فوائد من درس دلائل الإعجاز 42

102
7 دقائق
25 ذو القعدة 1446 (23-05-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، يوم الأحد: 21 من شوال 1446ه الموافق لـ 20 من إبريل 2025م:

• قبل أن أبدأ الدَّرسَ أنبِّه إلى خطأ بَشِعٍ، وقبيحٍ، وذنبُه كبير، ويَشيع بيننا؛ وهو لَعْنُ موتانا، وقد نهانا رسولُ الله ع ن أن نَذكُر مساوئ موتانا، وأَمرَنا بأن نَذكُر محاسِنَهم، وقال: "اذكروا محاسِنَ موتاكم، وكُفُّوا عن مَساوِيهم"، وهذا يعني أن لهم مساوئ ونُهِينا عن أن نَذكُرها؛ لأن المَيِّت ترك لنا الدنيا بكلِّ ما فيها، وترك الخصام، وترك العناد، وترك العداوة، وترك كلَّ شيء، وصار بين يدي الله، ومن الأدب أن نَذكُر الذي بين يدي الله بالرحمة، ومن سوء الأدب مع الله أن نلعنَ الذي بين يديه، ولمَّا قال رسول الله: "اذكروا محاسِنَ موتاكم، وكُفُّوا عن مَساوِيهم" إنَّما كان يُحدِّثنا عن الذي قاله لنا ربُّنا، وهو أن الحَسناتِ يُذْهِبنَ السَّيئات؛ فاذكروا محاسنَهم لعلَّ الله يُذهِبُ سيئاتِهم بحسناتهم.

• لَعْنُ موتانا شيءٌ بَشِعٌ جدًّا، وهو ناتجٌ من خصوماتٍ لا قيمة لها؛ لأن الخلافَ جائزٌ بين الناس، وقبل الجاهلية قالوا: الخلافُ لا يُذهِبُ للوُدِّ قضية، وذلك حين كان الخلافُ معقولًا وبين كِرام، وقبل أن يَصير الخلافُ طعنًا ولعنًا وإساءةً.

• لاحِظْ أن الله حرَّم علينا أن نَذكُر أخانا بما يَكره، وأن الغيبة هي أن تَذكُر أخاك بما يَكره، وقالوا: «يا رسول الله، ولو كان فيه ما ذَكَرْناه به!»، فقال: "لو كان فيه فقد اغتَبْتَه، وإن لم يكن فيه فقد بَهتَّه"، أي: كذبتَ عليه.

• اللهُ شبَّه المُغتابَ بمن يأكل لحمَ أخيه مَيْتًا: "وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ"، وإذا ذكرتَه بما يَكره لا تكونُ صِرْتَ كأنَّك تأكل لحمَه مَيتًا، وإنَّما صِرتَ تأكل لحمَه مَيتًا، وهذا بَشِعٌ جدًّا.

• كلَّما سَمعتُ لَعْنَ مَيِّتٍ مِن حيٍّ، لا أقول: لَعنتُ هذا الحيَّ؛ لأن الله حرَّم علينا اللَّعن، وإنَّما أقول: والله، هذا الذي يَلعنُ موتانا لا خيرَ فيه لأحيائنا.

• قرأتُ منذ زمن بعيد أن عَشَرةً من رجالنا كان لهم اجتماعاتٌ دورية، وهؤلاء العشرةُ كانوا مختلفين جدًّا جدًّا؛ منهم التقيُّ الوَرِع ومنهم المُنحلُّ، ومنهم المؤمنُ ومنهم الكافر، ومنهم الصَّابئُ ومنهم المجوسي، ومنهم اليهوديُّ، ومنهم الخليلُ بن أحمد، الخليلُ بن أحمد كان يجلس مع كل هؤلاء. قالوا: وكان الذي يراهم وهم يتحدَّثون في الشِّعر والتاريخ لا يتوهَّم أن بينهم خلافًا.

• الخليلُ بن أحمد الرائع، والقيمةُ والقامةُ العاليةُ، وحَسْبُه أنه ربَّى لنا «سيبويه» - كان يُجالِسُ الصَّابئ، ويَتحدَّث معه وكأن الصَّابئ هذا من أهل السُّنة والجماعة، ويُجالِس الشِّيعيَّ، ويُجالِس اليهوديَّ.. وهكذا؛ فهؤلاء هم العقلاء، وهذا هو اختلافُ العقلاء.

• إذا رأيتَ شتائم بين المختلفين فاعلمْ أنك مع سُوقة، أنك مع سِفْلة، ولستَ مع كرام الناس.

• تحدثتُ في قُبح لَعْنِ موتانا ليُبلِغَ كلُّ مَن سَمِعَه غيرَه؛ لأن هذا بلاء؛ لأن هذه الشتائم وهذا الأسلوب وهذا السلوك يُشِيع بيننا الكُرْهَ والبغضاء، وسيدُنا رسولُ اللهقال: "لن تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تَحابُّوا"؛ فالذي يُشِيع بيننا الكُرْهَ والبغضاءَ هو ضِدُّ أن نُؤمِن.

• سيدُنا رسولُ الله لم يكتفٍ بأن يقول: "المسلمُ أخو المسلم"، وإنَّما قال إنهم كالجَسَد الواحد، أي إن المُسلِمَ في أقصى جنوب الأرض مع المُسلِم في أقصى شَمال الأرض، المُسلِمَ في أقصى غرب الأرض مع المُسلِم في أقصى شرق الأرض -جسدٌ واحدٌ-؛ لأن الإيمان بالله رَبَط بينهم؛ لأن كلًّا منهم فَنِيَ في الإيمان حتى صار هو وأخوه، مع تَباعُد الأجناس واللُّغات، جسدًا واحدًا.

• اتركوا خِلافَ السِّفْلة وعُودوا إلى خِلاف الكرام.

• مِن عِلمِك بعِلم العالِم الذي ذكره في الكتاب أن تَعْلمَ طريقةَ تفكيره، وعِلمُك بطريقة تفكيره ليس أقلَّ فائدةً مِن عِلمِك بعِلْمه، بل أقول إن عِلمَك بعَقْل من تقرأ له أفضلُ من عِلمِك بعِلْم من تقرأ له، ولذلك القراءةُ مُحتاجةٌ إلى تدبُّرٍ شديدٍ جدًّا جدًّا.

• كِرامُ علمائنا قد يستعملون لُغةً في العِلم فيها تسامحٌ، ولا تُؤخَذُ بظاهرها، ومِن هذا الذي لا يجوز لك أن تأخُذَه بظاهره قولُ الذين قالوا إن الاستعارةَ هي نَقلُ الكلمة عن معناها، ونحن نَحفظُ جُملةَ: «استعمالُ الكلمةِ في غير ما وُضِعَتْ له»، وهذا الذي حَفِظْناه صوابٌ، بشرط أن نَعقِلَ معناه؛ لأن استعمالَ الكلمة في غير ما وُضعت له معناه أن الكلمة نُقلت من معنى «الأسد» إلى معنى «الرجل الشجاع»؛ يقول لك عبد القاهر: هذا استعمالٌ فيه تَجوُّزٌ، وليس خطأ؛ لأن العلماءَ مِن دقائق العلم اضطروا في بيانِه إلى استعمال لُغةٍ فيها تسامحٌ، كاستعمالِهم كلمة «النَّقل» في الاستعارة؛ لأن الحقيقة أنك لم تنقل لفظ «الأسد» إلى «الرجل الشجاع»؛ لأنك لو كنتَ نَقلتَه فمعنى ذلك أنك أفرغتَه مِن معناه الأول الذي هو الحيوان المفترس، بكلِّ ما فيه مِن شجاعةٍ وبَسالةٍ.. إلى آخره، وإنَّما الحقيقةُ أنك نَقلتَ «الرجل الشجاع» إلى جنس «الأسد»؛ فأنت مُتجوِّزٌ في المعاني ولستَ مُتجوِّزًا في الألفاظ، وما دُمتَ جعلت الشجاعةَ أسدًا يكون قد صار الشجاعُ مِن حقِّه أن يُقال فيه: «أسد»، وصارت كلمةُ «أسد» كلمةً لم تُنقل لأنك جعلت الإنسان أسدًا؛ فكلمة «أسد» في «رأيتُ أسدًا»، وأنا أريد رجلًا شُجاعًا، مُستعملةً فيما وُضعتْ له؛ لأني لم أستعمِلْها في الشجاع إلا حين جعلتُ الشجاعَ أسدًا؛ ففِقْهُ الاستعارة ليس كلماتٍ نُقِلَتْ، وإنَّما مَعانٍ غُيِّرتْ وصُيِّرتْ وجُعِلتْ.

• قلتُ لكم كثيرًا: كُتبُ علمائنا تُعلِّم العِلم، وتُعلِّمنا كيف نَصنع العلم؛ فلما شُغِلْنا بالعِلْم عن صناعة العِلْم صِرْنا حَفَظةً.

• كنتُ أقرأ ل«الباقلاني» كلامًا أشعر فيه أنه بعدما مهَّد السَّبيلَ وشَرَح وبيَّن يَضَعُ قلمَه في يدك ويقول لك: «أكملْ وأتمِمْ؛ فقد بيَّنتُ لك الطريق»؛ فهو لا يُعلِّمني العِلمَ فحَسْب، وإنَّما يُربِّي عقلي لأملأَ فراغَه يوم يموت، ولِتَبقى الأمَّةُ فيها عُلماء وصُنَّاعٌ للعِلْم.

• ما نحن فيه يجب أن يتغيَّر؛ لأنك إمَّا أن تَجِدَ عالِمًا مُنكبًّا على عُلومنا ليحفظها، أو مُتنوِّرًا تافهًا مُنكبًّا على علوم غيرنا ليحفظها؛ فهما الاثنان سواءٌ في الخَيْبة، ولكن هذا في حِضْن أُمَّته وهذا مارقٌ، وتلك قضيةٌ أخرى، إنَّما المهمُّ أن تقول ما تَعْلم، وأن تَقِيسَ ما لا تَعْلَم على ما تَعْلَم.

• إذا كنتَ تَنتظر أن أُعلِّمَك العِلْم فارحلْ؛ لأن مهمَّتي يا سيدنا أن أفتحَ لك الباب، وأن أقولَ لك نِصفَ الحقيقة وأن تُتِمَّ أنت النصفَ الآخر.

• رسالتي يا سيدنا، وعَمَلي يا سيدنا، أن تكون أنت أعلمَ منِّي، وأن تكون أحسنَ منِّي؛ لأن الجيلَ القادمَ إذا لم يكن أفضلَ مِن الجيل الحاضر نكون قد حَكَمْنا على بلادنا بالتخلُّف، الدُّنيا مِن حولنا تتحرَّك، والبذرةُ تتحرَّك، وكلُّ ما في الكون يتحرَّك، ولا بُدَّ لعقولنا أيضًا أن تتناسق وتتلاءم وتتواءم مع هذا الوجود، وأن تتحرَّك هي الأخرى إلى الأمام.

• تعليقًا على إيراد الإمام عبد القاهر عبارةَ القاضي الجرجاني في نَقْل اللَّفظ عن معناه الأصلي إلى معنًى مجازي، قال شيخُنا: عبدُ القاهر مع تقديره الشَّديد لصاحب «الوساطة» يُنبِّهك على أنه له كلامٌ لا يؤخَذ بظاهرِه، ليس كلامًا خطًا، نَعم هو خطأٌ إذا أُخِذَ بظاهرِه، وليس بخطأٍ إذا أُخِذَ بمُراد قائلِه، ومُرادُ قائلِه غيرُ ظاهرِ قولِه.

• عبدُ القاهر يَذكُر لك الذين غرسوا البذورَ في عقله فأنتجتْ هذا العِلمَ الجليل، وأنت لكي تَعرفَ قيمةَ العالِم ابحثْ عن العقليات التي صَنعَتْه والكُتُبِ التي صَنعَتْه.

• يا سادة، لا تبحثوا فقط عن الكُتُب التي قالتْ عِلمًا، ابحثوا عن الكُتُب التي صَنعتْ عقولًا؛ لأنها لم تَصنعْ عُقولًا إلَّا لمَّا قالت عِلمًا: قالتْ عِلمًا وصَنعتْ عُقولًا.

• عَلِّمُوا العِلمَ، وعَلِّمُوا النَّاسَ صناعةَ العلم.

• التخلُّفُ ليس منَّا ولسنا منه، ولا بُدَّ أن نتخلَّص منه، ولا تنتظر إلى أن يُخلِّصَك السَّادةُ السَّاسةُ من التخلُّف؛ لأن السَّادةَ السَّاسةَ يُحافظون على المُلْك، إنَّما الذي يُخلِّص الأمَّة من التخلُّف هم علماؤها وأهلُ الكفاءات فيها؛ هم يَسدُّون رُكنًا وأنت تَسُدُّ رُكنًا، لكن حين تَترك الأركانَ ليَسُدَّها السَّاسةُ فلن تُسَدَّ الأركانُ.

• مِن أهمِّ أسباب تخلُّفنا أننا نُلقي المسئوليةَ على غيرنا، يا سيدنا أنت مسئول، يا سيدنا لا تُلْقِ المسئوليةَ على غيرك لتَستريح، يا سيدَنا سيدُنا قال لنا: "كُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسئولٌ عن رعيَّته"، وبدأ بالإمام وخَتَم بالخادم.

• لمَّا قرأتُ حديثَ سيدنا رسول الله : "كُلُّكم رَاعٍ... "، وهو مِن أكرمِ كلامِ سيدنا رسول الله، وكلُّ كلامِه كريمٌ، استقصيتُ الأصنافَ الواردةَ في هذا الحديث فوجدتُ أنه ليس واحدٌ يَمشِي على أرض المسلمين مِن غير أن تُلقَى عليه مسئوليةٌ وهو مسئولٌ عنها.

• ليس في الدنيا أكرمُ مِن شَعبٍ كلُّ مَن فيه مسئول؛ مِن أوَّل الولاية العُظمى إلى الذي يُزيل الأذى عن الطريق، ولو أنَّ الذي يُزيل الأذى عن الطريق أحسنَ وأدَّى مسئوليتَه والذي في الولاية العُظمى لم يُحْسِنْ ولم يؤدِّ مسئوليتَه، كان الذي يُزيل الأذى عن الطريق أفضلَ عند الله وعند الناس مِن أكبرِ الكِبار.

• تدبُّرًا لقوله تعالى: {عَلَّمَهُ البَيَانَ}، قال شيخُنا: لم يُعلِّمْه البيانَ بالفارسية ولا بالرُّومانية ولا بالعربية، وإنَّما علَّمَه جوهرَ البيان الذي هو صَنعةُ الفطرة الإنسانية، البيانُ لُغاتُه شتَّى لا حَصْرَ لها، ولكنْ جَوهرُه في النَّفسِ الإنسانية جوهرٌ واحد، وهو الخيال الخلَّاق الذي يُصيِّر الحسناءَ بدرًا، ويُصيِّر الكريمَ بحرًا، ويُصيِّر الشجاعَ أسدًا.. وهكذا.

• قلتُ لكم: الإنسانُ لمَّا وَجَدَ أنه لا حول له ولا قوة في هذا الوجود، وأن كلَّ شيءٍ يَمضي بإرادة الله لا بإرادة الإنسان، حاول أن يَصنع عالَمًا يُحرِّكه هو بإرادته، هو عالَمُ اللُّغة وعالَمُ البيان، وذكرتُ لكم كُتَّاب الرِّوايات: الكاتبُ يَصنع أشخاصًا يُولَدون حين يُريد أن يُولَدوا، ويَموتون حين يُريد أن يَموتوا، صَنَع عالَمًا هو إلهُه؛ حتى يُرضِيَ غُرورَه، وحتى يُرضِيَ عَجْزَه عن أن يُغيِّر أيَّ شيء: {لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.

• كلامُ الكِبار بعد عبد القاهر مُستنبطٌ من كلام عبد القاهر.

• استحضرُ شيخُنا قولَ أبي العلاء:

خَفِّفِ الوَطْءَ مَا أظُنُّ أَدِيمَ ال *** أَرْضِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الأجْسْادِ

ثم قال: أبو العلاء يقول لك إن هذا التُّرابَ عَظْمُ آبائك؛ فاحرصْ على ألَّا يَطأَ عَظْمَ آبائك عَدوُّك؛ لأنك إذا تركتَ عَظْمَ آبائك يَطَؤه أعداؤك فأنت بئسَ الولد، ونَحنُ لا نتعلَّمُ العِلمَ إلا لتُوجَدَ في نُفوسِنا هذه المعاني.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق