بسم الله الرحمن الرحيم
الأسباب العامة:
المهم في هذا الجانب هناك أيضاً أسباب عامة، ولاحظ أننا نفصل في الأسباب لأننا نريد أن نغلق أبوابها، ونحاول أن نكشف ما هو منها - كما قلنا - مقبول وما هو غير مقبول، وهو منها له أسباب وحلول.
السبب الأول: الأوضاع الاجتماعية:
الأوضاع الاجتماعية - كما أشرنا في بعض الحديث - أن الناس ألفوا هذه الأمور، وتعودوا عليها، وأصبحت هي الصور الغالبة لتعاملاتهم، فإذا أردت أن تخالف وجدت صعوبة ومشقة، فالوضع العام يجرفك إلى أن تكون مع المتخلفين والمتأخرين والمقصرين ونحو ذلك.
السبب الثاني: طبيعة الزمان والمكان:
أحياناً تكون طبيعة الموعد غير ملائمة مما يوجد صعوبة في القدرة على الالتزام بالموعد، وخاصة كما قلنا في مراعاة أحوال الناس خصوصاً، مثلاً الذي يريد أن يأخذ موعد في أثناء وقت عملهº كيف سيخرج من عمله؟ أو تريد منه أنت الموعد أو يعطيك الموعد في مثل هذا الوقت أو في وقت ضيق، يريد أن يستغل هذه الفرصة المعينة منه فلا يمكن أن يكون هذا الأمر مقبولاً، أو يكون الوقت صعباً، والمعلوم أنه لا يمكن تحقيقه في الجملة، كأن تواعد البعض لعمل من الأعمال قبل صلاة الفجر، وصلاة الفجر كما يقولون - الله المستعان -: لعله يستيقظ أو لا يستيقظ، أو الموعد يكون بعد وقت مغضب بعد وقت عمل وإجهاد، كأن يكون بعد العمل مباشرة فيكون مرهق، فيأتي إلى الموعد وهو مرهق ومتعب، ينعس قليلاً أو يغفو بأحد عينيه ويتكلم بأخرى، ويستعجل النقطة الثانية بعد الأولى؟ فهذا أيضاً لا بد أن يكون هناك مراعاة لمثل هذا.
السبب الثالث: عدم العزم مع المتخلفين والمتأخرين:
إذا كان رب العمل أو المدير عنده اجتماع، وهذا يتخلف، وهذا يتأخر، وليس هناك عقوبة، وكما يقولون: \" من أمن العقوبة أساء الأدب \"، فلا بد من وجود حزم، وعدم الحزم هو سبب من الأسباب العامة التي تجعل هذه الظاهرة تنتشر، عدم وجود العتاب، عدم المواصلة والإنجاز في كل مرة، مثلاً إذا غاب أحدهم تأجل الموعد فيطمئن هو أنه لن يفوته شيء، لكن إذا واصلوا عملهم وأنجزوه ولم يكترثوا لغيابه، وفاته عندئذ ما فاتهº إما من مصلحته مادية، أو علمية أو نحو ذلكº لشعر أنه ينبغي أن يتدارك المرة الأخرى، لكن في كل مرة يراعون عدم حضوره، ويقولون: لا لن نبدأ الدرس حتى يأتي فلان، إذن يطمئن أنه لن يضيع منه شيء.
السبب الرابع: عدم الجدية والتنظيم:
مما يدفع بعض الناس لعدم التزام الموعد أنه يذهب إلى الموعد فلا يجد جدية، فيقول في نفسه: \"جئنا لنعمل، وإذا بالناس يشربون الشاي، ويأكلون البسكوت، ويتحدثون هنا وهناك، وفي خمس أو عشر دقائق يخلصون إلى المهمة التي يريدونها، ثم أحياناً لا تجد أن هناك يعني اجتماع، الاجتماع أو العمل أو الموعد لا بد أن يكون له عوامل تدعم نجاحه، منها أن يكون هناك جدول للأعمال وتحديد للمهمات، لا نأتي إلى الاجتماع ثم نقول: ها ماذا عندكم؟ أو يأتون الاجتماع ولا يعرفون ما هو العمل المطلوب أو ما هي المهمة المطلوبة؟ بعد أن يأتي فيقولون: والله نحن اجتمعنا لنتباحث في اختيار كتاب لدرس معين، لو قيل هذا قبل ذلك وكلف فلان بأن ينظر الكتب القديمة، وكلف فلان بأن ينظر الكتب الحديثة، وكلف فلان بأن يستشير فلاناً من الناس، وكلف فلان بأن يعد التقرير، لأصبح هناك حافز لحضور هذا الموعدº لأنه سينجز، وسيكون هناك عمل، فأيضاً توفر الأسباب أليس مثلاً عندنا عمل نريد أن ننشئ مثلاً مدرسة، نريد أن نقيم مؤسسة، لا بد أن تتوفر عندنا أرقام ومعلومات عن هذا العمل، وعن هذه المدارس، وعن طريقة إعدادها، وما هي نتائج هذه الدراسة، هل يمكن تحقيقها؟ هل النظام يسمح بها؟ هل هناك توفر الشروط اللازمة لها؟
أما أن تأتي وتبدأ فهذا يضيع الوقت، ويجعل الناس لا يحرصون على مثل هذا الموعد.
تحديد الوقت أيضاً بداية ونهاية يدل على الجدية، أما أن تقول بعد العصر فبعد العصر يعني إلى المغرب، وبعد المغرب يعني كما قلنا إلى العشاء، وبعد العشاء يعني الفجر، هذا ليس جدية، وليست عملاً يعني يريد أصحابه أن ينجزوه وأن يقوموا به تحديداً.
النهاية أيضاً مهمة حتى ينضبط الوقت، فلو كان عندنا عمل نريد أن ننجزه في ساعة محددة فسنوزع الوقت توزيعاً جيداً، وسنحرص على ألا تفوت منه دقيقة ولا أكثر ولا أقل، أما أن نقول نحن نريد أن نجلس ونتباحث في موضوع، فسنقضي في المهمة التي تحتاج إلى ساعة واحدة وربعº ثلاثة أو أربعة ساعات.
السبب الخامس: عدم الملائمة مع طبيعة العمل والنشاط:
فأنت تأتي إلى الموعد وأنت مكره أو أنت فيه غير راغب، فهذا سبب من الأسباب، مثلاً الذي يدخل كما يقول: أيش يدرس في الجامعة، وهو يجبر مثلاً على الفيزياء والرياضيات أو المواد العملية، ويجبر على أن يدخل وهو أكره ما عليه اللغة والنحو، ثم يجد نفسه أنه دخل في كلية اللغة العربية، فأي شيء سيجعله ينتظم في محاضراته ويواظب على دروسه.
السبب السادس: عدم التجانس وعدم التوائم:
يدفع في الغالب إلى عدم الالتزام أو أحياناً عدم التجانس، أو الالتزام مع فريق العاملين، فهو يعمل أو يريد أن يحضر إلى عمل أو إلى مهمة وهو على خلاف مع هذا، ولا يثق مع هذا، فكيف يمكن أن يكون هؤلاء، سيكونوا متشاكسين لا متعاونين، وبالتالي إذا حصل الخلاف فهذا يريد أن يصر على رأيه، وهذا يريد أن يقبل اقتراحه، وهذا يريد أن يفرض قوة شخصيته، فما الذي سيجعل الحوافز على التزام الموعد والحضور والفعالية فيه، إن ذلك لا يمكن.
وصفات العلاج:
يمكن أن تقسم إلى ثلاثة أمور أو إلى أقسام ثلاثة:
أولاً: الجانب الإسلامي.
ثانياً: الجانب التربوي والنفسي.
ثالثاً: الجانب العملي التطبيقي.
وقبل أن نلج في وصفات العلاج نذكر شيئاً من المعاني اللغوية للموعد ومرادفاتـه ونظائره.
تعريف الموعد لغة:
يقولون: وعده الأمر متعدياً بنفسه، ووعده بالأمر بالواو والياء يعده، وكلاهما صحيح، وبعضهم قال: إن الياء لهذا زائدة، ولكن الصحيح أنه يجوز استخدامها، والموعد والعدة واحد، والعدة جمع أعداة، وأما الموعدة فلا جمع له، والموعدة أيضاً والميعاد بمعنى واحد.
والميعاد لا يكون إلا وقتاً وموضعاً، فإذا قيل لك موعد فلا بد أن يكون وقت وموضع حتى يعرف ويحدد هذا بشكل واضح، وعد أي بالخير، وأوعد إذا كان بالشر، أنشد عامر بن طفيل:
وإني وإن أوعدته أو وعدته **** لمخلف ميعاد ومنجز موعدي
الأول للشر والثانية للخير، إذا وعد الإنسان بخير ولم ينجز قيل: إنه أخلف، أما إذا وعد بشر ولم ينجز يقال: عفى، والموعد يكون وقته!
والموعد لابد أن يكون وقتاً وموضعاً، وفي الأساس هو الوقت والمكان، وميعادهم وموعدهم والموعد العهد، إذن من المعاني للموعد العهد والوعد بمعنى واحد، وبه فسر مجاهد قوله - تعالى -:{ما أخلفنا موعدك بملكنا}.
وكذلك قوله:{فأخلفتم موعدي}، قال: عهدي أخلفتم موعدي أي عهدي، وهذا يدلنا على مثل هذا المعنى، والعهد والمعاهدة والإعتهاد والشاهد والتعهد واحد وهو إحداث العهد بما عهدته، فإذن العهد هو بهذا المعنى مترادف مع الموعد، والعهد هو الوفاء والحفاظ منه قوله - تعالى -:{وما وجدنا لأكثرهم من عهد}، أي من عهد من وفاء عهد وحفاظاً عليه، فهذا المعنى اللغوي.
أولا: العلاج من الجانب الإسلامي:
أ - أن نعرف منزلة ومكانة الوعد في الإسلام: من خلال النصوص القرآنية والشمائل النبوية، ومواقف الصحابة، والشعائر الإسلامية، ورد الثناء على صدق الوعد.
مكانة الوعد في النصوص القرآنية:
كما في قوله - سبحانه وتعالى-:{واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً} ذكر ابن جرير في تفسيره أنه قال: \" لم يعد ربه عِدة إلا أنجزها \".
وروى ابن جرير عن سهل ابن سعيد أن إسماعيل النبي - عليه السلام - وعد رجلاً في مكانٍ, فجاء ونسي الرجل، فظل به إسماعيل وبات حتى جاء الرجل من الغداة فقال: ما برحت من هاهنا قال - أي إسماعيل -: لا، قال: فإني نسيت، قال: لم أكن لأبرح حتى تأتيني، فلذلك كان صادق الوعد.
وجاءت الآيات الكثيرة في لزوم الوفاء بالعهد، وأنه من صفات المؤمنين، ومن وصايا رب العالمين، كما قال - عز وجل -:{وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون}، وقال - سبحانه وتعالى- أيضاً:{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً}، وقال - جل وعلا -:{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، وقال في ذم من لا يوفون بالعهد من أهل النفاق:{ومنهم من عاهد الله لأن آتانا من فضله لنصّدّقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله يخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}، وقال أيضاً:{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.
والأمانة فيها قرب من بعض معنى العهدº لأنها وفاء بوعد، والآيات في هذا كثيرة.
مكانة الوعد في الشمائل المحمدية ومواقف الصحابة:
منذ ثلاث:
كان - عليه الصلاة والسلام - أوفى من وفّى بالوعد والعهد، وكان يلتزم ذلك التزاماً كاملاً وتاماً، وقد روى أبو داود في سننه، والفرائضي في مكارم الأخلاق من حديث عبد الله بن أبي الحثماء قال: \" بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بايعه من المبايعة بيع وشراء - وبقيت له على بقية - يعني بقية ثمن - فوعدته آتيه في مكانه ذلك، قال: فنسيت يومي والغد، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه، ثم قال: لي يا فتى لقد شققت علي أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك \".
هذا بعض لفظ الفرائضي وأبو داود قريبٌ منه، وفي شرح هذا الحديث: أنه كان يأتي في الموعد في كل يومه وليس أنه بقي ثلاثة أيام، وظاهر الحديث يحتمل أيضاً بقائه، والمهم في ذلك أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان وفياً بوعده إذا أعطى وعداً جزم بـه.
بدر الموعد:
لما كان يوم بدر وكانت في أعقابها كان من قول أبي سفيان: \" موعدنا بدر في العام القادم \"، وخرج النبي وخرج معه الصحابة إلى بدر وانتظر المشركين ثمانية ليال ولم يأتوا، وسميت تلك الغزوة غزوة بدر الموعد.
وفاء الحديبية:
وأيضا نعلم وفائه بالعهد في قصة الحديبية لما جاء أبو جندل بن سهيل بن عمر وقال: لقد لجّت القضية بيننا، فرده النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثلث النفاق:
ومن الذم الذي ينبغي التنبيه له حديث النبي - عليه الصلاة والسلام - في الصحيح: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
فخُلف الوعد صفة من صفات النفاق، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، وذكر أن ابن عمر وعد رجلاً أن يزوجه ابنته، فلما جاءه الرجل كان ابن عمر مريضاً فزوَّجه ابنته وقال: \" إني كرهت أن ألقى الله بثلث النفاق\".
من كانت له عِدة:
إخلاف الوعد من صفات المنافقين، ولذلك كان الوفاء بالوعد أمراً مطلوباً في زمانه ومكانه، وكذلك في إنجازه وعطائه، ولذا أبو بكر - رضي الله عنه - كان من أول مقالة بعد مقامه بعد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - قال: \" من كانت له عند رسول الله - عليه الصلاة والسلام - عدة فليأتني\" يعني حتى يوفي بوعد رسول الله - عليه الصلاة والسلام -.
شهادة الصهر:
وقد أثنى أبو العاص بن الربيع - زوج ابنته زينب - رضي الله عنها - على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في تجارته قال: \" حدثني فصدقني، ووعدني فوافاني \"، فهذا أيضاً مما يدل على هذا الأمر.
اضمنوا لي:
وفي حديث أنس الذي يرويه أبو يعلى والحاكم والبيهقي، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -:
(تقبلوا لي ست أقبل لكم بالجنة - وذكر منها - إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا وعد فلا يخلف، وإذا ائتمن فلا يخن).
وفي حديث آخر عند ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه لكن من حديث عبادة بن الصامت أن النبي قال: (اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة: أصدقوا إذا حدثم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اءتمنتم... ) إلى آخر الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
سِمن النفاق:
وأيضا من علامات آخر الزمان ما صح من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) رواه البخاري ومسلم.
مكانة الوعد في مآثر العرب:
يعدون بالخير:
فهذا أيضاً يدل على ما يكون في آخر الزمان، وقد قال بعضهم وهو عمر بن الحارث ينبه على تغير الزمان وتفريط الناس في مثل هذا، قال: \" كنت أي في وقت متى شئت أجد من يعد وينجز فقد أعياني - أي اليوم - من يعد ولا ينجز، وكانوا يفعلون ولا يقولون فقد صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا يقولون ولا يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون لا يعدون بالخير ولا يفعلونه \".
رعد بدون مطر:
تكملة للقول نقول: أن شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته وهذا الدين في الآيات والأحاديث تحث على حب التزام الموعد، وتجعله منقبة، ويجعل إخلاف الموعد مكلبة، وقد كان العرب بطبيعتهم وفكرتهم من سلائقهم ومن مكارمهم الالتزام والوفاء بالوعد، وكانوا يرون عكس ذلك لا يليق بكرم المرء ولا بشرفه، وكما قال الشاعر:
وعدتني ثم لم توفي بموعـدتي *** فكنت كمن هذن لم يمطر
وقد رعد لأن الرعد يأتي وينتظر الناس المطر، فربما جاء الرعد وأعقبه المطر، وربما جاء رعد ولا مطر، فشبه من يعد ويخلف برعد بلا مطر، واشتهرت عند العرب مقولة: \" مواعيد عرقوب أخاه بيثرب \".
مواعيد عرقوب بيثرب:
وهذا عرقوب ضرب به المثل في التخلف عن الموعد في كلام العرب وقصته أنه كان رجلاً من العماليق أتاه أخٌ وسأله شيء - يعني عطاء - فقال له عرقوب: إذا أطلع نخلي - يعني إذا أطلعت النخلة - إن شاء الله نعطيك، فلما أطلع النخل أتاه، قال: إذا أبلح، فلما أبلح أتاه، فقال: إذا أزهى، فلما أزهى أتاه، قال: إذا أرطب - يعني إذا صار رطب - كل مرة يؤخر، فلما أرطب أتاه، قال: إذا صار تمراً ، فلما صار تمراً جذّه من الليل ولم يعط أخاه شيء، فقالوا: \" مواعيد عرقوب \".
كما قال كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً *** وما مواعيدها إلا الأباطيل
وقال الأشجعي:
وعدتني وكان الخلف منك سجية *** مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
وابن قتيبة في عيون الأخبار وفي ورود هذه القصة يقول ضبطه بالتاء لا بالثاء بيثرب يقول هكذا ضبطه، وهكذا قرأناه على البصريين في كتاب سيبويه.
أخلف.. إذا أوعد بالشر:
وكان عامر بن الطفيل إذا وعد الخير وفّى، وإذا أوعد بالشر أخلف وعفا، وكان هذا من سجايا العرب، ومن مآثر ومكارم العرب، وورد الذم في أدبياتهم كثيراً لمن لم يخلف، وخاصة مع تسويفهم، ومع الخلق والإيمانº فإن ذلك لا شك يكون أكثر ذماً.
نعم فاصبر لها:
ومن مآثر العرب أنهم كانوا ينهون عن التسرع في الوعد \"لا تتسرع في الوعدº لأنك إن وعدت لزمك الوفاء، فلا تعد إلا بعد أن تفكر وتعرف أنك ستنجز هذا الموعد وتلزمه، وتوفِّي به بإذن الله - عز وجل -، وإذا قال قائلهم:
لا تـقـولن إذا ما لم ترد *** أن تتم الوعد في شيء نعم
يعني لا تقل إذا لم ترد أو إذا لم تتأكد لا تقل: نعم ، لا تقولن إذا ما لم ترد أن تتم الوعد في شيء: نعم.
فـإذا قلت نعم فاصبر لها *** في نجاح الوعد إن الخلف ذم
مكانة الوعد في الشعائر الإسلامية:
الشعائر الإسلامية تدلنا على أهمية الوقت وقيمته، فالله - عز وجل - يقول:{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}.
وعبادات الإسلام مربوطة بالمواقيت أعدت زماناً ومكاناً للموعد، فلكل شيء وقته، ولكل وقت في الصلوات أفضلية ووقت كراهة ووقت يخرج عن وقت الغرض ويعتبر في وقت القضاء، فهذا يدلنا على ضرورة التزام الوعد والموعد، والدقة فيه والمبادرة إليه، ولذلك جاءت الشعائر الإسلامية منظمة لوقت الإنسان في الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهذا التقسيم يساعد على تقسيم أوقاتك، وعلى ضبط مواعيدك، لكن لا تجعلها طالقة، وإنما قيِّدها ولذلك جاءت هذه المواعيد.. ونحن نعلم أن هذا الوقت للصلاة من هذا الوقت إلى هذا الوقت وبعده لا تصلح الصلاة، وكذلك الحج له وقت فمن جاء ليقف في عرفة في يوم العاشر لا يقبل منه وقوفه ولا ولو وقف يومين أو عشرة أيام، فله وقت محدد يدلك أن العمل مرتبط بوقت معين، فإذا لم تأت به في وقته كان لا قيمة له، وفي الشرع هذه الأعمال والفرائض لا تصح في غير أوقاتها حتى تعلم أن لكل وقت مهمة، وأن لكل مهمة حاجة وزمن ينبغي قضائها فيه، وهذا - كما قلنا - يدلنا على أن المسألة من الناحية الإسلامية لها أهميتها وليست أمراً عارضاً أو طارئاً أو لا قيمة له أو أهمية له في دين الإسلام.
ثانياً: العلاج من الناحية التربوية النفسية:
إن الإنسان يتعود على الجدية وعلى احترام الآخرين، وأيضاً يتعود ألا يركن إلى الكسل والخنوع والضعف الذي يجعله يسوِّف ويؤجل، وقد سلف لنا في حديث الدرس الماضي ما يتعلق بالتسويف، وبعض الناس يستخدم سوف وعسى وكذا وليس، وما زال يفرط هذا من الناحية التربوية والنفسية، والذي ينبغي للإنسان:
1 ـ أن يعود نفسه على الجد والوفاء بالوعد.
2 ـ ينبغي له أن يأخذ نفسه بمعالي الأمور وان يترك سفاسفها حتى يستطيع أن يؤدي أو أن يتعود على الوفاء بالوعد.
ثالثاً: الجانب التطبيقي العملي:
أ - دوِّن مواعيدك وأعمالك بشكل منظم:
هناك مفكرات أو مذكرات أو مدونات - سمِّيها ما شئت - الآن تحسنت الظروف والأسباب، فعندك مفكرات، هذه المفكرات الجيبية التي فيها مربعات على الأيام وتواريخها، سجّل في كل مربع الموعد الذي عندك: مكانه وزمانه وموضوعه بما تفهمه، وما يمكن أن تتيحه لك المساحة، والآن هناك المفكرات الإلكترونية التي شاع استعمالها عند بعض الناس، ومع ذلك يستخدمها وينساها لأنها هي آله إن لم يتعامل معها فأيضاً قد تملأها بالمعلومات ولا تنظر إليها أو تنساها في مكان ما كما يحصل في هذه المذكرات، في كل موعد يذهب إلى الموعد فينساها عند المكتب الأول، يذهب إلى المكتب الثاني فيكون قد ضيع ما عنده، التدوين مهم والمحافظة على التدوين أيضاً مهم جداً لأن بعض الناس يدونون في ورقة وبعد ذلك تضيع الورقة أو المفكرة وهكذا لن يكون التدوين مهماً.
ب - التذكر الدوريّ:
لأن هناك مواعيد طويلة الأجل من عنده أعمال كثيرة ربما يكون عنده موعد بعد ثلاثة أشهر، ولجنة مثلاًًً بعد أربعة أشهر وهكذا، فهذه قطعاً سيتفاوت العهد بها وحتى لو دونها، فينبغي له أن يكون هناك عنده ثلاثة مجالات للتذكر في أول كل أسبوع ينظر إلى مواعيد الأسبوع كله حتى يستطيع الوفاء بها، إذ ربما كان بعض المواعيد بعد ثلاثة أشهر فيعرف ما يلزمه لها وما يحتاج الإعداد لها ونحو ذلك مما يحتاج لها، وكذلك في بداية كل شهر مرة أخرى فيمر على مدوناته ليعرف مواعيده في الشهر كله، وطبعاً في اليوم من باب أولى لكن لا يأتي في نفس اليوم من الموعد المدون قبل ثلاثة أشهر، فيفتح صفحة يوم السبت ويجد أمامه الموعد ولم يعد شيئاً للموعد منذ ثلاثة أشهر فيضع يده على رأسه لأنه لا يستطيع أن يعد هذا لا بد أن يكون عنده تذكر دوري أولاً يومياً ثم أسبوعياً أول كل أسبوع ثم شهرياً أول كل شهر.
ج - التهيئة والاحتياط:
لا بد أن تهيء للموعد، وأن تحتاط للطوارئ العادية فكل موعد له متطلبات، ولا بد أن تتهيأ له لأنك إذا لم تتهيأ له ستتأخر، فإذا كان مطلوب إعداد شيء وأنت لم تعده فماذا سيحصل؟ ستعده قبل الوقت، وتتأخر عن الوقت، أو ستعده ناقصاً وتعتذرº فإنك لم تستطع استكمال المطلوب، وسيتأخر اللقاء مرة أخرى، وتعود إلى الحلقة المفرغة التي ذكرناها، والاحتياط أيضاً في كل الأمور، كما قلنا: عندما يكون عندك موعد في مكة وتعرف أن الوقت المتوسط للذهاب إلى مكة مثلاً 50 دقيقة فلا تقل: سآخذ الطريق في 30 دقيقة، لا يا أخي اجعل في الوقت احتياط قل: 60 دقيقة أو أكثر من ساعة حتى تستطيع الوصول على الموعد، فلو عرض لك عارض مثلاً لو حصل شيء فتأخرت لأجله يكون هناك احتياط، والاحتياط والتهيئة أيضاً تعتمد على الجانب التالي:
د - الاستعداد بالبدائل:
إذا ذهبت فلم تجد أصحاب الموعد أو وجدتهم من المتخلفين، أو كنت مخطئاً في الموعد، أو اضطررت للانتظار فكن متهيئاً بأن يكون معك أوراقك أو كتابك أو شيئاً تنجزه أو عملاً تقوم به حتى لا يحصل لك بعض السلبيات من التطبيق للأعمال المطلوبة في الموعد، مما سبق ذكره من الاحتياط أيضاً أن لا تأتي قبل الموعد بقليل وأنت مرهق أو متعب وتقول: سأنام قليلاً ثم أستيقظ؟ وأنت تعرف نفسك أن نومك أقرب إلى الموت من النوم، كما يحصل لبعض الناس أحياناً ينام - وما شاء الله، تبارك الله - لا يستيقظ، وهذا يحصل طبعاً، وبعد ذلك طبعاً يقول ليس في النوم: تفريط، وهو صحيح لكنه لم يأخذ الاحتياط، أو إذا نام يضبط الساعة، أو يذكر من معه في موعد متصلاً به، أو أن يمر عليه أو نحو ذلك، لأن بعض الناس ليس عنده أي احتياطات ولا أي استعدادات، طبعاً أي ظرف عارض بك له مواعيده وأوقاته عرضة للتخلف أو التأخر أو القطع أو غير ذلك مما سبق أن ذكرناه.
هـ - العزم والحزم:
العزم والحزم وهو نقطة قد أشرنا إليها، فلا بد أن يكون الإنسان ذو عزم وجد وحزم مع الناس، فلا يقبل أن يعوِّد الناس أن لا يأتوا إليه إلا في موعد، الإسلام علمنا النظام فلماذا نريد أن نكون فوضويين، بعضهم - كما قلت - يغضب إذا جاء إليك وقلت: أنك مشغول أو أنك على موعد - يا أخي - لم تحرق نفسك، وتأتي بغير موعد؟ لم لا تنظم وقتك ووقت الآخرين فتساعد نفسك على إنجاز الأعمال، وتساعد إخوانك على إنجاز أعمالهم؟.
و - معرفة طاقة النفس وإمكانياتها:
وهذا مهم جداًº لأن بعض الناس يحتاج منه الآخرين وقتاً ليساعدهم في العمل فيعطيهم موعداً، وآخر يريد أن يشاركه في مهمة فيعطيه موعد، ويعطي هذا موعد وهذا موعد، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فيتعذر عليه الإتيان بكل هذه المواعيد، فيأتي لبعض المواعيد وهو لم يستعد لها، ويأتي وقت ذلك العمل وهو لم يعد له، وعلى هذا ينبغي أن يعرف الإنسان نفسه، ويعرف طاقته، ويجعل هذا الأمر منسجماً مع الحقيقة الواقعية، وكذلك عنده حقوق أخرى فعنده حقوق لأهله، وحقوق لأبنائه، وحقوق لعمله، وحقوق أخرى، فينبغي أن لا يحمل نفسه فوق طاقتها فلا يستطيع أن يبدئ لا لهذا ولا بذاك، فلا هو الذي أخذ قليلاً ينجزه، ولا هو الذي أخذ كثيراً وأنجز، بل لا يدرك هذا ولا ذاك.
ز - الثبات على المبدأ:
يحدث أن يكون هناك أناس مثاليين في مسألة الوفاء بالموعد ولكن يتأثرون من حال الناس، فيقول مثلاً: إذا كانوا يتخلفون لماذا أنا أحرص على الحضور المبكر، وإذا فشل العمل في أول مرة ثم لم ينجح في المرة الثانية، فلماذا أحرص على نجاح هذا العمل والوفاء بالموعد في المرة الثالثة؟
أخي لا تكن كذلك بل اثبت على المبدأ فأنت تفي لأن الوفاء لازم، وأنت تأتي بوقتك لأن هذا هو الذي يليق بالمسلم، وأنت تعد وتهيء لأن هذا الذي ينبغي أن يكون من العامل المسلم الجاد، فلا تكن متخاذلاً بل اثبت على هذا.
ح - ترتيب الأولويات:
حتى إذا رتبت الأولويات ينبغي أن يكون هناك تريب لأولويات الأعمال التي تقوم بها في المواعيد التي تحرص على حضورها، فزيارة الإنسان للمريض عشر دقائق أو ربع ساعة لها وقتها، لا يزور مريض ويعتبرها قضية مهمة ويريد أن يمكث عنده أربعة أيام، هذا خلل ويضطره بعد ذلك إلى أنه لا يمكن أن يكون معه وفاء بالمواعيد والالتزامات، ولذلك لا بد أن يرتب الأولويات وينسق بين أعماله حتى يستطيع أن يفي بهذه الأمور مع اجتماعها.
ط - الالتزام والإنجاز:
أريد أن أبين هنا أن من العلاج أن تلتزم الموعد وتنجز فيه، لماذا؟ لأنك إذا التزمت الوعد وأنجزت العمل ستشعر بالراحة وستتفرغ لعمل آخر، لكن الموعد الذي اتفقت عليه لتنجز عملاً ثم لم تنجزه وعدنا مرة أخرى فزحمنا موعدنا الذي لم ننجز فيه ما نريد مع مواعيد لأوقات أخرى وأعمال أخرى ثم عدنا مرة ثالثة ورابعة ونستمر في عمل ممكن أن ننجزه في لقائين أو ثلاثة فننجزه في ستة أو سبعة مواعيد فستزيد قائمة مواعدنا وأعمالنا دون حاجة، إنما إذا التزمنا وأنجزنا فسيتفرغ وقتنا لمنجزات ومواعيد أخرى ممكن أن نؤدي فيها أعمالاً أخرى.
ي - التنظيم للمهمات والأعمال بالأوقات والمتطلبات:
عكس النقطة التي ذكرناها فإذا كان يوفّر ويعد كل شيء، وينجز كل شيء، فينجز في الوقت القصير ويؤدي العمل المطلوب، وهذا طبعاً أمر مهم جداً.
ك - التجانس مع العمل والعاملين:
لا بد أن تكون هذه المهمة أو هذا العمل شيء يعني تتجانس معه وتنسجم معه حتى تستطيع أدائه.
هذه بعض الأساليب العامة - وكما قلت - ربما يكون هناك تفصيلات يعني تطبيقية كثيرة، لكن هذه أصول مهمة، وأعتقد أن هذه المشكلة مما تكثر الشكوى منها كثيراً، وما دفعني للحديث في هذا الموضوع إلا إلحاح أحد الفضلاء الذي يحضر معنا هذا اللقاءº فإنه كان دائماً يشكو من عدم التزام الآخرين بالموعد وطلب ورغب أن يطرح هذا المـوضوع، وتوعد إن لم نف بوعد إنجاز الموضوع أن يعده هو لكن لعلنا في هذه العجالة ألمـمنا به.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد