فوائد من درس دلائل الإعجاز 58

52
6 دقائق
23 جمادى الأول 1447 (14-11-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف

يوم الأحد: 8 ربيع الأول 1447ه الموافق لـ 31 من أغسطس 2025م:

• مع أهمية الكتاب العُظمى والعُليا فإن هذا القِسم من «دلائل الإعجاز» هو أهمُّ ما فيه، ومِن أهميته أنه يأخذ بيدك وأنت تُحلِّل الشِّعر، وأنت تُحلِّل البيان، وأنت تُحلِّل القرآن. يُعلِّمك التحليل، والوَعْي، والتنبُّه لِما به يَفضُل كلامٌ كلامًا، وهذا هو أهمُّ شيء.

• البلاغة - كما قلتُ لكم - حِفظُ مُتونها وشُروحها جيِّد، لكنه علمٌ موقوفٌ لا يُنتفع به، وإنما يُنتفع به حين تُدخِله في البيان وتُحلِّل أساليبَ البيان والشِّعر بناءً على معطيات هذا العلم، فإذا لم تَفعلْ ذلك تكون قد حصَّلتَ علمًا لا فائدة له، وسيِّدُنا رسولُ الله كان يَستعيذ بالله من علمٍ لا يَنفع.

• العلمُ لا بُدَّ أن يُنتفع به، ومن لم يَنتفع به لا يكون قد أبطله فحسب، وإنما يكون قد أَثِم.

• مجهودُ الكِتاب ومجهودُ الشَّارح في هذا القسم الذي سأبدؤه اليوم محدودٌ جدًّا؛ لأن هذا القِسمَ المُعوَّلُ فيه على القارئ نفسِه، وأن يُدرِّب حِسَّه البيانيَّ على تحليل الكلام، والتعرُّف على صُور المعاني، والتعرُّف على الذي يَحدث في هذه الصُّور فيُغيِّرها، وهذا شيءٌ لا سبيلَ لك إلى تحصيله إلا بجِدِّك أنت وبوعيك أنت.

• تعليقًا على إيراد الإمام عبد القاهر صُورتين لمعنًى واحد، قال شيخُنا: أورد عبد القاهر هذه الصُّور ولم يُعقِّب ولم يَشرحْ؛ لأن عليك أنت أنت أن تتدبَّر، وأن تتعرَّف على الذي صَنَع: ماذا صَنَع؟ وكيف صَنَع؟

• في العلم أشياءُ عجيبةٌ جدًّا: المؤلِّف يَقِفُ لا سبيلَ له إلى البيان، والشَّارح يقف لا سبيلَ له إلى الشَّرح، ويَبقى المُعوَّلُ عليه هو عقل القارئ.

• احفظوا عني هذا: هناك أشياءُ في العلم لا يُعلِّمها كِتابٌ، ولا يُعلِّمها مؤلِّفٌ، وإنما يَتعلَّمُها واحدٌ فقط؛ هو الذي أراد أن يتعلَّم.

• أنا شديدُ الحفاوة بالمعنى الذي يَروق شاعرًا ويُحاول أن يأتيَ به في صورةٍ أخرى؛ لأن حُكمَ الشاعر على المعنى حُكمٌ له قيمتُه؛ فالمعاني التي يتوارد عليها الشعراءُ لها عندي أهميةٌ من هذا الجانب؛ لأن الشاعرَ الثانيَ لم يُراجع هذا المعنى إلا لأن فيه شيئًا يستحقُّ المراجعة، وكأن الشاعرَ الثانيَ أراد أن يُنسَب إليه هذا المعنى، وألا يُحرمَ مِن نسبة هذا المعنى الجليل إليه.

• يا بُنيَّ، تَعلَّم الشِّعرَ من الشِّعر، لا من البلاغة ولا من الكُتب.

• يا بُنيَّ، خيرُ مَن يُعلِّمك الشِّعرَ هو الشِّعر، خيرُ مَن يُعلِّمك الإعجازَ هو القرآنُ نفسُه، خيرُ مَن يُعلِّمك فصاحةَ خير الخَلْق هو كلامُ خير الخَلْق.

• أخطأنا، ونحن مُضطرون إلى هذا الخطأ؛ لأننا يُعلِّم بعضُنا بعضًا، ووالله لن يُعلِّمك أحدٌ الشِّعرَ كما يُعلِّمك الشِّعرُ نفسُه، ولن يُعلِّمك أحدٌ فصاحةَ خير الخَلْق إلا كلامُ خير الخَلْق.

• مَديحُ الشعراء للممدوحين ليس ضعفًا، ليس تَملُّقًا، ليس نفاقًا. هم ليسوا مِثلَنا.

• وقفتُ أمام صُور المعاني مِن أوَّل حياتي، وكان الوحيدُ الذي يُعلِّمني الفروقَ بينها هو التفكيرُ في علاقات الكلمات؛ لأن الصُّورة أنتجَتْها هذه العلاقات.

• النَّحوُ هو أصلُ المعنى، والنَّحوُ هو الذي يَدلُّك على خفايا الشِّعر، ولكننا أخطأنا واعتقدنا أن الشِّعرَ له عِلمٌ غيرُ علم النَّحو، وأن علم النَّحو للاحتراز عن الخطأ، نعم هو للاحتراز عن الخطأ، ولكنه هو البوابةُ التي أدخُل منها على دقائق صُور المعاني.

• تَدبَّر الكلماتِ وعلاقاتِ الكلمات تَجِدْ الصُّورة تُطلُّ عليك من علاقاتِ الكلمات، ولو عوَّذتَ الصُّورةَ بكل التعاويذ لتُطلَّ عليك فلن تُطلَّ عليك إلا بالتأمُّل في الكلماتِ وعلاقاتِ الكلمات.

• الشواهدُ إذا وقفتَ بها فقط عند موضع الشاهد تكون قد أغمضتَ عينيك عن شيءٍ جليلٍ جدًّا، الشواهدُ أصْغِ إليها أولًا من حيث هي بيانٌ، ثم من حيث هي مَعانٍ.

• حين كنتُ أحفظ الشواهدَ لأجلِ موطن الشاهد أدركتُ أنني أخطأتُ خطًا كبيرًا جدًّا، لكنْ بعدَما فاتَ مِن عمري زمنٌ؛ لأني لاحظتُ أن الشاهدَ فيه مع موضع الشاهد أمران: الأمرُ الأولُ بلاغةٌ عاليةٌ في بناء الكلام، والأمر الثاني معنًى أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ نبيل؛ فحين أقف عند موطن الشاهد سأضيِّع من نفسي تذوُّقَ بناءٍ عالٍ للشاهد، وسأضيِّع من نفسي تربيةً نفسية.

• لمَّا قرأت الشواهدَ وكُتبَ الشواهد - والعلماءُ جمعوا الشواهدَ في كُتب - وجدتُ أن هؤلاء يختارون الشاهدَ للمعنى العلميِّ الذي هو موضعُ الشاهد، ولمعنًى نفسيٍّ هو تربيتُك وإعدادُك؛ لأنه يَعنيه أن يُنشِّئ إنسانًا.

• لو وضعتَ في ذهنك إخراجَ جيلٍ لخيرأُمَّة أُخْرِجتْ للناس كما قال ربُّنا فلن تنام، ولن تهدأ، ولن تتساهل، وإنما ستَجِدُّ وتُجِدُّ مَن معك وتفعلُ هذا؛ لأنه ليس من السَّهل أن تُنشئ جيلًا لخيرأُمَّة أُخْرِجتْ للناس.

• في قراءتي للشواهد كانت الحقائقُ العلميةُ تتَّسع أمامي، والشواهدُ النَّحويةُ والبلاغيةُ تَصيرُ شيئًا آخر، نَعم هي شواهدُ بلاغيةٌ ونحوية، ولكنها أيضًا شواهدُ في بناء الإنسان، شواهدُ في بناء الذائقة البيانية، شواهدُ في بناء الشخصية الإنسانية.

• تعليقًا على قول أبي نُخَيْلة:

وأَنْبَهْتَ لِي ذِكْري ومَا كَانَ خَامِلًا *** ولَكِنَّ بَعْضَ الذِّكرِ أَنْبَهُ مِنْ بَعْضِ

وقولِ أبي تمَّام:

لَقَدْ زِدْتَ أَوْضَاحِي امْتِدادًا وَلَمْ أَكُنْ *** بَهِيمًا ولا أَرْضِي مِنَ الأَرْضِ مَجْهُلَا

وَلَكِنْ أَيَادٍ صَادَفَتْنِي جِسَامُهَا *** أَغَرَّ فأَوْفَتْ بِي أَغَرَّ مُحَجَّلَا

قال شيخُنا: حين تقول لي إن الشعراء مدَّاحون و«طبَّالة» أقول لك إنك تُسقِطُ عليهم خسائسَك؛ لأن الطبَّال يُطبِّل للذي يُحبُّ الطَّبْل، أما هؤلاء فيُطبِّلون أولًا لأنفسهم؛ لأنه حين يقولُ للممدوح: «وما كان خَامِلًا» فمعناه: «إنك أكرمتَ كريمًا» والطبَّال لا يقول: «وما كان خَامِلًا».

• كلُّ عَصرٍ له ثقافتُه اللائقةُ بواقعه، هذا الشاعرُ [أبو نُخَيْلة] يَعلَمُ أن الناسَ لن تَسمع ثناءه على الممدوح إلَّا إذا رفع رأسَه وجَعلَه مُحاذِيًا لرأس الممدوح، أمَّا مَن يُطأطئ رأسه فهذا ثناءٌ آخر وثقافةٌ أخرى، وهذا هو الذي اسمُه: «الطَّبْل والزَّمْر».

• تعليقًا على قول أبي تمَّام: «ولا أَرْضِي مِنَ الأَرْضِ مَجْهَلَا»، قال شيخُنا: أعجبتني هذه؛ لأنه يقول لك: إذا وجدتَ أرضًا مُنكَرةً مجهولةً فاعلمْ أنها ليست مُنكَرةً وليست مجهولةً إلَّا لأن الذين يَسكنون فيها جماعاتٌ هَمَلٌ لا قيمة لهم؛ لأن الأرض تُذكَر بذِكْر أصحابها، ويَعْلُو ذِكرُها بعُلوِّ ذِكْر أصحابها، ويَسْفُل ذِكرُها بسُفُول أصحابها؛ فإن أردتَم أن تكون أرضُكم أرضًا حيةً فكونوا أنتم أحياءً.

• اعرضْ على طالبك ما رأيتَ، وقل له: «هذا ما أرى، وقد ترى أنت غيرَ ما أرى»، هذه هي الأمانةُ إن كنتَ تُريد أن تُعلِّم أُمَناء، وإن كنت تُريد أن تُربِّي أُمَناء، ولا تَقْسِرْ طالبَك على ما ترى. يا سيدنا أنت تَلومُ المُستبدَّ وتُربِّي جيلًا لا يَحيا إلا بالاستبداد!

• الناس مُتطلِّعة إلى العلم، مُتشوِّقة إليه، وخيرُكم مَن أعدَّ نفسَه ليَروِيَ هذا الشَّوق، ولِيسْقِيَ القلوبَ بالعلم.

• شعوبُنا شعوبٌ مُحبَّةٌ للعلم، ومُحبَّةٌ للدِّين؛ لأن الدِّينَ هو الفطرة.

• الله لا يقول لك: «غَيِّرْ»؛ لأنه هو الذي يُغيِّر، وإنما يقول لك: ابْذُلْ أقصى ما عندك لتُغيِّر.

• مَن يَعرف الدِّينَ حقًّا يَبذل أقصى ما عنده لنُصرة هذه الأمَّة ولنُصرة هذا الدِّين.

• تعليقًا على قول الحُطيئة:

دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها *** واقْعُدْ فإنَّك أنتَ الطَّاعِمُ الكَاسِي

قال شيخُنا: يا حُطيئة، أإذا رأيتَ الرجلَ لا يَرحلُ للمعالي ذَمَمْتَه؟! وهل ترى أيها الحُطيئة أن كلَّ رجلٍ لا بُدَّ أن يكون رحَّالةً إلى طلب المكارم؟! هذا جيدٌ جدًّا ومعنًى جيدٌ جدًّا، ولو عِشتَ بيننا يا حُطيئة لهَجَوْتَنا جميعًا؛ لأننا لم يَعُدْ فينا مَن يَرحل للمكارم، وكلُّنا يَرحل ليأكلَ ويشرب، والذي يعيش ليأكلَ ويشرب أنت ترى أنه لا قيمة له، وفي النهاية يا حُطيئة سيكون مجتمعُنا كلُّه عندك لا قيمة له؛ لأن القيمة عندك أن يَرحَل الكريمُ لبُغيةِ المَكارم.

• حين تجد نقطةً مضيئةً في الكلام لا بُدَّ أن تُضيءَ بها قَدْرًا مِن نَفْس طالب العلم، وتُضيءَ بها جانبًا من نفوس الأجيال؛ لأننا في حاجة إلى أجيالٍ جديدة.

• تعليقًا على قول حسَّان بن ثابت:

يُغْشَوْنَ حَتَّى مَا تَهِرُّ كِلَابَهُمْ *** لَا يَسْأَلُونَ عَنِ السَّوَادِ المُقْبِلِ

قال شيخُنا: يَضِيقُ صدري إذا مرَّ عليك هذا البيت بدون أن تَعرفَ القيمةَ العُليا التي أرادها حسَّان، وهي أن بُيوت هؤلاء الناس مفتوحةٌ للناس، وكأنها ليست بُيوتَهم، وإنما هي بُيوت كلِّ طالب حاجة، وأنهم يأتيهم الناسُ إثرَ الناس إثرَ الناس، حتى إن كلابهم أَلِفَت الناسَ ولم تَعُدْ تَنبحُ في وجه أحد.

• ما أحببتُ مُغفَّلين كحُبِّي لهؤلاء المُغفَّلين الذين كانوا حول عبد القاهر، والذين أنطقوه بما نطق؛ لأن غَفلتَهم، وجَهلَهم، وإمعانَهم في الغفلة، وإمعانَهم في الباطل = هي التي أنطقتْه بما نطق.

• أَنْعِم بالغفلةِ إذا وجدتْ علماءَ يُعالجونها.

• صَنعةُ الشاعر هي في إحداث صُور المعاني، صَنعتي أنا ليستْ في المعنى الذي أريده، إنما في تجويد صُورة المعنى الذي أريده؛ لأنه ليس معنًى مِن غير صُورة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق