فوائد من درس دلائل الإعجاز 46

98
6 دقائق
19 محرم 1447 (15-07-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.

يوم الأحد: 27 من ذي القعدة 1446ه الموافق لـ 25 من مايو 2025 م:

• في عَشْر ذي الحجَّة يا ليتكم تبدأون تقرأون القرآن، وتستخرجون آيات الدعاء في القرآن، وهي كثيرةٌ جدًّا، وتَجعلونها من أورادكم؛ تَدعُون الله بما أمرنا أن ندعوَه به في القرآن الكريم.

• الغايةُ من العلم هي القُربُ من الله.

• المهمُّ في قراءة هذه الكتب ليس ما فيها من مادة علمية، وهي مادةٌ جليلة جدًّا، وإنَّما أيضًا أنها تُكوِّن العقل العلمي، وهذا أهتمُّ به اهتمامي بالعِلم.

• لا بُدَّ أن تجتهد في أن تُكوِّن عقلًا فقهيًّا إن كنتَ في الفقه، عقلًا علميًّا إن كنتَ في أيِّ بابٍ من أبواب العلم.

• تكوينُ العقل العلمي هو الأساس، وهو النجاح، وهو التفوُّق.

• تحصيل العلم في غاية الأهمية، وإذا حصَّلْنا العلم من غير إعمال العقل؛ لإدراك دقائق كلام العلماء، نكون قد ضيَّعْنا الأهم.

• الذي أعيش عليه أنا مع كتب العلماء هو أن فيها مِن تكوين العقل بمقدار ما فيها من العلم، ولا أريد أن أقول إن ما فيها من تكوين العقل أجلُّ من العلم؛ لأنه ليس أجلُّ من العلم، وإن كان تكوين العقل عندي أفضل. لماذا؟ لأنك ما دمتَ كوَّنتَ عقلًا فستتعلَّم هذا وتتعلَّم غير هذا.

• ما دمنا كوَّنا عقلَك العلميَّ فهذا العقلُ العلميُّ صار الأستاذ الملازم لك، الذي يكشف لك غوامض المعرفة.

• أنا لا أبيِّن حقائق معرفة فقط، أنا أحاول أن أبيِّن لطلاب العلم ما في كتب العلماء ممَّا هو علم، وممَّا هو مُكوِّن للعقل العلمي.

• تكوين العقل العلمي عندي هو الأساس؛ لأنك لو كوَّنتَ عقلًا علميًّا وأنت تَشرح في البلاغة فالعقلُ العلميُّ الذي كوَّنتَه يَصلُح أن يكون في السياسة، ويَصلُح أن يكون في الاقتصاد، ويَصلُح أن يكون في كل مجالات الحياة.

• مشكلتنا أن تكوين العقل العلميِّ غائبٌ، ومشكلتنا أن الأضرار التي نقع فيها، والبلايا التي نقع فيها، إنَّما هي من افتقاد العقل العلمي.

• في السياسة، أو في أي مجال، ما دام ليس هناك عقلٌ علميٌّ فليس هناك نجاح.

• أنا لا أُعلِّمكم لتُعلِّموا كما علَّمتُكم، وإنَّما أُعلِّمكم لتُعلِّموا أفضلَ مما علَّمتُكم.

• المعلومة التي أنقلُها إليك لا بد أن تنموَ في عقلك، ولابد أن تكون قد انتقلتْ إلى عقلٍ خِصْبٍ تنمو به؛ إلى عقلٍ كالأرض الطيبة: تُنبت الكلأ والعُشْب.

• احذرْ أن يكون عقلُك يتلقَّى الأشياء ثم يُعيدها كما تلقَّاها؛ لأنه حينئذ سيكون كالأرض الجَدْبة التي تُمسِك الماء ولا تُنبت الكلأ.

• الفقيهُ هو الذي يَستخرج من الفقه فقهًا، الطبيبُ هو الذي يَستخرج من الطبِّ طبًّا، النحويُّ هو الذي يَستخرج من النحو نحوًا.

• التخلُّف ليس منَّا ولسنا منه؛ لأن خالق الكون قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}؛ فلا بُدَّ أن نُحقِّق فينا هذا الوصفَ الجليل الذي وَصفَنا به خالقُ الناس.

• القرآنُ دائمًا فيه ما يُرشد إلى بَذْل أقصى الطاقة، وإلى بَذْل أقصى ما عندنا فيما نحن فيه، نحو قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، و«وُسْعَها» أي: أقصى ما عندها، ونحو قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم}، أي: أعِدُّوا أقصى ما عندكم.

• ما تَقدَّم مَن تَقدَّم إلا لأنه استخرج أقصى ما عنده، وما تَخلَّف مَن تَخلَّف إلا لأنه ترك ما عنده نائمًا.

• ما يُعلِّمك العقلَ والفكرَ مع العلم أفضلُ مِن الذي يُعلِّمك العلمَ ولا يُعلِّمك العقلَ والفكر.

• أعجبني في حديث سيدنا رسول الله كلمة: "وأنا اللَّبِنَة"، وقلتُ: يا ليت كلَّ واحد فينا في مجال تخصُّصه يقول: "وأنا اللَّبِنَة"؛ لأنه لن يقول: "وأنا اللَّبِنَة" إلا إذا أضاف إلى التخصُّص شيئًا: إلا إذا أضاف إلى الفقه فقهًا، وأضاف إلى الطبِّ طبًّا، وأضاف إلى الصناعة صَنْعةً، وأضاف إلى العلم علمًا، ولن يُضيف إلا إذا استوعَب، ووعى ما استوعَب، وتدبَّرَ ما استوعَب.

• دائمًا أقول لكم إن المسألة لا تنتهي بالمعرفة، وإنما تبدأ بالمعرفة، تبدأ بأن تفكِّر، وأن تتدبَّر ما عَلِمْتَ، فإذا تدبَّرتَ ما عَلِمْتَ وجدتَ فيما عَلِمْتَ ما لم تَعْلَم.

• يُعجبني العالِمُ الجليلُ الذي لا يلعن الجاهل، ولا يكتفي بلَعْنِه كما نكتفي نحن، وإنَّما يبحث عن السبب الذي جعله يَفهَمُ الجهل، ويَقتنع بالجهل، ويُخْطئ.

• دائمًا عبد القاهر يُنبِّه إلى خطورة عدم إيقاظ العقل في تحصيل العلم، وإلى أنك لا بُدَّ أن تُعمل عقلَك، وأن تَحْذرَ من الغفلة؛ لأن الغفلةَ تنويمُ العقل.

• أكرمنا الله - عزَّ وجلَّ - بطائفة من عَوامِّ المعتزلة، كانوا يتحرَّكون في «جُرجان»، التي فيها عبد القاهر الجُرجاني، وكانوا جَهلَة؛ يَنقلون آراء القاضي عبد الجبَّار نقلًا خاطئًا، فرأيتُ عبد القاهر يُخطِّئ نصوصًا للقاضي عبد الجبَّار، ويُحمِّلها ما نصَّ القاضي على أنه لا يُريده، ويُفسِّرها عبدُ القاهر بما نصَّ القاضي أنه يفسِّرها به؛ فتأكدتُ - لأن ذلك ليس مِن خُلُق العلماء - أنه لا يمكن لعبد القاهر أن يَنقل نصًّا للقاضي عبد الجبَّار ويُحمِّلَه معنًى رفضه عبد الجبَّار؛ فأيقنتُ أن عبد القاهر أخذ نصوص عبد الجبَّار من أفواه عوامِّ المعتزلة، ولم يقرأ كتاب «المُغْنِي»؛ فكتبتُ بحثًا في كتاب «مراجعات في أصول الدرس البلاغي» بعنوان: «بين الشيخين: عبد القاهر وعبد الجبَّار»، وقَطعْتُ بأن عبد القاهر لم يقرأ كلام عبد الجبَّار.

• قرأتُ القاضي عبد الجبَّار، وهو معتزليٌّ نَعمْ، عقلٌ فذٌّ علميٌّ جيدٌ نَعمْ، وكتابُه «المُغْنِي» مِن أجلِّ كتب التراث.

• فرقة المعتزلة التي كانت تَطوف «جُرجان»، وتتكلَّم في العلم بجَهلٍ مُبين، كانت مِن نِعَمِ الله على الأمَّة؛ لأن كلَّ كتابات عبد القاهر كانت ردًّا على هؤلاء؛ فكأن هؤلاء سخَّرهم الله ليكتب عبد القاهر ما كتب.

• قلتُ للشيخ محمود شاكر: لماذا لم تُعقِّب على كلام الإمام عبد القاهر؟ فقال لي: إن مهمَّتي هي أن أُخرِجَ كتاب عبد القاهر كما كتبه عبدُ القاهر، أما دراستُه فذلك بابٌ آخر.

• الذي يرى رُدود عبد القاهر على عبد الجبَّار ولم يكن قد قرأ عبد الجبَّار لن يقرأ عبد الجبَّار؛ لأن الذي كتبه عبد القاهر عن عبد الجبَّار يَخْلُص إلى أن عبد الجبَّار رجلٌ لا عقل له ولا علم له، وعبد الجبَّار ليس كذلك، عبد الجبَّار الجزء السادس عشر من كتابه «المُغْنِي» في الإعجاز، وكلامُه جيدٌ جدًّا جدًّا، وأنا تعلَّمتُ أن الكلام الجيد آخُذُه وما سواه أتركه.

• خُذْ من كلام العلماء ما يَقبله العقل، وهذا من نِعَم الله: أنْ جَعل لك عقلًا يَقبلُ ويَرُد.

• من الخطأ أن تقيسَ الشيءَ على الشيء لا يُقاس عليه؛ لأنك نَسِيتَ أن لك عقلًا تَعرف به ما يؤخَذ وتعرف به ما يُترك؛ فإذا أنت أهملتَ هذه النِّعمةَ الجليلة التي هي أصلُ التكليف ضاع كلُّ شيء، وإذا استيقظ العقلُ وجَدْنا نفعًا في كل شيء.

• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر في الفقرة رقم (524): «وكان مِن المركوز في الطِّباع، والرَّاسخ في غرائز العقول، أنه متى أُرِيدَ الدِّلالةُ على معنى.....»، قال شيخُنا: هذا السَّطرُ يطالبنا جميعًا بكتابة بلاغةٍ جديدةٍ في البلاغة القديمة. لماذا؟ لأننا اتفقنا على أن الكناية أبلغُ من التصريح، والاستعارةَ أفضلُ من الحقيقة.. إلخ، وسَكَتْنا عن سرِّ ذلك؛ فيَرجِعُ عبد القاهر بالفنِّ البلاغيِّ المستحسَن إلى المركوز في الطِّباع؛ لأن الاستحسان والاستهجان إنْ كنا نقول إنهما يرجعان إلى الجناس أو الكناية أو الاستعارة أو غيرها، فإن مَرجِعَهما - في الحقيقة - إلى أمرٍ بعد ذلك؛ هو ما رَكَز اللهُ النفوسَ عليه.

• لمَّا قرأتُ مسألة المركوز في الطِّباع أحسستُ أننا تركنا بابًا جليلًا من البلاغة لم نَفتحْه، وهو ما رُكِزَ في الطِّباع من استحسان كلِّ ما يُستحسن، وكأن البلاغة في النهاية راجعةٌ إلى المركوز في الطِّباع الذي أهملناه كلَّ الإهمال.

• حين أجِدُ العالِمَ تركَ الكلام في العلم وأخذ يُنبِّه إلى خطر الغفلة - أعتقد أن العالِمَ تركَ العلمَ ليُربِّيَ العقل، وتربيةُ العقل هي المهمُّ؛ لأن خَراب الخراب أصلُه عدمُ العقل.

• كلُّ الذين قادوا بلادَهم إلى التقدُّم والظَّفَر والرَّخاء والازدهار إنَّما قادوها بعقلٍ جيد، وكلُّ الذين قادوا بلادَهم إلى الخراب والجوع والدَّمار إنَّما قادوها بعقلٍ غير جيد؛ فرَبُّوا العقولَ إن أردتُم خيرًا لكم في دينكم ودنياكم.

• متى نَجَح الأغبياء؟! يا أخي، دُلَّني في التاريخ على غبيٍّ نَجَح، إنَّما نَجَح في هذه الحياة وهذه الأرض الأذكياءُ وذَوو العقول، ولهذا جعل الله - جلَّ وتقدَّس - العقلَ مناطَ التكليف.

• إذا أنمتَ عقلَك وأنت تطلبُ العلمَ فأنت تَطلب أضغاثَ أحلام، ولا تَطلب علمًا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق