الشرك الأكبر والكفر الأكبر

81
2 دقائق
20 ذو الحجة 1446 (17-06-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هل هناك فرق بين الشرك الأكبر والكفر الأكبر؟ وكيف نفرّق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر؟

الحمد لله، وبعد، هذا السؤال يشتمل على فروع متداخلة، ويستدعي التفصيل في أصل المسألة قبل الخوض في التفريع، حتى لا يقع الخلط، ولا يُساء الفهم.

أولًا: هل يوجد فرق بين "الشرك الأكبر" و"الكفر الأكبر"؟

نعم ثم لا. وذلك بحسب السياق.

فالذي تقرر عند أهل العلم أن بعض الألفاظ في الشريعة إذا اجتمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت، وهذا يُعرف بقانون "الاقتران والافتراق". ومن أمثلته: الفقير والمسكين، البر والتقوى، الإسلام والإيمان. وكذلك الكفر والشرك.

فإذا ذُكر "الكفر" وحده في النص، دخل فيه "الشرك" ضِمنًا، وإذا ذُكر "الشرك" وحده، دخل فيه "الكفر" أيضًا. لكن إذا اجتمعا في نص واحد، فحينها يُفرّق بينهما في المعنى.

نأخذ مثلًا قوله تعالى:

{إن الله لا يغفر أن يُشرك به}

هنا اقتصر على الشرك، لكن المعنى يتسع ليشمل الكفر أيضًا.

وفي قوله:

{إن الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله}

ذُكر الكفر دون الشرك، ولكن المعنى يضمّ الاثنين، لأن السياق يحتملهما.

أما إن اجتمع اللفظان: كأن يُقال "كفر وشرك"، فلكل منهما دلالته. الشرك يُراد به صرف شيء من العبادة أو الحقوق الإلهية لغير الله، فهو تنديد ومساواة. وأما الكفر، فهو جحود وإنكار.

فكل تنديد يُسمى شركًا، وكل جحود يُسمى كفرًا، وما كان فيه تنديد وجحود معًا، سُمّي شركًا وكفرًا.

مثال: من ترك الصلاة تكاسلًا، وتركها تهاونًا، لا يصرف العبادة لغير الله، لكنه يجحد حق الله عليه، فهذا كفر.

لكن من دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، فقد صرف حقًا من حقوق الله لغيره، فوقع في الشرك.

والنبي قال: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)).

فدلّ على أن الترك هنا جامع بين المعنيين.

ثانيًا: ما الفرق بين "الشرك الأكبر" و"الشرك الأصغر"؟

الشرك بجملته: هو أن يُجعل لله نِدّ، كما قال تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون}.

ولكن درجات.

· الشرك الأكبر: هو الذي يكون فيه تنديد ومساواة مطلقة، أي يصرف الإنسان عبادة كاملة لغير الله، أو يُساوي المخلوق بالخالق في التعظيم أو الاستحقاق. وهذا يُخرج من الملة، ولا يُغفر لصاحبه إن مات عليه.

· الشرك الأصغر: هو الذي فيه مطلق التنديد أو مطلق المساواة، لا يصل إلى حد التأليه، ولكنه يُنقِص التوحيد. كمن يحلف بغير الله، دون أن يُعظّم المحلوف به كتعظيم الله، أو من يُرائي في صلاته، لا لأجل الناس، بل ليُحسن صورته أمامهم.

فمن حلف بغير الله، وقالها عادةً، فهذا شرك أصغر، لكن إن حلف بغير الله، مع اعتقادٍ يُضاهي تعظيم الله، فهذا شرك أكبر.

فكل شرك فيه تنديد، ولكن الشرك الأكبر تنديده أعظم، والشرك الأصغر دونه مرتبة، وإن اجتمعا في النوع، فإنهما يفترقان في الحكم.

- والكفر والشرك إذا ذُكرا معًا افترقا: فالشرك يُركّز على التنديد، والكفر على الجحود.

- وإذا ذُكر أحدهما منفردًا، دخل الآخر معه ضمنًا.

- والشرك الأكبر هو التنديد الكامل، والأصغر هو تنديد ناقص لا يُخرج من الملة، لكنه خطير.

والله أعلم، ونسأل الله السلامة من الشرك والكفر، دقّه وجله، ظاهره وخفيّه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق