قال الله - تعالى -: {لا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَفرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبٌّونَ أَن يُحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا فَلا تَحسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ, مِنَ العَذَابِ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 188].
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: إن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: {لا يَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَفرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبٌّونَ أَن يُحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا}[31].
25- ظهور الرعب عليهم عند ذكر القتال في آيات الله - تعالى -:
قال الله - تعالى -: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَولا نُزِّلَت سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَت سُورَةٌ مُحكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا القِتَالُ رَأَيتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيكَ نَظَرَ المَغشِيِّ عَلَيهِ مِنَ المَوتِ فَأَولَى لَهُم} [محمد: 20].
26- يعيبون العمل الصالح ويرضون ويسخطون لحظوظ أنفسهم:
قال الله - تعالى -: {وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِن أُعطُوا مِنهَا رَضُوا وَإِن لَم يُعطَوا مِنهَا إِذَا هُم يَسخَطُونَ} [التوبة: 58].
قال ابن كثير: \"يقول - تعالى -: {وَمِنهُم} أي: ومن المنافقين {مَن يَلمِزُكَ} أي: يعيب عليك {فِي} قسم {الصَّدَقَاتِ} إذا فرقتها، ويتهمك في ذلك، وهم المتّهمون المأبونون، وهم مع هذا لا ينكرون للدين، وإنما ينكرون لحظ أنفسهمº ولهذا إن أعطوا من الزكاة {رَضُوا وَإِن لَم يُعطَوا مِنهَا إِذَا هُم يَسخَطُونَ} أي: يغضبون لأنفسهم\"[32].
27- يكرهون الجهاد والاستشهاد في سبيل الله - تعالى -:
قال الله - تعالى -: {وَلِيَعلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُم تَعَالَوا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادفَعُوا قَالُوا لَو نَعلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعنَاكُم هُم لِلكُفرِ يَومَئِذٍ, أَقرَبُ مِنهُم لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفوَاهِهِم مَا لَيسَ فِي قُلُوبِهِم وَاللَّهُ أَعلَمُ بِمَا يَكتُمُونَ} [آل عمران: 167].
قال الطبري: \"يعني - تعالى - ذكره بذلك عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق وأصحابَه الذين رجعوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه، حين سار نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين بأحد لقتالهم، فقال لهم المسلمون: تعالوا قاتلوا المشركين معنا، أو ادفعوا بتكثيركم سوادنا، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لسِرنا معكم إليهم، ولكُنّا معكم عليهم، ولكن لا نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتال، فأبدَوا من نفاق أنفسهم ما كانوا يكتمونه، وأبدوا بألسنتهم بقولهم: {لَو نَعلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعنَاكُم} غير ما كانوا يكتمونه ويخفونه من عداوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل الإيمان به\"[33].
28- يسخرون من العمل القليل من المؤمنين:
قال الله - تعالى -: {الَّذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهدَهُم فَيَسخَرُونَ مِنهُم سَخِرَ اللَّهُ مِنهُم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79].
عن أبي مسعود - رضي الله عنه -، قال: لما أمرنا بالصدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاء، فنزلت: {الَّذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهدَهُم...}[34].
قال ابن كثير: \"وهذا أيضا من صفات المنافقين، لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا: هذا مُراءٍ,، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغني عن صدقته\"[35].
29- الرضا بأسافل المواضع:
قال الله - تعالى -: {وَإِذَا أُنزِلَت سُورَةٌ أَن آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ استَأذَنَكَ أُولُوا الطَّولِ مِنهُم وَقَالُوا ذَرنَا نَكُن مَعَ القَاعِدِينَ} [التوبة: 86].
قال ابن كثير: \"يقول - تعالى - منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه مع القدرة عليه ووجود السعة والطول، واستأذنوا الرسول في القعود، وقالوا: {ذَرنَا نَكُن مَعَ القَاعِدِينَ}، ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء وهن الخوالف، بعد خروج الجيش، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس، وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلاما، كما قال - تعالى - عنهم في الآية الأخرى: {فَإِذَا جَاء ?لخَوفُ رَأَيتَهُم يَنظُرُونَ إِلَيكَ تَدورُ أَعيُنُهُم كَ?لَّذِى يُغشَى? عَلَيهِ مِنَ ?لمَوتِ فَإِذَا ذَهَبَ ?لخَوفُ سَلَقُوكُم بِأَلسِنَةٍ, حِدَادٍ,} [الأحزاب: 19] أي: علت ألسنتهم بالكلام الحادّ القوي في الأمن، وفي الحرب أجبن شيء\"[36].
30- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل ونسيان الله - تعالى -:
قال الله - تعالى -: {المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].
قال ابن كثير: \"يقول - تعالى - منكرا على المنافقين الذين هم على خلاف صفات المؤمنين، ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كان هؤلاء {يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم} أي: عن الإنفاق في سبيل الله{نَسُوا اللَّهَ} أي: نسوا ذكر الله {فَنَسِيَهُم} أي: عاملهم معاملة من نسيهم، كقوله - تعالى -: {وَقِيلَ ?ليَومَ نَنسَاكُم كَمَا نَسِيتُم لِقَاء يَومِكُم هَـ?ذَا}. {إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ} أي: الخارجون عن طريق الحق الداخلون في طريق الضلالة\"[37].
وقال ابن القيم: \"هم جنس بعضه يشبه بعضا، يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه، وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه، ويبخلون بالمال في سبيل الله ومرضاته أن ينفقوه، كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه، وكم كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه، فاسمعوا أيها المؤمنون: {المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ}\"[38].
31- الفرح بالتخلف وكره الجهاد والتواصي بالتخلف عنه:
قال الله - تعالى -: {فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقعَدِهِم خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الحَرِّ قُل نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدٌّ حَرًّا لَو كَانُوا يَفقَهُونَ} [التوبة: 81].
قال ابن كثير: \"يقول - تعالى - ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وفرحوا بقعودهم بعد خروجه، {وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا} معه {بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا} أي: بعضهم لبعض {لا تَنفِرُوا فِي الحَرِّ}º وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر عند طيب الظلال والثمارº فلهذا قالوا: لا تنفروا في الحرّ، قال الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - {قُل} لهم {نَارُ جَهَنَّمَ} التي تصيرون إليها بمخالفتكم {أَشَدٌّ حَرًّا} مما فررتم منه من الحر، بل أشدّ حرّا من النار\"[39].
32- التخذيل والتثبيط والإرجاف:
قال الله - تعالى -: {وَإِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُورًا % وَإِذ قَالَت طَائِفَةٌ مِنهُم يَا أَهلَ يَثرِبَ لا مُقَامَ لَكُم فَارجِعُوا وَيَستَأذِنُ فَرِيقٌ مِنهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَورَةٌ وَمَا هِيَ بِعَورَةٍ, إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا} [الأحزاب: 12-13].
33- البطء عن المؤمنين:
قال الله - تعالى -: {وَإِنَّ مِنكُم لَمَن لَيُبَطِّئَنَّ فَإِن أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَالَ قَد أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذ لَم أَكُن مَعَهُم شَهِيدًا} [النساء: 72].
قال الطبري: \"وهذا نعت من الله - تعالى - ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: {وَإِنَّ مِنكُم} أيها المؤمنون، يعني: من عدادكم وقومكم، ومن يتشبه بكم، ويظهر أنه من أهل دعوتكم وملتكم، وهو منافق يبطِّئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم، وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم، {فَإِن أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ} يقول: فإن أصابتكم هزيمة أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم {قَالَ قَد أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذ لَم أَكُن مَعَهُم شَهِيدًا} فيصيبني جراح أو ألم أو قتل، وسرّه تخلّفه عنكم شماتةً بكمº لأنه من أهل الشكّ في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله من الأجر والثواب وفي وعيده، فهو غير راج ثوابا، ولا خائف عقابا\"[40].
34- لا ينفعهم القرآن بل يزيدهم رجسًا إلى رجسهم:
قال الله - تعالى -: {وَإِذَا مَا أُنزِلَت سُورَةٌ فَمِنهُم مَن يَقُولُ أَيٌّكُم زَادَتهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتهُم إِيمَانًا وَهُم يَستَبشِرُونَ % وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتهُم رِجسًا إِلَى رِجسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ} [التوبة: 124-125].
35 - العودة إلى ما نهوا عنه والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول:
قال الله - تعالى -: {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنهُ وَيَتَنَاجَونَ بِالإثمِ وَالعُدوَانِ وَمَعصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوكَ بِمَا لَم يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِم لَولا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسبُهُم جَهَنَّمُ يَصلَونَهَا فَبِئسَ المَصِيرُ} [المجادلة: 8].
36- الاستئذان عن الجهاد بحجة الفتنة:
قال الله - تعالى -: {وَمِنهُم مَن يَقُولُ ائذَن لِي وَلا تَفتِنِّي أَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ} [التوبة: 49].
قال ابن كثير: \"يقول - تعالى -: ومن المنافقين من يقول لك يا محمد: {ائذَن لِي} في القعود {وَلا تَفتِنِّي} بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم، قال الله - تعالى -: {أَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا} أي: قد سقطوا في الفتنة بقولهم هذا\"[41].
37- اتخاذ الأعذار عند التخلف:
قال الله - تعالى -: {يَعتَذِرُونَ إِلَيكُم إِذَا رَجَعتُم إِلَيهِم قُل لا تَعتَذِرُوا لَن نُؤمِنَ لَكُم قَد نَبَّأَنَا اللَّهُ مِن أَخبَارِكُم وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدٌّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ} [التوبة: 94].
قال ابن كثير: \"أخبر - تعالى - عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم {قُل لا تَعتَذِرُوا لَن نُؤمِنَ لَكُم} أي: لن نصدقكم، {قَد نَبَّأَنَا اللَّهُ مِن أَخبَارِكُم} أي: قد أعلمنا الله أحوالكم، {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ} أي: سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا، {ثُمَّ تُرَدٌّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ} أي: فيخبركم بأعمالكم، خيرها وشرها، ويجزيكم عليها\"[42].
38- الاستخفاء من الناس:
قال الله - تعالى -: {يَستَخفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَستَخفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرضَى مِنَ القَولِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء: 108].
قال ابن كثير: \"هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناسº لئلا ينكروا عليهم، ويجاهرون الله بهاº لأنه مطّلع على سرائرهم، وعالم بما في ضمائرهم، ولهذا قال: {وَهُوَ مَعَهُم إِذ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرضَى مِنَ القَولِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطًا} تهديد لهم ووعيد\"[43].
39- يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا:
قال الله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ} [النور: 19].
40- الفرح بما يصيب المؤمنين من ضراء والاستياء بما يمكّن الله لهم:
قال الله - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُم لا يَألُونَكُم خَبَالاً وَدٌّوا مَا عَنِتٌّم قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ قَد بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِن كُنتُم تَعقِلُونَ % هَا أَنتُم أُولاءِ تُحِبٌّونَهُم وَلا يُحِبٌّونَكُم وَتُؤمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُم قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوا عَضٌّوا عَلَيكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيظِ قُل مُوتُوا بِغَيظِكُم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصٌّدُورِ % إِن تَمسَسكُم حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكُم سَيِّئَةٌ يَفرَحُوا بِهَا وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرٌّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 118-120].
قال ابن كثير: \"يقول تبارك و- تعالى - ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة، أي: يطلعونهم على سرائرهم، وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا أي: يسعون في مخالفتهم، وما يضرّهم بكل ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودّون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشقّ عليهم\"[44].
وقال ابن القيم: \"إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم ذلك وغمّهم، وإن أصابهم ابتلاء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم، وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم، ولا يستوي من موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون، {إِن تُصِبكَ حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَد أَخَذنَا أَمرَنَا مِن قَبلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُم فَرِحُونَ % قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ?للَّهُ لَنَا هُوَ مَولَـ?نَا وَعَلَى ?للَّهِ فَليَتَوَكَّلِ ?لمُؤمِنُونَ} [التوبة: 50، 51]\"[45].
وقال الله - تعالى -: {إِن تُصِبكَ حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَد أَخَذنَا أَمرَنَا مِن قَبلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُم فَرِحُونَ} [التوبة: 50].
قال ابن كثير: \"يعلم تبارك و- تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بعداوة هؤلاء لهº لأنه مهما أصابه من حسنة أي: فتح ونصر وظفر على الأعداء مما يسرّه ويسرّ أصحابه ساءهم ذلك، {وَإِن تُصِبكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَد أَخَذنَا أَمرَنَا مِن قَبلُ} أي: قد احترزنا من متابعته من قبل هذا {وَيَتَوَلَّوا وَهُم فَرِحُونَ}\"[46].
41- إذا اؤتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر:
قال الله - تعالى -: {وَمِنهُم مَن عَاهَدَ اللَّهَ لَئِن آتَانَا مِن فَضلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ % فَلَمَّا آتَاهُم مِن فَضلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضُونَ % فَأَعقَبَهُم نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِم إِلَى يَومِ يَلقَونَهُ بِمَا أَخلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة: 75-77].
قال ابن كثير: \"يقول - تعالى -: ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله، وليكوننّ من الصالحين، فما وفَّى بما قال، ولا صدق فيما ادعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقوا الله - عز وجل - يوم القيامة، عياذا الله من ذلك\"[47].
وقال الله - تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤمِنِينَ} [البقرة: 8].
قال ابن القيم: \"لبسوا ثياب أهل الإيمان، على قلوب أهل الزيغ والخسران والغل والكفران، فالظواهر ظواهر الأنصار، والبواطن قد تحيزت إلى الكفار، فألسنتهم ألسنة المسالمين، وقلوبهم قلوب المحاربين، ويقولون: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤمِنِينَ}\"[48].
وقال الله - تعالى -: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ} [البقرة: 9].
قال ابن القيم: \"رأس مالهم الخديعة والمكر، وبضاعتهم الكذب والخثر، وعندهم العقل المعيشي أن الفريقين عنهم راضون، وهم بينهم آمنون، {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ}\"[49].
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))[50].
قال النووي: \"هذا الحديث مما عدّه جماعة من العلماء مشكِلا من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدّق الذي ليس فيه شك... فإن إخوة يوسف - صلى الله عليه وسلم - جمعوا هذه الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كلّه، وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله - تعالى - إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه، فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار: إن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلّق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حقّ من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلّدين في الدرك الأسفل من النار.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كان منافقا خالصا)) معناه: شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال. قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلا فيه، وهذا هو المختار في معنى الحديث\"[51].
42- تأخير الصلاة عن وقتها:
عن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه قال: أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلينا، فلمّا انصرفنا قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا))[52].
قال ابن القيم: \"يؤخّرون الصلاة عن وقتها الأوّل إلى شرق الموتى[53]، فالصبح عند طلوع الشمس، والعصر عند الغروب، وينقرونها نقرَ الغراب إذ هي صلاة الأبدان لا صلاة القلوب، ويلتفتون فيها التفات الثعلب إذ يتيقّن أنّه مطرود مطلوب\"[54].
43- التخلف عن الصلاة في جماعة المسلمين:
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (من سرّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سننَ الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)[55].
قال الشٌّمُنِّي: \"ليس المراد بالمنافق ها هنا من يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وإلا لكانت الجماعة فريضةº لأن من يبطن الكفر كافر، ولكان آخر الكلام مناقضًا لأوله\"[56].
44- البذاء والبيان:
عن أبي أمامة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الحياء والعِيّ شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق))[57].
قال الترمذي: \"والعِيّ قلّة الكلام، والبذاء هو الفحش في الكلام، والبيان هو كثرة الكلام، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيوسّعون في الكلام، ويتفصّحون فيه، من مدح الناس فيما لا يُرضي الله\".
قال المناوي: \"والعِي أي: سكون اللسان تحرّزا عن الوقوع في البهتان لا عيّ القلب ولا عيّ العمل ولا عيّ اللسان لخلل. ((شعبتان من شعب الإيمان)) أي: أثران من آثاره، بمعنى أن المؤمن يحمله الإيمان على الحياء، فيترك القبائح حياء من الله، ويمنعه من الاجتراء على الكلام شفقا من عثر اللسان والوقيعة في البهتان. والبذاء هو ضدّ الحياء وقيل: فحش الكلام والبيان، أي: فصاحة اللسان، والمراد به هنا ما يكون فيه إثم من الفصاحة كهجو أو مدح بغير حقّ. شعبتان من النفاق بمعنى أنهما خصلتان منشؤهما النفاق، والبيان المذكور هو التعمّق في النطق والتفاصح وإظهار التقدّم فيه على الغير تيها وعجبا كما تقرر. قال القاضي: لما كان الإيمان باعثا على الحياء والتحفظ في الكلام والاحتياط فيه عدّ من الإيمان، وما يخالفهما من النفاق، وعليه فالمراد بالعيّ ما يكون بسبب التأمل في المقال والتحرز عن الوبال لا لخلل في اللسان، والبيان ما يكون بسببه الاجتراء وعدم المبالاة بالطغيان والتحرز عن الزور والبهتان. وقال الطيبي: إنما قوبل العي في الكلام مطلقا بالبيان الذي هو التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الناس مبالغة لذم البيان وأن هذه مضرة بالإيمان مضرّةَ ذلك البيان\"[58].
وقال ابن القيم: \"وجملة أمرهم أنهم في المسلمين كالزغل في النقود، يروج على أكثر الناس لعدم بصيرتهم بالنقد، ويعرف حاله الناقد البصير من الناس، وقليل ما هم. وليس على الأديان أضرّ من هذا الضرب من الناس، وإنما تفسد الأديان من قِبلهم، ولهذا جَلَّى الله أمرهم في القرآن، وأوضح أوصافهم، وبيّن أحوالهم، وكرّر ذكرهمº لشدة المؤنة على الأمّة بهم وعِظم البلية عليهم بوجودهم بين أظهرهم، وفرط حاجتهم إلى معرفتهم والتحرّز من مشابهتهم والإصغاء إليهم، فكم قطعوا على السالكين إلى الله طريق الهدى، وسلكوا بهم سبل الردى، وعَدُوهم ومنّوهم، ولكن وعدوهم الغرور، ومنّوهم الويل والثبور\"[59].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[31] أخرجه البخاري في التفسير، باب: قوله: {لاَ يَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَفرِحُونَ بِمَا أَتَوا} (4567)، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم (2777).
[32] تفسير القرآن العظيم (2/377).
[33] جامع البيان (4/167).
[34] أخرجه البخاري في التفسير، باب: قوله: {الَّذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ...} (14668)، ومسلم في الزكاة (1018).
[35] تفسير القرآن العظيم (2/389).
[36] تفسير القرآن العظيم (2/394).
[37] تفسير القرآن العظيم (2/382).
[38] مدارج السالكين (1/382).
[39] تفسير القرآن العظيم (2/391).
[40] جامع البيان (5/165).
[41] تفسير القرآن العظيم (2/376).
[42] تفسير القرآن العظيم (2/397).
[43] تفسير القرآن العظيم (1/565).
[44] تفسير القرآن العظيم (1/406).
[45] مدارج السالكين (1/385).
[46] تفسير القرآن العظيم (2/376).
[47] تفسير القرآن العظيم (2/388).
[48] مدارج السالكين (1/378).
[49] مدارج السالكين (1/379).
[50] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: علامة المنافق (34)، ومسلم في الإيمان (58).
[51] شرح صحيح مسلم (2/46-47).
[52] أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (622).
[53] قال في القاموس (1158): \"شرقت الشمس: ضعف ضوؤها أو دنت للغروب. وأضافه $ إلى الموتى فقال: ((يؤخرون الصلاة إلى شرق الموتى)) لأن ضوءها عند ذلك الوقت ساقط على المقابر، أو أراد أنهم يصلّونها ولم يبق من النهار إلا بقدر ما يبقى من نفس المحتضر إذا شرق بريقه\".
[54] مدارج السالكين (1/384).
[55] أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (654).
[56] ينظر: عون المعبود (2/179).
[57] أخرجه أحمد (5/269)، والترمذي في البر والصلة، باب: ما جاء في العي (2027)، والبيهقي في الشعب (7706)، قال الترمذي: \"هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف \"، وصححه الحاكم (1/51)، والألباني في صحيح الترمذي (1650).
[58] فيض القدير (3/428).
[59] طريق الهجرتين (719).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد