفظ كان جيدًا، وإذا وصلتَ إليه مِن معنى المعنى، ودَخلَ عقلَك في الفَهْم والدِّلالة، وصِرْتَ تَفهمُ الأمرَ على مرحلتين؛ مرحلة يدلُّ فيها اللفظُ على المعنى، ثم يَنتقل عقلُك من المعنى إلى معنى المعنى، فالمركوز في الطِّباع أن العقلَ إذا تحرَّك حركتَيْن كان الكلامُ أفضلَ مِن الكلام الذي يتحرَّك فيه عقلُك حركةً واحدة.

• المركوزُ في الطِّباع أن ما يُنال بمجهودٍ أفضلُ ممَّا يُنال بغير مجهود.

• الله فَطَر الإنسانَ على أن المعنى الذي يأتي بغير مجهود أقلُّ قيمةً في النفس الإنسانية من المعنى الذي يأتي بمجهود.

• لذَّةُ الحياة أن تكون ببَذْلِ مجهود، ولا قيمةَ لحياةٍ لا تَبذلُ فيها مجهودًا، وكأن الله خَلقَك وأودع في فطرتِك حُبَّ بذل المجهود.

• الله - سبحانه وتعالى - لمَّا جعل «آدمَ» خليفةً في الأرض جعل إصلاحَ الأرض لا يكون إلَّا ببَذْل مجهود، فأسكنَ في قلب «آدم» حُبَّ بَذْل المجهود.

• الإنسانُ الذي يَبذل أقصى مجهودِه هو الإنسانُ الأفضلُ، هو الإنسان الأكثرُ سعادةً.

• يا سادة، بَذْلُ المجهود مِن ذِكْر الله، وبذِكْر الله تطمئنُّ القلوب.

• العقلُ لا يَخطو الخُطوةَ وينتهي الأمر، وإنَّما العقلُ يَخطو الخُطوةَ، والخُطوةُ التي خَطَاها تُنادي خُطوةً أخرى.. وهكذا.

• مسألة «معنى المعنى» فكرةٌ جليلةٌ جدًّا؛ «معنى المعنى» أحلى في القلب مِن «معنى اللفظ»؛ لأن «معنى المعنى» فيه مجهودٌ أكثر، وأنت مُصمَّمٌ بفطرتك على أن تكون لذَّتُك في بذل الجُهد الأكبر.

• قرأتُ في كلام السَّادة العلماء أن ذِكْرَ «الوِجْه» في جملة «ابتغاءَ وَجْه الله» للدِّلالة على أنك تَبذلُ المجهودَ وكأنك ترى وَجْهَه، فإن لم تَكنْ تَراه فإنه يَراك.

• اجتهدْ واقصدْ باجتهادك وَجْهَ الله، بإخلاص وبصدق، كأنك تَرى وَجْهَه، فإن لم تَكنْ تَراه فإنه يَراك.

• ذَكَر عبدُ القاهر في كتاب «الأسرار» أن قيمة الشِّعْر بمقدار بَذْلِ مجهودِ الشَّاعر؛ فالشَّاعرُ الذي يَبذل مجهودًا أقوى، ويَتطلَّب تشبيهًا أبعدَ، هو الأجودُ؛ ولذلك تَعلَّمتُ أن عبد القاهر لا يُعلِّم عِلمًا، عبدُ القاهر يَصنع إنسانًا مُكتمِلَ العقل ومُكتمِلَ الفطرة، ويقول له: الحُسْنُ حيث تكون المشقَّة.

• يا سيِّدنا، لن تَصنعَ لبلادك إنسانًا أفضلَ من هذا الإنسان الذي يؤمن بأن الحُسْنَ حيث تكون المشقَّة، البلاغة حيث تكون المشقَّة، الشِّعر حيث تكون المشقَّة، السِّياسة حيث تكون المشقَّة.

• «أسرار البلاغة» كتابٌ رائعٌ، ليس لأنه يُعلِّم البلاغة، وإنَّما لأنه يُكوِّن العقل، ويُكوِّن الإنسانَ الأفضل، ويُكوِّن الفكرَ الأفضل، ويُكوِّن الطَّبْعَ الأفضل.

• يا سادة، العلماءُ وَرَثةُ الأنبياء، والأنبياء يتكلَّمون بوَحْي الله، والعلماءُ يتكلَّمون بوَحْي رُسُلِ الله؛ فهم منهم على الطريق، وأنت يُمكِن أن تكون منهم إذا اتَّبعتَهم بإحسان.

• أدهشني أن الله - عزَّ وجلَّ - جَعلَ فضلًا للمهاجرين وفضلًا للأنصار؛ فقلتُ: «يا رب، لماذا لم أكنْ من المهاجرين؟ لماذا لم أكنْ من الأنصار؟»، ثمَّ وجدتُه - سبحانَه وتعالى - فَتحَ لي البابَ بقوله: «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ».

• يا عزيزي، حاوِلْ أن تَنتقِلَ من الشِّعر إلى الشَّاعر، وأن ترى الشَّاعرَ في شِعْرِه.

• حين أتبيَّن القُدراتِ الخياليةَ لامرئ القيس، والقُدراتِ الخياليةَ للنَّابغة الذُّبيانيِّ، سأجِدُ نفسي أمام دراسةِ الإنسان، وليس دراسة كلام الإنسان.

• راقني جدًّا حين قرأتُ في كلام العلماء أنْ لا نَسألَ عن تطوُّر الشِّعر في العصر الإسلاميِّ والعصر العباسيِّ والعصر الأندلسيِّ، وإنَّما نَسألُ عن تطوُّر الإنسان؛ لأن الإنسانَ هو الذي صَنعَ هذا الشِّعر، وستجد الإنسانَ في العصر العباسيِّ غيرَ الإنسان في العصر الجاهليِّ، وما دام الإنسانُ في العصر العباسيِّ غيرَ الإنسان في العصر الجاهليِّ فلا بُدَّ أن تَجِدَ شِعرَ العصر العباسيِّ غيرَ شِعر العصر الجاهليِّ؛ لأن صَانِعَ الشِّعر تَغيَّر؛ فتَغيَّر الشِّعرُ لتَغيُّر صانعِه، فأحسستُ أن هؤلاء يَدرُسون الإنسان.

• بَحثُك في البلاغة يبدأ من إشارةٍ تُطلقها الذائقةُ البيانية؛ فإذا وجدتَ كلامًا يَرُوقُك مَسْمَعُه ويَلطُفُ لديك مَوقِعُه فابحثْ عن السِّر.

• الطَّليعةُ التي تَستكشِف سِرَّ الشِّعْر وسِرَّ البيان هي الذائقةُ البيانية، والبلاغةُ تأتي بعد الذائقة البيانية.

• لا بُدَّ أنْ تُدرِك شيئًا: أنه حين يُدرِّسُ لك واحدٌ انتهى عُمرُه يَجِبُ عليك أن تُنصِتَ وتُحْسِنَ الفَهْم؛ لأنه يُعطيك تَجرِبةَ عُمْرٍ لم يَبْرَحْ فيه الكتابَ.

• ظنِّي أننا لن نَخرجَ مِن سرداب التخلُّف إلَّا إذا كنَّا جميعًا لم نُشغَلْ في حياتنا إلَّا بالقراءة؛ لأنها هي التي تُخرِج الناسَ من الظلمات إلى النور، والكِتابُ الذي يُخرِج الناسَ من الظلمات إلى النور أوَّلُ كلمةٍ فيه هي: «اقْرَأْ».

• أوَّلُ كلمةٍ في الكتاب العزيز هي: «اقْرَأْ»، لكنْ «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ»، أي: اقرأ قراءةَ مَن يؤمن بالله، لا قراءةَ مَن يُنكر وُجودَ الله، ولذلك لا يَخدعنَّك تَقدُّمُ القُرَّاء الذين يُنكرون الله؛ لأنه تَقدُّمٌ ظالمٌ، وأظن أنه ظَهرَ في هذه الأيام أنه تَقدُّمٌ فاجرٌ، وليس ظالمًا فقط.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق